
مشروعات رمضانية
أبريل 4, 2025
قرآن الثورة والجهاد
أبريل 4, 2025بقلم: د. محمد الصغير
في الثاني عشر من رمضان المنصرم 1446ه كانت أول زيارة لي إلى بلاد الشام بعد فتح دمشق وتحريرها من الطغيان، وكنت رفقة وفد علمائي برئاسة فضيلة الشيخ علي القره داغي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، واستقبلَنا الرئيس السوري أحمد الشرع في قصر الشعب، وكانت حفاوة الاستقبال بادية على الرئيس ومَن حضر من المقربين منه، وظهر لنا من كلامه استيعابه لعِظم المسؤولية الملقاة على عاتقه وإخوانه، لأن أرض الشام محط أنظار أهل الدنيا والدين، فالشام الكبير هو مسرح أحداث آخر الزمان، وموقع سوريا كموقع درة التاج بين البلدان.
وبدا جلياً أن فترة حكم إدلب كانت فترة إعداد واجتهاد لتوسيع الدائرة، حتى شملت باقي محافظات سوريا، كما أن تجارب الحكم الإسلامي الحديثة نُصب أعينهم ولا تغيب عن مخيلتهم، وبعد فضل الله وهدايته، القائل في محكم كتابه ﴿وَٱلَّذِینَ جَـٰهَدُوا۟ فِینَا لَنَهۡدِیَنَّهُمۡ سُبُلَنَاۚ﴾ [العنكبوت: ٦٩]، وهي أولى المنح الربانية للمجاهدين بعد النصر والتمكين.. وجدت من أسباب الدنيا ما جعلني مستبشراً بتمام فضل الله تعالى على أهل سوريا وقيادتها الجديد، من خلال ما رأيته من اهتمام دولة قطر التي ظلت وحيدة على وفائها للثورة السورية إلى لحظة نجاحها، ورفضت أي تنازل أو تقارب مع نظام البراميل المتفجرة والكبتاجون المخدرة.
كذلك حرص تركيا الكبير على نجاح تجربة الحكم الجديد، التي انعكست بوادر نجاحها على تركيا من اليوم الأول، وفي مقدمة ذلك ما تحمله الرئيس أردوغان وحكومة العدالة والتنمية، من استغلال المعارضة لقضية المهاجرين السوريين الذين زاد عددهم عن أربعة ملايين، خلال سنوات الثورة وبطش نظام الأسد.
ثم جاء حل تنظيم (قسد) “قوات سوريا الديمقراطية الكردية” الذي كان يمثل تهديداً على الحدود التركية، وتمت عاقبة الصبر الطويل بإعلان حزب العمال الكردستاني إلقاء السلاح، بعد مشوار ممتد من التمرد على الدولة التركية، وتتابع الانتصارات السياسية والميدانية بما مثل للرئيس التركي وحكومته مرحلة عاقبة الصبر الجميل والنفس الطويل في معالجة القضايا الشائكة.
وما يجمع تركيا الحالية وسوريا الجديدة أكبر بكثير من قضية الجوار الجغرافي، وكما تأثرت تركيا أكثر من غيرها بالدمار الذي حلّ بسوريا على يد نظام الأسد وحلفائه، فإن استقرار سوريا وإعادة إعمارها، سيعود أيضاً على تركيا بكل وجوه الخير، فمن جدّ وجد ومن زرع حصد.
وعودة إلى لقائنا بالرئيس أحمد الشرع.. الذي أتاح لنا وقتا طويلاً للحديث معه عن مستقبل سوريا وقضايا الأمة المركزية، في ظل بلوغها رأس المائة سنة الموعودة فيها بالتمكين والتجديد، وبلغ من إكرام الرئيس الشرع للوفد أنه لم يضع سقفاً زمنياً للاجتماع، حتى نبهنا فضيلة الدكتور محمد جورماز- نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ورئيس الشؤون الدينية السابق في تركيا – إلى إدراك صلاة العشاء والتراويح في المسجد الأموي.
حضر اجتماعنا مع الرئيس أحمد الشرع فضيلة الشيخ أسامة الرفاعي وفضيلة الدكتور أبو الخير شكري، وقد صدر في ليلة التاسع والعشرين من رمضان قرار رئيس الجمهورية السورية بتنصيب الشيخ أسامة الرفاعي مفتياً عاماً لسورياً، ومعه مجلس أعلى للإفتاء برئاسته وعضوية 14 شخصية علمية من مدارس سوريا العلمية المختلفة، فيهم فضيلة الدكتور أبوالخير شكري والدكتور أنس عيروط، وهما من أمناء الهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ، كما أن فضيلة الشيخ المفتي كان من أوائل العلماء المؤسسين للهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ، وانتفعنا بصحبته المباركة في السنوات الماضية، وفضيلة الشيخ أسامة من العلماء الذين تتعلم من خلقه وعمله، قبل علمه ودرسه، وهو سليل بيت علمي كبير في سوريا، وفيه سمت علماء سوريا الأوائل وهو على مسيرتهم بإذن الله، ويحظى فضيلته بمكانة كبيرة في الأوساط العلمائية، ولا تقل صفاته الشخصية عن مكانته العلمية.
ومن يطالع أسماء أعضاء المجلس الافتائي واختيار الشيخ أسامة رئيساً له، يدرك حرص الرئيس أحمد الشرع على الاستفادة بكل الكفاءات السورية بمشاربها المختلفة، وتعميق فكرة الخروج من مرحلة الثورة إلى بناء الدولة، وتجاوُز الخطوط الفكرية إلى القيادة الجماعية، وهذا من أهم أركان بناء المؤسسات ونهضة الدول.
ونسأل الله لهم دوام التوفيق، وأن ينفع بهم دولتهم وأمتهم، وأن ينعم على سائر بلاد المسلمين من خزائن فضله العميم!