
تظاهرات تركية رفضاً للتهجير وتنديدا بتصريحات ترامب
فبراير 17, 2025
غزة وحدودها وقدمها ومكانتها
فبراير 18, 2025د. عبد الرحمن محمد عارف – سفير الهيئة العالمية لأنصار النبي في إقليم كردستان العراق
الدافع السادس: إقليم واحد أم أقاليم متضادة؟
أهم ما تُعرف بها الثورات الناجحة أنها تُوّحد الأرض والشعب، ولا تقبل بتقسيمهما مهما كان الثمن وتحت أي ذريعة، وهذا من الاستراتيجيات غير قابلة للمساومة، أما عندنا (الماركسيون والقوميون القدامى) الذين يدّعون أنّهم ثاروا في العقود الماضية ضد الحكومات المتعاقبة في بغداد، فترة ستينات القرن الماضي إلى نهاية الثمانينات، لتحرير كردستان العراق من هيمنة الدكتاتورية.. لهم نهج آخر يخالف الثورات والانتفاضات والحركات التحررية في العالم..
وهذا النهج المؤسَّس على الأنانية والحزبية والعنصرية العائلية أدّى إلى تقسيم الإقليم إلى تسعة أقاليم!
- إقليم بيد حزب (العائلة البرزانية).
- وإقليم تحت سلطة (العائلة الطالبانية).
- ومنطقة ثالثة المعروفة بـ(جبال قنديل) أُعطي لنفوذ (القوات الأُوجَلانية).
- والرابع: مدينة كركوك الاستراتيجية وما في كنفها تحت وصاية الحكومة العراقية (ذي الغالبية الشيعية).
- المنطقة الخامسة: مدينة خانقين النفطية ملحقة بمحافظة ديالى في وسط العراق.
- السادس: مدينة (خورما تو) قطعت وأُلصَقت بمحافظة صلاح الدين في وسط العراق.
- السابع: المنطقة التي يسكنها الكرد في سهول نينوى، يحكمها ميليشيات تابعة للأقليات الدينية، وقوات الـ(بـ كـ،كـ)، والحشد الشيعي، والحكومة العراقية، مع هامش إداري كردي.
- الثامن: هناك منطقة عازلة تابعة للقوات التركية على الحدود المشتركة بين العراق وتركيا.
- التاسع: منطقة شريط حدودية مقطوعة للسلطة الإيرانية بين العراق وإيران.
فماذا بقي لنا نحن (الشعب الكردي المسلم السُنّي الشافعي) صاحب الأرض والتاريخ والحضارة؟
الاتهامات دائماً موجهة إلى الاستعمار البريطاني والفرنسي القديم لأنّهم طبّقوا على الشعوب الإسلامية مؤامرة (سايكس بيكو) الملغّمة، وقسّموا بِحَسْبها العالم الإسلامي إلى دويلات ومقاطعات متآكلة ومتناحرة فيما بينها، وهذا الاتهام والتجريم في محله، أما القيادات الكردية من الماركسية القديمة إلى الليبرالية واليسارية الجديدة، لِعلة السذاجة العميقة فيهم، والتبعية، وشعورهم بالنقص والصَّغار أمام الأجنبي، والأنانية الفردية، وتعصّبهم للعائلة والقبيلة أمام شعبهم، أبدعوا في التقسيم، وأضافوا أكثر من سايكس بيكو محلي خاص بنا. فقطّعوا من (سايكس بيكو) الاستعماري الموروث تسعة (سايكس بيكو) محلية، وهكذا قسموا الإقليم كما تُقسِّم الأغنياء لحوم الأضاحي على مستحقيها من المساكين والفقراء وابن سبيل!
الإنسان الاستراتيجي لا يغيب عنه قضية (الأرض) و(الأرضية) عند تفكيره وتخطيطه للوصول إلى هدف إستراتيجي، فإن كانت الأرض والأرضية في وضعهما الطبيعي والملائم فهذا يعني أنّ نصف الطريق ممهّد، ولم نعثر على انتصار ثورة على الاحتلال إلا بعد أنْ وُحّدَ التفكير والتخطيط لتوحيد الأرض، وانهاء الإمارات، والسلطات القَبَلية، والدويلات الهزيلة.
الدافع السابع ﴿ظَهَرَ الفَسَادُ في البَرِّ وَالبَحرِ﴾
الفساد منتشر ومتجذر في كلّ مفاصل المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية والإعلامية والحزبية والهياكل الإدارية، ولم يسلَم منها شيء، وتَمدّد هذا الفساد إلى واقع التفكير والتعليم والتربية والأسرة والعشيرة، ونزلت إلى النوادي الرياضية والترفيهية والاجتماعية وغيرها، فساد مؤسّس ومغلّف!
أمام هذا الزحف الكبير للفساد لا بدّ من الجدية والصدق في التغيير، فلا مهرب من وضع نقطة النهاية على هذه المرحلة، وبدء مرحلة جديدة، وذلك يكون باستراتيجية جديدة.
فنحن وجدنا أنّ الجامعات فقدت قدرتها على أن تكون قائدة للمجتمع، وضَيّعت الفُرَصَ لتكون أسوة للناس، وتتقدمهم للتحرّر، وتحطيم مشاريع التبعية والاندماج في التغريب، ورأينا أنّ كثيراً من المنظمات الأهلية باتت مداخل لاستيراد كثير من الأفكار والسلوكيات الهدّامة لبنية المجتمع الكردي المؤمن بطبيعته، وعرفنا أنّ لتلك المنظمات علاقات بالسفارات والقنصليات الأجنبية ويأخذون منهم التمويل والتوجيه!
وأيقنا أنّ الأحزاب العلمانية المستحوذة على سلطة المال والسياسة والعسكر ينافسون بعضهم بعضاً في إغراق المجتمع بالفساد، وإبعادهم عن الصلاح والصواب، يعني أنّ الاستراتيجية القديمة للتغيير ولّت عهدها، ولا خير في الالتصاق بها، والشجاعة والتجرّد من الهوى تكمن في الاستجابة لاستراتيجية جديدة.
الدافع الثامن: المَدْخلية تُطلق النّار على رأسها
انتشار الفكر (المدخلي) عموماً لم يأتِ من الفراغ، وإنما جاء كـ(ردود أفعال) واستغلال لـ(فَجَوات) دَخَلَت أو أُدخلت في فكر وأداء الدعاة والكيانات الإسلامية المختلفة في الإقليم، مثل التيسير الغالي في بعض الخلافات الفقهية، والتعصّب للفرد والجماعة إلى حدود الإسراف، والشطط في تهميش (الآخر المختلف) وحشره في زوايا تُخالف المنطق والاجتماع، والاعتماد على العقل المحض (إن لم يكن الهوى المحض) في الاستجابة لأسئلة العصر، وقلة العلم بالنصوص، خاصة نصوص السنة وأحكامها ومقاصدها، والدعوة إلى التعدّد في الكيانات فيما التصارع بينهم يزداد يوماً بعد يوم… إلخ.
و أما بخصوص إذاعة (عاهة المَدْخلية) التي تعدّ نفسها سلفية أصيلة على منهاج الصحابة والتابعين، فهي مولودة معاقة في العقل والتصرّف بسبب جهتين:
الأولى: الأحزاب العلمانية، صاحبة المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية، فهي منذ سنين تَبْحَثُ عن جسم ديني يُحارِب المشروع الإسلامي في الدعوة والسياسة والجهاد والعمل الجماعي والخيري، ولَم تجد أنسب من (المَدْخلية المستوردة) المجرّبة حقيقة في دول أخرى وصارت نموذجاً (طبق المطلوب) في خضوعها للسلطات في أوامرها ونواهيها.
الجهة الثانية: قيادات العمل السياسي الإسلامي بكل أطيافها، أعطت الذرائع والمبرّرات في الفكر والمواقف فَتَفَسّح لها لتجلس داخل مفاصل مهمة في المجتمع، فأصبحت لاحقاً صاحبة المساجد والمنابر والمؤسسات الإعلامية ومقاعد داخل الحكومة وغيرها.
حسب متابعتي للظاهرة الإسلامية في الإقليم وجدت أحد عشر شخصاً معروفين لدى الناس بانتمئءهم للسلفية، لكن أغلبهم يحملون (مبادئ المدخلية) في السياسة والجهاد والعمل الجماعي والموقف من الحكومات الفاسدة والعميلة.
ومن بين المجموعات الإحدى عشر رأيت مجموعة أو مجموعتين لها مواقف واعية ومسؤولة، وأما الباقيات حاملات لمبادئ المَدْخلية ورؤيتها، ولمسنا ذلك لمساً خاصة عندما أعلنوا الموقف من الغزوة المباركة في السابع من أكتوبر المجيد، وانتصار الثورة السورية بعد فتحهم لدمشق!
فدون شعور بالحرج أو الخوف من محاسبة الله صراحة أو تعريضاً يتهمون (حماس) بعمالة إسرائيل مرّة وبتبعيتها لإيران مرةً أخرى، واتهموا رأس الثورة المجيدة في سوريا وقال أحدهم دون حرج: “تغيّر عميل بعميل”! وسوّى بين عائلة عَلَوية حاقدة حكمت أكثر من خمسين سنة، وقتلت مئات الآلاف من المسلمين، ودمّرت البلاد وهجّرت الملايين من أهل الإسلام، مع قائد قاد ثورة فتح الله على يديه الشام، وحرّر به البلاد والعباد.
الغريب أنّ تلك المجموعات المتّحدة ضد رجالا (حماس) وجهادهم في وجه الصهيونية العالمية إذا مرّ أحدهم بالآخر لا يُسلّم عليه ويعدّه ضالاً ومضلاً. متفرّقون فيما بينهم، ومتّحدون في محاربة حماس وطالبان والثورة السورية!
المَدْخلية تُحارب الفكر الجهادي، والعمل السياسي الإسلامي، والعمل الجماعي، والعمل الخيري، ويتفرّغون لخطابات يستحي منها الإنسان، مثلاً إذا جاء يوم الذكرى السنوية لإعدام سيد قطب يسبونه جماعياً، وعند قدوم شهر الربيع الأول من كلّ سنة يملأون المجتمع بتكرار ما قالوه في السنة الماضية من أنّ مناسبة المولد بدعة مغلظة ما بعدها بدعة، وفي أيام عيد الفطر المبارك وما قبلها بأسابيع يواجهون المجتمع كلّه بعدم جواز إخراج زكاة الفطر إلاّ قوتاً… وهكذا.
الدافع التاسع: أمواج متلاطمة من العمائم السوداء
خارطة كردستان العراق تقع في منطقة مثلها كمثل جزيرة معزولة وسط لُجة تتقاذفها أمواج عمائم التشيّع من كلّ الجهات، شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، فمن الشرق إيران، ومن الجنوب والغرب شيعة العراق (بعد انهيار الحائط البشري لعرب السنة وسط العراق الذي كان يفصل بين الإقليم وبين شيعة العراق الموجودين غالباً في الجنوب) وفي الشمال سوريا (قبل انتصار الثورة السورية على دولة العلوية في دمشق المتحالفة مع إيران). وقد تتغير الخارطة من ناحية سوريا بعد هذا الانتصار، وفي الشمال دولة تركيا وهي غالبية سنية، لكنّ المشكلة في وجود حزب (بـ،بـ،كـ) المسلّح في الحدود الفاصلة بين الإقليم وتركيا، والمتحالف مع إيران، وكثير من قيادات هذا الحزب من العلويين، وبإغلاق هذا المنفذ في لحظة ما، إن استطاعوا، تتكامل الدائرة المكوّنة من العمائم السوداء الشيعية حول عنق الإقليم.
الجناية الدائمة للعلمانيين (منذ عهد الاتحاد السوفيتي) في صراعهم مع الأنظمة المتتالية في بغداد، أنّهم كانوا ولا يزال يستعينون بالعاطفة القومية، والاختلافات اللغوية والثقافية، وبجميع الفلسفات المستوردة (المنتهية صلاحيتها)، وحتى بالأديان الميتة للأقليات الموجودة داخل الإقليم كَسِلاح لحسم المعارك السياسية والفكرية والاقتصادية والعسكرية، ولا يلتفتون أصلاً للدين الإسلامي، دين غالبية المجتمع الكردي، على الأقل كـ(وسيلة) من الوسائل لردّ العدوان، وهي الأقوى والأبقى قطعاً من بين الوسائل الثورية الأخرى من الأديان والفلسفات والطائفية، والاستعانة بدولة أجنبية احتلالية وغيرها من الوسائل المستجار بها لرد الحقوق، وكسر القيود، وحراسة الحدود، وحفظ الوجود.
هؤلاء القيادات لجهلهم أو حقدهم أو تبعيتهم، أو للثلاثة كلّها، لا يرون في الإسلام رسالة تحريرية للشعوب وأحكاماً صارمة تردع الطاغوت، وقوانين تَبني الدولة والحضارة للإنسان، أما الشعوب الأخرى من العرب والفُرس والتُرك جمعوا بين الانتماء الديني والانتماء القومي كَسِلاح ثُنائي في معاركهم المختلفة ضدّ مَن حولهم من القوميات والقبائل.
فللعربي الشيعي العراقي مثلاً مرجعية دينية طائفية المعروف بـ(السيستاني)، ومرجعية طائفية لشيعة الفرس كـ(الخميني) سابقاً و(الخامنئي) حاضراً، والأتراك لهم مرجعيات دينية مكوّنة من بعض المؤسسات الدينية وشخصيات إسلامية بعضهم أحياء وبعضهم أموات، لكن الغلبة في النهاية من بين تلك المرجعيات، للمرجعية القومية والفكر القومي والمصالح السياسية، و(الدين) و(الطائفة) و(المرجعية) لم تخرج من مستوى الوسائل إلى مستوى القبول بها كمنهج ورسالة وغاية ووسيلة في بناء الدولة والحضارة على أساسها.
وهذه المقارنة قد قصّدت بها القول بأنّ الأحزاب العلمانية الكردية لا يُحبّذون ولا يُرحّبون بالاستنجاد بالإسلام حتى كوسيلة من الوسائل، إلاّ في أحايين قليلة واضطرارية كما في أيام الاستعداد لدخول الانتخابات البرلمانية وشراء أصوات الناخبين من العلماء السذج والعوام المساكين.
الدافع العاشر: ثلاثة تحوّلات تاريخية في أربع سنوات
الأمة المسلمة أمة واحدة عقيدةً وشريعةً ومنهاجاً ونظاماً وحضارةً، ولهذه الوحدة بين الأمة المؤمنة في الروح والوجهة والمآل، تجد كلّ ما يحصل لأي عضو بهذا الجسد الكبير مؤثراً على الأعضاء الأخرى.. خيراً أو شراً.
انتصار جهاد شعب أفغانستان على الإمبراطورية الاحتلالية لأمريكا، وعودة الدولة والنظام لحركة طالبان المجاهدة، ثمّ الغزوة المباركة بقيادة الشهيد يحيى سنوار في السابع من أكتوبر من سنة (2023م) ضد الكيان الصيهوني في فلسطين المحتلة، تغيّرت بها جميع المعادلات السياسية والعسكرية والاجتماعية والاقتصادية، وأثبتت للعالم وإلى قيام الساعة أنّ لحركة إسلامية مجاهدة ومحاصرة براً وبحراً وجواً قرابة عقدين من الزمن القدرة ليس على المواجهة والصمود فحسب، بل على تحطيم البنية النفسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية للاحتلال، وهذا ما حدث بشهادة الخبراء من الأعداء والأصدقاء. ثمّ الفتح المبارك للشام في 8 من ديسمبر (2024م) على يد المجاهدين، وإنزال عَلَم العلوية بعد 54 عاماً من الظلم والطغيان على أهل السنة والجماعة.
فهذه التحوّلات الثلاثة تدفع الإنسان القيادي إلى نتيجة مفادها أنَ الدخول مع الخبراء والمختصين مطلوب منطقي وواقعي في مناقشة استراتيجية جديدة تستجيب لآمال المسلمين في كردستان العراق.
خاتمة
ما شرحته من (الدوافع العشرة) تكفي لمَن أراد الاطلاع على واقع كردستان العراق، ويقتنع بأنْ الاستراتيجية الجديدة شيء مطلوب ومحمود.
القارىء الكريم عليه أنْ ينتبه إلى أنّ كاتب الدراسة عرض الجانب السلبي لواقع العمل الإسلامي، ولم يُشر إلى الجانب الإيجابي للدعوة والحركة الإسلامية، فالجوانب الإيجابية في المجتمع المسلم السُنّي الكُرْدي تساعد الإنسان الاستراتيجي على أن تفاءل أكثر بأنّ القوة البشرية والروحية والمادية يُمكن أن تكون أساساً متيناً للاستراتيجية الجديدة الموعودة.
وأخيراً أقول: مَن أراد المشاركة في تدوين استراتيجية جديدة للعمل الإسلامي في كردستان العراق، عليه أن يأخذ في الاعتبار أنّ توحيد الوطن مسألة استراتيجية، ومحاربة المفسدين وإنهاء الفساد قضية استراتيجية، وأنّ التغيير في الفكر النخبوي السلبي أو صناعة نخبة جديدة مسألة ووسيلة استراتيجية، وفهم استراتيجيات إيران وأمريكا واليهود في فلسطين ومن لف لفيفهم من حكام العرب مسؤولية استراتيجية، وأنّ الاستعداد واستغلال الفُرَص السياسية والعسكرية والاقتصادية لِما بعد7 أكتوبر المجيد يجب أن يُنظر إليه بعيون استراتيجية، ثم فتح الشام (دمشق) وتحرير فلسطين وتوحيد الشام ولو في مراحل مطلوب استراتيجي للأمة المسلمة، وإيصال الإسلاميين الكُرد في الإقليم والعالم الإسلامي إلى منصة إدارة الدولة ووضع اليد على السلطة موضوع وهدف استراتيجي، وقراءة التاريخ القديم والحديث، واستنباط الدروس منهما وسيلة استراتيجية، ولا يجوز للقائد وصاحب مشروع تحريري أن يتجاوزه، وتوحيد المدارس الفكرية والفقهية وإدماج القوى الإسلامية المختلفة في جبهة واحدة وسيلة استراتيجية لا مناص من إعمالها.