
دور الشريف حسين في ضياع فلسطين
مارس 17, 2025
بيان العلماء والدعاة حول إدانة تكرار العدوان على غزة
مارس 20, 2025مقال في تأبين محدث الديار المصرية الشيخ أبي إسحاق الحويني في جريدة العرب القطرية بعنوان (الرزية في فقد العالم)
لفضيلة الشيخ د. عبدالعزيز بن عبدالله آل ثاني الأستاذ بكلية الشريعة- جامعة قطر.
18 مارس 2025 , 10:17م
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فقد خاطب ربنا تعالى نبيه فقال: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ﴾ [الزمر: 30]، وقال سبحانه: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ [العنكبوت: 57].
وقال عز وجل: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا﴾ [الرعد: 41]. روي عن ابن عباس رضي الله عنهما في معنى ننقصها من أطرافها قال: «خرابها بموت علمائها وفقهائها وأهل الخير منها» وقال مجاهد: «هو موت العلماء». إن موت العالم مصيبة تصيب الأمة بأسرها، فالعلماء حراس ثغور، ونبراس الأمة وعقلها، وهم أعمدتها الذين تستمر بهم بعد نبيها، فهم ورثة اصطفاهم الله من بين خلقه، وأفاض عليهم من نوره ففقهوا وتعلموا، وخص منهم طائفة تقوم على ثغر الحديث وسنة المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، فكساهم نضارة الوجوه، وسلامة الصدور، وسداد الرأي، وصواب القول، وسقاهم من معين الوحيين ما تفتقت به أبصارهم، ونضجت به عقولهم، ثم ألهمهم الصبر عند المحن تمحيصاً، وألهج ألسنتهم بالحمد فاطمأنت قلوبهم وأمنوا، وسخر من يستغفر لهم من عالَمَي السماوات والأرضين، جعلهم ملاجئ للمؤمنين عند الفتن يستهدون بهم في الحيرة، ومنارات يسترشدون بها وأمواج الفتن متلاطمة هائجة.
وما شيخنا العلامة المحدث الشيخ أبو إسحاق الحويني رحمه الله إلا واحد من هذه الثلة، نحسبه والله حسيبه ولا نزكي على الله أحداً، لقد مُنح فشكر، وامتحن فصبر، جاءته الابتلاءات العظيمة المتوالية فكان سداً منيعاً، وعصفت به رياح الفتن المضلة فلم يكن لها مطيعاً، خدم الحديث بأقلامه، وعاش حياته في كنف رجاله وأعلامه، تصدى لشبهات المضلين، وفنّد بنور الحديث تأويلات المبطلين والغالين والمنتحلين، شهد له بذلك علماء الحديث والسنة، فلله الحمد والمنة.
هذا وإن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: ((إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا، اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا)) رواه الشيخان.
فموت عالم نقصان وخراب، قال الحسن رحمه الله: «موت العالم ثلمة في الإسلام لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار»، وسئل سعيد بن جبير: «ما علامة هلاك الناس؟ قال: إذا هلك علماؤهم»، ويكون هلاكهم عندما يموت العالم قبل أن يتعلم منه أحد، وصدق القائل: لعمرك ما الرزية فقد مال ولا شاة تموت ولا بعير ولكن الرزية فقد حر يموت بموته خلق كثير إن موت العالم مصيبة لا يَجْبُرها إلا خلفُ غيره له، وهيهات هيهات والفتن قائمة مانعة لا يكاد أحد ينجو منها، ولتعسر هذا عبر علماء السلف ببعض العبارات التي لا ينطق بها إلا عارف بحقيقة هذه المصيبة مصيبة فقد العالم، يقول أيوب السختياني رحمه الله: «إني أخبر بموت الرجل من أهل السنة فكأني أفقد بعض أعضائي»، وقال يحيى بن جعفر رحمه الله: «لو قدرت أن أزيد في عمر محمد بن إسماعيل البخاري من عمري لفعلت، فإن موتي يكون موت رجل واحد، وموته ذهاب العلم»، ويقول ابن عثيمين رحمه الله: «فقد العالم ليس فقدا لشخصيته فحسب ولكنه فقد لجزء من تراث النبوة، جزء كبير بحسب ما قام به هذا العالم المفقود من التحقيق فوالله إن فقد العالم لا يعوض عنه مال ولا عقار ولا متاع ولا دينار بل فقده مصيبة على الإسلام والمسلمين لا يعوض عنه إلا أن ييسر الله من يخلفه بين العالمين فيقوم بمثل ما قام به من الجهاد ونصرة الحق، وإن فقد العلماء في مثل هذا الزمان لتتضاعف به المصيبة لأن العلماء العاملين أصبحوا ندرة قليلة بين الناس وكثر الجهل والتشكيك والإلباس».
وقال شيخنا أبو إسحاق الحويني رحمه الله: «إذا مات عالم من علماء الحديث لا يكاد يخلفه أحد إلا بعد سنوات طويلة». اللهم اجعله في جوار نبيك، واشمله بواسع رحمتك، اللهم آمين.