
قصيدة ملحمة الشام (4/4)
سبتمبر 3, 2024
هنيئًا لك الشهادة يا هنيّة
سبتمبر 5, 2024بقلم د. عبد المحسن الأحمد (فكّ الله أسره)
عرفنا أن الابتلاء لا بدّ منه والسؤال هنا: هل بعد الابتلاء نصر؟
الله سبحانه وتعالى وعده لا يخلف، قال الله عز وجل ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا﴾ [غافر: ٥١] هذا وعد في الحياة الدنيا هنا، ﴿وَیَوۡمَ یَقُومُ ٱلۡأَشۡهَـٰدُ﴾ [غافر: ٥٢]. فوعَدك بنصرَين، لا يصح أن تقول “مات” عمّن نصر دين الله ومات، الذي يموت بسرطان أو في حادث تقول إنه “مات”، لكن الذي يموت في سبيل الله انتبه أن تقول “مات”، الله سبحانه وتعالى يقول لك: لا تقل!
سمّهم قتيلاً أو شهيداً؛ لكن لا تقل: “مات”؛ لأن كلامك غلط وتصبح كاذباً؛ فقد قلت كلاماً خطأ، الله سبحانه وتعالى يقول في سورة البقرة: ﴿وَلَا تَقُولُوا۟ لِمَن یُقۡتَلُ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ أَمۡوَ ٰتُ﴾ [البقرة: ١٥٤] ﴿بَلۡ أَحۡیَاۤءࣱ﴾.
لكن أنا أراه الآن بين دمائه وجسده أشلاء! ﴿وَلَـٰكِن لَّا تَشۡعُرُونَ﴾.. الحياة له ليست لك، فكيف تشعر بها؟ لا يشعر بها إلا المؤمن الذي دخل الإيمان قلبه.
يقول أحدهم: والله لن أقولها مرة أخرى إذا رأيتُ شهيداً، لكن يأتي في عقلي أحياناً فأظن أنه مات.. ظنّ فقط.
هنا يقول الله عز وجل لك: ﴿وَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِینَ قُتِلُوا۟﴾ [آل عمران: ١٦٩]، انتبه.. حتى الظن لا تظن، أو تفكر بينك وبين نفسك، القرآن يضبط حتى تفكيرك ﴿وَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِینَ قُتِلُوا۟ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ أَمۡوَ ٰتَۢاۚ بَلۡ أَحۡیَاۤءٌ عِندَ رَبِّهِمۡ یُرۡزَقُونَ﴾ [آل عمران: ١٦٩].
إذن.. كيف انتصَر هذا الشهيد؟
يجب أن ينتصر في الدنيا والآخرة، صحيح؟
اصبر.. الآن اُنظر أين هو وستعرف هل انتصر أو لا؟
﴿بَلْ أَحْيَاءٌ﴾.. يا الله! سبحانك جل جلالك.. ﴿عِندَ رَبِّهِمْ﴾..
أنت أين ستنام اليوم؟ عند أهلك، أما هو فعند ربه.
أنت ماذا تأكل اليوم؟ هو طعامه اليوم عند ربي ﴿عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾.
أنت كيف وضعك الآن؟ فَرِح وسعيد في حياتك؟ أم عندك هَم وغم!
أما هو -الذي تبكي عليه وتقول إنه مات- “فَرِحِينَ”، أنت لما تقول عن شخص “سعيد” غير ربي عندما يقول يقول إنه فَرِح! شتّان بين جواره وجواري، لأن مالك الملك العليم الذي يعلم ما في الصدور لما يقول عن أحد إنه فَرِح فهو الفَرح حقاً.. لا إله إلا أنت سبحانك.
فرحين بماذا؟
﴿بِمَا آتَاهُمُ اللهُ﴾.. يخبر الله أنه أعطاه عطاء فرِح به ﴿فَرِحِینَ بِمَاۤ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ وَیَسۡتَبۡشِرُونَ بِٱلَّذِینَ لَمۡ یَلۡحَقُوا۟ بِهِم﴾ [آل عمران: ١٧٠]. يقول: يا ليت قومي يعلمون، يا ليت من يبكي عليّ يعرف أين أنا الآن وما هي مشاعري، ﴿فَرِحِینَ بِمَاۤ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ وَیَسۡتَبۡشِرُونَ بِٱلَّذِینَ لَمۡ یَلۡحَقُوا۟ بِهِم مِّنۡ خَلۡفِهِمۡ أَلَّا خَوۡفٌ عَلَیۡهِمۡ وَلَا هُمۡ یَحۡزَنُونَ﴾ [آل عمران: ١٧٠].
“يَسْتَبْشِرُونَ“.. مرة أخرى يستبشرون وفرحين، ومَن الذي يصفهم؟! ﴿یَسۡتَبۡشِرُونَ بِنِعۡمَةࣲ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلࣲ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا یُضِیعُ أَجۡرَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ﴾ [آل عمران: ١٧١]. كل ما فعله المؤمن وبذله في سبيل الله، وصبّره على الابتلاء هذا الإيمان، لن يضيّع اللهُ أجر أصغر عمل عمله.
وإذا سألنا من هو المؤمن الصادق؟ يقول الله تعالى: ﴿ٱلَّذِینَ ٱسۡتَجَابُوا۟ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ﴾ [آل عمران: ١٧٢].
هل كان الموضوع بكل سهولة؟
لا، بل ﴿مِنۢ بَعۡدِ مَاۤ أَصَابَهُمُ ٱلۡقَرۡحُۚ﴾.. ابتُلي، لم تأتِه على طبق من ذهب. ﴿لِلَّذِینَ أَحۡسَنُوا۟ مِنۡهُمۡ وَٱتَّقَوۡا۟ أَجۡرٌ عَظِیمٌ﴾ [آل عمران: ١٧٢].
ثم ما الذي يخيف الناس غالباً؟ ﴿ٱلَّذِینَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدۡ جَمَعُوا۟ لَكُمۡ فَٱخۡشَوۡهُمۡ﴾ [آل عمران: ١٧٣].
انظر أمريكا وروسيا وإيران، عندهم قوة وسيفعلون بكم… إلخ، فالمؤمن أمامه صفقة عنده فيها أحد أمرين، إمّا يكسب أو يكسب! هذا فقط في القرآن ﴿قُلۡ هَلۡ تَرَبَّصُونَ بِنَاۤ إِلَّاۤ إِحۡدَى ٱلۡحُسۡنَیَیۡنِۖ﴾ [التوبة: ٥٢]. إما أن أنتصر عليك في الدنيا وإما أن أُقتل وأحيا حياة ثانية مختلفة عن حياتكم.
إنها العقيدة.. ولماذا سميت عقيدة؟ لأنها معقودة بالقلب، والمعقود في القلب غير قابل أن يطفو على السطح ويُناقَش مرة أخرى، لهذا الله سبحانه وتعالى لمّا تكلم عن عقيدة الإنسان في الرزق قال جلّ في علاه: ﴿وَفِی ٱلۡأَرۡضِ ءَایَـٰتࣱ لِّلۡمُوقِنِینَ * وَفِیۤ أَنفُسِكُمۡۚ أَفَلَا تُبۡصِرُونَ * وَفِی ٱلسَّمَاۤءِ رِزۡقُكُمۡ وَمَا تُوعَدُونَ﴾ [الذاريات: ٢٠-٢٢]، رزقك ليس بيد أحد، لا يستطيع أحد توقيع ورقة إلا بأمر الله، فلا تذل نفسك لغير الله، قدّم وحرك الجوارح، لكن سكون القلب عقيدة، أن رزقي ليس بيد فلان، ماذا قال الله سبحانه وتعالى بعدها؟ ﴿فَوَرَبِّ ٱلسَّمَاۤءِ وَٱلۡأَرۡضِ إِنَّهُۥ لَحَقࣱّ مِّثۡلَ مَاۤ أَنَّكُمۡ تَنطِقُونَ﴾ [الذاريات: ٢٣]، أنت تشك أنك تنطق؟ لا، إذن لماذا لمّا قالوا سنقطع رزقك ما استطعت أن تنام الليل؟ الأولى أن تضحك من ذلك مثل ثقتك أنك تنطق! فالعقيدة إذا عُقدت غير قابلة للنقاش.
لهذا الله سبحانه وتعالى قال: ﴿إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ﴾ قنابل تُقذف عليهم من فوق ﴿وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ﴾ ألغام ﴿وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ﴾ قنّاص من هنا وقنّاص من هناك، الواحد يخاف وهو في البيت وفي السيارة ﴿وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ﴾ بدأ النقاش يرتفع ويفكر: لو أتتني طلقة!
لو كان موتك اليوم ستموت سواء بطلقة أو أنت ببيتك بسكتة قلبية.. إذا كان هذا يومك.
فهناك ناس تمشي بهذه العقيدة، نعم آخذ حذري وأُعدّ لهم ما استطعت من قوة، لكن لا يخيفني هؤلاء، فقال الله: ﴿وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا﴾، اهتزت العقيدة ﴿هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ لم يقُل سبحانه “ابتلي الناس” لأن بعضهم سيسقط عنه القناع سريعاً.
وهذا من الحكمة، لماذا لا ينصر الله الدين مباشرة سبحانه وتعالى؟
لأن الآن الصف مليء بشتى الأصناف، معك منافق لا امتُحن ولا مُحص، وهو ضدك أساساً، منافق لا يحب إلا الغرب ولا يريد تطبيق الشريعة، لو انتصر الدين الآن قام معك المنافقون كلهم، لهذا الله سبحانه وتعالى قال: ﴿هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا﴾، هنا يخرج المنافق، أما لو انتصروا مباشرة سيكون معهم المنافقون، الله سبحانه وتعالى في النهاية أرسل ريحاً وجنوداً لم تروها وهزم الكافرين لم يقتلهم أحد، لكن لو انتصروا من البداية؟
فلابد من البلاء ليظهر المنافقون من المؤمنين.
ــــــــــــــــ
* المقال مقتبس من محاضرة (متى النصر)، موقع إلكتروني: الشيخ عبد المحسن بن محمد الأحمد، 2018م، تحرير: مجلة أنصار النبي.