هل الإسلام مُسالِماً مع الجميع دائماً؟
سبتمبر 8, 2024لكنّ النجوم لا تموت (مرثية عاشق)
سبتمبر 8, 2024بقلم أ. بادية شكاط (كاتبة جزائرية)
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله، وبعد:
يقول علي عزت بيغوفيتش في كتابه (الإعلان الإسلامي): “إن الدعم الحقيقي الذى يمنحه الشعب المسلم لأيّ نظام في السلطة ستجده دائماً يتناسب تناسبًا طرديًّا مع مقدار ما يتمتع به النظام من طابع إسلامي، فكلما ابتعد نظام الحكم عن الإسلام قلّ دعم الشعب له، وهكذا تبقى الأنظمة المعادية للإسلام محرومة تماماً من أي دعم شعبي، ومن ثم تجدُ نفسها طوعاً أو كرهاً مجبورة على البحث عن هذا الدعم لدى القوى الأجنبية، ولذلك فإن التبعية التي تغرق فيها هذه الأنظمة هي نتيجة مباشرة لتوجهاتها اللا إسلامية”.
وهذا بالضبط ما حصل في بنجلاديش، هذه القطعة الجغرافية الضيقة التي اتسعت لأكثر من مائة وخمسة مليون نسمة، ورغم أنها سابع كثافة سكانية في العالم إلا أنها حكمتها امرأة تكنّ العداء الكبير للإسلام والمسلمين، تدعى “الشيخة حسينة واجد”وهي عاشر رئيس وزراء لبنجلاديش، وقد شغلت المنصب من يونيو 1996 حتى يوليو 2001، ثم مرة أخرى من يناير 2009 حتى 5 أغسطس 2024، حيث ورثت المنصب عن والدها الشيخ مجيب الرحمن، أول رئيس وزراء لبنجلاديش بعد انفصالها عن باكستان التي كانت في مواجهة مع الهند، فحكمت بقبضة من حديد وباستبداد شديد، فلم تكن ترى في شعبها إلا خصمًا لها، وروت بدمائهم جذور سلطانها، فقمعت الأصوات المعارضة وأعدمت أكبر الزعماء المسلمين؛ كمساعد الأمين العام لحزب الجماعة الإسلامية في بنجلاديش (محمد قمر الزمان) بتهمة الخيانة والإرهاب، ظلماً وتلفيقاً كعادة الأنظمة العربية الاستبدادية. وجعلت الشعب بجميع مستوياته ونخبه تحت خط البؤس.
أما القشة التي قصمت ظهر البعير فهي أنها سنّت قانونًا يسمح لثلاثين في المائة من الوظائف الحكومية والخاصة، تكون لأبناء وأقارب العاملين في الجيش، فانفجر الوضع دون أن ينبئها بكل ذلك أي خبير، أو يسبقها إلى ذلك نذير، فخرج للتظاهر آلاف من الطلبة لأكثر من شهر، ولم يكن أمامها إلا أن أخرجت جيوشها لتقتل المئات بدم بارد، وحين عرفت أن الملايين قادمين كطوفان جارف إلى القصر الحكومي فرّت بطائرة مروحية إلى الهند التي خدمتها بإخلاص لتجد عندها الخلاص.
ثم ظهر بعد يومين من فرارها قائد الجيش الذي قتل متظاهرين سلميين، طالبًا أن يسلمه الشعب ثقته، وفرصة أخرى ليحاول تجميع الأحزاب.
غير أن الذي ينبغي تثمينه في الثورة البنجلاديشية والمختلف عن بقية الثورات العربية، هو أنها لم تتوقف عند استقالة أو إسقاط الشيخة حسينة، حيث عصفت الثورة بالمؤسسات الأمنية والعسكرية في بنجلاديش بموجة غير مسبوقة من التغيير منذ نحو عقدين، فتم تغيير نحو ثلاثين ضابطاً مسؤولاً في المؤسسة الشرطية، على رأسهم رئيس الفرع الخاص بالشرطة، وهو من أهم الوحدات، وصولاً إلى المفتش العام للشرطة، ومفوض شرطة (دكا) الذي أحيل إلى التقاعد.
وشملت التغييرات أيضاً مدير قوات التدخل السريع، ومدير معهد الجيش للعلوم والتكنولوجيا، ومديري الكلية والأكاديمية العسكريتين، والإدارة العامة للمخابرات العسكرية، وإدارة مخابرات الأمن الوطني، ومدير قوات الأنصار والدفاع الريفي، حيث يصل عدد عناصرها الفاعلين والاحتياط فيها إلى ستة ملايين عنصر وتتبع وزارة الداخلية،كما قال نظم الإسلام مساعد المفتش العام للشرطة البنجلاديشية لشؤون الصحة والرعاية والتقاعد بأنه قد شُكلت لجنة لإعادة تقديم الشرطة للمواطنين بزي رسمي وشعارين جديدين “بسبب تزايد عدم الثقة بين الناس تجاه الشرطة”، وستكون هذه اللجنة برئاسة محمد عطاء الكبرياء نائب المفتش العام للشرطة البنجلاديشية، كما أقر محمد معين الإسلام المفتش العام الجديد للشرطة الذي عُيّن قبل أيام بأن الكثير من عناصر الشرطة قتلوا وجرحوا وعذبوا بسبب “بعض الضباط غير المهنيين والمفرطين في طموحهم”، وأنهم “خرجوا عن قواعد الشرطة المهنية وانتهكوا حقوق الإنسان”، مضيفاً أنه بسببهم حدث هذا العنف وسقط كل أولئك الضحايا، ووعد معين الإسلام بالتحقيق في كل حادثة قتل، معتذراً من المواطنين عن تقصير الشرطة وعدم أدائها مسؤولياتها خلال الحراك الطلابي “المنطقي” -كما وصفه- ضد التمييز.
كما أن طوفان التغيير الطلابي وصل إلى ملاحقة رجال النظام السابق إلى القضاء، إلى أن تمكنوا من إجبار قاضي القضاة على الاستقالة، ليكون سيد رفعت أحمد قاضي القضاة الجديد، مستلمًا رئاسة محكمة التمييز وهي أعلى محاكم البلاد، الذي أكد على نهاية “عهد القمع”، وحذر القضاة من الوقوع في الأخطاء مجدداً، حسب تعبيره.
فأملنا أن تستفيد هذه الثورة من أخطاء الثورات العربية السابقة، فكما يقول ماوتسي تونغ مؤسس الصين الشعبية: “مَن قام بنصف ثورة كمن حفر قبره بيده”.
فمعضلتنا الحقيقية هي مع هذه الحكومات التي أصبحنا نمتلك معها قابلية للاستبداد والدمار كما كنا مع غيرها نمتلك قابلية للاستعمار، فالإصلاح الحقيقي برأينا الذي ينبغي أن تنشده نخبنا ليس هو الإصلاح الذي يدور في فلك حكامنا، فذاك كمن يريد أن يتعلق بجذع شجرة اجتثّت من فوق الأرض ولا قرار لها؛ فهذه النظم جعلت شعوب الأمة الإسلامية مشدودة الأطراف بين ماضيها وحاضرها، بين أصيلها ودخيلها، وبين قلة متحكمة تدعي الديموقراطية وغالبية محكومة بالديكتاتورية، بين نظم بملامح الاستقلال وروح من روح الاحتلال.
وفي الوقت الذي تعتقد فيه شعوب الأمة الإسلامية المعاصرة أن أزماتها قُطرية، فإنها تغفل أنها أمة واحدة وعدوها واحد، فلا جدوى من تحقيق بنجلاديش مثلاً الحكم السياسي الذي تريده إذا بقيت سيادتها الخارجية خاضعة لأمريكا أو روسيا أو غيرهما.
إننا نريد شعوبًا تفهم أنه قد آن الأوان للقيادة مع الريادة، ولا مجال لعلاقات دولية نمدها مع دول تقودنا وتبسط تاريخها الدموي على جغرافية العالم الإسلامي باسم الحرب الدولية على الإرهاب، ثم نجد من جديد أنفسنا معهم نرفع راية كاذبة خاطئة هي راية الحوار بين الحضارات التي مهّدت للتطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب، فنمد أيادي السلام البيضاء إلى الأيادي الملطخة بالدماء، ونعلن العداء للمقاومة الإسلامية (حماس)!
فالفاعلية الإصلاحية -كما نراها- ينبغي أن تقوم عوالمها في ثلاث دوائر:
1. الدائرة الأولى: عالم الأفكار
بتجميع أفكار العقول والنخب الفكرية الإسلامية، بعدم التعتيم على كل من له سهم بالفكر والقلم ليشرق في سماوات بعيدة، دون أن توصد أمامه أي باب، أو يوضع دون تميزه أي حجاب.
2. الدائرة الثانية: عالم التنظيمات والمؤسسات
بتنظيمها.. فنجمع الحشود التي تسير كالسيل الهادر فتضغط على أي سياسات دولية فوقية تبقينا في مرحلة الغثائية والاستضعاف.
3. الدائرة الثالثة: عالم التفاعلات
بتفعيلهامن خلال تطبيق قوله عز وجل في الآية الكريمة: ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ﴾. [الشورى: 13].
وذلك على وجهين:
أولاً: هو إقامة هذا الدين، فأن نكون عالمين بديننا غير مقيمين لديننا هو تحزب مع حزب الشيطان الرجيم الذي عرف صراط الله المستقيم ورغم ذلك قال ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الأعراف: 16].
ثانيًا: عدم الفرقة بين المسلمين أثناء إقامة هذا الدين؛ فالعجب كل العجب أن يفهم البعض بأنه حتى لا تكون التفرقة بين المسلمين ينبغي أن نسد باب الاجتهاد، فأغلقوا لأجل ذلك دون التغيير كل باب، ونعتوا المجتهد بصاحب الفتنة، وإن كان هذا التغيير لا يفسد عليهم عقيدتهم ولا يذهب بشريعتهم، فأصابوا من حيث لم يحتسبوا العقول بالخمول والفكر الإسلامي بالذبول، وفرّقوا من حيث أرادوا أن يجمعوا.. فأن نختلف في الوسائل والغاية واحدة لهو الأحرى من أن نتوحد في الوسيلة ونحن بلا أية غاية، فطريق التمكين –برأينا- يحتاج إلى فهم راسخ للمبادئ قبل الغايات، مع حكمة وحسن تدبير. وإلا بقينا نهيم في جغرافيا لنا رسموها وصفحات في التاريخ لنا كتبوها.