الموت في سبيل الله أقصى أمانينا
سبتمبر 1, 2024هل بعد الابتلاء نصر؟
سبتمبر 5, 2024بقلم الشيخ د. سفر الحوالي (فكّ الله أسره)
وهكـذا جاء نور الدين فـابتهجت ** في السهل عرس وفي الأبراج أحضان
أتى إلى حلب الشهبـاء ينقذهـا ** إذ كان لطخها بالرفض رضوان
وجـاء بالسنـة الغـراء يبعثهـا ** هداً لكفر العبيديين إذ خانوا
خمسون حصناً بحد السيف حررها ** وكلها بالعلوج الشقر ملآن
قـد عاهـد الله أيمانـاً مغلظـة ** وهو الصدوق وإن لم تعط أيمان
ألا يُرى ساعة في الدهـر مبتسمـاً ** ولا يقر لـه حال ولا شان
مادام في حـوزة الكفـار مسلمـة ** يسومها الفحش دعار ومجان
ولا يظللـه سقـف ولا كـنف ** ما قام للسيف إعمال وإثخان
ما نال من بيت مـال المسلمين يداً ** وإنما رزقه بالوقف دكان
وزوجه تنسـج الأستـار صـائمةً ** نهارَها وهي للإفطار أثمان
دار الحديث بناهـا فـهي سـامقة ** والعلم أس وباقي الأمر بنيان
ألغى المكوس وأقصى من تـأولهـا ** والسحت مهما طغى غبن وخسران
والعدل والنصر مصفودان في قـرن ** ومنتهى الظلم إدبار وخذلان
شـر الملوك الذي يختـان أمتـه ** في رزقها فهو مكاس ومنان
قـل للمرائي بلا جهد ولا نـصب ** أقصر لُعنت فخير منك قزمان
وحسب محمود الأواب مفخـرة ** أن الرسول أتاه وهو نعسان
وقال: شأنـك والعلجيـن إنهمـا ** راما أذاي كما يندس ثعبان
فجاء طيبة يحدو العيس جاهـدة ** وأحبط المكر فوراً وهو غيران
وحاط أطهر رمسٍ من قـواعـده ** فالردم من آنك والقطر أركان
تباً لـروما فقد شابت ذرى أحدٍ ** لمكرها واقشعرت منه لبنان
واعجب وإن شئت قل لي كله عجب ** لمنبر صاغه تقوى وإيمان
عشرون عاماً ونور الدين يحملـه ** وللمهندس تجديد وإتقان
من العراق إلى الأعماق يصحبه ** وما رقاه -على الإطلاق- سحبان
والجيش يسأل هذا مـا يـراد به؟ ** إذ جاز في الشرع للإحسان إعلان
وإنمـا كان نـذراً لا يبـوح بـه ** للقدس، أواه هل للقدس جيران
قد رام أمراً فكان الموت سـابـقه ** ونية الخير بالإنجاز صنوان
وهذه الأمـة العصماء مـا شهدت ** إلا بحق وفي الأخبار تبيان
باسم الشهيد لـنور الدين قد لهجت ** وللكرامات في الأرواح وجدان
ومن أتى الله بالإخـلاص أورثـه ** لسان صدق وعقبى الذكر رضوان
مرحى فهذا صلاح الدين ينجـزه ** نعم الخليفة للإسلام معوان
أقام حطين في التاريخ ملحمـة ** يشدو بها في فضاء الدهر أكوان
يا فارس القدس أرض الفتح تُقْطِعُها ** وما لنفسك مثل الجند بستان؟
كم مات من هو أدنى منك مملكـة ** وكنـزه العين أحمال وأطنان
وأنت ترحل لا كنـز ولا نـشب ** ولا عقار ولا قصر ولا خان
المال كالعمر في درب الجهاد مضى ** فيء ووقف وأنفال وسلبان
نفسي فداء يمين منك قـد فـلقت ** بالسيف “أرناط” والمنذور عطشان
لو افتدى بكنوز الأرض مـا قُبلت ** إن نال عرض رسول الله فتان
أسرت أقيـال أوروبا وتعتقهـم ** فشأنك الدهر غلاب ومنان
أخلاقكم هـزمتهم قـبل رايتكـم ** فهل تزكى بريطان و ألمان
لا يُبعد الله عكا إنها شهدت ** أن الوفاء مع الأنذال خسران؟
إذا قدرنا فـإن الصفـح شيمتنـا ** وهم إذا قدروا غدر وختلان
وحيثما لاح في أرجـائها ذهـب ** أو أبصروا النفط فالقديس قرصان
“غورو” و”ريموند” و”اللنبي” وصاحبـه ** كلٌّ على الغي سفاح وخوان
قوم تراهم وحوش الحرب ما غلبوا ** وهم إذا عجزوا للسلم حملان
ألا تراهم وقـد قـامت قيامتهـم ** لما تطلع للإسلام بلقان
خاطوا الأحابيل باسم السلم واجتمعت ** رغم العداوات أحلاف وأديان
لا دين للغـرب إلا حـرب ملتنـا ** وما عدا ذاك لا تسأل بما دانوا
يأبى السلاح ويعطي القوت تعميـة ** فالقوم صنفان جزار وتبان
وهيئة الأمم النكـراء مسرحهـم ** ومن وراء خيال الظل أرسان
ونحن نشكو إلى الجزار خـادمـه ** كيلا يقال ” أصوليون” “أفغان”!!
الشام أكثـر أرض الله معرفـة ** بغدرهم إذ غزاها منه غزوان
ومثلهم ما تغشى الشام من محن ** لما تجبر هولاكو وقازان
وأقبل الجحفل الجـرار مـن تـتر ** كأنما أُشعلت في الأرض نيران
ولم تر الشام من يحمي محارمهـا ** بل فر بالخزي نواب وسلطان
فقام بالأمر حبـر الدهـر أجمعـه ** دمشق مَدْرَجُهُ والأم حرَّان
قام ابن تيمية في نصر ملتنا ** كصاحب الغار والردات ألوان
ما شاءت الشام من سيف ومن قلم ** ما يشتهي المجد مغوار وميزان
الجهبذ البـارع الماضـي مـهنده ** لمنهج الوحي حفاظ وصوان
الفلسفات تهـاوت عند صولتـه ** كما تهاوى أمام الضيغم الضان
وحطـم المنطق المفتـون ناظـره ** وكل ما أسست للشرك يونان
وللنصـارى صراخ عند جولتـه ** وللروافض نوَّاح وأنَّان
وللتصوف أرصاد مسننة ** مثل الشهاب إذا ما ند شيطان
إذا تأنـق في المنقـول مـجتهـد ** وإن تعمق في المعقول ربان
كم جاء من بعده في العلم من علم ** فلم يقاربه فيما رام إنسان
والكل من بحره الزخـار مغـترف ** تفيض منه الروايا وهو ملآن
“درء التعارض” و”المنهاج” شاهدة ** وفي “الجواب” أعاجيب وبرهان
وفي الفتاوى كنوز طاب معدنها ** وفي “البيان” على التعطيل بركان
وفهمـه فـي كتاب الله معجـزة ** تحيّر العقل تأويل وتبيان
والفقه بالحجـة البيضـاء حـرره ** فقولـه الفصل والمعيار قبّان
مـاذا تُعدِّد مـن جُلَّـى مناقبـه ** وهل يقوم لموج البحر حسبان
وهكذا الشام ما شاخت ولا عقمت ** إذا تدفق بالإسلام شريان
عهدي بها وعرى التوحيد تجمعهـا ** وشأنها اليوم أحزاب وأديان
فللـنصارى حكومات وألـويـة ** وللـقرامطة الأنتان سلطان
وللـدروز بـروز في محافلهـا ** وللـروافض نواب وأعيان
أما اليهود فقـل عنهم ولا حـرج ** الدهر يعجب والتاريخ سكران
لولا حجارة أرض الطهر ما عرفوا ** طعم العقاب ولا أصغوا ولا هانوا
ثـارت تزمـجر والتكبير يرفعهـا ** وهز نخوتها قهر وعدوان
هَبْ الحكومات بالإرهاب تخنقهـا ** أليس في صمتنا للرفض عنوان
ربائب الروم بـالقومية استتـروا ** خانوا الشعوب وهم لله خوان
يشكون بالذل مما سامهم “نـتـن” ** وهم من الأصل أعيار وأنتان
كم أضجر الناس عهد الشجب كم لعنوا ** أبواق من نددوا باللفظ أو دانوا
وللبيانـات أسـجـاع مـكـررة ** يقيء منها على الإعلام أذهان
ثم انتكسنا فلا شجب ولا أمـل فـي ** الشجب فالأمر تهويد وإذعان
أستغفـر الله بـل شجب وولولـة ** إذا تخبط “رابين” و”كاهان”
وأصبح الهيكل المـوهوم كـعبتهـم ** وشيكل النحس للبترول أثمان
والبعث لا بعث بل خسف ومهلكـة ** بئس الشعارات إلحاد وكفران
الكفـر محكمـة التفتيش تحرسـه ** والناس صنفان ثوار وثيران
قامت على نحلـة التثليث دعوتهـم ** فللأقانيم أشكال وألوان
سـودٌ خيانتهـم حمـرٌ جنايتهـم ** وحسبهم أن إحداها “حزيران”
فروا وهم في ذرى الجولان -يا عجباً- ** من اليهود وهم في السهل ما بانوا
وأعلنوا أنهـا في يومهـا سقطت ** والساقطون هم الحكام إذ خانوا
لم يسكتوا وضباب الرعب يغمرهم ** عند النـزال ولاهم للحمى صانوا
وللعمائـم تطبيـل وبـهـرجـة ** يغار إبليس منها وهو فتان
وربما أخَّر الدجال مخرجه ** إذ لا مكان لـه والقوم جيران
أهذه الشام أم عيناك زائغة ** وربما زاغ طرف وهو يقظان
وشْيٌ بديـع كسونـاه حضارتنـا ** كيف انطوى فهو أطمار وخلقان
فانفض يديك من الدنيـا وزينتهـا ** فإنما هي أطياف وأطيان
واتل الرثـاء على الأطـلال مفتتحاً ** (لكل شيء إذا ما تم نقصان))
مهما غلا الدمع فالمأساة تـرخصـه ** أو لم تجد فاستدن فالصب يدّان
أهـل الصبابـة دعواهـم مُزَوَّقـة ** لولا المدامع ما بروا ولا مانوا
واعجب لنا كيف صار الضيم يجمعنا ** فنحن في القيد أقران وإخوان
وانظر إلى مـوطن الأبدال مـرتهناً ** يلهو بمغناه دجال وزفان
يقول يـارب هـذا الليل أثقلنـي ** فهل لـه آخر بالفجر مزدان
وهـل إلى رمـق بالبشـر مـعتنق ** يزفه مورد بالعز ريان
أو تنقضي هـذه الأحشـاء ذاويـة ** وتنضب الروح والمشتاق ولهان
لا، ليس لليأس درب في مشاعرنـا ** مهما تناوب للأرزاء حدثان
بقية السيف بالأبطـال مـمرعـة ** والثأر جرح فإعصار فطوفان
وللبطـولـة عشـق لا يـبـدده ** وصل ولا يعتريه الدهر سلوان
وللعـقيـدة آســـاد مشمـرة ** لكن تكنفها قهر وطغيان
هم الأحبـة إن زاروا وإن هجـروا ** هم الأخلاء إن حلوا وإن بانوا
أرض البطولات يا أسـمى معاقلنـا ** إذا ألـمَّ بدين الله عدوان
ذات القرون إذا حانت مـلاحمهـا ** ففي رحابك فسطاط وميدان
نجوز تيه الفيافـي كـي ننازلهـا ** ونمتطي البحر نصواً وهو هيجان
ونركب الخيل عريا وهي حانقـة ** وللمنايا كلاليب وأشطان
نقارع الموت والأهـوال محدقـة ** ونعتلي الريح والأجواء نيران
أتعجبيـن لأن الكفـر أوثقنــا ** حيناً وقد شهدت بالنصر أحيان
أم تجزعيـن لأن الظلـم فـرقنـا ** أللمشاعر حراس وخزان؟!
هذي الحدود رماح في محاجـرنـا ** فليزعموا أن هذا القلب أوطان
من وقعوا “سايكس بيكو” وإخوتها ** متى اعترفنا بهم؟! هل نحن قطعان
الحمـد لله حبـل الله يـجمعنـا ** فلا تفرقنا قيس وقحطان
أم تعتبين فبعض الصفـح موجـدة ** للمستهام وبعض العتب غفران
والله لا نستقيل الحب مـا برحـت ** منا على البعد أكباد وأجفان
فليكتب الأرز ولتملل ضمـائـرنـا ** ما شئت من موثق وليشهد البان
ـــــــــــــــ
* د. سفر الحوالي، من قصيدة: ملحمة الشام، موقع إلكتروني: طريق الإسلام، 2013م.