قصيدة ملحمة الشام 3-4
أغسطس 25, 2024قافلة الشهداء من سمية إلى هنية
سبتمبر 1, 2024من بريد القراء:: بقلم الكاتبة/ سميرة الأركاني
في اجتماعنا السنوي مع أفراد العائلة في منزل والدي على مائدة الإفطار يوم عاشوراء الفضيل، انتهى الجميع من الإفطار، فمنهم من جلس يحادث الذي بجانبه، ومنهم من يحتسي قهوة المساء، بينما الوالد منشغل بشاشة التلفاز يقلب بين القنوات، تارة بين قناة تنقل مظاهر الشيعة وتفاهاتهم في يوم عاشوراء، وتارة قناة أخرى تنقل أخبار حرب غزة وفلسطين، وأخرى عما يجري في القارة العجوز، أزمات وقضايا العالم من دول شتى، وأحداثها متنوعة كثيرة، تحكي صراعات البشر من أجل البقاء أقوياء في هذه الدنيا الفانية.
مهلاً مهلاً!
كأني وأنا أراقب والدي لمحت في وجهه حيرة وذهولاً وكأنه يبحث عن شيء ما! وكأن الدمعة تلمع في عينيه!
كأنه يريد أن يستطلع بعض الأخبار من قنوات العالم عما يجري في موطنه.. أراه يبحث بين القنوات عن شيء مهم يشغل باله.. كأنه يريد قناة تنقل ما يجري لأناس فقدوا الأمان ولذة الحياة منذ سنين طوال، وكأن لسان حاله يقول: هل من مراسل ينقل للعالم ما يجري هناك، داخل بقعةٍ الحياةُ فيها مأساوية؟! أو مذيع يتكلم؟! أو سياسي يثير قلقه وما إلى ذلك؟!
للأسف حاول البحث عله يجد قناة تنقل خبراً أو شيئاً مشابهاً.. لكن صمت وتكتم العالم عن هذا الشعب المظلوم أصبح مألوفاً للأسف! أليسوا مسلمين، بل أليسوا من البشر لهم حقوق؟! تنقلون عن جميع الأمم والشعوب، فلمَ تكتمون أزمة الشعب الروهنجي المسلم؟!
بينما أرى وجه أبي وعينيه الدامعتين اللتين كنت أنظر للحياة من خلالهما، سرح بي الخيال بعيداً وأرجعني لعشرات من السنين الماضية، حيث أيام الصبا في المدرسة حين كنت طفلة لا تعي الحياة كثيراً، كنت أرى بعين والدي ألوان الحياة الجميلة، ومادة التاريخ التي كنت ولا زلت أعشقها جداً، درسونا في المدارس وحدثونا عن تاريخ حضارة الأندلس وكيف كان المسلمون حينها أقوياء، وعن فلسطين وكيف سلب اليهود أرض القدس، اعتقدت حينها أن هذه هي جراحات الأمة فقط، لم أكن أعلم أن جراحاتنا كثيرة وغائرة، لم يذكر لنا الكتاب والأدباء والمؤلفون بأن هناك أندلساً أخرى في الشرق ينزف مذ ٨٠ عاما!
إنهم الشعب الروهنجي المسلم في أراكان (بورما) فاقدو الوطن والأمان.. ثلة من أمة الإسلام نطقوا الشهادتين، ووحدوا الله عقيدةً وإيماناً، يقاسون مرارة الحياة، تُنتهك حرماتهم، وتُحرق بيوتهم، وتُزهق أرواحهم. كم من مناظر مفجعة رأيناها لهم كأنهم داخل مجازر بشرية تزهق أرواحهم في أي لحظة! لا قيمة لهم!
كم منهم أُزهقت روحُه بين ألسنة النيران وأصبح رماداً فحماً أسودَ؟
كم منهم طار رأسه بين الرماح والسواطير؟
ومَن حاول النجاة والفرار بروحه أصبح طُعما للأسماك في البحار والمحيطات، وأصبح المئات منهم أيتاماً وأرامل، مغتربين في بلاد الشتات، في الملاجئ والمخيمات، في وضع مأساوي وكارثة إنسانية، أمة مضطهدة بات الموت مترصداً لهم من كل النواحي، وأصبحوا أرضاً خصبة وفرصة سانحة لبني التنصير في محاولة لتغيير دينهم وعقيدتهم التي مورس ضدهم الويلات لأجل تمسكهم بها.
كل ذلك يحدث والأمة الإسلامية غائبة عنهم وعن الخطر الذي يحدق بهم، تصلنا أخبار مأساتهم قليلاً، ثم تعاود الاختفاء والصمت للأسف!
ثم نمضي في الحياة كأن شيئاً لم يكن! جُرمهم أنهم آمنوا بربهم وتمسكوا بدينهم، كأنهم ليسوا عضواً من جسد الأمة الواحدة لنتألم لألمهم، ونبكي لمأساتهم، ونحزن لمصيبتهم، أليس لهم حق علينا كبني الإسلام أن نشاركهم ونكون لهم عوناً، وأن ندعو لهم وننقل للعالم ما يحدث لهم والتعريف بقضيتهم كأقل واجب؟!
لمَ هذا التهميش؟ أليسوا مسلمين؟! أليسوا من البشر لهم روح ونفس؟! لمَ يُعاملون بهذه الطريقة؟!
سُلب وطنهم وشُتتوا بين البلدان، والآن يعانون تهميش العالم لهم وصمتهم عن معاناتهم.. وباتت قصة مأساتهم مألوفة في سجل النسيان والتهميش.