
مجلة أنصار النبيتُشارك الأسطول العالمي لكسر الحصار عن غزة
أكتوبر 11, 2025
19 شهيدا وانتشال جثامين 135 آخرين في غزة
أكتوبر 11, 2025إيزابيل داسيلفا
مابوتو – موزمبيق
نشأت في أسرة برتغالية الأصل استوطنت البلاد منذ زمن الاستعمار. كنا نُعرَف بين الناس بأننا “كاثوليك متدينون”، أمي لا تفارق الكنيسة كل أحد، وأبي كان يعمل موظفًا حكوميًا ويحرص على أن يربينا على الطقوس الدينية. لكني، منذ مراهقتي، كنت أشعر أن ما يُقال لي في الكنيسة لا يجيب عن أسئلتي الحقيقية. كنت أرى التفاوت الهائل بين الفقراء والأغنياء في شوارع مابوتو، الأطفال الذين يبيعون المناديل عند إشارات المرور، والنساء اللواتي يحملن الماء من مسافات بعيدة، وأتساءل: أين عدل الرب؟!
كبرتُ وأنا أدرس التمريض، لأنني أحببت مساعدة الآخرين. لكن مع كل مريض كنت أراه يموت أمامي رغم الدعوات والصلوات، كان قلبي يزداد حيرة!
منذ سنوات قليلة، واجهت أكبر صدمة في حياتي. ابنتي الصغيرة “لورينا”، التي لم تتجاوز الخامسة، أُصيبت بمرض مفاجئ في الرئة. نقلناها إلى المستشفى مرات عديدة، ولم نجد علاجًا. كنت أبكي أمام المذبح في الكنيسة وأتوسل: “يا يسوع، احفظ طفلتي”. لكن بعد أيام قليلة، فارقت الحياة بين يدي.
في تلك الليلة، انهرت. شعرت أن كل ما كنت أؤمن به انهار معي. لم أعد أجد عزاء في كلمات القس التي بدت مجرد شعارات. كنت أصرخ داخليًا: لماذا؟ ما معنى أن تُنتزع فلذة كبدي بهذه القسوة؟
وبدأت رحلتي في البحث عن إجابة..
كنت أقضي ساعات طويلة على هاتفي، أقرأ مقالات عن الأديان والفلسفات. لكن معظمها كان مجرد تنظير. وذات مساء، وأنا أتصفح “فيس بوك”، ظهر لي منشور مكتوب فيه:
“هل تبحث عن سبب وجودنا في هذه الحياة ولماذا خُلقنا أصلاً؟ هل تريد أن تعرف كيف يجيب الإسلام عن أسئلة الموت والآخرة؟ تحاور معنا في مشروع بصيرة الدعوي”.
تجمدت عيناي على تلك الكلمات. كأنها كُتبت لي. فتحت الصفحة، فرأيت صورًا قصيرة ومنشورات تقول: “الله رحيم بعباده”، و“الإسلام دين يجيب عن أسئلتك بوضوح”.
في أسفل الصفحة، كان هناك رابط صغير: “تحدث الآن مع داعية”.
شعرت بتردد. لكن صوتًا داخليًا دفعني لأضغط.
ظهر لي مربع محادثة. كتبت:
“مرحبًا.. اسمي إيزابيل، من موزمبيق. فقدت ابنتي منذ أشهر، ولم أجد في ديني ما يجيب عن أسئلتي. أريد أن أعرف: لماذا يأخذ الله الأطفال؟”
بعد لحظات، جاءني رد من داعية:
“مرحبًا بك يا إيزابيل، أنا سعيد بشجاعتك في طرح سؤالك. الإسلام لا يرى موت الأطفال عقوبة، بل رحمة. نؤمن أن الأطفال الصغار الذين يموتون، يكونون في الجنة مباشرة، في كنف رحمة الله”.
دمعت عيناي وأنا أقرأ. لأول مرة أسمع جوابًا يملؤني طمأنينة بدلًا من الغموض.
استمر الحوار بيننا. سألته:
• “لماذا يبتلينا الله بالموت والمرض؟”
• “هل الله قريب حقًا من الإنسان، أم بعيد لا يسمعنا؟”
• “هل يمكن أن ألتقي ابنتي يومًا ما؟”
فقال بهدوء:
“الله أقرب إلينا من حبل الوريد. يبتلينا ليختبر إيماننا وصبرنا، وليطهّر قلوبنا. ومن يصبر ويؤمن، فله الوعد بلقاء أحبّته في الجنة”. الموت ليس النهاية، لكن هو البداية للحياة الحقيقية.. الحياة الأبدية مع من نحب.
شعرت أن قلبي يرتجف. لأول مرة أشعر أن الموت ليس نهاية مظلمة، بل بداية لحياة أرحب.
قلت له: “لكنني لا أعرف الإسلام جيدًا وكيف أصبح مسلمة”.
ابتسم في كلماته ورد: “يكفي أن تؤمني أن الله واحد لا شريك له، وأن محمدًا آخر رسله. هذه البداية، والباقي تتعلمينه معنا بإذن الله خطوة خطوة في مشروع بصيرة”.
سكتُّ طويلًا. كنت أشعر أن ابنتي “لورينا” تبتسم لي من عالم آخر، تقول: “افعليها يا أمي”.
قُلت: “أريد أن أنطق الشهادة الآن”.
كتب لي الداعية: “رددي معي: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله وأن عيسى عبد الله ورسوله”.
كررتها بصوت مسموع، وأنا أبكي بحرارة. في تلك اللحظة، شعرت أنني لست وحدي، وأن الله يضمني برحمته.
بعد أن هدأت، أرسل لي الداعية روابط تشرح كيفية الصلاة، وكيف أبدأ بقراءة القرآن المترجم. قضيت بقية الليل وأنا أحاول الوضوء لأول مرة، ثم صليت ركعتين بسيطتين. لم تكن حركاتي متقنة، لكني بكيت في كل سجدة. واتفقنا على استمراري في تعلم تعاليم الإسلام في قسم التعليم للمهتدين الجدد ضمن مشروع بصيرة.
في اليوم التالي، استيقظت بشعور مختلف. نظرت إلى السماء، وقلت: “يا الله، أشكرك لأنك لم تتركني في الظلام”.
بدأت حياتي تتغير. لم أعد أبحث عن عزائي في الكؤوس أو في الصرخات في الكنيسة. صرت أجد السكينة في الصلاة. لاحظ زوجي أنني تغيرت. سألني: “لماذا تبدين مختلفة وأكثر هدوءاً هذه الأيام؟” فأخبرته أنني وجدت الطمأنينة في الإسلام. في البداية غضب، لكنه مع الوقت بدأ يرى التغير في أخلاقي وصبري، فهدأ.
كنت أزور قبر ابنتي وأدعو لها، لكن هذه المرة بلسان مسلم. لم أعد أراها ضائعة، بل في رحمة الله، أترقب لقائي بها في الجنة.
اليوم، أشعر أنني لم أفقد ابنتي فقط، بل ربحت نورًا يضيء لي طريقي. وجدت في الإسلام الإجابات التي بحثت عنها سنوات. تغيّرت حياتي. كنت غارقة في الحزن، حتى وجدت بابًا يفتح أمامي على مصراعيه. مشروع “بصيرة” كان ذلك الباب، والدعوة كانت اللمسة التي أنقذتني من العتمة.
الحمد لله الذي هداني، وأسأله أن يثبتني على دينه، حتى ألتقي بابنتي في جنات الخلد.