
شـهيد بالبريج والاحتلال يواصل تدمير غزة
نوفمبر 6, 2025
مستقبل غزة.. من الاحتلال العسكري إلى التبعية الاستثمارية
نوفمبر 7, 2025عبد القادر مهدي أبو سنيج
باحث شرعي
تكلمنا في المقال الماضي عن أن حياة الشهداء ثابتة بالنص القطعي، وأن الشهيد المقتول في معركة ناصعة -كالتي تجري بين المسلمين واليهود- هو أرجى الناس بالتحصل على منزلة الشهادة، ولهذا فإن الذين يقفون موقف الصدّ والنكير والتنفير عنهم ممن ينتسبون إلى العلم، ويصفونهم بالموتى أو القتلى -تحقيراً وتنقيصاً، وبخلاً عن وصفهم بالشهادة- إنما هم على شفا جرف هار من الإيمان. لا سيما أولئك الذين يتبعون هذا القول بوصف “مستراح منه” كما يفعل (الـمَداخلة) ومشايخ السلطان، وذكرنا أن هذا الأمر مرتبط بالاعتقاد!
وفي هذا المقال نواصل الحديث، فنقول:
(2) ارتباطه بالولاء والبراء
من أخطر أشكال محادة الله عز وجل ورسوله ﷺ ومعاداة المؤمنين: الانسلاخ من الأمة والوقوف مع عدوها؛ فيصبح الولاء والمحبة لمن حادّ الله ورسوله وعادى المؤمنين وينعقد العداء للمؤمنين.
فيكون خروجاً على الله عز وجل ورسوله ﷺ والأمة، ويصبح هؤلاء الخارجون قتلة لأهل الإسلام، يوادعون ويوادّون مَن حادّ الله سبحانه ورسوله ﷺ، من أهل الكفر والفسوق والعصيان.
وهذا يمر بمراحل خطيرة أشدها: مرحلة النطق باللسان، وهذه المرحلة تدخل صاحبها في التشابه بالقول الذي يقود للتشابه بالفعل، وسريعاً ما يكون تشابهاً بالاعتقاد.. قال تعالى: ﴿كَذَ لِكَ قَالَ ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِم مِّثۡلَ قَوۡلِهِمۡۘ تَشَـٰبَهَتۡ قُلُوبُهُمۡ﴾ [البقرة: ١١٨]. أي: أشبهت قلوب مشركي العرب قلوب مَن تقدمهم في الكفر والعناد، وسيكون هذا التشابه لمن يأتي بعدهم.
إنهم لما تشابهت قلوبهم بالكفر تشابهت أقوالهم وأعمالهم. وهكذا كل مَن نَسب حصول الشر أو زوال الخير لما جاءت به الرسل أو لبعضه؛ فهو داخل في هذا الذم الوخيم.
ويجوز أن تكون: “وجُمْلَةُ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ تَقْرِيرٌ لِمَعْنَى ﴿قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِم﴾، أَيْ: كَانَتْ عُقُولُهُمْ مُتَشَابِهَةً فِي الْأَفْنِ وَسُوءِ النَّظَرِ فَلِذَا اتَّحَدُوا فِي الْمَقَالَةِ. فَالْقُلُوبُ هُنَا بِمَعْنَى الْعُقُولِ كَمَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ. وَقَوْلُهُ ﴿تَشابَهَتْ﴾ صِيغَةٌ مِنْ صِيَغِ التَّشْبِيهِ، وَهِيَ أَقْوَى فِيهِ مِنْ حُرُوفِهِ وَأَقْرَبُ بِالتَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ”.
ولذا حسم النبي ﷺ ذلك بحكم حاسم لفظه واضح؛ فعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ”. وفي الصحيحين: عن أنس، عن النبي ﷺ قال: “المرءُ معَ من أحَبّ”.
فقوله: (من تشبه بقوم) هذا عام في الخَلق والخُلق والشعار، وإذا كان الشعار أظهر في التشبه، وقال ابن كثير: “فَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى النَّهْيِ الشَّدِيدِ وَالتَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ عَلَى التَّشَبُّهِ بِالْكُفَّارِ فِي أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ وَلِبَاسِهِمْ وَأَعْيَادِهِمْ وَعِبَادَاتِهِمْ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِهِمُ التِي لم تشرع لنا ولا نقر عليها”. وقال ابن تيمية: “وهذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبِّه بهم كما في قوله: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾ [المائدة: 51]”.
ومن عجيب أن هذه اللفظة “مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ” جاءت في الحديث المشهور والذي رواه الإمام أحمد من حديث “ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “بُعِثْتُ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي، وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ”.
وبالرغم من كل هذا تجد طائفة انسلخت من دينها، وتولت قوماً غضب الله عليهم فأصبحوا يضاهئون قول الذين كفروا وتشابهت قلوبهم، بل أصبح المغضوب عليهم يأتمون بهم وينتظرون تصريحاتهم ليقولوا بقولهم ويرددوا شبهاتهم.
(3) لَا سَوَاءً، قَتْلَانَا في الْجَنَّةِ وَقَتْلَاكُمْ في النَّارِ
هذا من أصول الإسلام ومن أركان الإيمان، مقرون بتعظيم الله وتوحيده، بأن الشهيد حي عند ربه، وهو إقرار بالبعث وتسليم بالخبر.
وقد ورد هذا في القرآن في موضعين: في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ [البقرة: 154] قال نجم الدين الطوفي: “فيه مسألتان: أنه عام في كل مقتول في سبيل الله أنه حي يرزق، وهو مطرد إلا من دل دليل خاص على أنه ليس بحي لكن لم نعلم ذلك ولم يبلغنا عن أحد.
ومفهوم الآية: أن غير المقتول في سبيل الله لا يقال له حي بل ميت، وهاتان من قبيل مسائل المعاد واليوم الآخر، إذ أول اليوم الآخر من حين الموت، ولهذا ورد أن من مات فقد قامت قيامته.
وقوله: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران: 169].
وورد في السنة في أشهر أحداثها وفي أشد مواطن الصراع بين التوحيد والشرك فتواترت جملة “قَتْلَانَا في الْجَنَّةِ وَقَتْلَاكُمْ في النَّارِ” تواتراً معنوياً ومع إضافتها للآية يصبح معناها قطعياً في لفظه ودلالته وأن من قُتل في سبيل الله حي يرزق وينعم ويحرم أن يقال عنه “ميت”.
أما الأحاديث والأحداث التي وردت في تقرير هذا الأصل وتثبيته واشاعته والدعوة إليه ونفي كل معنى يخالفه أو ينافيه فهذا بيانه:
الموقف الأول: في غزوة أحد لما أراد أبو سفيان الانصراف، فأشرف على أصحاب النبي ﷺ في عرض الجبل فنادى بأعلى صوته فكان مما قَالَ: “اعْلُ هُبَلْ” فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: “اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ” فَقَالَ: قَالَ أبو سُفْيَانَ: “يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ وَالْحَرْبُ سِجَالٌ”، فَقَالَ عُمَرُ: “لَا سَوَاءً، قَتْلَانَا في الْجَنَّةِ وَقَتْلَاكُمْ في النَّار”ِ، قَالَ أبو سفيان: “إِنَّكُمْ لَتَزْعُمُونَ ذَلِكَ، لَقَدْ خِبْنَا إِذَنْ وَخَسِرْنَا”، ثُمَّ انْصَرَفُوا رَاجِعِينَ.
قَالَ ابن القيم “ فَأَمَرَهُمْ بِجَوَابِهِ عِنْدَ افْتِخَارِهِ بِآلِهَتِهِ وَبِشِرْكِهِ، تَعْظِيمًا لِلتَّوْحِيدِ، وَإِعْلَامًا بِعِزَّةِ مَنْ عَبَدَهُ الْمُسْلِمُونَ، وَقُوَّةِ جَانِبِهِ، وَأَنَّهُ لَا يُغْلَبُ، وَنَحْنُ حِزْبُهُ وَجُنْدُهُ”.
لا تنازل عن المبادئ ولا عن الدور الحضاري للأمة وأن نتمثل تلك الشعارات التي رفعها المسلمون بعد المعركة: الله أعلى وأجل.. الله مولانا ولا مولى لهم.. قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار.
فهذه هي الأصول:
- تعظيم الله تعالى
- أَن الوليَّ حقاً الجدير بأن يُستنصر به هو الله تعالى وحده.
- تمحيض القتال ليكون في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا، وكل من قُتل في سبيل الله فهو شهيد ويُحرم أن يقال عليه “ميت”.
فهذه المسألة شملت توحيد الله وتعظيمه، وموالاة المؤمنين ومعادة الكافرين بتحقيق الصفة التي وُصف بها سيد الخلق وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين في قوله تعالى: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾ [الفتح: 29]. والإيمان باليوم الآخر والتسليم بالطاعة لأمر الله عز وجل ووحيه في القرآن واتباع رسوله ﷺ والتأسي به في سنته.
ويشير إلى بعض هذه المعاني قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾ [المائدة: 55-56]، بعد أن نهى القرآن الكريم المؤمنين عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياءَ؛ لأن بعضهم أولياءُ بعض، فلا يتصور أَن يخلصوا في مودة المؤْمنين، وبيّن أَن من يصافيهم يكون منهم، وأَن مودتهم تؤَدي إلى الارتداد. ثم بيّن حكمَ المرتدين مطلقاً.. بعد ذلك، جاءَت هذه الآية، تبين أَن الوليَّ حقاً الجدير بأن يُستنصر به هو الله تعالى وحده، وكذلك رسوله ﷺ والمؤْمنون. فإن الاستعانة بهم، استعانةٌ بالله تعالى.
جاءت الآية بذلك تحريضًا للمؤْمنين على الاستنصار بالله ورسوله والمؤْمنين، وتحذيراً من موالاة مَنْ تَجُرُّهُ مصافاته لغير المسلمين، إلى الردة عن دين الله”.
الموقف الثاني:
كان في صلح الحديبية، وَذَلِكَ فِي الصُّلْحِ الَّذِي كَانَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ وفيه:” فجاء عمر بن الخطاب فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ: “بَلَى”، قَالَ: أَلَيْسَ قَتْلَانَا في الْجَنَّةِ وَقَتْلَاهُمْ في النَّارِ؟ قَالَ: “بَلَى”، قَالَ: فَفيم نُعْطِي الدَّنِيَّةَ في دِينِنَا، ونَرجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمِ الله بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ؟ فَقَالَ: “يَا ابْنَ الْخَطَّابِ إِنِّي رَسُولُ الله وَلَنْ يُضَيعَنِي الله أَبَدًا”، قال: فَانْطَلَقَ عُمَرُ فلم يصبر متغيظًا، فأتى أبي بَكْر، فَقَالَ: يا أبا بكر أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ: “بَلَى”، قَالَ: أَلَيْسَ قَتْلَانَا في الْجَنَّةِ وَقَتْلَاهُمْ في النَّارِ؟ قَالَ: “بَلَى”، قَالَ: فعلام نُعْطِي الدَّنِيَّةَ في دِينِنَا، ونَرْجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمِ الله بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ؟ فَقَالَ: يا ابن الخطاب إِنَّهُ رَسُولُ الله وَلَنْ يُضَيِّعَهُ الله أَبَدًا، فَنَزَلَتْ سُورَةُ الْفَتْحِ فَقَرَأَهَا رَسُولُ الله ﷺ عَلَى عُمَرَ إلى آخِرِهَا، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ الله أَوَ فَتحٌ هُوَ؟ قَالَ: “نَعَمْ”، فطابت نفسه ورجع.
وقد بوّب الإمام البخاري: “بَاب: الْجَنَّةُ تَحْتَ بَارِقَةِ السُّيُوفِ”. ثم قال:”وَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: أَخْبَرَنَا نَبِيُّنَا ﷺ، عَنْ رِسَالَةِ رَبِّنَا: “مَنْ قُتِلَ مِنَّا صَارَ إِلَى الْجَنَّةِ”.
وَقَالَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ ﷺ: أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ؟ قَالَ: (بَلَى)” انتهى.
قال ابن حجر: “قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: كَأَنَّ الْبُخَارِيَّ أَرَادَ أَنَّ السُّيُوفَ لَمَّا كَانَتْ لَهَا بَارِقَةٌ كَانَ لَهَا أَيْضًا ظِلٌّ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَهُوَ مِنَ الْكَلَامِ النَّفِيسِ الْجَامِعِ الْمُوجَزِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى ضُرُوبٍ مِنَ الْبَلَاغَةِ مَعَ الوَجَازَةِ وَعُذُوبَةِ اللَّفْظِ، فَإِنَّهُ أَفَادَ الْحَضَّ عَلَى الْجِهَادِ وَالْإِخْبَارَ بِالثَّوَابِ عَلَيْهِ وَالْحَضَّ عَلَى مُقَارَبَةِ الْعَدُوِّ وَاسْتِعْمَالَ السُّيُوفِ وَالِاجْتِمَاعَ حِينَ الزَّحْفِ حَتَّى تَصِيرَ السُّيُوفُ تُظِلُّ الْمُتَقَاتِلِينَ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، الْمُرَادُ أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْصُلُ بِالْجِهَادِ”.
الموقف الثالث:
يَوْمَ بُزَاخَةَ، وبُزَاخَةُ: ماء لبني أسد، كانت فيه وقعة في أيام أبي بكر رضي الله عنه مع طليحة بن خويلد الأسدي وفيه ورد “عن عاصِمِ بنِ ضَمرَةَ قال: ارتَدَّ عَلقَمَةُ بن عُلاثَةَ عن دينِه بعدَ النَّبِيِّ ﷺ فأبَى أن يَجنَحَ لِلسِّلم، فقالَ أبو بكرٍ رضي الله عنه: لا نَقبَلُ مِنكَ إلَّا بسِلْمٍ مُخْزِيَةٍ أَو حَربٍ مُجْلِيَةٍ. فقالَ: ما سِلْم مُخزيَةٌ؟ قال: تَشهَدونَ على قَتلانا أنَّهُم في الجَنَّة، وأنَّ قَتلاكُم في النّار، وتَدونَ قَتلانا ولا نَدِي قَتلاكُم. فاختاروا سِلْمًا مُخزيَةً….فَقَال عُمَرُ بن الخطاب رضي الله عنه:”وَأَمَّا مَا رَأَيْتَ أَنْ يَدُوا قَتْلَانَا وَتَكُونَ قَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ، فَإِنَّ قَتْلَانَا قُتِلُوا عَلَى أَمْرِ اللَّهِ، أُجُورُهُمْ عَلَى اللَّهِ، لَيْسَتْ لَهُمْ دِيَاتٌ، قَالَ: فَتَابَعَ الْقَوْمُ عُمَرَ”. يعني: هم شهداء فلا دية لهم، فاتفقوا على قول عمر في ذلك.
قال ابن هُبَيْرَة: “في هذا الحديث من الفقه صلابة أبي بكر في دينه، وشدة وثوقه بظهور أمر الله، وفيه أيضاً أن عمر آنف للشهداء من أن يأخذ ورثتهم عوض نفوسهم الكريمة عرضاً من الدنيا بعد مماتهم، كما أنفوا هم من ذلك في حال حياتهم، ومن أجل أن المبايعة سبقت وأخذوا العوض من الله عز وجل بقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾ [التوبة: 111]. فقد سبق بيعهم وقد اشترى الله عز وجل منهم، فكيف كان يجوز أخذ العوض من شيء أخذ ثمنه من قبل، فرضي الله عن عمر وعن أبي بكر رضي الله عنه”.
وفي هذه المواقف الثلاث والتي كان زمنها في حياة النبي ﷺ في غزوة أحد وفي صلح الحديبية، وزمن الخلفاء الراشدين في حروب الردة، وهي عصب أحداث سيرة النبي ﷺ وخليفتيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهم. والصديق والفاروق كانا في صلب أحداث أحد والحديبية، وترافقا في حروب الردة، وقد أكسبتهما صحبة النبي ﷺ صواب الاختيار فوقع ما يستدعي اجتهاداً، وقد سبق مثله ووفقهما الله فلم يخرجا عن النص.
وفي الحوادث الثلاث تواتر معنى ولفظ (قَتْلَانَا في الْجَنَّةِ وَقَتْلَاكُمْ في النَّارِ) فلا سواء وهذا من الأصول العامة العظيمة في شريعة الله الحكيمة.




