
سفير الهيئة بديار بكر يلتقي المشرف على مركز حفظ السنة
أكتوبر 11, 2025
بين الغبار والضجيج.. وجدت الهداية
أكتوبر 12, 2025د. محمد الناهي
سفير الهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ باليمن
عامان مرّا على الطوفان المبارك الذي فجَّر الأرض تحت أقدام الغزاة، وأيقظ أمة بأكملها من سُباتها الطويل. عامان وغزة، تلك البقعة الصغيرة من الأرض، تحوَّلت إلى ميدان للعزة، وصارت رمزًا للمقاومة والإباء، تُلهم الشعوب وتفضح الحكام، وتُعيد تعريف معنى البطولة في زمن المسوخ.
غزة اليوم ليست جغرافيا محاصرة، بل روح متدفقة، وصرخة في وجه الطغيان، وشعلة أملٍ للأحرار في كل مكان. لقد طهَّر الطوفان المبارك الصفوف، وكشف الأقنعة، وأبان عن معادن الرجال والأنظمة والشعوب، فارتفع أقوام بالصدق والثبات، وسقط آخرون في وحل الخيانة والخذلان.
سلام على غزة
سلام على غزة.. سلام على أبطالها الذين باعوا أرواحهم لله، فصاروا مشاعل على درب الحرية.
سلام على نسائها الصابرات اللواتي يقدمن أبناءهن قرابين عزّ وفداء، وهن أكثر ثباتًا من الجبال.
سلام على أطفالها الذين وُلدوا بين ركام البيوت، لكنهم يرفعون الرايات ويهتفون: “الموت ولا المذلة”.
سلام على علمائها الذين يُذكِّرون الأمة بأن طريق القدس يبدأ من القرآن، وأن النصر وعد رباني لا يتخلَّف.
سلام على شهدائها الذين سبقونا إلى جنات عرضها السماوات والأرض.
تاريخ طويل من الخذلان
غزة وذاكرة الخيانة
غزة لم تكشف فقط خيانة اليوم، بل أعادت للأمة ذاكرتها الجريحة يوم خان ابن العلقمي بغداد وأسلمها للتتار، فانتهى مجد قرون بسقوط عاصمة الخلافة.
يوم خانت الطوائف في الأندلس، فاستُدرج المسلمون مدينةً مدينة، حتى سقطت غرناطة وانطفأ النور بعد ثمانية قرون.
يوم اجتمع الإنجليز والفرنسيون على سايكس – بيكو، وخان الحكام يومها الأمانة، فقُسِّمت الأمة إلى دويلات ضعيفة تتنازع ولا تجتمع.
واليوم نرى الخيانة تتكرر، في مؤامرات التطبيع، وفي ضربات الطعن في الظهر، بل حتى في ديار قريبة كالدوحة التي طالما ظنها الناس ملاذًا، فإذا بها تسدّد ضربةً مُوجعة في خاصرة غزة.
الخذلان ليس حدثًا عابرًا، بل لعنة تصيب الأمة:
يزرع التمزق بين الصفوف..
يقتل الثقة بين الشعوب وحكامها..
يُطفئ جذوة الأمل في قلوب الضعفاء..
يُضعف صوت الحق ويُقوِّي شوكة الباطل..
لكن رغم ذلك، يبقى الصادقون في الميدان، يُعيدون بناء الثقة بدمائهم وأشلائهم وصمودهم.
رغم كل هذا الخذلان، وقفت غزة شامخة.. بيت يُقصف.. فيخرج الطفل من بين الركام يرفع إصبعه بالتوحيد.
أمٌّ تفقد أبناءها، فتقول: “الحمد لله الذي شرّفني بالشهادة”.
مجاهدون يقاتلون في أزقة ضيقة، فيُرعبون جيوشًا مدججة لا تعرف إلا الهزيمة أمام إرادة الإيمان.
غزة صنعت النموذج، وقالت للأمة: “إن كنتم تريدون النصر.. فهكذا يكون الثبات”.
نداء إلى الأمة والشباب
يا أمة الإسلام، يا شباب الأمة، غزة اليوم ليست وحدها؛ إنها امتحان لنا جميعًا:
إما أن نكون من أهل النصرة والصدق..
أو أن نُسجّل في صحائف التاريخ مع الخونة والمتخاذلين.
يا شباب الأمة، إن غزة تقول لكم: “هذا زمانكم، هذا ميدانكم، هذا امتحان رجولتكم”. فلا تخذلوا فلسطين كما خُذلت بغداد والأندلس، ولا تسمحوا أن يُكتب على جبينكم عار الصمت والحياد.
وفي الختام..
رغم الظلم العالمي، رغم الخيانة، رغم الحصار، فإن البشائر تتوالى.
قال الله تعالى: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد: 7].
وقال النبي ﷺ: “لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك”.
وغزة اليوم هي الطائفة المنصورة، وهي البشارة للأمة أن الفجر قريب، وأن الطوفان المبارك لم يكن إلا بداية النهاية للعلو اليهودي، وبداية عهدٍ جديد للأمة المجاهدة.
فالسلام على غزة، والسلام على المجاهدين، والسلام على كل قلب ما زال يحمل الأمل ويصدح بالحق، حتى يأذن الله بالفتح المبين.