
الشريعة الإسلامية أعدل الشرائع وأحكمها
أغسطس 13, 2024
سيادة الشريعة فوق سيادة البشر
أغسطس 15, 2024بقلم المستشار/ علي علي منصور (رحمه الله)
ما مِن شك في أن الديانات السماوية التي نزلت على الرسل قبل الإسلام لم تكن عامة، وإنما كانت خاصة مقصورة على علاج بعض ما فشا من عيوب وآثام في جماعة معينة، ولذا نجد بعض الرسل أُرسل على التحديد إلى مائة ألف “سيدنا يونس” وكذلك نجد رسولين من قِبل الله في زمن واحد، كل منهما أرسل إلى جماعة معينة في قطعة معينة، كما هو الشأن بالنسبة إلى سيدنا إبراهيم ولوط. وفي سورة “يس” ما يدل على إرسال ثلاثة في وقت واحد: ﴿إِذۡ أَرۡسَلۡنَاۤ إِلَیۡهِمُ ٱثۡنَیۡنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزۡنَا بِثَالِثࣲ فَقَالُوۤا۟ إِنَّاۤ إِلَیۡكُم مُّرۡسَلُونَ﴾ [يس: ١٤].
وقوام الرسالات السماوية كلها بالدعوة إلى توحيد الله فاطر السماوات والأرض، والذي أنشأها إنشاءً أولياً وأعطى كل شيء خَلقه ثم هدى، وإلى جانب التوحيد كانت تشمل الرسالة الحض على الفضائل والأخلاق والامتناع عما فشا في المرسَل إليهم من موبقات؛ كالقتل والزنى والسرقة والغش في المكيال والميزان، وفي التعامل والتزام الصدق والبُعد عن الكذب والخيانة والتحلي بالتواضع والتسامح: ”من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر”.
وكانت آخر الديانات السماوية قبل الإسلام هي المسيحية، وقد حُرفت كما حُرفت تعاليم اليهودية مِن قَبلها، حتى في قوامها الأصلي؛ فقالت اليهود: “عزير ابن الله”، وقالت النصارى: “المسيح ابن الله”. ولذلك كان لا بد من أن يُدرَك الله الناس بالهداية، وشاءت إرادته جل وعلا أن تكون رسالة الإسلام خاتمة الرسالات، فكان لابد أن تشمل تنظيم أمور الدين والدنيا.
الإسلام دين ودولة
والإسلام دين ودولة وعقيدة وشريعة، وأحكامه العامة وقواعده الأصولية محكمة، نزلت من الله وحياً على خاتم الرسل محمد بن عبد الله ﷺ، ومجموع آيات هذا الوحي هو “القرآن الكريم”، كتاب المسلمين المقدس، نزل به الروح الأمين جبريل من اللوح المحفوظ دفعة واحدة، ثم أُوحي به مُنجّماً بحسب ما دعت الحاجة، وبحسب ما جدّ من الحوادث، تلطفاً من الله ورحمة، إذ أن الأمة العربية كانت إذ ذاك أميّة في غالبية أفرادها؛ فحفَظ الآيات مَن حفظها، وهم جمهور الصحابة، وكتبتها القلة الكاتبة، وكلّف الله رسوله ﷺ أن يبيّن للناس ما نزل إليهم: ﴿كِتَـٰبٌ أُحۡكِمَتۡ ءَایَـٰتُهُۥ ثُمَّ فُصِّلَتۡ مِن لَّدُنۡ حَكِیمٍ خَبِیرٍ﴾ [هود: ١].
وما كاد الرسول العظيم يلحق بالرفيق الأعلى حتى شرح الله صدر الخليفة الأول أبي بكر والصحابة معه إلى جمع القرآن مكتوباً. وفي عهد ثالث الخلفاء عثمان بن عفان نُسخت من هذا المكتوب نسخٌ وُزعتْ على الأمصار في مختلف بقاع الدنيا؛ فكانت كل نسخة إماماً للمصحف الشريف، وعنه تَتابع النقل إلى عهد الطباعة؛ حيث عمّ نشره، وبهذا صان الله سبحانه وتعالى كتابه الكريم من العبث والتحريف والتبديل: ﴿إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَـٰفِظُونَ﴾ [الحجر: ٩].
والكتاب والسُّنة هما المصدران الأساسيان للشريعة الإسلامية، ويعتبرهما الكثيرون المصدرَين الوحيدين، وما بعدهما: من إجماع أو قياس واستصلاح، مصادر ثانوية ومَعينها هو الكتاب والسُّنة، وجاءت فيهما كل القواعد العامة للشريعة الخاتمة في القرآن الكريم، وصدق الله إذ يقول: ﴿مَّا فَرَّطۡنَا فِی ٱلۡكِتَـٰبِ مِن شَیۡءࣲۚ﴾ [الأنعام: ٣٨].
شريعة شاملة لأمور الدين والدنيا
لقد عني الإسلام بأمور الدنيا عنايته بأمور الدين، ونحن حين نعبر بأمور الدنيا، نقصد معنى اللفظ بجميع ما يُفهم منه وما يحتمله؛ فالدين الإسلامي -فضلاً عن القواعد التي تنظم المعتقدات والعبادات- تضمن أسمى ما ينظم علاقات الناس من قواعد قانونية وخُلقية، وفي هذا الصدد لم يقنع بالقواعد التي تنظم صلات الأفراد فيما بين بعضهم البعض، وإنما تجاوز ذلك إلى وضع الأسس الكاملة التي تقوم عليها الدولة.
فالخلافة بَيعة، والأمر بين الناس شورى، والناس جميعاً سواسية، وكل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعِرضه، وحريات الناس مصونة، ورقابتهم على الحكام مشروعة1، والملكيّة الفردية ليست مطلقة تجنح إلى الكنز والاستعلاء والاستغلال، ولا هي معدومة فيفقد الناس حوافز الجد والتنمية، وإنما هي وسط بين هذا وذاك، وسطية تجعل الملكية وظيفة اجتماعية، فالمال مال الله، ونحن مستخلفون فيه، والناس عيال الله.. ومن ثم كان للفقير في مال الغنيّ حق معلوم لا منّ فيه ولا مهانة، حق كامل يسع ضروريات الحياة لكل فرد محتاج، بحيث توفر الدولة له السكن والطعام واللباس والدابة.
ولم يقنع الدين الإسلامي بذلك؛ بل تضمن أسمى ما يمكن أن تقوم عليه العلاقات بين الدول بعضها بالبعض في حالتَي السلم والحرب: من قواعد لحفظ السلام، وللمعاهدات الدائمة والمؤقتة، ولإنشاء هيئة دوليّة تحكم في الخلافات التي تجدّ بين الدول.. والدولة التي لا تخضع إلى ذلك يقاتلها جيش الهيئة الدولية حتى تفيء إلى الحق والعدل: ﴿وَإِن طَاۤىِٕفَتَانِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ ٱقۡتَتَلُوا۟ فَأَصۡلِحُوا۟ بَیۡنَهُمَاۖ فَإِنۢ بَغَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا عَلَى ٱلۡأُخۡرَىٰ فَقَـٰتِلُوا۟ ٱلَّتِی تَبۡغِی حَتَّىٰ تَفِیۤءَ إِلَىٰۤ أَمۡرِ ٱللَّهِۚ﴾ [الحجرات: ٩].
ثم ارتفع الإسلام بعد ذلك إلى السِّماكين، فنادى الناس جميعاً في مختلف الشعوب والديانات إلى أخوّة إنسانية شاملة: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَـٰكُم مِّن ذَكَرࣲ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَـٰكُمۡ شُعُوبࣰا وَقَبَاۤىِٕلَ لِتَعَارَفُوۤا۟ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ﴾ [الحجرات: ١٣]. وفي الحديث: “كلكم لآدم، وآدم من تراب”. ولا بدع في ذلك، فالجميع عباد الله وهو أرحم الراحمين، ﴿أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِینِ ٱلۡحَقِّ لِیُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّینِ كُلِّهِۦ﴾ [التوبة: ٣٣]، ﴿وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَـٰكَ إِلَّا رَحۡمَةࣰ لِّلۡعَـٰلَمِینَ﴾ [الأنبياء: ١٠٧].
وفي كمال الشريعة الإسلامية يقول الدكتور سليمان مرقص، أستاذ القانون المدني بجامعة القاهرة: “ففي الكتاب والسُّنة -وهما أهم مصادر الشريعة الإسلامية- الكثير من القواعد القانونية المتعلقة بالزواج والطلاق والنسب والميراث والوقف والوصية والتجارة والبيع، ومختلف العقود والحدود الجنائية وغيرها من القواعد الجنائية، ولقد تناول فقهاء الإسلام هذه الأحكام بالشرح والتفصيل، وفرعوا عليها الكثير من الحلول حتى غدت الشريعة الإسلامية نظاماً قانونياً كاملاً يعدل أرقى الشرائع، بل إن بعض نظمها يفضل ما يقابله من نظم في أحدث الشرائع العصرية”.
شريعة تحوي أسمى وأكمل الحلول لمشاكل البشرية
إنَّ الله سبحانه وتعالى لما أراد أن يختم الأديان والرسل برسالة محمد بن عبد الله ﷺ تخيّر لها الوقت المناسب عندما تهيأت البشرية للنضج، ولما كانت هذه الرسالة عامة لجميع الناس في كل زمان ومكان إلى يوم القيامة، نزل الوحي بنوعين من الأحكام الفقهية التشريعية في نوعين من المسائل:
۱- مسائل لا تتأثر باختلاف الأزمنة والأمكنة والبيئات والعادات
ونزلت قواعده الأساسية مُحكمة محددة في الكتاب “القرآن” وكُلّف الرسول بوحي من ربه بأن يفصّل للناس هذه الأحكام العامة، وفي ذلك المعنى يقول الله تعالى: ﴿وَأَنزَلۡنَاۤ إِلَیۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَیِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَیۡهِمۡ﴾ [النحل: ٤٤]. وقوله: ﴿لَقَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ إِذۡ بَعَثَ فِیهِمۡ رَسُولࣰا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ یَتۡلُوا۟ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتِهِۦ وَیُزَكِّیهِمۡ وَیُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ﴾ [آل عمران: ١٦٤].
والأحكام الشرعية في هذا النوع الثابت الذي لا يتغيّر بزمان ولا مكان، سُميت بالأحكام القطعية، ومنها أحكام العقائد والعبادات.
٢– ومسائل أخرى من شأنها أن تتأثر بظروف الزمان والمكان
وتختلف باختلاف البيئة والعُرف، وبحسب ما تدعو إليه المصلحة في كل منها، واكتفت الشريعة الإسلامية في هذا النوع بأن وضعت لها القواعد العامة الكلية المرنة، وتركت الأحكام الفرعية إلى اجتهاد العقل البشري احتراماً له ومسايرةً للظروف والمصالح. والحكمة في ذلك أنه لا يصح في أمور العقائد والعبادات وصورها ورسومها أن تُترك لأفهام الناس واجتهاداتهم؛ لأنَّ الله لا يُعبَد إلا بما شَرَع، ولأنه لا يصحّ الاختلاف في ذلك. أما الفروع التي لا يضر الاختلاف فيها وتخضع لظروف الزمان والمكان لم يكن يصلح أمر الناس على توحيدها، وإلا لجمدت العقول ولاصطدمت الشريعة بظروف الزمان والمكان وبمصالح الناس.
ولذا رحم الله عباده بأن فتح فيها باب النظر والاجتهاد حسبما يساير مصالحهم، وحديث معاذ بن جبل نصٌّ في الاجتهاد؛ إذ لما أرسله الرسول إلى اليمن قال له: “بم تقضي يا معاذ؟” قال: بكتاب الله. قال: “فإن لم تجد؟” قال: فبسُنة رسول الله. قال: “فإن لم تجد؟” قال: أجتهد برأيي.. فأقرّه على ذلك.
حدث للناس بعد عهد الرسالة حوادث وواقعات ونوازل، وكان الخلفاء الراشدون يلتمسون لها الحلول في نصوص الكتاب أو السنة، فإن لم يجدوا فيها اجتهدوا واجتهد الصحابة معهم، فإن اتفقوا على رأي واحد كان ذلك نوعاً من الإجماع وهو المصدر الثالث للتشريع الإسلامي، وإن اختلفوا أخذ بالرأي الغالب.
وكانت هذه الاجتهادات محفوظة في الصدور غير مكتوبة في كتب جامعة. ولما انتشر الإسلام وشرَّق إلى الصين وغرَّب إلى الأندلس وتفرق الصحابة في الأمصار، دعت الضرورة إلى التدوين، وجلس الفقهاء من أصحاب الاجتهادات والفتوى في المساجد لتدريس الفقه.. ومنهم أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل، وغيرهم كثير. إلا أنَّ هؤلاء الأربعة كثر تلامذتهم وزادوا فيما تعلموه منهم حسبما جدَّ لهم من أحداث أو فتاوي؛ ففتاوي أبي حنيفة وجميع ما دُون من آراء تلاميذه وأتباعه جُمع وسُمي بمذهب أبي حنيفة، احتراماً له وتقديراً لأستاذيته، وبنفس الطريقة نشأ وعُرف مذهب الإمام مالك ومذهب الإمام الشافعي ومذهب الإمام أحمد بن حنبل.
ومن مجموع هذه الاجتهادات تكوّن الفقه الإسلامي، وهو ثروة تشريعية وقانونية لا مثيل لها في العالم قديمه وحديثه، فيه الحلول لجميع مشاكل الحياة في جميع الأزمان، وفيه أحدث النظريات القانونية.
مصادر الشريعة التبعية
ومن أهم مزايا الشريعة الإسلامية مصادرها التبعية، وهي: الإجماع، والقياس، والاستحسان، والمصالح المرسلة.. قلنا إن المصادر الأصلية للشريعة -وهما الكتاب والسنة- قد لا توجد فيها نصوص صريحة لمواجهة أحداث تجدّ للناس بمرور الزمن؛ فلأئمة المسلمين المحيطين لعلوم الشريعة واللغة في كل زمان أن يجتمعوا، وما يجمعون عليه يسمى بالإجماع وهو مصدر ثالث للتشريع الإسلامي، ولذا أُنشىء (مجمع للبحوث الإسلامية) في مصر برئاسة شيخ الأزهر، تمثل فيه جميع علماء البلاد الإسلامية، ويجتمع دورة كل عام، والحديث: “لا تجتمع أمتي على ضلالة”.
والقياس من مصادر الشريعة، وهو قياس مسألة لم يرِد فيها للشرع نص، بمسألة أخرى مشابهة لها ورد فيها نص.
وكذلك الاستحسان، والحديث: “ما رآه المسلمون حسن فهو حسن”. ويعرفه ابن رشد بأنه: الالتفات إلى المصلحة والعدل.
أما المصالح المرسلة، فهي ما يُسمى في العصر الحاضر بالمصالح العامة، ومن قواعد الشريعة: إذا وُجدت المصلحة فثَم شرع الله. ويقول ابن القيم: “إذا ظهرت أمارات الحق وأدلته من أي طريق فذلك من شرع الله ودينه ورضاه وأمره”2.
ولقد كتب ابن تيمية في ذلك كثيراً، وكذا الإمام محمد عبده، وغيرهما؛ حيث قالوا: إن الأحكام الشرعية نوعان:
الأول: مرجعه إلى بيان العبادات ووسائل التقرب إلى الله تعالى، وهذا النوع من الأحكام يجب أن يكون وفق ما طلب الله وأمَر، لأن ذلك حقه ولا يُعلم إلا من جهته، ومنه الصلاة والصوم والزكاة والحج.
والثاني: مرجعه إلى تدبير شئون الناس في الدنيا؛ من أعمال ومعاملات، فكتاب الله صرح بأن أساسه رعاية مصالح الناس وإقامتها على العدالة الشاملة والمساواة الحكيمة والنظام المستقر، مع دفع الضرر ورفع الحرج؛ لقوله تعالى: ﴿یُرِیدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلۡیُسۡرَ وَلَا یُرِیدُ بِكُمُ ٱلۡعُسۡرَ﴾ [البقرة: ١٨٥]. وقوله: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَیۡكُمۡ فِی ٱلدِّینِ مِنۡ حَرَجࣲۚ﴾ [الحج: ٧٨]. وقول النبي ﷺ: “لا ضرر ولا ضرار“. ورُوي عن الإمام مالك قوله: “الاستحسان والاستصلاح تسعة أعشار العلوم“.
أمثلة من المقارنات
ينقسم فقه الشريعة الإسلامية إلى قسمين رئيسيين:
الأول: العبادات، وتشمل القواعد التي تنظم صلة الإنسان بربه سبحانه وتعالى.
الثاني: المعاملات، وتشمل القواعد القانونية التي تنظم صلة الإنسان بأخيه الإنسان في وطنه، وفي الدول الأخرى. كما تنظم صلة الدول بعضها بالبعض، وهذا القسم يشمل مختلف أنواع القوانين الوضعية بمسميات عصرية، وقد نجد لها مقابلاً في مصطلحات فقهاء الشريعة الإسلامية.
فالقانون العام الدستوري والإداري، يقابله في الشريعة عبارة “السياسة الشرعية” أو “السياسة الحكمية“، والقانون المدني والتجاري يقابله لفظ “العقود”. والقانون الدولي العام والخاص يقابله ”السير والمغازي”.. وهكذا، ولنبدأ إذن بذكر بعض الأمثال من المقارنات بين مسميات الشريعة الإسلامية وما يقابلها من مسميات القوانين الوضعية:
- السياسة الشرعية أو السياسة الحكمية: القانون الدستوري والقانون الإداري.
والقانون الدستوري في مفهومنا العصري يعدد حقوق الأفراد في الدولة وحرياتهم، ويعالج كيفية بناء وإنشاء الأجهزة الأساسية التي تتكون منها الدولة، ويطلق عليها البعض السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية. ومدى انفصالها أو تعاونها ومراقبة بعضها البعض.
والسياسة الشرعية أو سياسة الحكم في دار الإسلام تشمل ذلك كله في مصطلح الفقهاء، فتحتها تندرج الخلافة “رئاسة الدولة”، والشروط التي يجب أن تتوافر في الخليفة ”أمير المؤمنين”، وكيفية اختياره بوساطة أهل الحل والعقد، ومن هم؟ هل هم فئة خاصة أم هم عامة الناس؟ وما كُنه الصلة بين الخليفة والشعب؟ هل هو وكيل عنهم ولهم عزله إن أساء أو حاد عن الدين والمصلحة العامة؟ ثم كيفية إنشاء الدواوين والمصالح العامة “الوزارات والولايات والإمارات“، وكيفية تعيين الوزراء والولاة والأمراء، ومَن له حق مراقبتهم وعزلهم3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* المستشار علي علي منصور، مقارنات بين الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية، ط1، دار الفتح/بيروت، 1970م، ص17-25.
۱ راجع كتابنا نظم الحكم والإدارة في الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية، مطبعة مخيمر بالقاهرة سنة ١٩٦٥ م.
2 في كتابه: إعلام الموقعين، جـ٣ ص٥٤٣.
3 تُراجَع مؤلفات الماوردي وابن تيمية والشهرستاني.