
زيارة الشيخ عبدالرحيم مكارثي لقناة الاستقامة الفضائية
مارس 10, 2025
ما هانت غزة وما ضعفت ولا استكانت
مارس 12, 2025عماد إبراهيم – مدير مشروع بصيرة الدعوي
واشدُدْ يديـكَ بحبـلِ الله مُعتَصِماً ** فإنهُ الركنُ إن خانتْـكَ أركـانُ
مـن يتقِ الله يُحْمَـدُ فـي عواقِبِـه ** ويكفِهِ شرّ مـن عزّوا ومـن هانُوا
منِ استعـانَ بغيرِ اللهِ فـي طلـبٍ ** فـإنّ ناصِـرَهُ عجـزٌ وخِـذْلانُ
لا يخفى على كل ذي لُبٍّ ما تعرضت له أمتنا الإسلامية من هزات عنيفة على مدى التاريخ، سواء كان ذلك بسبب عوامل خارجية أو داخلية، وما انحدرت إليه في خضم ما تعانيه من حروب طاحنة، ومؤامرات ماحقة، وكيد بلغ الغاية في النكاية، وما يلفّها من تمزق يُذْهب القوة، وتشتت يُفَرّق الشمل، وتسلط الأعداء على بلاد الإسلام والمسلمين.
وهذا الشرخ الهادم الذي يتعمق جذره يوماً بعد يوم، يُفصح عن جرح غائر ينخر في جسد الأمة، ولا يعسر على الناظر أن يرى حجم الفرقة المُدَمِّرَةِ التي مزقت أوصال المسلمين؛ شعوباً وأنظمة، وجعلت وحدتهم أمنية بعيدة المنال.
لقد أحرز الباطل نجاحاً كبيراً في كثير من حملاته، وأصاب الأمة إصابات بالغة في صولاته وجولاته، إنَّ ضعف الأمة، وذهاب ريحها، وهوانها على الناس؛ إنما يكون بتنازعها وشقاقها، قال الله تعالى: ﴿وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا﴾ [الأنفال: 46]، وهلاك مَنْ هلـك ممـن كـان قبلنــا إنمـا كـــان بسبب اختلافهم، قال رسول الله ﷺ: “لا تختلفوا؛ فإن مَنْ كان قبلكم اختلفوا فهلكوا”.
وقد أحسن الأستاذ عباس محمود العقاد رحمه الله في توصيف تلك الحالة عندما قال: “كثيراً ما يكون الباطل أهلاً للهزيمة، ولكنه لا يجد مَنْ هو أهل للانتصار عليه”.
وَلَا تَفَرَّقُوا ..
تعددت الكيانات والتجمعات والجماعات والمشاريع الإسلامية، وتمزَّق الفصيل الواحد، وكثر التلاسن والتباغض والتحاسد، وانتشر القيل والقال، وطفح الكيل، وأصبحت اللغة الحزبية الضيقة هي اللغة السائدة عند كثير من الناس، وارتفـعت حمّى التصنـــيف بما يؤدي إلى الازدراء والتنقيص وشحن النفوس، وإذا كان الإمام مالك بـن أنــس رحمه الله يقــــول: “ما في زماننا شيء أقلّ من الإنصاف”، فماذا نقول نحن في هذه الأيام؟!
وواللّه! إن القلب لينفطر من الألم والحزن على طاقات الأمة المهدرة في تلك الصوارف التي تُذهب حلاوة الدعوة، وتُفسد على المرء دينه، قال الفضيل بن عياض رحمه الله: “تكلمتَ فيما لا يعنيك فشغلك عمّا يعنيك، ولو شغلك ما يعنيك لتركتَ ما لا يعنيك”.
لقد بلغت الفرقة حداً غيــر مقبـــول شـــرعـــــاً ولا عقلاً، والتنازع مهما كان صغيراً فهو من أبواب ضعف الأمة؛ فكيف إذا كان هذا التنازع كبيراً؟! وقد تداعت علينا الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها.
وكنا نظن أن الفتن والتحديات ربما توحِّد الصالحين والمصلحين، وتجعلهم صفاً واحداً أمام خصومهم، لكننا فوجعنا بعكس ذلك في مواقف عديدة لا تخفى على كثير منا، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “متى ترك الناس بعض ما أمرهم الله به وقعت بينهم العداوة والبغضاء، وإذا تفرق القوم فسدوا وهلكوا، وإذا اجتمعوا صلحوا وملكوا؛ فإن الجماعة رحمة والفرقة عذاب”.
والنجاح الحقيقي الذي تشرئب إليه الأعناق، وتتطلع له النفوس الشريفة؛ هو ذلك النجاح الذي يجعل راية الدين الحق عزيزة كريمة على يد أي مسلم كائناً من كان. إن الدعوة إلى الوحدة أساس في الإسلام بنص الآية الكريمة: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: 103]، والتحذير من الخلاف أساس أيضاً بنص الآية الكريمة: ﴿وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا﴾ [الأنفال: 46].
وتأمَّلوا قول الإمام الشافعي رحمه الله: “ما كلَّمتُ أحداً قط إلا أحببتُ أن يوفَّق ويُسدَّد ويُعان، وما كلَّمتُ أحداً قط إلا ولم أبالِ بيَّن الله الحق على لساني أو لسانه”.
أدركوا اللحظة الفارقة..
ضجّت عليك منابرٌ ومآذنٌ ** وبكت عليك ممالكٌ ونواحِ
الهندُ والهةٌ، ومصر حزينةٌ ** تبكي عليك بمدمعٍ سحّاح
والشام تسأل والعراق وفارسٌ ** أمحا من الأرض الخلافةَ ماحي؟
منذ أن سقط آخر معقل لدولة الخلافة الإسلامية يوم السابع والعشرين من شهر رجب لسنة 1342 هـ، الموافق للثالث من مارس لسنة 1924م والتي كان مقرها إسلامبول (اسطنبول)، وبسقوطها سقطت آخر دولة خلافة للمسلمين، ولم يتبقَّ للأمة الإسلامية منذ ذلك التاريخ دولة حقيقية تمثلهم، سقطت مفاهيم دولة العدل والمبادئ والقيم الرفيعة، لتحل محلها دولة الظلم والمصالح والأهواء والماديات.
لقد نجح الاستعمار بنوعيه الشرقي والغربي في تفتيته الجسد الواحد وحوله إلى دول ودويلات، لكل منها حاكم وعلم ونشيد وحدود جغرافية مصطنعة، وغزاها بأفكار القومية والوطنية فأصبح ولاء الأمة إما لأشخاص الزعماء والقادة ورجال الحكم والسياسة، أو للأفكار والمذاهب والفلسفات الواردة، وبذلك حول الشعوب الإسلامية عن الولاء الوحيد الذي ينبغي أن تخضع له دون سواه، وهو الولاء لله الواحد القهار، واتباع الرسول ﷺ.
ولكي تحيد عن هدفها الأساسي المتضمن للآية: ﴿كْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران: 110]. وهو السعي جاهدة لتكون كلمة الله تعالى وحدها هي العليا.
فأصبحت ثروات الأمة نهباً لكل مستعمر ولكل خائن، وانتشر الفقر والمجاعات، وسلبت الأمة من ثرواتها، وفقدت ريادتها وسقطت سقوطاً مدوياً، حتى صار دم المسلم أهون الدماء. وبذلك فقد العالم صمام أمانه ومنظومة عدله وانحرف عن الفطرة السوية وتحول إلى عالم يُحكم بقانون الغاب.
لم تحافظ دولة الخلافة الإسلامية على حقوق المسلمين فقط بل حافظت كذلك على حقوق غير المسلمين، فكانت مظلة الرحمة التي تستظل بها البشرية. فحريٌّ بالمسلمين جميعًا على اختلاف انتماءاتهم ومشاربهم، أن يقفوا عند هذه الذكرى ليحيوها لا ليبكوها، فتصبح عودة الخلافة غاية وهدفاً يُبذل من أجله كل غالٍ ونفيس.
الحقيقة أننا أمام إعادة للتاريخ، إعادة لا يختلف اثنان ذوا عقل عليها. في ظل معركة الطوفان، وملحمة تحرير الشام، تتجلى رسائل وحدة الأمة في رمضان، لا يدركها إلا قلب سليم، ولا يهملها إلا لئيم. لقد تجرعت الأمة مرارة الفرقة والانقسام والضعف والوهن، وعجز أضاع هيبتها وأسلمها لقبضة الهيمنة الصهيونية الجائرة. ولا خلاص لها من هذا الذل والتخلف، ولا عودة لها إلى مكانتها الريادية، إلا بالعودة إلى أصولها العقدية، وجذورها التاريخية العريقة، والتشبث بها بكل قوةٍ وإصرار.
إن تحقيق هذا الهدف ليس مجرد خيار، بل هو واجب مقدس يقع على عاتق كل مسلم، يتطلب بذل الغالي والنفيس في سبيل إعلاء كلمة الحق، وإعادة بناء صرح الأمة من جديد. يقول رائد الفكر الإسلامي في باكستان الشيخ أبو الأعلى المودودي رحمه الله: “ابذلوا مهجكم وأرواحكم وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل إقامة كلمة الحق، وأعدّوا لمنازع الشر والطغيان كل ما استطعتم من عدة وعتاد، تدفعونها بقوتكم حيثما كانت، وتجتثون شجرة الفساد من جذورها مهما رسخت وتغلغلت عروقها في الأرض، وهكذا تواصلون جهادكم، ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ۚ فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِير﴾ [الأنفال: 39]”.
رمضان فرصة
إن شهر رمضان هذا العام بمثابة محطة استثنائية وفارقة في مصير أمتنا الإسلامية، فهل تدرك تلك اللحظة الفارقة؟!
لا شيء يوحّدها مثل هذا الشهر الكريم، حيث تتجلى معاني وحدة المسلمين وتوحيد كلمتهم ورص صفوفهم، شهر الألفة والاجتماع والمحبة، رغم أن هذا أصل من أصول الدين، فإن هذا المعنى يظهر جلياً في هذا الشهر، شهر واحد، وصيام واحد، وإمساك واحد، وإفطار واحد، وصلاة قيام واحدة، وقبل ذلك قرآن واحد، وإله واحد، ونبي واحد، فلا يوجد هنا موضع قدم للفرقة والتشرذم! ﴿وَلَا تَنَٰزَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾ [الأنفال: 46].
أمة تمرض.. لكنها لا تموت
ثمة شعاع من نور يطل علينا من بين أروقة التاريخ، يبشرنا بأن الأمة الإسلامية التي وقفت كالجبال الراسية في وجه أعاصير التاريخ، لم تُثنها كبوة، ولم تُوهنها عثرة، بل كانت كالشمس التي تغيب لتشرق من جديد، قويةً متماسكة، تجمع أشلاء قواها، وتضمّد جراحها، وتواصل مسيرتها المباركة نحو الله تعالى.
لم تخضع لقانون الزوال الذي حكم على الحضارات الأخرى بالسقوط بعد العلو، فلم تدخل في سجل الأمم التي خضعت لسُنّة (عاشت ثم بادت)، تلك السُّنّة التي تحكم كل حضارة تمر بمراحل الشباب فالشيخوخة فالفناء.
فبالرغم من المحاولات اليائسة لطمس هويتها، والغزوات التي سعت إلى تجريدها من مقوماتها الحضارية، وإغراقها في بحار الانحلال الأخلاقي، وصرفها عن منابع عزتها ووجودها، إلا أنها ظلت كالشجرة الطيبة التي تُجدد أغصانها بعد كل عاصفة، تنهض من جديد، قويةً صلبة، تستعيد عافيتها، وتواصل مسيرتها الخالدة نحو العزة والتمكين. فهي أمة لا تعرف الفناء، لأنها تستمد قوتها من وعد الله الذي لا يُخلف، ومن رسالتها التي لا تنتهي.
ذلك أن درعها الواقي من السقوط هو «العقيدة الراسخة» المستمدة من كتاب الله -عز وجل- وسنَّة رسوله ﷺ، فهي ليست مجرد حصن يحميها من الزلل، بل هي أيضًا القوة الدافعة التي تُشعل في قلبها عزيمة الصمود، وتدفعها إلى مواصلة السير بثبات، متخطية كل عقبة، ومتغلبة على كل الآلام والجراح. وهذه العقيدة تُشكل نبراس أمل يلوح في أفق مستقبلها، مستقبل زاخر بالنور، مليء بالتفاؤل والإشراق، حيث تتراءى فيه بشائر الخير والفلاح.
وختاماً..
نتوجه إلى الله تعالى في هذا الشهر الكريم بقلوب تحمل الهمّ والاهتمام، همّ المسلم واهتمامه بشأن دينه وقضايا أمته، وعودة القلب النابض بالحب والولاء للإسلام، المفعم بالغيرة والحرقة على الدين وعلى حرمات المسلمين، وهذا بمثابة أول الإعداد؛ فإذا كان واجب الإعداد لا يتخلف وإن تخلف لعذر واجب الجهاد فإنّ من الإعداد إعداد النفوس التي تتوق للشهادة في سبيل الله تعالى، وإعداد القلوب التي لا يملؤها حب الدنيا فيصرفها عن معالي الأمور إلى سفاسفها.
وإنّ توبتنا إلى الله تعالى في شهر رمضان المبارك يجب أن تسري وتنتشر لتعمّ كل الخطايا بما في ذلك خطيئة الانصراف عن قضايا الإسلام والمسلمين، تلك الخطيئة التي فيها الهلاك الحقيقيّ، قال تعالى: ﴿وَأَنفِقُوا۟ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَلَا تُلۡقُوا۟ بِأَیۡدِیكُمۡ إِلَى ٱلتَّهۡلُكَةِ ﴾ [البقرة: ١٩٥] قال المفسرون: إنّ التهلكة تكون بالانصراف عن مجاهدة العدو وعن الإنفاق في عدة الجهاد وعن الاهتمام بهذا الشأن؛ مما يترتب عليه التهلكة التي تحيط بالمسلمين وتحدق بهم.
اللهم اعصمنا من الزلل، واستعملنا في أحب الأعمال وأرضاها إليك، ولا تَفْتنا بهذه الحياة الدنيا، ونعوذ بك من أن ننشغل بها عن الآخرة!