عشرات الشهداء والاحتلال يواصل استهداف مستشفيات غزة شمالاً
ديسمبر 24, 2024الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
ديسمبر 24, 2024بقلم: الشهيد محمد بن ناصر مصطفى – تقبّله الله
الحمد لله وحده..
(1) سنة كاملة رأينا فيها من لُطف الله ورحمته وحكمته ما لا ينقضي منه العجب، وما لم يكن لنا أن ندركه في بطون الكتب والمؤلفات؛ عشناه واقعًا وفعلًا لا مقالةً.
(2) سنة كاملة عشنا فيها مع آيات الكتاب، وسور الملاحم في القرآن، تذوقنا فيها معاني الأدعية العظيمة:
- ﴿رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلۡنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِۦۖ﴾ [البقرة: ٢٨٦]..
- ﴿رَبَّنَا لَا تَجۡعَلۡنَا فِتۡنَةࣰ﴾ [يونس: ٨٥]..
- ﴿رَبَّنَاۤ أَفۡرِغۡ عَلَیۡنَا صَبۡرࣰا﴾ [البقرة: ٢٥٠]..
وغيرها الكثير، مما أرجو أن يتيسر بيانه عن قريب.
(3) سنة كاملة مرّت على حربٍ ضروسٍ، قاسينا فيها ألوان العذاب، والخوف، والجوع، والقتل، والجراح، والمجازر، والنزوح..
(4) سنة كاملة مَرَرْنَا فيها بجوار الموت -حقيقةً لا مجازًا- ومَرَّ بنا مراتٍ كثيرةٍ لا نُحصيها، حتى صِرنا نعرفه في وجوه من نُحب، ونشمُّ رائحته عن قُرب..
(5) سنة كاملة ذابت فيها قلوبنا من ألم الفراق، واكتوت بنار الفقد، وودعنا خلالها قوافل من الشهداء؛ من خيرة من نُحب، ودّعْنَا الإخوة، والأعمام، والعمّات، وأبناء العمومة، والأصدقاء المقربين، ورفقاءَ الدرب، ودَّعْنَا من لحمنا الحي، اقتطعنا من أجسادنا وأودعناهم التراب بشق الأنفس، ومنهم من تبخر؛ فلم نميز له جسدًا نواريه الثرى، وما اعتدَنا ولا ألِفْنَا تلك المشاهد.
(6) سنة كاملة ومئات آلاف أطنان القنابل وحمم النار؛ قد أُلقِيَتْ على شمال غزة خصوصًا، وعلى القطاع عمومًا، والفلسطيني ثابت في أرضه، متجذرٌ فيها، يغرس عامود خيمته على أنقاض منزله، ولا يتراجع، يصبر على الجوع والنزوح والجراح، ولا يتقهقر، حتى حُقَّ أن يُقال في سِيَرِ أهل الشمال: شهد معركة طوفان الأقصى، وبقي ثابتًا في شمال غزة.
(7) سنة كاملة كابَدْنَا فيها أهوال الحياة وشَظَفَ العيش؛ حَمَلْنَا جالونات المياه مسافاتٍ طويلة، وعطشنا فلم نجد ماءً صالحًا نشربه؛ سوى المالح، ونحن الآن في معسكر جباليا مُحاصرون؛ لا نجد ماءً صالحًا للشرب.
سنة كاملة ونحن نجلسُ بشكل يومي أمام موقد النار في حر الصيف اللاهب قريبًا من أربع ساعاتٍ؛ حتى رَقَّتْ عظامُنا، وذهبت أبصارُنا، ناهيك عن مهمة الاحتطاب الشاقة.
سنة كاملة عانينا فيها الجوع؛ حتى سالت دماءٌ عظيمة من أجل حفنة دقيق بالكاد تقيم الصُّلب.
(8) سنة كاملة علا فيها صوتُ الأذان، ودوّت المآذن -رغم قصفها مرارًا حتى نُسِف كثيرٌ منها-، وبقي شعاعُ النور المنبعثِ من حِلَقِ الذِّكْرِ وتحفيظ القرآن يبعثُ الأملَ في جسد الأمة المحشوّ بالوهَن، وخطباءُ مساجدنا -التي صارت خيامًا كبيرة- ينادون في المسلمين بصوت البشير النذير: صبّحكم ومسّاكم، أنا النذيرُ العُريان..
(9) سنة كاملة خَبِرَ الناسُ فيها هشاشة هذا العدو المجرم، وازدواجية النظام الدولي المقيتة، وخيانة الأنظمة العربية، وثباتَ المقاتلِ العنيدِ، صاحبِ الأرض، الذي تحتضنه في أحشائها وبين جنبات ركام منازلها، ثم يخرجُ للرتل يجندلهم، وكله أملٌ بلقاءِ الله والآخرة.
(10) سنة كاملة تيقنّا فيها أن الجهاد شرف أمة محمد وعِزُّهَا وجَذوةُ نارِها، وأن هذا العدو المجرم، ومِن ورائه تحالف الكفر ماضٍ في قتلِنا وإبادَتِنا، لا لشيءٍ إلا لأننا نقول ربنا الله؛ في عالمٍ ظالمٍ يقول حُكامُه بلسانِ الحالِ أو المقال: ربنا أمريكا إسرائيل، وأن ضريبة العزة أكبرُ بكثيرٍ من ثمن الذلة، وأننا إن لم نكن أسودًا نُهاجِمْ؛ فسنعيشُ خرافًا تتنظرُ دورها في المسلخ.
(11) سنة كاملة سوّت غزة المحاصرة فيها سمعة النظام الدولي بالأرض، ومزقت صورة الردع المتآكل لإسرائيل، وصارت تل أبيب الكبرى وضواحيها ممسحة يتمندلُ بها كل حرِّ شريف على وجه هذه البسيطة.
(12) سنة كاملة غيّرت فيها معركة طوفان الأقصى المباركة وجه العالم، وأرست قواعد نظام دولي جديد، أيقنّا فيها أن طريق تحرير فلسطين قد بدأ، وأنها محطة فاصلة في تاريخ القضية، وأن تضحياتنا الجسام؛ عزيزةٌ كريمةٌ على الله، ولا يمكن إلا أن يكون التحرير هو الثمن، عاجلًا أو آجلًا، وأن هذا الطوفان سيُغرق كل متخاذل وقف متفرجًا على ذبحِنا وقتلِنا.
ــــــــــــــــــــــــــ
* استشهد كاتب المقال، الداعية والخطيب: محمد بن ناصر مصطفى، بعد كتابته هذه المقال بقليل، وقد كتب في نهاية المقال: “الاثنين 07.10.2024، بعد مرور عام على العبور المجيد، الموافق 04 ربيع الآخر 1446هـ، من معسكر جباليا المُحاصر، تحت أزيز الطائرات ووقع القنابل والمدافع”.