الإسلام والعلاقات الدولية (1/2)
أغسطس 24, 2024يا مسلمون..القدس تستغيث بكم!
أغسطس 25, 2024بقلم الدكتور/ حسام أبو البخاري (فكَّ الله أسره)
(1)
إن أخطر وأعظم ما حدث للعقل المسلم في القرنين الماضيين، هو أنه أصبح ينظر لنفسه وللمسلمين من حوله من خلال نظرة أعدائه له ولدينه !
أصبح يرى نقاب المرأة المسلمة غريباً !مع أن القرون الخوالي كانت فيها نساء مصر والعرب جميعاً منتقبات.. حتى جدة (نجيب ساويرس) كانت منتقبة !
أصبح يرى الحدود شيئاً دموياً !مع أن هذه الحدود ليست من إنتاج صاحب (تمام المنة) ولا (البنا) في رسائله! إنما موجودة في كتاب رب العالمين !
أصبح يرى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تقييداً للحريات وتعدياً على الحقوق الشخصية !مع أن خيرية الأمة التي ينتمي لها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر !
أصبح يرى سادة أمته من المجاهدين، في العراق وأفغانستان والبوسنة وفلسطين، على أنهم شرذمة متطرفة إرهابية الهوي تكفيرية النفَس !مع أنه في نفس الوقت ينظر إلى (جيفارا) و(كاسترو) بنظرة اعتبار واحترام !
إنه التوحد مع الخصم.. إنه التعاطف مع العدو !
يحدثنا النفسانيون عن (متلازمة ستوكهولم) ذلك المرض النفسي الذي يتوحد فيه المريض مع الذي يعذبه ويضطهده !كان د. نصر حامد أبو زيد -على الرغم من كارثية أطروحاته- يتساءل: هل الغرب مكترث بنظرتنا له كما نحن مهتمون ومولعون بنظرته لنا؟!
والإجابة بالطبع: لا! الغرب لا يعبأ بتصوراتنا عنه ولا بالصورة النمطية التي في أذهاننا عنه.
ماذا حدث إذن؟! كيف أصبحنا نفكر بمنهج ليس بمنهجنا؟! نحلل بآليات ليست آلياتنا !
مركزية تفكيرنا ليست ديننا وواقعنا ومشاكلنا إنما مركزية أخرى وهمية ومستوردة !
كيف استبدلنا الذي هو أدنى بالذي هو خير؟! إنه الاحتلال المباشر على الأرض.. إنّها النخب العسكرية الوظيفية -الاحتلال غير المباشر -إنّه احتلال العقول.. إنه الإعلام الإمبريالي.. إنه (ماسبيرو) وأتباعه.. إنها إذاعات (أحمد سعيد) وغيره.. إنها وزارات الثقافة.. إنهم النخب المثقفة -قالوا -إنه التعليم.. إنها كرة القدم.. إنها أفلام السينما.. إنها المسرحيات.. إنها المسلسلات.. إنها الجرائد الصفراء.. وكلها فاقعة ألوانها.
احذر! كل هؤلاء وغيرهم لا يتركونك.. لا يتركونك تفكّر لحظة واحدة منذ أن تولد !من الرحم إلى المقبرة أينما تكُن يكونوا !
تصوّر.. كل هذا من أجلك أنت؟! بالفعل إنه من أجلك !
من أجل أن تأكل (الماكدونالدز) وتشرب (البيبسي) وتشاهد (مِل جيبسون) ثم ترجع بظهرك للخلف على أريكتك الكلاسيكية تقول: لقد قتلنا أسامة !
استيقظ يا فتى.. هم من قَتل ونحن من استُشهد!
(2)
استيقظَ الفتى على صوت داخله ينفض عقله ووجدانه نفضاً قائلاً له: “هم من قَتل ونحن من استُشهد”.
سأل نفسه: كيف حدث له هذا؟
كيف أصبح يرى بمنظور الانجلوسكسونية؟
كيف أصبح يحكم على الأمور من خلال رؤية علمانية غربيّة؟
كيف أصبح المجتمع المسلم يقوم هو بنفسه بدور المستشرق والمتغرب على بنيته الإسلامية المعرفية؟
فوجد د. جلال أمين يقول له :”النظم الاجتماعية تتغير وتتحول ببطء وبالتدريج، قد تطرأ عليها من التطورات ما قد يجعلها في النهاية شيئًا مختلفًا جدًا عمّا كانت عليه في البداية، وقد يحدث هذا دون أي ثورة أو انفجار، بل وربما حدث هذا والناس مستمرون في إطلاق نفس الاسم عليها، وكأن شيئًا لم يحدث”1.
وبالفعل هذا ما حدث للمجتمعات المسلمة؛ تغيرت تدريجياً في تصوراتها الكونية، وفى مصادر تلقيها، وفي تراكيب عقليتها، عبر مراحل من الاحتلال الفكري والغزو العاطفي والانسحاق الحضاري، وكان المنتج النهائي مبهراً للغرب..
كان المنتج النهائي مسخاً مشوهاً اسمه عُمَر وفي داخله (هنري) !
يصلي الخمس ولكنه ينتقد مَن يربي لحيته !
يتزوج على مذهب أبي حنيفة النعمان، ولكنه كاثوليكي المذهب في تعدد الزوجات !
يعتمر كل سنة، ولكنه ينظر إلى عملية تفجير القاعدة الإيطالية بالناصرية في العراق على أنه عمل همجي انتحاري !
يتصدق على الخدامين والبوابين ولكنه ينزعج ممن يذكّره بالزكاة !
منسحق أمام الغرب.. هذا المسخ يراهم قوة لا تُقهر، وإمبراطورية لا تُغلب، ويجهل هذا المسكين أن الطلبة (الطالبان) الحفاة العراة يؤرخون للعالم كيف هزم شعب أبيّ قوات أمم غازية سُميت سابقاً بـ(الناتو) !
كيف حدث هذا التحول؟!
كيف تغيرت الكيمياء العقلية والروحية والنفسية للمسلم؟!
إن الغرب أيقن أن الجدل الديني النظري حول الإسلام ومحمد ﷺ لا يجدي، وأن الاستمرار في هذا النوع من إنهاء الحالة الإسلامية لا يفضي إلا إلى انتصار للإسلام وهزيمة للمسيحية !
إذن فماذا نفعل؟
هكذا سأل الغربيون أنفسهم.. فتوصلوا إلى حل عبقري معجون بمكر الليل والنهار !
إذن نجعل المسلمين هم من ينهون تلك الحالة الإسلامية !
إن الصوت من داخل القلعة أكثر تأثيراً من الصوت من خارجها يا عزيزي !
صاح أحدهم: رائع! ولكن كيف هذا يا زويمر؟!
وكانت الخطة:
- تغيير التركيبة العقلية والفكرية والعاطفية للمسلم، وجعلها هي بنفسها ترفض الإسلام !
- جعْل كل مسلم يحارب دينه بنفسه، حتى وإن اقتنع أنه لا يحارب دينه بل يحارب من أجل دينه !
- جعْل كل مسلم مستشرقاً في ذاته ومتغرباً في روحه.. يعرض الشرائع الإسلامية والأوامر والنواهي الإلهية على فلتر المسخ الداخلى؛ فيمرر ما هو مقبول طبقاً لاتفاقية (جنيف) لحقوق الإنسان، ويُخرج ما هو مسطور في صحيح البخاري !
وكانت النتيجة بدلاً من جحافل المبشرين وجيوش المستعمرين وقوافل المستشرقين، أصبح لدينا ملايين المسلمين الذين ينتمون إلى الغرب وروحه وثقافته!
وتحققت الغاية: المسلمون هم بأنفسهم يحاربون أنفسهم، سواء على المستوى الشخصي أو على مستوى المجتمع !
صاح أحدهم: لا تنسَ يا (كرومر) أن علينا أن نوجد العلمانية وثقافتنا؛ بل أحيانا وعقائدنا من داخل النص الإسلامي !
لماذا يا هذا؟ وكيف نتمكن من هذا؟!
فأجابه وقال: أما لماذا فلأنه أحياناً لا تقدر أن تخاطب بعض المسلمين بكتابات (جان بول سارتر) أو مقالات (ماكس فيبر) وأطروحات (أرسطو)! فعليك أن تخاطبهم بالسيرة الحلبية وأُسد الغاب والموضوعات لابن الجوزي !
أما كيف فاتركوها لي..
ـــــــــــــــــــــــــ
* حسام أبو البخاري، مقال: هم من قتل ونحن من استشهد، 2013م، موقع إلكتروني: منتدى حراس العقيدة.
1 مستقبليات مصر والعرب والعالم في منتصف القرن، ص21.