خصائص الأسرة في الإسلام (2/2)
سبتمبر 13, 2024كيف ننتصر على (إسرائيل)؟
سبتمبر 14, 2024بقلم الشيخ فيصل بن عبد العزيز المبارك (رحمه الله)
قوله عز وجل: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَكُونُوا۟ كَٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ وَقَالُوا۟ لِإِخۡوَ ٰنِهِمۡ إِذَا ضَرَبُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ أَوۡ كَانُوا۟ غُزࣰّى لَّوۡ كَانُوا۟ عِندَنَا مَا مَاتُوا۟ وَمَا قُتِلُوا۟ لِیَجۡعَلَ ٱللَّهُ ذَ ٰلِكَ حَسۡرَةࣰ فِی قُلُوبِهِمۡۗ وَٱللَّهُ یُحۡیِۦ وَیُمِیتُۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِیرࣱ * وَلَىِٕن قُتِلۡتُمۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ أَوۡ مُتُّمۡ لَمَغۡفِرَةࣱ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَحۡمَةٌ خَیۡرࣱ مِّمَّا یَجۡمَعُونَ * وَلَىِٕن مُّتُّمۡ أَوۡ قُتِلۡتُمۡ لَإِلَى ٱللَّهِ تُحۡشَرُونَ﴾ [آل عمران: 156-158].
قال ابن إسحاق في قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ﴾… الآية: أي: لا تكونوا كالمنافقين الذين ينهون إخوانهم عن الجهاد في سبيل الله، والضرب في الأرض في طاعة الله وطاعة رسوله، ويقولون إذا ماتوا أو قُتلوا ﴿لَو أَطَاعُونا مَا ماتُواْ أو قتلوا ليَجعلَ اللهُ ذلكَ حسرةً في قُلوبِهم﴾ لقلة اليقين بربهم جل ثناؤه: ﴿وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾، أي: يجعل ما يشاء، ويؤخر ما يشاء من آجالهم بقدرته: ﴿وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾، فيجازي كل عامل بعمله.
وقوله تعالى: ﴿وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾، أي: الموت كائن لا بد منه، فموت في سبيل الله أو قتل خير مما يجمعون في الدنيا.
وقوله تعالى: ﴿وَلَئِن مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى الله تُحْشَرُونَ﴾، قال ابن إسحاق: ﴿وَلَئِن مُتّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ﴾، أي: ذلك كان: ﴿لإِلَى الله تُحْشَرُونَ﴾، أي: أن إلى الله المرجع فلا تغرنكم الدنيا ولا تغتروا بها.
قوله عز وجل: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبّ الْمُتَوَكِّلِينَ * إِن يَنصُرْكُمُ اللهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [آل عمران: 159: 160].
قوله: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ﴾: ما مزيدة للتأكيد. قال قتادة: في قوله: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ﴾، يقول: فبرحمة من الله لنت لهم. ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضّواْ مِنْ حَوْلِكَ﴾، أي: والله طهره من الفظاظة والغلظة، وجعله قريبًا رحيمًا بالمؤمنين رؤوفًا. قال ابن عباس: ﴿لاَنفَضّواْ مِنْ حَوْلِكَ﴾، قال: انصرفوا عنك.
وقوله تعالى: ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾، قال ابن إسحاق: ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ﴾، أي: فتجاوز عنهم: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾، ذنوب من قارف من أهل الإِيمان منهم.
وقال قتادة في قوله: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ أمر الله عز وجل نبيه ﷺ أن يشاور أصحابه في الأمور وهو يأتيه وحي السماء، لأنه أطيب لأنفس القوم، وأن القوم إذا شاور بعضهم بعضًا وأرادوا بذلك وجه الله، عزم لهم على أرشده.
وقوله: ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكّلْ عَلَى اللهِ﴾، قال الربيع: أمره الله إن عزم على أمرٍ أن يمضي فيه ويتوكل عليه.
وقوله تعالى: ﴿إِن يَنصُرْكُمُ اللهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾، أي: النصر والخذلان بيده، يعز من يشاء ويذل من يشاء.
قوله عز وجل: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ * أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللهِ كَمَن بَاء بِسَخْطٍ مِّنَ اللهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللهِ واللهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ * لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ﴾ [161-164].
قال ابن عباس: “إن هذه الآية نزلت ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ﴾ في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر قال: فقال بعض الناس: أخذها رسول الله ﷺ. قال: فأكثروا في ذلك، فأنزل الله عز وجل: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾”. وقال الكلبي: “نزلت في غنائم أُحد حين ترك الرماة المركز للغنيمة. وقالوا: نخشى أن يقول النبي ﷺ: من أخذ شيئًا فهو له. وأن لا يقسم الغنائم كما لم يقسمها يوم بدر. فتركوا المركز ووقعوا في الغنائم. فقال لهم النبي ﷺ: “ألم أعهد إليكم أن لا تتركوا المركز حتى يأتيكم أمري“؟ قالوا: تركنا بقية إخواننا وقوفًا. فقال النبي ﷺ: “بل ظننتم أن نغل ولا نقسم“. فأنزل الله تعالى هذه الآية”.
وقوله تعالى: ﴿وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾، أي: سواء كان من الغنيمة أو الصدقة، أو غير ذلك، كما في الحديث الصحيح عن النبي ﷺ: “لا ألفينّ أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل بعيرًا له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر، ينادي: يا محمد يا محمد. فأقول: لا أملك لك من الله شيئًا قد بلّغتك“.
وفي الحديث الآخر: «يا أيها الناس، مَن بعثناه على عمل ففعل شيئًا، جاء يوم القيامة على عنقه يحمله».
وقوله تعالى: ﴿ثُمّ تُوَفَّى كُلُ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾، قال ابن إسحاق: ثم يجزى بكسبه غير مظلوم ولا معتدى عليه.
وقوله تعالى: ﴿أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللهِ كَمَن بَاء بِسَخْطٍ مِّنَ اللهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾، قال الضحاك: وقوله: ﴿أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللهِ﴾ قال: من لم يغل كمن باء بسخط من الله؟ كمن غل؟ وقال ابن إسحاق: يقول: أفمن كان على طاعتي فثوابه الجنة ورضوان من ربه، كمن باء بسخط من الله، فاستوجب غضبه، وكان مأواه جهنم وبئس المصير؟ أسَوَاءٌ المَثَلان؟ أي: فاعرفوا.
وقوله تعالى: ﴿هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللهِ واللهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾، قال ابن عباس: ﴿هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللهِ﴾، يقول: بأعمالهم. ﴿واللهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾، قال ابن إسحاق: يقول: إن الله لا يخفى عليه أهل طاعته من أهل معصيته.
وقوله تعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مّبِينٍ﴾، قال ابن إسحاق: أي: لقد منّ الله عليكم يا أهل الإيمان، إذ بعث فيكم رسولاً من أنفسكم، يتلو عليكم آياته ويزكيكم، فما أخذتم وفيما عملتم، ﴿وَيُعَلِّمُكُمُ﴾ الخير والشر: الخير لتعرفوا فتعملوا به، والشر فتتقوه، ويخبركم برضاه عنكم إذ أطعتموه لتستكثروا من طاعته، وتجتنبوا ما سخط منكم من معصيته، فتخلصوا بذلك من نقمته، وتدركوا بذلك ثوابه من جنته. وإن كنتم من قبل لفي ضلال مبين، أي: في عمى من الجاهلية لا تعرفون حسنة، ولا تستغيثون من سيئة، صم عن الحق، عمي عن الهدى.
قوله عز وجل: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ * وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ * الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [آل عمران: 165-168].
قال قتادة: أصيب المسلمون يوم أحد مصيبة، وكانوا قد أصابوا مثليها يوم بدر، ممن قُتلوا وأُسروا، فقال الله عز وجل: ﴿أَوَلَـمّا أَصَابَتْكُم مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا﴾، وقال عكرمة: قَتل المسلمون من المشركين يوم بدر سبعين وأسروا سبعين، وقتل المشركون يوم أحد من المسلمين سبعين، فذلك قوله: ﴿قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا﴾ إذ نحن مسلمون نقاتل غضبًا لله، وهؤلاء مشركون! ﴿قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ﴾ عقوبة لكم بمعصيتكم النبي ﷺ حين قال ما قال. وقال الحسن: معصيتهم أنه قال لهم: لا تتبعوهم يوم أحد، فاتبعوهم.
وقوله تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ * وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا﴾ قال ابن إسحاق: أي: ما أصابكم حيث التقيتم أنتم وعدوكم، فبإذني كان ذلك حين فعلتم ما فعلتم بعد أن جاءكم نصري وصدقتم، وعدي؛ ليميز بين المنافقين والمؤمنين… ﴿وَلْيَعْلَمَ الّذِينَ نَافَقُواْ﴾، أي: ليظهروا ما فيهم.
وقوله تعالى: ﴿وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ﴾، قال ابن إسحاق: “خرج رسول الله ﷺ إلى أحد في ألف رجل من أصحابه، حتى إذا كانوا بالشوط بين أحد والمدينة، انخزل عنهم عبد الله بن أبيّ بن سلول بثلث الناس، فقال: أطاعهم فخرج وعصاني، والله ما ندري على ما نقتل أنفسنا ها هنا أيها الناس! فرجع بمن اتبعه من الناس من قومه من أهل النفاق وأهل الريب، واتبعهم عبد الله بن عمرو بن حزم أخو بني سلمة يقول: يا قوم أذكّركم الله أن تخذلوا نبيكم وقومكم عندما حضر من عدوكم، فقالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم، ولكنا لا نرى أن يكون قتال، فلما استعصوا عليه، وأبو إلا الانصراف عنهم قال: أبعدكم الله أعداء الله فسيغني الله عنكم. ومضى رسول الله ﷺ“. يقول الله عز وجل: ﴿هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ﴾، أي: يخفون. وقال السدي في قوله: ﴿أَوِ ادْفَعُواْ﴾ يقول: أو كثروا.
وقوله تعالى: ﴿الّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾، قال ابن إسحاق: ﴿الّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ﴾ الذين أصيبوا معكم من عشائرهم وقوهم: لو أطاعونا ما قُتلوا. ﴿قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾، أي: أنه لا بد من الموت، فإن استطعتم أن تدفعوه عن أنفسكم فافعلوا. قال السدي: هم عبد الله بن أبيّ وأصحابه.
قوله عز وجل: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنّ الّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالّذينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَنّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: 169-171].
عن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ: “لما أصيب إخوانكم بأحد، جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش، فلما وجدوا طيب. مشربهم ومأكلهم وحسن مقيلهم. قالوا: يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله بنا، لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عن الحرب. فقال الله عز وجل: أنا أبلغهم عنكم“. فأنزل الله عز وجل على رسوله هؤلاء الآيات». رواه ابن جرير وغيره.
قوله عز وجل: ﴿الذّينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللهِ وَفَضْلٍ لّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنمَا ذَلِكُمُ الشّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُؤْمِنِينَ﴾ [172-175].
قال ابن إسحاق: “كان يوم أحد السبت للنصف من شوال، فلما كان الغد من يوم الأحد لست عشرة ليلة مضت من شوال، أذّن مؤذن رسول الله ﷺ في الناس بطلب العدو، وأذن مؤذن: لا يخرجن معنا أحد إلا من حضر يومنا بالأمس. فكلمه جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام فقال: يا رسول الله إن أبي كان خلفني على أخوات لي سبع وقال لي: يا بني إنه لا ينبغي لي ولا لك أن نترك هؤلاء النسوة لا رجل فيهن، ولست بالذي أوثرك بالجهاد مع رسول الله :ﷺ على نفسي، فتخلف على إخواتك فتخلفت عليهن، فأذن له رسول الله :ﷺ فخرج معه، وإنما خرج رسول الله :ﷺ مرهبًا للعدو، وليبغلهم أنه خرج في طلبهم، ليظنوا به قوة، وأن الذي أصابهم لم يوهنهم عن عدوهم”.
وقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النّاسُ إِنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾، قال قتادة: انطلق رسول الله ﷺ وعصابة من أصحابه بعدما انصرف أبو سفيان وأصحابه من أحد خلفهم، حتى كانوا بذي الحليفة، فجعل الأعراب والناس يأتون عليهم فيقولون: هذا أبو سفيان مائل عليكم بالناس. فقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، فأنزل الله تعالى فيهم: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾.
وقوله تعالى: ﴿فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتّبَعُواْ رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾، قال ابن إسحاق: ﴿وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ لما صرف عنهم من لقاء عدوهم. وقال ابن عباس: أطاعوا الله وابتغوا حاجتهم ولم يؤذهم أحد، ﴿فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ﴾، أي: يخوفكم بأوليائه، ﴿فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾، قال مجاهد: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ﴾ قال: يخوف المؤمنين بالكفار.
وقال ابن كثير: ﴿إِنّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ﴾، أي: يخوفكم أولياءه، ويوهمكم أنهم ذوو بأس وذوو شدة. قال الله تعالى: ﴿فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مّؤْمِنِينَ﴾. أي: إذا سوّل لكم وأوهمكم، فتوكلوا عليّ والجأوا إليّ، فإني كافيكم وناصركم عليهم، كما قال تعالى:
﴿أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * وَمَن يَهْدِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ أَلَيْسَ اللهُ بِعَزِيزٍ ذِي انتِقَامٍ * وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَنْ خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنّ اللهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ [الزمر: 36-38]. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
* فيصل بن عبد العزيز المبارك، توفيق الرحمن في تفسير القرآن، تحقيق: عبد العزيز بن عبد الله بن إبراهيم الزير آل محمد، دار العاصمة/الرياض، ط1، 1416، ص470-478.