الإسلام والعلاقات الدولية (2/2)
سبتمبر 10, 2024هكذا أصبحنا جميعاً يتامى! (2/2)
سبتمبر 11, 2024بقلم د. محي الدين الألوائي (رحمه الله)
إن للبحث عن الإسلام والمسلمين في الهند جانبين مستقلين يختلف كل منهما عن الآخر، فبينما يتناول الجانب الأول دخول الإسلام فيها كدعوة وفكرة، والجهود التي بذلها الدعاة المسلمون في سبيل نشرها في أوساط الأمة الهندية بطريق الموعظة والإرشاد والقدوة الحسنة، يتناول الجانب الآخر الفتوحات العسكرية التي قام بها بعض الملوك والحكام المسلمين وحكمهم فيها. وأما الجانب الإسلامي كدعوة خالصة وفكرة محضة فهو أعمق أثراً في تاريخ الإسلام والمسلمين في شبه القارة الهندية وأوسع نطاقاً من حيث البحث العلمي.
ولمعرفة مدى انتشار الدعوة الإسلامية في شبه القارة، بالمقارنة إلى الدعوات الأخرى التي وردت إليها من الخارج أو نشأت في تربتها، يجب علينا أن نذكر النقاط التالية:
الأولى:
إن صوت الإسلام دخل إلى شبه القارة الهندية عقب ظهوره في جزيرة العرب بأيدي دعاة من المسلمين العرب والهنود، الذين تشبعوا بروح الإسلام السمح، وبذلوا جهوداً فرديةً في سبيل نشر دين الله المتين في كل بقعة نزلوا فيها، وبدأت هذه الجهود في سواحل الهند الغربية الجنوبية قبل الفتح الإسلامي الأول الذي قام به محمد بن القاسم الثقفي في شمال شبه القارة الهندية. وكان العرب هم طليعة هؤلاء الدعاة الذين أناروا الطريق لنشر الدعوة الإسلامية في أرض الهند، حيث وجدت أرضاً خصبةً لتنمو وتترعرع، فتفتحت زهورها في أرجائها وأثمرت ثمارها اليانعة في جو من الحرية والسلام، وكان رائدهم في ذلك قوله تعالى: ﴿ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِیلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِۖ ﴾ [النحل: ١٢٥].
الثانية:
أن أول فتح إسلامي قد استتب في مناطق السند الواقعة على شاطئ الهند الشمالي الغربي بيد محمد بن القاسم الثقفي في عهد الدولة الأموية – كما سنذكره بالتفصيل۱ في نحو عام ۹۱ من الهجرة، وقامت بذلك أول دولة عربية إسلامية في شبه القارة الهندية. ومما لا شك فيه أن لهذا الفتح أثراً في انتشار دعوة الإسلام في أعماق البلاد الهندية لأن وجود دولة عربية في أرض السند كان بمثابة حافز جديد للدعاة المسلمين من العرب والهنود، ولكن هذه الدولة كانت منحصرة في مناطق السند، وتوقفت الفتوحات فيها تماماً بعد أن تغير خليفة الدولة الأموية وقُتل محمد بن القاسم، ثم تقلص نفوذ الدولة العباسية على هذا الجزء من الدولة العربية بضَعف دولة الخلافة واستقلال بعض أمرائها بالحكم.
الثالثة:
وظلت الهند بعيدة عن أي غزو أو فتح عسكري من الخارج، إلى أن وجّه محمود الغزنوي أولى حملاته إلى شبه القارة الهندية عبر حدودها الشمالية الغربية، وذلك في سنة ۳۹۲ هجرية- ۱۰۰۱ ميلادية، وتابع حملاته وانتصاراته في أرض الهند حتى أقام فيها دولة غزنويةً تضم جزءاً كبيراً من غربي شبه القارة الهندية وشمالها وجنوب غربيها. وتعتبر هذه الدولة الغزنوية أولى دول المسلمين غير العرب في الهند. ثم تتابعت على حكم الهند دول للمسلمين العجم2 واحدة بعد أخرى؛ من الغوريين والمماليك، ثم التيموريين أو المغول، فكان عهد الدولة المغولية التي دامت من ۹۳۲ هجرية- ١٥٢٦ ميلادية إلى ۱۲۷۳ هجرية- ١٨٥٢ ميلادية أزهى عصور حكم المسلمين في شبه القارة الهندية، وبلغت قوتها واتساعها جميع أنحاء البلاد، وشهدت في عهدها حضارة من أزهى الحضارات الإسلامية التي عرفها التاريخ.
وكانت الهند في عهد حكم المسلمين تصنع التاريخ في الابتكارات والفنون والعلوم، حتى صارت يُضرب بها المثل في مجد حضارة الأمة الإسلامية وقوتها؛ كما قال الشاعر :
لا تَسَلْ أين ابتكار المسلمين ** فَسَلِ الحمراء3 واشهَدْ حُسن تاج4
دولة سار ملوك العالمين ** نحوها طوعاً يؤدون الخراج
وقد بلغ مدى مجد المسلمين وحكامهم في شبه القارة الهندية إلى الحد الذي ظل فيه مندوب ملك إنجلترا جيمس الأول أكثر من سنتين في الهند، يحاول مقابلة الإمبراطور المسلم “جهانكير”، فلم يظفر بما يريد، فتضرع أن يأخذ كتاباً منه يحمله إلى إنجلترا، فردّ عليه الوزير الأول قائلاً: “إنه مما لا يناسب قدر ملك مثلي مسلم أن يكتب كتاباً إلى سيد جزيرة صغيرة، يسكنها صيادون بائسون”5.
وكان هذا في أوائل القرن السابع عشر بعدما تأسست الشركة الإنجليزية لتباشر تجارتها في الهند والبلاد الشرقية. وقد بَلَغَ حُكم المسلمين للهند أوجه بعد ذلك في عهد الإمبراطور “أورانجازيب” الذي وحّد الهند كلها تقريباً تحت حكمه. وهكذا أصبح شبه القارة الهندية كلها خاضعاً للحكام المسلمين، وحكموها حكماً متواصلاً ثمانية قرون ونصف القرن وتركوا فيها خلال تلك القرون الطويلة من الآثار والمعالم الخالدة الرائعة للحضارة الإسلامية ما لا تزال الهند تعتز به كأعظم أثر تاريخي إنساني يفتخر به أي بلد في العالم.
الرابعة:
بقي الأمر على ذلك إلى أن استولى الإنجليز على الهند بعد أن دخلوها كتجار حصلوا على امتيازات تجارية من حكام البلاد المسلمين، على أساس كرم الضيافة ورحابة الصدر، ولكنهم أضمروا الشر نحو البلد الذي رحب بهم والشعب الذي أكرمهم، فحاولوا السيطرة على هذا البلد، وبدأوا يبثون سياستهم التقليدية «فرّق تسُد» بين حكام البلاد بعضهم بعضاً، وبين مختلف طوائف أمتها الكبيرة، فاستطاعوا بمكرهم وحيلهم، وبسبب التفتت الذي سرى في صفوف الحكام والوهن الذي تسرب إلى قلوب الوطنيين، الاستيلاء على البلاد كلها، ففقد المسلمون حكمهم فيها وتعرضوا لاضطهاد هؤلاء الإنجليز، المستعمرين سياسياً واقتصادياً وثقافياً، وتعرضت الدعوة الإسلامية أيضاً لمحاولتهم القضاء عليها، كما قضوا فعلاً على حكم المسلمين. وأصبحت الهند كلها خاضعة للحكم البريطاني. واستمرت هذه الحالة إلى منتصف القرن العشرين حيث استعادت حريتها كاملة غير منقوصة عام ١٩٤٧ ميلادي، وقامت فيها دولتان مستقلتان، الهند وباكستان.
والذي يُفهم من هذا البيان أن تاريخ الدعوة الإسلامية في الهند قد مرّ عليه حتى الآن أربعة عشر قرناً من الزمن، بينما مر ثلاثة عشر قرناً على قيام أول دولة عربية في السند، وظلت الهند كلها تحت حكم المسلمين أكثر من ثمانية قرون ونصف القرن، أي من قيام الدولة الغزنوية في سنة ٣٩٢هـ – ١٠٠١م إلى سنة ١٢٧٤هـ – ١٨٥٧م. ثم استمر حكم الإنجليز التام الشامل على شبه القارة الهندية لمدة قرن من الزمان.
وطوال هذه الفترات الممتدة من تاريخ الإسلام والمسلمين في الهند لم تقُم هيئة أو منظمة تستهدف نشر الدعوة الإسلامية وتبليغها حسب خطة مرسومة ومنهج مدروس، بل وتعرضت الدعوة ودعاتها لاضطهادات جمة من جانب الحكام الإنجليز. ومما هو جدير بالذكر، مع الأسف الشديد، أن بعض الحكام المسلمين المستبدين أيضاً وضعوا العراقيل أمام الدعاة المصلحين، كما سنشير إليه فيما بعد.
ومن بواعث الدهشة والإعجاب للعقول العادية -إن صح هذا التعبير – فإن الدعوة الإسلامية قد فاقت في انتشارها في أوساط الشعب الهندي -برغم هذا كله- جميع الدعوات الأخرى، وتركت ملامح واضحة عديدة تشير إلى هذا المدى الواسع الذي حققته في شبه القارة الهندية كلها.
وكانت شبه القارة الهندية وقت استقلالها من حكم الإنجليز سنة ١٩٤٧ ميلادية أولى دول العالم في عدد المسلمين، حيث كانت تضم أكثر من مائة وعشرين مليون مسلم. ثم قام تقسيم شبه القارة إلى دولتين -الهند وباكستان- فصارت الهند دولةً مستقلةً ذات أغلبية هندوسية وأقلية مسلمة، وباكستان دولة مستقلة ذات أغلبية مسلمة وأقلية هندوسية، وقد بلغ عدد المسلمين في باكستان -وقت التقسيم- نحو ثمانين مليوناً وعدد المسلمين في الهند نحو أربعين مليوناً6.
واليوم تعتبر الهند وحدها ثانية دول العالم في عدد المسلمين حيث تضم أكبر جالية إسلامية، بعد أندونيسيا. وهم يشكلون أكبر طائفة في الهند بعد طائفة الهندوكية، ومن ثم لا تزال الهند جزءاً حياً هاماً من جسم العالم الإسلامي الكبير الواسع الذي يربط بين أجزائه رباط وثيق من الرابطة الروحية والأخوّة الإسلامية.
فإذا ألقينا نظرة على شبه القارة الهندية الباكستانية فلا نجد فيها، مع اتساع رقعتها وتعدد مقاطعاتها ومناخها، بقعة إلا ودخلها صوت الإسلام ووطئتها أقدام الدعاة وظلت الدعوة الإسلامية متمكنة في هذا البلد المترامي الأطراف، على رغم تقلبات الزمن وتطورات العصر، ولم تستطع التيارات الخارجية أو الداخلية أن تحّد من تقدمها وتطورها، كما لم تفلح المحاولات العديدة التي بذلها مناهضو الدعوة الإسلامية لمنع استمرارها واستقرارها.
مدى انتشار الدعوة الإسلامية في شبه القارة الهندية
ويمكن لنا أن نلخص الملامح الجوهرية لمدى انتشار الدعوة الإسلامية في شبه القارة في النواحي الآتية :
۱ -سرعة وصول صوت الإسلام إلى جميع المناطق الساحلية من أرض الهند عقب انبثاقه في جزيرة العرب، والترحيب الحار الذي لقيه الدعاة المسلمون من حكام الهند وشعبها، مما ساعد على إنشاء المساجد، ومراكز الثقافة الإسلامية، بل وساعد على قيام أول أسرة مالكة مسلمة في «مليبار»، هذا قبل عهد فتوحات المسلمين وقيام دولهم في الهند، كما أشرنا إليه من قبل7.
۲ -ازدياد عدد المسلمين بطريقة ملحوظة حتى أصبحت شبه القارة الهندية أولى دول العالم في عدد المسلمين.
3- انتشار مراكز الثقافة الإسلامية والعربية في أرجائها، ولا تزال هذه المراكز تتدفق حماساً ونشاطاً للمحافظة على مكانة مسلمي الهند في نشر الدعوة الإسلامية وتطويرها، والتي ورثوها منذ أن استنارت الهند بنورها عقب انبثاق فجرها، وتحمسوا لخدمتها بعيدين عن مآرب الحكم السياسي أو الفتح العسكري أو جاه أو مال.
٤- انتشار اللغة العربية وأثرها في اللغات الهندية وآدابها، وكذلك التراث العلمي والإسلامي الخالد لعلماء الهند المسلمين. ويبدو أثر هذا الانتشار في حركة التأليف والنشر باللغة العربية التي قام بها هؤلاء العلماء في فترات التاريخ وفي شتى فروع العلوم الإسلامية والعربية، وكان شعار المسلمين في الهند منذ العهد الأول: الاعتناء باللغة العربية والتمسك بها؛ لكونها لغة القرآن الكريم وعلوم الدين الحنيف، وفضلاً عن أنها كانت من العوامل الرئيسية التي ساعدت على توثيق عرَى التعارف والتفاهم بين الأمتين العظيمتين؛ الهندية والعربية.
وجدير بالذكر أن كثيراً من مؤلفات العلماء الهنود قد تخطت شهرتها حدود الهند، واحتفى بها علماء العرب والعجم واعترفوا لها بالدقة والإتقان وغزارة المادة والنفع العام. ونرى علماء الهند في بعض فترات التاريخ في مقدمة المؤلفين في العلوم الدينية، وانتهت إليهم رئاسة التدريس والتأليف في فنون الحديث وشروحه، وكذلك في السيرة النبوية وحكم التشريع الإسلامي8.
5- انتشار معالم الحضارة الإسلامية في جميع أرجاء الهند المتمثلة في الآلاف المؤلفة من المساجد والقلاع الفخمة التي بناها المسلمون، والتي تنطق بروعة الفنون العربية والإسلامية وبراعتها، ومنها أيضاً آلاف المقابر للمسلمين، وأضرحة أولياء الله الصالحين المنتشرة في جميع أراضيها.
6- أثر الفن العربي الإسلامي؛ فمن أبرز الملامح لنفوذ المسلمين في الهند الأثر الذي تركوه في ميادين الفنون المختلفة، وأما الفن المعماري فهو من أعظم مميزات عهود الحكام المسلمين فيها. ونرى الآن في شتى أنحائها قلاعاً شامخة، ومساجد فخمة، وأبنية ضخمةً، من القصور والأضرحة والمنائر التي تمثل النبوغ الفني العربي الإسلامي. ومن أعظم الآثار التاريخية والمعالم الفنية التي تشرف عليها مصلحة الآثار بحكومة الهند، والتي تجذب أنظار الزوار والسواح من أنحاء العالم هي تلك الآثار الإسلامية ونشير هنا إلى نماذج منها :
- منارة قطب9، بمدينة دلهي عاصمة الجمهورية الهندية، وتعتبر هذه المنارة من أعلى أبراج العالم، فارتفاعها يبلغ ۲۳۸ قدماً، ومحورها من الأسفل ٤٧ قدماً، ومن أعلى ٩ أقدام فقط، وهي مصنوعة من الحجر الأحمر والرخام، والمنارة كانت مكونة من سبع طبقات، ولكن الموجود الآن خمس فقط. وأول من أمر ببنائها السلطان “قطب الدين أيبك” في مستهل القرن الثالث عشر، بعد إتمام بناء مسجده “قوة الإسلام” في عام ١١٩١ ميلادي، وذلك تخليداً لذكرى انتصاره على شمال الهند الغربي، ثم أُكمِلت في عهد السلطان “ألتمش” نحو عام ١٢٢٠ ميلادي. ونُقِش حول كل طابق من المنارة آيات من القرآن الكريم، وبعض مكاتيب السلطان.
وبجوار هذه المنارة توجد الآن بقايا ذلك المسجد الأثري، وكُتب على واجهة هذا المسجد باللغة العربية بحروف بارزة من الحجر: “بسم الله الرحمن الرحيم والله يدعو إلى دار السلام…” ثم كُتب تحتها تاريخ الإنشاء وغيره، وبجانب المسجد تظهر بقايا مبنى مدرسة “قوة الإسلام” الكبيرة الضخمة. ويقول الدكتور محمد عبد العزيز مرزوق10 أستاذ الآثار الإسلامية: “إن قطب الدين أسس مسجد “قوة الإسلام” تخليداً لذكرى استيلائه على دلهي، وهو من أعظم المساجد في العالم، ثم المنار الذي يحمل اسم «منار قطب»، ويعد أفخم بناء من نوعه…”.
- ومنها “القلعة الحمراء”11، فهي البناء الفخم الذي بناه الإمبراطور المسلم المغولي شاهجهان12 في سنة ١٦٣٧ ميلادية، لسكناه في مدينة دلهي بعد أن استقر فيها حكمه ومقامه، ويعدّ من أجمل مباني العالم13. وهي تقع على شاطىء نهر «جمنا» في جهة الشمال الشرقي لمدينة دلهي، وقد أقامت فيها الحكومة الهندية متحفاً تاريخياً يضم آثار الملوك المغول في الهند، وفي فناء هذه القلعة تقيم الحكومة الآن حفلاتها الرسمية في المناسبات الوطنية، وحفلات الاستقبال لكبار الزوار من أنحاء العالم. وفي داخل هذه القلعة مسجد من الرخام الأبيض الخالص ويسمى مسجد “اللؤلؤة”14. وتعتبر القلعة الحمراء ومسجدها “اللؤلؤة” من النماذج الحية لآثار الفن الإسلامي العربي، كما أنها نموذج صادق لمجد المسلمين في الهند.
- ومنها أيضاً “المسجد الجامع” الذي بناه السلطان شاهجهان أمام قلعته المذكورة في سنة ١٠٦٠ هجرية ١٦٦٠ ميلادية، ويقوم هذا المسجد على مرتفع من الأرض عما حوله، وأرضه من المرمر وجدرانه مكسوة بالمرمر كذلك إلى ثلاثة أذرع، وأما منبره فكله من المرمر الأبيض الناصع، ويتجلى على جدرانه وأعمدته الضخمة الفن الإسلامي الرفيع. وإن هذا المسجد الذي يغص بالمصلين كل وقت يعتبر من أفخم الآثار الإسلامية، ويزوره ويصلي فيه كل من يزور الهند من ملوك ورؤساء الدول الإسلامية وكبار المسلمين، وعنيت الحكومة الهندية به، واعتمدت مبالغ كبيرة لرعايته وصيانته، ومن الناحية الشرقية بينه وبين القلعة الحمراء فضاء كبير يمتد مئات الأمتار، وتقام فيها الاحتفالات الشعبية والاستعراضات الرسمية بمناسبة عيد استقلال الهند وغيره.
- وأما «تاج محل» في مدينة (آجرا) بشمالي الهند، فهو نموذج حي للفن الإسلامي الرائع الذي ينطق بالأثر العظيم الذي تركه حكم المسلمين في الهند، وهو ذلك البناء الذي أعده شاهجان ضريحاً لزوجته الوفية “ممتاز محل” المتوفاة سنة ١٠٤٠ هجرية ١٦٣٠ ميلادية، وقد تم بناؤه في ٢٢ سنة، واشترك في بنائه عشرون ألف عامل وصانع، وهو مشيد من المرمر الأبيض الخالص، ومرصع بالأحجار الكريمة، ويقع البناء على شاطئ نهر «جمنا» الممتد من دلهي.
وقد كُتبت على جميع مداخل البناء وجدرانه وجوانبه آيات من القرآن الكريم بالرخام الأسود بالخط الثلث، وأما على واجهة المدخل الرئيسي للضريح وجانبيه فقد كُتبت سورة يس، وعلى الباب الصغير الذي ينفذ منه إلى الداخل سورة التكوير. وفي داخل القبو الكبير يوجد قبران على كل منهما تركيبة جميلة من المرمر الخالص من قطعة واحدة، وكُتب على قبر «ممتاز محل» قوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱلۡأَبۡرَارَ لَفِی نَعِیمٍ * عَلَى ٱلۡأَرَاۤىِٕكِ یَنظُرُونَ…﴾ [المطففين: 22-23].
وهذا وصف مختصر لبعض النماذج من التحفة الفنية العربية الإسلامية الرائعة في فن البناء التي لا يوجد لها نظير في العالم، والتي تنطق بمدى أثر الإسلام والمسلمين في الهند والتي ما تزال الهند والعالم تفتخر بها، وتشيد بمجدها وعظمتها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* محي الدين الألوائي، الدعوة الإسلامية وتطورها في شبه القارة الهندية، رسالة دكتوراه من جامعة الأزهر، ط1، دار القلم/دمشق، 1406هـ، ص297-305.
- في باب (دول المسلمين في شبه القارة الهندية) [من الكتاب].
- انظر لتفاصيل هذه الدول الباب الرابع قسم (۳).
- القلعة الحمراء التاريخية بـ”دلهي” التي بناها الأمبراطور المسلم المغولي شاه جهان في سنة ١٦٣٧م.
- تاج محل -أحد عجائب العالم السبع- في مدينة “آجرا” بالهند، وقد بناه الإمبراطور المذكور في أواخر القرن السابع عشر.
- نقلاً من كتاب: كفاح المسلمين في تحرير الهند، للشيخ عبد المنعم النمر، ص۲۰ (طُبع القاهرة عام ١٣٨٤ – ١٩٦٤).
- انظر ملحوظة ص۱۰ [من الكتاب].
- عند ذكر أول بقعة أشرقت بنور الإسلام في شبه القارة الهندية.
- وسوف نرى بعض التفاصيل عن مساهمة العلماء الهنود في نهضة العلوم الإسلامية والعربية في القسم الرابع من الرسالة إن شاء الله تعالى.
- وهي المعروفة في الهند باسم “قطب مينار” حسب التركيب اللغوي الهندي.
- في كتابه: بين الآثار الإسلامية ص ٥٢ (طبع الإسكندرية ١٣٧٢ هـ – ١٩٥٣ م).
- المعروفة باللغة الهندية باسم “لال قلعة” أي القلعة الحمراء.
- واسمه الحقيقي «خرم» أي مسرور وأما شاهجهان أي “ملك الدنيا” فهو لقب أعطاه له أبوه بعد انتصاراته في بعض الحروب الساخنة.
- انظر كتاب حضارات الهند، لغوستاف لوبون، ص٢٢٤، من الترجمة العربية للأستاذ عادل زعيتر. (طبع مصر سنة ١٩٤٨م).
- ويسمونه بالهندية “موني مسجد”، أي مسجد اللؤلؤة.