
سيد قطب في ظلال القرآن (3)سيد قطب: حياته، فكره وأعماله
أكتوبر 14, 2025
يوم استشهاد القسام
أكتوبر 15, 2025الشيخ حسن أيوب
رحمه الله
أمامي جريدة السياسة الكويتية الصادرة بتاريخ 7/8/1976م وفيها العناوين الآتية عن معارك لبنان: “مذابح في حي النبعة. ذبح وسحل المدنيين وهدم البيوت”، “شاهد من تل الزعتر يقول: الكلاب نهشت جثث الضحايا، والعدس أنقذنا من الموت جوعاً”، “ترحيل جرحى تل الزعتر تحت طلقات القناصة”، “٥۰۰ قتيل وجريح في لبنان في يوم وقف إطلاق النار”.
وتقرأ تحت هذه العناوين الأعمال الوحشية التي يرتكبها المتقاتلون بلبنان، ومن هذه الأعمال: منع الصليب الأحمر من إسعاف آلاف المصابين الذين يموت منهم كل يوم عشرات، مع أن أقل المبادئ الإنسانية حتى في الحروب العالمية توجب إنقاذ أمثال هؤلاء، وتمكين الهيئة الطبية من مباشرة عملها معهم، كذلك منع الماء إلى درجة موت الأطفال والنساء والشيوخ عطشاً، أما الطعام فلم يبقَ في المعسكر سوى العدس يأكلون منه كل يوم وجبة كي تنقذهم من براثن الموت ومخالبه.
فإذا تصورت أن بالمعسكر من الأطفال والنساء والشيوخ ما يزيد عن ألف أدركت قسوة هؤلاء الصليبيين، ووحشيتهم، وحقدهم الأسود ضد المسلمين. وأدركت أن الذين يأملون الخير منهم ليسوا إلا حمقى مستغفلين.. وقد سقط المعسكر يوم 12/8 سنة ١٩٧٦ بعد حصار دام سبعة أسابيع. وهذه حلقة في سلسلة من المآسي والنكبات والبلايا التي صبها أعداء الإسلام على رأس المسلمين فخربوا الديار، ويتموا الأطفال، ورملوا النساء، وأبادوهم جماعات وفرادى دون أي مبرر أو سبب سوى ما ينهش قلوبهم الوحشية من حقد وحسد وغليان على كل مسلم من أمة محمد ﷺ وصدق الله تعالى إذ يقول: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلْتَهُمْ﴾ [البقرة: ۱۲۰]. وما من يوم يمر إلا ويقرأ المسلم عن أنواع من التعذيب والتقتيل والتنكيل بالمسلمين في بلد من بلاد الله ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الحَمِيدِ﴾ [البروج: ۸].
ويستوي في تعذيب المسلمين وتشتيتهم من كان في بلاد المآذن، ومن كان في بلاد الصلبان والكنائس، ومن كان في بلاد داس حكامها المسجد والكنيسة معاً وهدموا جميع معابد الله تعالى!
فهناك مذابح حدثت للمسلمين في إثيوبيا، وإرتريا، والصومال، والسودان، ومصر، وعدن، والعراق، وسوريا، وليبيا، وفلسطين، ولبنان، وروسيا، ويوغوسلافيا، ورومانيا، وأندونيسيا، والفلبين، والمغرب، والهند، وباكستان!
وهناك اضطهاد فكري وحركي لكل جماعة إسلامية حية ذات أثر فعال، ودعوة تحررية تهدف إلى إعادة الإسلام فهماً وعملاً وحكماً، وأسلوب حياة. وهناك اضطهاد مالي لكل شاب يؤمن بالله صادقاً، ويسير على نهج الإسلام مخلصاً!
وهناك اضطهاد سياسي لكل صوت حر أبيّ يدعو باسم الله إلى رفع الظلم عن عباد الله!
وهناك إلحاد سافر، وكفر صراح، وإجرام مقنن، وفواحش مستهترة!
وكل ذلك ينهش في دين المسلم، ويعلن الحرب عليه.
وكل هؤلاء الكفرة والملحدين، والفسقة والمجرمين، لا يريدون بما يفعلون إلا إطفاء نور الله، والقضاء على دينه، وإزالة أي أثر حيوي لمدرسة محمد ﷺ!
وإن أنس لا أنسى ما نزل بالإخوان المسلمين في كثير من البلاد العربية -خصوصاً مصر- من التفنن في تعذيب شبابهم وشيوخهم وأطفالهم ونسائهم بصورة يشيب لهولها الوليد، ويبكي عند سماعها الحجر الصلد.
العجز أمام العدو الصهيوني
وكلنا يذكر أن العرب بقضّهم وقضيضهم، وملايينهم التي تزيد على المائة والعشرين مليوناً، عجزوا على مدى ثلاثين سنة عن الوقوف أمام الزحف الصهيوني الكاسح، ولا يزالون عاجزين!
ولكن هؤلاء العرب فيما بينهم مزق بعضهم لحم بعض، وأعلن كثيرون الحرب على إخوان لهم في العروبة والإسلام، حتى حرقوهم بقنابل النابالم، وهدموا قراهم بالدبابات، وداسوا أطفالهم بالأحذية، وأمسكوا بالمصحف فرموا به في الأرض وداسوه بالأقدام، وحرقوه مع عشرات الآلاف من الكتب الإسلامية، وسحلوا المسلمين على وجوههم مربوطين بالسيارات حتى مزقوهم شر ممزق. وفجروا الفتيات العذارى، وأبادوا الوطنيين بالمئات، وجعلوا من الوطن سجناً كبيراً فيه ملايين المعذبين والمضطهدين والمكممين.
وإنك لتبكي أسى وكمداً حين تعلم أن العربي الذي يعيش في إسرائيل أكثر حرية من العربي الذي يعيش في كثير من الأقطار العربية، وآية ذلك أنك تسمع بين الحين والآخر بخروج تظاهرات في إسرائيل واحتجاجات ومعارك مع الشرطة هناك، ولكنك لا تسمع عن مظاهرة واحدة في أي بلد من تلك البلاد العربية، وإن وُجدَت سُلّطت عليها النيران وضُرب المتظاهرون بالرصاص، وأُخذوا جماعات وفرادى إلى أقفاص التعذيب والتقطيع والتنكيل. حتى أصبحت لا تسمع صوتاً واحداً حراً في أي بلد من البلاد العربية المحكومة بالدكتاتوريين، وما أكثرهم في هذه الدول!
وها أنت ذا وهو وهي وهم وهن ترون في بلاد العروبة والإسلام مفارقات تبكي وتدمي، وتخجل وتخزي، وتفرغ وتزعج، حتى إن من يسمع بها يكاد يصدق كلام اليهود “بأن العرب شعوب لا تستحق الحياة الكريمة، وليست لها بأهل”! واخزیاه یا عرباه!
عندنا زعماء متسلطون بقوة الحديد والنار على شعوب أنهكها الفقر وأشقاها المرض، وأذلتها الحاجة، حتى صارت من فرط الضياع كالأموات، يمر على أشلائها الطغاة فلا تتحرك، وتُغتصب أعراضها فلا تأبه، وتسلب اللقمة من أفواهها فلا تزيد على نظرة حزينة مستكينة ليد اللصوص.
وعندنا أغنياء جزارون، بأيديهم جميع المدى لذبح الشعب وسلخه، وحكام لصوص يسرقون من الشعب قوته وعرضه وشرفه وحياته، وأدباء وعلماء وكتاب هم أبواق لتبرير الإجرام وإنشاء أنواع المسالخ والمجازر ومدارس الهدم والنفاق، ليموت الشعب باسم العلم عندنا، وباسم العلم يخدر الجميع ويأكل الأفيون حتى لا يكون به حراك مهما أذل وأهين.
أما كبار موظفينا فآلهة متربعون على عرش من البغي والكبر والغرور والحمق، والخبث والجهل وقذارة النفوس، ونجاسة القلوب، وظلام العقول.. وإنها لصورة تجعلك تكبر على الإنسانية أربع تكبيرات، وتركل جنازتها بالقدم لأنها لا تستحق التشييع.
وهكذا تعيش الشعوب العربية والإسلامية في مطحنة الحكام المتسلطين، والأغنياء المتوحشين، والرؤساء المتألهين الساقطين. فهل هناك حياة أسوأ وأنكى وأدمى وأذل من حياة هذه الشعوب ذات الحضارات العريقة والمبادئ المقدسة المهجورة!
إنك أيها القارئ تستطيع أن تعرض نماذج من ظلم الاستعمار وفتكه وإذلاله للشعوب، وكبته للحريات، ووأده للإنسانية واضطهاده الوحشي للإسلام والمسلمين، وتستطيع أن تفتح صحائفه فتجدها داميةً كلها، وتجد فيها الإنسان العربي والمسلم أهون على المستعمر من حشرات الأرض وهذا حق.
ولكنك لن تجد أكثر الحكام العرب والمسلمين، ولن تجد أغنياءهم ورؤساء الموظفين فيهم أقل وحشية، ولا أدنى إلى الخير والعدل من المستعمرين. بل هم أشد في كثير من الأحايين.
إن وحوش الحكام والأغنياء والمترئسين أوهموا الشعوب أنهم المخلصون والمنقذون والواقفون ضد الاستعمار والظلم بجميع أنواعه وأشكاله، وصدقت الشعوب ذلك منهم فأعطتهم سلطة غير محدودة وقدستهم قداسة الآلهة، ومكنت لهم في كل شيء، ولم تعلم الشعوب المضللة طبيعة الإنسان. حتى وجدت أولئك جميعهم يسحقون الشعب سحقاً، ويذبحونه ذبح النعاج، ويلغون كالكلاب في دمه وبقاياه.
والواقع أن جميع حركات التحرير كانت الشعوب وقودها، وكانت وحدها المصابة بكل داء يرميها به المستعمر، والمريضة بكل مرض جعله وباء للقضاء عليها.
أما الزعماء فهم حملة المباخر، وأكلة الموائد، وقاطفو ثمار.. هم عندنا هكذا، وكذلك في أكثر العالم هم في أكثريتهم طفيليات تلتف حول الشعوب لتمتص حركتها، ودماءها وحياتها.
هل وجدت دم زعيم ينزف من آثار معركة؟ الجواب: لا، ومع ذلك يصنع له تمثال!
هل وجدت تمثالاً للشعب تقديراً لما نزف من دمائه؟ الجواب: لا، وجزاؤه أن يوضع في حبل المشنقة!
إنها الحقيقة وإن كانت أمر من كل مر.
وإنها المأساة العربية والإسلامية وإن كانت مخجلة ومزرية..
وأنها الحياة لأكثرية من البشر، وإن كانت تعكس وحشية الإنسان ودناءته!
هذه الحقيقة هي حقيقة الإنسان نفسه حين يكون فارغاً من نور الله وهديه، وهي الصورة العامة للبشرية ما لم يكن دين الله مهذباً لوجدانها ومسيطراً على مشاعرها..
وهي الأصل في الإنسان سواء تحرك في صورة ذئب، أو ثعلب، أو أسد، أو لبؤة، أو حمار، أو خنزير. إلا في حالة واحدة، وهي أن يقول: ربي الله. ثم يستقيم على دينه.
إن المشكلة ليست مشكلة مستعمِر ومستعمَر، وحاكم ومحكوم، وغني وفقير، ورئيس ومرؤوس، بدليل أن الفقير إذا اغتنى، والمحكوم إذا حكم، والمرؤوس إذا ترأس، لبس كل ثياب الوحش والغدر، والفتك والافتراس.
إن المشكلة هي مشكلة الإنسان في طبيعته الحيوانية، ونزواته البهيمية، وطموحاته السافلة المنحطة. والكل كذلك حين لا يكون دين، مع فارق بسيط جداً: هو أسلوب تربية هذا الإنسان الحيواني، والقوانين التي تحكمه، والبيئة التي نشأ فيها، والثقافة التي غزت فكره. كل ذلك بغير دين يلون شكل الإنسان فقط، ولكنه لا يغير من طبيعته، ولا يسمو به على حيوانيته إلا بقدر محدود، وفي حدود القيود التي نشأ فيها، ولذلك حين، ببعده عن البيئة، أو تخفيه عن سلطة القانون، أو ينطلق من هذه القيود تمكنه من التنفيس عن الوحشية التي بداخله فإنك ترى منه كل ما سبق ذكره، يستوي في ذلك أستاذ الجامعة والزبال، وناظر المدرسة وماسح الأحذية، والجالس على عرش الملك في الأرض والذي يفترش الثرى وينام على المزابل، كما يستوي عالم الذرة وعامل في دبغ الجلود.
في حالة واحدة فقط يصير هذا الإنسان ملكاً رحيماً، وأخاً نبيلاً، وإنساناً سماوياً، ومصلحاً متواضعاً، وزعيماً أبوياً، ورئيساً خادماً، ونوراً يشع في جنبات الحياة، وأملاً لكل صاحب حاجة، وإنساناً يحمل أكرم معاني الإنسانية: وهي حالة تشبعه بالإيمان بالله، وامتلائه بالفهم والخضوع لأسمائه تعالى، وشعوره بالسعادة وهو يدخل مدرسة محمد ﷺ ويشرب من عذب مائها، ويحيا بروح كلماتها، ويلبس ثياب فضائلها ومزاياها. إنه حينئذ شيء آخر تماماً لأنه مع الله.
إنه الروح السماوي الذي سرى في الجسد الأرضي فهو إنسان رباني.
وهو النور الرباني الذي أشرق في الكيان الحيواني؛ فهو حيوان سماوي، وهو الحكمة الإلهية في وعاء من صنع الله وإبداعه؛ فهو إبداع إلهي، وهو الماء النازل من السماء على الأرض الطيبة المباركة؛ فهو عطاء بالخير والرحمة، وهو النهر العذب الصافي الذي يرسل في الأرض جداول ماء الحياة فهو حياة أينما وجد.
وليس معنى ذلك أن ربانيته تعصم من الخطايا بشريته، ولكن معناه أن ربانيته تعيده إلى ربه كلما غلبت عليه بشريته، فيعرض على الله ضعف بشريته، ويسأله غفر ذنبه وزلته، فلا يجد إلا رحمة واسعة، وفيضاً كريماً، وشمولاً بالعناية والرعاية من قبل الله الذي ثاب إليه، وتذلل له، وارتمى في أحضان عفوه ورحمته، ولذا جاء في الحديث: “كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ”.
وتستطيع بعد ذلك الفهم أن تفسر ظواهر كانت في نظرك متناقضة، ولكنها في الحقيقة متوائمة ومنسجم بعضها مع بعض كل الانسجام.
فإذا كان الفرنسيون قد دخلوا الجامع الأزهر بخيولهم في آخر القرن الثامن عشر، فإن الجيش السوري قد هاجم المصلين في المسجد الأموي وحاصرهم بالدبابات والمدافع، ودخل الجنود بأحذيتهم ورشاشاتهم يحصدون المصلين حصداً لا رحمة فيه ولا إنسانية ولا وطنية.
وكما سلط هيلاسلاسي جيشه القذر الوحشي على مسلمي أرتريا؛ فجمعوا الرجال في المنازل وأشعلوا النيران فيها، وحرقوا قريتين من تسع قرى سنة ١٩٦٦م، وكانت طائرات السلاح الجوي الإثيوبي تُرسل الى القرى في الأراضي المنخفضة الغربية فتسويها بالأرض كما هو مدون في وثائق رسمية، فإن الجيش المصري حاصر مدينة “كرداسة” بمحافظة الجيزة وأخرج الرجال من الدور ومعهم النساء والأطفال، وهدموا كثيراً من أسقف البيوت، وأتلفوا لهم الحبوب والدقيق، ثم جعلوا الرجال عرايا كما ولدتهم أمهاتهم وأخذوا يجلدونهم بالسياط أمام نسائهم ولم يكتفوا بذلك، بل أجبروا الرجال العراة أن ينحنوا مثل الحمير ليركب النساء ظهورهم، ثم سيروهم كذلك في الشوارع زيادة في الإذلال والقهر، ومنعوا أهل هذه المدينة الريفية من الخروج إلى الحقول لإطعام حيواناتهم، أو سقي هذه الحيوانات مدة ثلاثة أيام.
وإذا كان الاستعمار الإنجليزي قد جلد الفلاحين المصريين سنة ١٩٠٦ وعلقهم على المشانق بقرية دنشواي منوفية ظلماً وغدراً وبمحاكمة عسكرية صورية.. فإن دكتاتور السودان قتل في يومين اثنين ما يقرب من مائة شخص بعد محاكمة عسكرية لم تستغرق ثلاثة أيام!
وحدث مثل ذلك في العراق، وفي عدن، وفي الصومال، وفي أندونيسيا وليبيا وغيرها، وكل ذلك على أيدي الزعماء الوطنيين شكلاً وانتماء!
وما من فظائع ارتكبها الصليبيون، أو الصهيونيون، أو الشيوعيون ضد المسلمين في بلد من البلاد، إلا وتجد مثلها قد حدث للمسلمين على أيدي زعماء ينتمون للإسلام والوطنية العربية والإسلامية، حتى أصبح الإنسان المسلم يشك في وطنية هؤلاء الزعماء كما يشك في انتمائهم إلى الإسلام.
وقد كان ذلك مثار عجب شديد واستغراب أشد. ولكن العجب يزول إذا أدركنا أن كل هؤلاء الذين يكيدون للإسلام وللمسلمين وللإنسان المسالم، وللمسلم الوديع، ليسوا إلا وحوشاً في ثياب إنسان. إنهم بغير دين، لذا كانوا جميعاً بغير إنسانية أو رحمة، إنهم بغير خضوع لجلال الله وبغير خوف من لقائه ونقمته وعذابه الأبدي، لذلك لم يكونوا يوماً مصلحين، ولن يكونوا كذلك إلا إذا انخرطوا في سلك حزب الله.
والخلاصة: أن العداوة بين الإيمان والكفر عداوة بين طبيعتين متناقضتين فلا يلتقيان أبداً، ولا أمل في صلح ووفاق بين متناقضين بالطبيعة، وأن هذه العداوة تأخذ دائماً شكل السطو والقهر والحرب الباردة أو الساخنة، وأن للكفار أملاً في القضاء على المؤمنين، وليس للمؤمنين أمل في القضاء على الكفار، لأن الله تعالى علمهم أن الحياة بدأت بالإيمان وتنتهي بالكفر، كما علمهم أن الصالحين في الأرض عددهم دائماً بالنسبة للكفار
قليل. قال تعالى: ﴿وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ [يوسف: ١٠٤].
وقال تعالى: ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الأنعام: ١١٦].
فلا بد إذن من إدراك المؤمنين لواقع الكافرين، وعدائهم الأصلي لهم، ومحاولتهم الدائمة للقضاء عليهم، وكتم أنفاس دعوتهم، وحصر تحركات مبادئهم، واستعمال أشد أنواع التضييق ضدهم، سواء كان هؤلاء الكافرون في ثياب شيوعيين، أو في ثياب يهود، أو نصارى أو حتى في ثياب مدعي الإسلام.
ويجب أن يدركوا أن هؤلاء جميعاً مقتنعون باستباحة دم المسلم وماله وعرضه، وأن مهادنتهم للمسلم أمر استثنائي عَرَضي، وليس أصلاً ولا مبدأ وأن الصورة التي تصل إلينا كل يوم عن طريق أجهزة الإعلام، تكشف لنا عن ضربة للإسلام هنا وضربة هناك حتى تتوزع الضربات على البلاد الإسلامية توزعاً مخططاً مرسوماً، بحيث لا تحدث الضربة في أي بلد إسلامي شد انتباه المسلمين إليها إلا فترة وجيزة، ثم نسمع دوي ضربة أخرى في بلد آخر فيُنسى اللاحق منها السابق، ويلهي ما يحدث في الشرق عما حدث في الغرب وهكذا.. ضرب يتوالى وانتقاص من أفراد المسلمين وأرض الإسلام بطريقة مسبوكة ومحبوكة، ومتماشية مع أسلوب العصر.. هذه الصورة إن استمرت فلن تبقى للإسلام والمسلمين إلا المذلة والهوان، وحياة يكون الموت خيراً منها وأكرم ألف مرة.
فماذا يفعل المسلمون إذن؟
هذا سؤال ليس لنا الحق في الإجابة عليه من عند أنفسنا؛ إنما الذي يجيبنا عليه هو الله تعالى في كتابه وعلى لسان نبيه محمد ﷺ، لأن الله تعالى هو خالق الإنسان وهو الأعلم بما يصلح له، ولأن الله تعالى هو المالك للإنسان، والمتصرف في شأنه، والكل عبد خاضع لأمره تعالى وحكمه، ولأن الله تعالى هو الذي بيّن لنا طبيعة الإنسان، وشرع الطريق لإصلاحه وتهذيبه؛ فلنبحث إذن عن الطريق الذي رسمه الله لنسير عليه في حياتنا الإنسانية.
هذا الطريق هو الجهاد!