
لا تقولوا للشهداء “أموات” فيضيع إيمانكم (2)
نوفمبر 7, 2025
اعتداءات الاحتلال تهجّر 6 عائلات بالضفة قرب أريحا
نوفمبر 7, 2025علي جاد المولى
كاتب مصري
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ﷺ، قائد الغُر المحجّلين، وعلى آله وصحبه أجمعين..
في خضم هذه المرحلة التاريخية الفارقة، لا تكفي القراءة السياسية المجردة وحدها؛ بل لا بد أن تُقاس كل قراءة بميزان الشريعة، وتُقوَّم بحسب مصلحة الأمة وكرامتها. في هذا المقال سنسعى لقراءة ما يُطرح اليوم حول مستقبل غزة من زاويةٍ عقدية نقدية: هل نحن على أعتاب اتفاق يعيد لغزة كرامتها وحقوق أهلها، أم أنّ الاحتلال القديم يُستبدل باحتلال جديد، هذه المرّة مقنّع بوشاح الاستثمار؟
ولكن قبل أيّ تحليل، واجبنا أن نبدأ بالتحية الوافية للمجاهدين ولأهل غزة الصابرين. إنّ ما ظهر من صور الصمود والتضحيات التي لم يشهد العالم الحديث مثيلاً لها من قبل كان له الأثر الأعظم في قلب موازين القوى وإجبار من ظنّوا أنّ الدنيا قد حِيزت لهم على الجلوس إلى طاولة المفاوضات. ولئن اشتغل السياسيون بالأموال وخرائط المصالح، فإنّ القضية لا تتحرّك إلا بسواعد أصحابها وبدمائهم ووفائهم. هذا الفعل البطولي هو الأصل الذي يجب أن يُحتفى به ويُؤطَّر سياسياً وأخلاقياً في أي مشروع إعادة إعمار أو سلام في المنطقة.
فنحن، مهما كتبنا، نبقى على أطراف الميدان لا في قلبه، نحاول بالكلمة أن نلحق بخُطى من يكتبون التاريخ بدمائهم. وإن كنا عاجزين عن مدّ يد العون لهم، فغاية ما نرجوه أن تكون كلماتنا بصيص وعيٍ يعين شباب الأمة على تمييز دربها من بين دروب التضليل.
وبعد هذا التمهيد الواجب علينا، نعود إلى التحليل الموضوعي لما يجري في ميدان السياسة والمال، لنقف على صورة التحولات الكبرى التي تشهدها منطقتنا.
من بطولات الميدان إلى خريطة النفوذ والتحولات الإقليمية
هذا المقال هو الرابع في سلسلة تحليلية تسعى لقراءة بعض التحولات الجذرية التي نراها اليوم. ولكي نضع القارئ الجديد في قلب الصورة، نقدم هنا موجزًا مكثفًا للنقاط التي أرستها المقالات الثلاثة السابقة:
السيادة الجماعية أم الهيمنة المقنّعة؟ (الإطار النظري)
طرح النظرية القائلة بأنّ المنطقة تتجه لتقاسم النفوذ بين قوى إقليمية (السعودية، تركيا، إيران، مصر، إلخ) بدعم صيني/روسي، وأنّ إسرائيل تتحول من قوة مهيمنة إلى كيان تابع ضمن هذا النظام.
من القواعد العسكرية إلى الصفقات التجارية (تطبيق الواقع)
ربط النظرية بالوقائع الملموسة (صفقات ترامب، التقارب الإقليمي)، مشيرًا إلى تحول نموذج الهيمنة الأمريكية من الاحتلال بالقوة (القواعد العسكرية) إلى الشراكة بالاستثمار (الصفقات الاقتصادية الضخمة).
بين أوهام السيادة ومكر التبعية (النقد الفلسفي)
أجرى نقدًا تحليليًا للخطابين المتنافسين: خطاب “السيادة المضمونة” الذي يحتفل بالتحرر عبر رأس المال الخليجي، وخطاب “التبعية المعاد تدويرها” الذي يرى أنّ التبعية بقيت لكن بأدوات محلية. وحذر من أنّ الأمة ما زالت خارج دائرة الفعل.
انطلاقاً من هذا الأساس، نغوص اليوم في التحليل الدقيق لمستقبل غزة، معتمدين على رؤية تفكيكية لما يسمى بـ”خطة السلام” الأخيرة، لنسأل: هل يتم الآن تطبيق النظرية على أشد نقاط الصراع التهابًا؟ وهل يتم استخدام القوة المالية الإقليمية لتحويل غزة من مجرد أرض محتلة عسكرياً إلى منطقة تابعة استثمارياً ضمن الإمبراطورية الناعمة الجديدة؟
سنقوم بسرد النظرية وتفسيراتها لما يحدث الآن في محيطنا، ثم نُقدّم تحليلاً لها ونُبيّن أثرها على واقعنا ومستقبلنا.
السردية الأولى: خطة ترامب.. أم خطة الخليج؟
“لم يكن المشهد الإقليمي بحاجة إلى دليل أكثر إقناعًا على التحول العميق في موازين القوى من المشهد الذي رسمه الاتفاق المبدئي لوقف إطلاق النار في غزة. فبينما كان العالم يترقب خططًا غربية أو صهيونية لما بعد الحرب، جاءت التطورات الأخيرة لترفع ستارًا عن حقيقة مغايرة تمامًا، وهي أنّ مركز القرار لم يعد هناك في واشنطن، بل انتقل إلى مكان آخر.”
هذا ما يراه أنصار نظرية “السيادة الجماعية” في هذا الاتفاق، ويعتبرونه تتويجًا لما نادوا به طوال عامين، مؤكدين أنّ أحد أكثر الأوهام رسوخًا في الوعي الجمعي هو أنّ أي مبادرة كبرى في الشرق الأوسط لا بد أن تكون تحت علامة “صنع في واشنطن“. ويزعمون أنّ التحليل العميق لما سمي بخطط “ترامب” و”توني بلير” لغزة، يكسر هذا الوهم تمامًا.
داخل إطارهم التحليلي فالخطة ليست أمريكية، بل هي خطة لدول مجلس التعاون الخليجي، تم تبنيها وإقرارها من تحالفات كبرى تشمل أهم أعضاء منظمة البريكس (BRICS) بالإضافة إلى تركيا.
ولإعطاء النظرية أبعادهاً واقعية، دعنا ننظر إلى عنصرين رئيسيين من خلال عدساتهم: موقع أمريكا، وأداة المال.
موقع أمريكا
تحوّل دور أمريكا تحولاً جذريًا وأصبح محصورًا في “الوصاية على إسرائيل”. بمعنى آخر هي “المحامي” الذي يحاول إقناع العميل المذنب (إسرائيل) بضرورة قبول “صفقة الإقرار بالذنب” والخروج من الوضع القائم بأقل الخسائر. في هذا السياق يرون أنّ اتفاقيات إبراهيم لم تكن سوى محاولة لتحويل تبعية إسرائيل من المظلة الأمريكية إلى الرعاية الخليجية.
أداة المال
جوهر استراتيجية القوى الإقليمية، التي تتبنى مفهوم “السيادة الجماعية”، يكمن في إدراكها لطبيعة العدو الغربي الجديد. فبعد عقود من محاولات مقارعة القوة العسكرية الغربية، أدركت الأنظمة المالية الإقليمية أنّ “القوة العسكرية للغرب هي مجرد ميليشيات لمليارديراته”.
ولذا قرر العرب أن يدخلوا حلبة الصراع بحقائب مليئة بالنقد بدلاً من الدبابات. هذا التكتيك يعكس فهمًا عميقًا بأنّ النظام العالمي الحالي لا يحكمه السياسيون في واشنطن بقدر ما تحكمه “قوة الشركات غير الوطنية”، وهذه القوة يمكن شراؤها.
في سياق هذا النظام الجديد، أصبحت إسرائيل عبئًا على المصالح العالمية لرأس المال العابر للقوميات، الذي يرى في المنطقة مركزًا لوجستيًا واقتصاديًا يجب استقراره لا زعزعته.
خلاصة القول: تم تحويل المشكلة الإسرائيلية من مشكلة أمنية وعسكرية إلى “ملف يعيق الاستثمار والتنمية”، وبالتالي تضافرت الجهود على حلّها.
السردية الثانية: أمرتة غزة.. تحويل العقدة الأمنية إلى مركز استثماري
الفكرة المطروحة هنا ببساطة أنّ رأس المال الخليجي يسعى لـ “تذويب إسرائيل في محيطها تحت رعاية خليجية“. وهنا يظهر التفسير الجذري لمستقبل غزة في تصورهم تحت هذا النظام كالتالي:
خطة غزة ليست استعمارًا غربيًا جديدًا، بل فرصة لتحويلها لإمارة. فهم يرون أنّ غزة ستتحول إلى “مقاطعة” ضمن “الإمبراطورية الناعمة للسيادة الجماعية” حيث تكون دول مثل تركيا ومصر وإيران بمثابة “المراسي الإقليمية”، بينما يكون الخليج هو “محرك رأس المال”.
داخل هذا التصور تصبح غزة مركزاً للقرن الحادي والعشرين وبالتالي فالدمار الهائل الذي حلّ بالقطاع لا يُنظر إليه إلا باعتباره “دعوة لتقديم العطاءات للمقاولين”. لكنّ هذه المرة، يتم توظيف “رأسمالية الكوارث” لتحقيق هدف مختلف: إعادة بناء الترابط الإقليمي الذي كانت أمريكا تسعى لتقويضه دائمًا للحفاظ على هيمنتها.
ولضمان نجاح هذا المشروع الاستثماري، لا يمكن القبول باحتمال قصف إسرائيل للمشاريع التنموية مجددًا. لذا، تبرز مسألة الترتيبات الأمنية كشرط مسبق للاستثمار.
وبالتالي لا تستغرب حين تسمع أصحاب الخطة يؤكدون أنّ نزع سلاح كل الفصائل هو أمر لا مفر منه، ليس فقط من منظور إسرائيلي، بل من منظور حماية الاستثمارات الإقليمية. فالوجود الأمني العربي-الإسلامي الدولي (مصر، السعودية، الإمارات، قطر، إلخ) يضمن أنّ إسرائيل “لن تستطيع إطلاق طلقة واحدة” على القطاع. أو على الأقل هذا ما يتمنونه.
ولا ننسى أيضاً أنّ تصورهم مبني على أنّ الإدارة المستقبلية للقطاع ستكون عبر إدارة تكنوقراطية انتقالية (مع إقصاء السلطة الفلسطينية الحالية لفسادها وعدم شعبيتها على حد قولهم). وسيكون الحاكم الفعلي لغزة “حاكم مقاطعة” ضمن الإمبراطورية الناعمة، وليس رئيسًا لدولة مستقلة بالمعنى الكامل.
لكن مهما بلغت براعة هذه النظريات في تفسير الواقع، فإنّ ميزانها الحقّ لا يُقاس بذكائها التحليلي، بل بمدى انسجامها مع مبادئ الحق والعدل في شريعتنا.
النظرية في ميزان الشريعة
هذه القراءة قد تبدو للوهلة الأولى ذات مصداقية في تفسير بعض مظاهر إعادة ترتيب موازين القوى والنفوذ في المنطقة، غير أنّ خطورتها العقدية والسياسية تكمن في تبنّيها كمشروع نهائي للسيادة، وكأنّ السيادة تُقاس بحجم ما يُضَخّ من استثمارات أو بما يُقام من مشاريع، لا بما يُصان من حقّ القرار وملكية الأرض وكرامة الإنسان السياسية والاجتماعية.
يجب أيضاً مراعاة أنّ أصل الخلل في هذه النظرية لا يقف عند حدود توظيف المال أو السياسة، بل يبدأ من الفكرة التي تفصل مفهوم السيادة عن المرجعية الإيمانية، وتحصرها في معادلات النفوذ والمصالح. وهذا أصل كل الانحرافات اللاحقة في النظر إلى الأمة كـ«مشروع تسويقي» لا كـ«رسالة حضارة».
وأخيراً فإنّ تحويل قضيةٍ نُزف من أجلها الدم إلى مشروع استثماريّ يُدار من خلف المكاتب الفارهة، ليس تنميةً بل تسوية مقنّعة. فهو يستثمر تاريخاً طويلاً من النضال، بما فيه من تضحيات ورموز ومعاناة، لتسويق مشاريع ربحية لا أكثر. وكأنّ شعارهم يقول: ” نحن نبني غزة الجديدة تكريمًا لتضحياتكم.”
إنّ النظرة الإسلامية لهذه المحنة لا تغفل سلاح المال، لكنها تؤكد على أنّه خادم، وليس سيدًا. المال يُسخّر لنصرة الحق، ولا يُشترى به الحق.
السيادة الحقيقية التي ينشدها المسلم ليست سيادة وظيفية تُمليها المصالح العابرة للقوميات، بل هي سيادة التمكين التي قال الله فيها: ﴿الّذِينَ إِن مَكّنّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصّلَاةَ وَآتَوُا الزّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ [الحج: 41].
مخاطر التطبيق ومزالق الطريق
ولأنّ الوعي لا يكتمل إلا بالتحذير العملي، فهذه أبرز مواطن الخطر في المشاريع المطروحة لغزة:
- فخ “العمالة الرخيصة”: يجب الحذر من أن تتحول غزة إلى مجرد مصدر لـ”قوة عمل رخيصة” بلا حقوق، وأن يتم استغلال التنمية لخدمة مصالح المستثمرين دون تعويض ضحايا الإبادة.
- تسييس الإعمار وشراء الولاءات: من أكبر المخاطر أن يتحول ملف الإعمار إلى أداة لشراء الولاءات السياسية عبر عقود التمويل، بحيث يصبح القرار الفلسطيني مرهونًا بجهات مانحة، فتتجمد المقاومة مقابل استمرار التدفق المالي.
- تجريف الذاكرة والمناهج: إذا تم ربط الاستثمار بالتعليم والإعلام، فسيُعاد تشكيل وعي الأجيال القادمة بما يخدم الرؤية الجديدة لـ”السلام الاقتصادي”.
- قضية ملكية الأراضي: يجب علينا جميعاً إدراك هذه المعضلة وأنّ قضية ملكية الأراضي ستكون أكبر مقايضة. إذ من غير المعلوم حتى الآن كيف سيضمن الشعب الفلسطيني حقه في أراضيه ومنازله التي هُدّمت، بعد عملية إعادة الإعمار ومحاولة كل فريق الاستيلاء على أكبر قطعة من الكعكة.
حلول عملية وإيمانية
- صياغة ميثاقٍ وطنيّ اقتصاديّ منضبط بالشريعة، تشرف عليه هيئات علمية مستقلة، ليكون درعًا يحول دون تمرير أي مشروعٍ استثماريٍّ يمسّ ثوابت الأمة أو يهدد حقَّ العودة..
- اعتماد شراكات تنموية ذات بُعد مقاوم، بحيث يبقى هدف الإعمار خدمة بقاء الفلسطيني حُرّاً مقاوِماً، لا مستهلِكاً تابعاً.
- وضع ضمانات تكفل أن تقوم التنمية على أساس الإيجار طويل الأجل لا التملك المطلق للمستثمرين الأجانب، حفاظاً على السيادة المستقبلية.
أطفال غزة.. مستقبل يمتحن ضمير العالم
كل ما سبق يُنذر بأنّ “الحلول” المطروحة لقضية فلسطين صِيغت دون أن تراعي الفلسطينيين أنفسهم. فحتى لو تحوّلت غزة إلى مركز تكنولوجي عالمي كما يروّجون، فسيبقى السؤال: أين مستقبل أطفالها؟
فمن بين الركام خرجت ملامح الطفولة وهي تحاول أن تتعلم من جديد كيف تُمسك الحياة بيدٍ لا تزال ترتجف. لم يكن أطفال غزة شهودًا على الحرب فحسب، بل كانوا طرفها الأصدق؛ فكل حجرٍ سقط بجانبهم ترك ندبةً في أرواحهم قبل أجسادهم. ومع ذلك، ما زال في عيونهم بريقُ مَن لم يُقنعه الخراب بالتنازل عن حقّه في الغد.
إنّ مسؤوليتنا تجاههم لا تقتصر على ترميم المدارس والملاجئ، بل على ترميم المعنى داخل نفوسهم، على أن نُعيد لهم الثقة بأنّ هذا العالم ما زال صالحًا للعيش، وأنّ العدالة ليست وهماً يُعلَّم في الكتب. فهؤلاء الصغار، الذين واجهوا ما لا يحتمله الكبار، يحملون في داخلهم احتمالَ ولادةٍ جديدة لغزة، شرط أن نجد اللغة التي تواسيهم دون أن تُسكتهم، وأن نمنحهم حقّ الحلم دون أن نبيعهم أوهامًا عن “إمارةٍ تشبه دبي” تُشيّد فوق جراحهم.
سيكبر أطفال غزة، شئنا أم أبينا، حاملين ذاكرةً لا تشبه ذاكرة أحد. فإذا لم نُعنهم على تحويلها إلى وعيٍ وحكمةٍ ونور، تحوّلت إلى غضبٍ لا يُطوّع. ولذلك، فإنّ إعادة الإعمار الحقيقية تبدأ من الطفل لا من الطوب؛ من تهدئة الروح قبل بناء الحجر؛ ومن إعادة الثقة في الإنسان قبل الثقة في المشاريع.
فأي معنى نختار لأطفال غزة: أن يكونوا عُمّالاً في مشاريع الآخرين، أم صُنّاعاً لمستقبلهم؟
الخاتمة: وعي ما بعد النصر
إنّ مستقبل غزة لا يُصاغ في المكاتب، ولا يُشترى بالصفقات، بل يُكتَب في ساحات الصبر والمقاومة، على أيدي من قدّموا الدمَ مهراً للكرامة، حيث صبرُ الرجال وصمودُ النساء ودموعُ الأطفال. من يظنّ أنّ أمةً كهذه يمكن أن تُستبدل ولاءاتها بعقود إعمار، لا يعرف سُنن الله في التاريخ. فالأرض التي أنبتت رجالاً يقاتلون تحت القصف ليل نهار، لا يمكن أن تُستعمر بالاستثمار.
وإنّ أخطر ما قد تواجهه غزة اليوم ليس الحصار ولا الأنقاض، بل النسيان. أن ننسى من قدّموا الأرواح، وأن نُفرّغ المعنى من مضمونه تحت لافتات التنمية والإعمار. إنّ من لا يملك ذاكرته لا يملك مستقبله، ومن يقايض الوعي بالمشاريع يقبل أن يُحكم بأموال غيره.
ما نحتاجه ليس فقط “خطة إعمار”، بل خطة وعي تحفظ البوصلة وتبقي الصراع في موضعه الطبيعي: صراع على الحقّ والكرامة والقرار، لا على عقود الاستثمار. فكما قاومت غزة الاحتلال العسكري، ينبغي أن تقاوم الاحتلال الناعم الذي يأتي مضمخًا برائحة المال ووعد الرفاه. عندها فقط تكون قد حفظت نصرها من أن يُبتلع باسم التنمية.
وما دامت في غزة قلوب تعرف طريق القبلة، فلن تُهزم وإن التفّت حولها الإمبراطوريات الناعمة. لأنّ من يملك المعنى، يملك التاريخ.




