الاحتلال يكثف استهداف المنازل في غزة: دفاع مدني يواجه تحديات إنسانية متزايدة
ديسمبر 26, 2024عملية طعن بهرتسليا قرب تل أبيب
ديسمبر 27, 2024بقلم: د. إبراهيم الناصر – فك الله أسره
من الحقائق الشرعية أن حسن الظن بالله من أفضل العبادات، قال تعالى في الحديث القدسي: “أنا عند ظن عبدي بي”، وقال ابن مسعود رضي لله عنه: “والذي لا إله غيره ما أُعطي عبدٌ مؤمن شيئاً خيراً من حسن الظن بالله عز وجل”، وفي المقابل نعى الله سبحانه وتعالى على قوم يظنون ظن السوء، قفال: ﴿وَطَاۤىِٕفَةࣱ قَدۡ أَهَمَّتۡهُمۡ أَنفُسُهُمۡ یَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَیۡرَ ٱلۡحَقِّ ظَنَّ ٱلۡجَـٰهِلِیَّةِۖ﴾ [آل عمران: ١٥٤]، وقال سبحانه: ﴿وَظَنَنتُمۡ ظَنَّ ٱلسَّوۡءِ وَكُنتُمۡ قَوۡمَۢا بُورࣰا﴾ [الفتح: ١٢].
ثانياً: الوعد القرآني بأن العاقبة للتقوى وأن جند الله هم الغالبون، وحديث الطائفة المنصورة الملازمة لوجود الأمة حتى تقوم الساعة.. يجعل الاعتقاد بأن الأمة يمكن أن تكون مهزومة بإطلاق خللاً في العقيدة، والشام هي ميدان الطائفة المنصورة في آخر الزمان كما أخبر بذلك الصادق المصدوق، وقد وعد الله سبحانه وتعالى نبيه لأمته “أن لا يهلكها بسنة بعامة، وأن لا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم”.
ثالثاً: ﴿وَلَا تَهِنُوا۟ فِی ٱبۡتِغَاۤءِ ٱلۡقَوۡمِۖ إِن تَكُونُوا۟ تَأۡلَمُونَ فَإِنَّهُمۡ یَأۡلَمُونَ كَمَا تَأۡلَمُونَۖ وَتَرۡجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا یَرۡجُونَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِیمًا حَكِیمًا﴾ [النساء: ١٠٤].
رابعاً: إن الشهادة في سبيل الله اصطفاءٌ ورصيد في سجل تضحيات الأمة… ولا ننسى أن البلاء الذي يصيب الأمة بسبب ذنوبها كفارات لها، قال تعالى: ﴿مَن یَعۡمَلۡ سُوۤءࣰا یُجۡزَ بِهِۦ﴾ [النساء: ١٢٣]، وورد في حديث النبي ﷺ: “ما يصيب المسلم من نَصَب ولا وَصَب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يُشاكّها، إلا كفّر الله بها من خطاياه”.
والوعد عند الله الجنة، كما أنه تأديب لها وكشف لأمراضها وفضح لمنافقيها وتمحيص لمؤمنيها، ﴿وَلِیُمَحِّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَیَمۡحَقَ ٱلۡكَـٰفِرِینَ﴾ [آل عمران: ١٤١] ، وقال سبحانه: ﴿ذَ ٰلِكَۖ وَلَوۡ یَشَاۤءُ ٱللَّهُ لَٱنتَصَرَ مِنۡهُمۡ وَلَـٰكِن لِّیَبۡلُوَا۟ بَعۡضَكُم بِبَعۡضࣲۗ ﴾ [محمد: 4] الآية.
خامساً: إن النصر الموعود به للمجاهدين لا بدّ له من توفر شروط وانتفاء موانع، فمن شروطه:
أن يقاتل المسلم أو الطائفة أو الأمة لتكون كلمة لله هي العليا، والدفاع عن المظلومين وردّ عدوان المعتدين على النفوس والأعراض والأموال والأديان، وغير ذلك من مقاصد القتال المشروع في الإسلام، وهذا من معاني نصر الله في قوله تعالى: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ﴾ [محمد: 7].
ومن موانع النصر: التنازع، قال تعالى: ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾ [الأنفال: 46]…
سادساً: تزيدنا أحداث الشام إيماناً بنبوة محمد عليه الصلاة والسلام، فقد ذكر من الوقائع والأحداث المستقبلية ما يظهر تباعاً ومنها في بلاد الشام، فهذه الأحداث لها ما بعدها، فهي أرض المحشر والمنشر، وهي التي ينزل فيها عيسى بن مريم عليه السلام عند منارتها البيضاء، وفيها يُقتل الدجال، وهي الأرض المباركة، وهي أرض الملاحم، وفيها بداية الملحمة الكبرى، ويقود المهدي فيها جيش المسلمين وغوطتها فسطاط المسلمين يوم الملحمة، فهي أرض مباركة، وثورتها مباركة، “وإذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم”، “وإن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام”.
عبر من التاريخ الحديث والمعاصر
قراءة التاريخ ومعرفة سننه واستخلاص عبره يعين على قراءة المستقبل والاستعداد له، وهي استجابة لأمر الله سبحانه وتعالى، حيث أمرنا بذلك فقال: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا…﴾ [النمل: 69]. والنظر هنا: علمي وبصري، هذا أولاً، وهو ثانياً: حماية للأمة من أن تستغرقها اللحظة الراهنة بمآسيها وإخفاقاتها، والنظر للمستقبل بتفاؤل وطمأنينة.
فمن عبر التاريخ الحديث وصور البطولة التي تبين حقيقة جهاد الأمة عندما تصدق مع ربها وتخلص لدينها وتحب الموت في سبيل الله:
• في عام 1920م سقطت بلدة كفر تخاريم في سوريا بيد الفرنسيين وشُرد أهلها في شتاء قارس، فقام ثلاثون مجاهداً بقيادة مجاهد بطل اسمه نجيب عويد بتطويق المنطقة قبل الفجر، ومع الأذان والتكبير وإيهام العدو أنهم ذو عدد هجموا على المحتلين، وفي ملحمة من ملاحم التاريخ الحديث وبعد مقتلة حامية هرب الفرنسيون بكل أعدادهم وسلاحهم وقادتهم من البلدة، مخلفين عشرات القتلى والجرحى والمعدات العسكرية.
• في عام 1921م سقطت بلدة أنوال في الريف المغربي بيد الأسبان، فقام 1000 مجاهد بقيادة عبد الكريم الخطابي بمواجهة الجيش الأسباني البالغ 25000 مقاتل المدعوم من الفرنسيين، وفي معركة استمرت خمسة أيام أبيد الجيش الأسباني في ملحمة من أهم ملاحم حركات التحرير ضد الاستعمار.
• في عام 2001م في إبان الهجوم الأمريكي على أفغانستان أسر مجموعة من المقاتلين في قلعة جانجي، في عملية غدر قام بها (دوستم) وتحالف الشمال وسط حراسة مئات الجنود بأسلحتهم ودباباتهم يدعمهم الأمريكان، وفي انتفاضة بطولية من هؤلاء الأسرى قليلي العدد سيطروا على القلعة وهزموا حراسها وقتلوا كثيراً منهم، في ملحمة أسطورية من أغرب الملاحم.
• مقاومة غزة الباسلة لإسرائيل، وكيف أن بلدة محاصرة كسجن كبير مخذولة من محيطها العربي حققت -وما زالت تحقق- حالة توازن رعب مع (دولة) لديها جيش هو أقوى جيوش المنطقة وأحدثها تسليحاً، بواسطة فصائل بأسلحة خفيفة.
• ومثال أخير: حلب، فثلاثة آلاف مقاتل محصورون داخل البنايات، ومحاصرون من قبل آلاف الميليشيات، وتدكهم الصواريخ بمعدل لم يسبق له مثيل في حروب القرن، ومع ذلك صمدوا صموداً أسطورياً رغم نقاط ضعفهم من قلة السلاح والغذاء، ورغم 72000 غارة -حسب تصريحات روسيا- معظمها على حلب، ومع ذلك خرجوا خروجاً مشرفاً دون قتل أو أسْر…
ازدياد نسبة الوعي في الأمة
استبانة سبل المجرمين من مقاصد القرآن العظيمة، والأحداث الكبرى تعري النفاق وتكشف المنافقين، والتدافع الضخم بين المسلمين والكافرين يكشف السوءات ويبين الثغرات، وحاجة الأمة إلى معرفة المواقف الشرعية من الحدث وفاعليه يستدعي إبراز دور العلماء؛ فهو الدور المنشود، والعلماء اليوم أمام استحقاق تاريخي، ومع إدراك الأمة لأهمية العلماء يكون الأمل في تحقيق دورهم، حيث أضحت الشعوب تتساءل عن دور العلماء، وهذا وعي في الأمة يكشف عن احتياجها وشعور أبنائها بالفجوة التي لا يملؤها إلا أهل العلم والرسوخ في الدين والوعي بالواقع، والنصر للأمة لا يكون إلا بعد الوعي، فلو انتصرت قبل الوعي عاد نصرها وبالاً عليها في سهولة اختراقها وزرع الفرقة بين أبنائها وتقاتلها فيما بينها ثم سرقة انتصاراتها.
المطلوب من المسلمين
1 الدور المطلوب من الشعوب:
- الدعاء، فالدعاء جهاد، وهو العسكر الذي لا يغلب، والجند الذي لا يخذل، وإشاعة شعيرة قنوت النوازل في مساجد المسلمين أمر مطلوب وبشكل عاجل، والدعوة إلى ذلك من قبل الهيئات الإسلامية مسؤولية شرعية.
- الدعم المالي والعيني عبر القنوات المتاحة والمسارعة بحملات إغاثية تواجه النكبة التي تحل بالمهجرين في ظل برد قارس يتساقط فيه الأطفال والكبار صرعى من شدة البرد وعدم توفر مواد التدفئة.
2 لن تكون آخر محارق الصليبيين والباطنيين ضد المسلمين، فلو تمكنوا لأحرقوا أهل الإسلام جميعاً، وليست أيضاً نهاية التاريخ، فلا ييأس أهل الحق ولا يفارقوا حقهم إلى باطلهم، فالأيام دول وبعد الليل يبزغ الفجر فيأتي الشروق ثم تعلو الشمس في كبد السماء، وعِبَر التاريخ القديمة والحديثة شاهدة بذلك، ووعي الشعوب بهذه الحقائق واجب الزمان؛ لتوحيد موقف الأمة ضد أعدائها الحقيقيين.
3 ينبغي أن لا تستغرقنا اللحظة الراهنة عن النظرة التاريخية قبل والمستقبلية بعد، وأن نتعرف على الفرص المتاحة والفجوات الممكنة، وتعمل الأمة عموماً والمصلحون خصوصاً من خلالها.
4 الرجوع إلى الله تعالى: فهو طريق النصر والتمكين للأمة جميعاً، ومن العجب أن المعاصي في عموم الأمة تزيد ولا تنقص، ولا شك أن الأمة قد تؤاخَذ ببعض ذنوب أبنائها، أو بسكوت صالحيها، أو بتغيب مصلحيها أو تغييبهم…
لا يأس ولا قنوط
فمن دروس التاريخ أن معركة حطين وكذا عين جالوت جاءتا بعد انهيار دولة الإسلام، وقد أيس الناس واستحكم الوهن، فأعيد الأمل في الأمة ونبتت فسائلها من جديد، وكذا كثير من مثلها من الوقائع، وفي التاريخ المعاصر: ما جرى في قلعة جانجي بأفغانستان، وثورة السوريين ضد الفرنسيين وكذا الجزائر، وثورة الخطابي ضد أسبانيا، وجهاد الصوماليين مع القائد البطل السيد محمد حسن الملا ضد بريطانيا وحلفائهم من الطليان والأحباش سابقاً، وطردهم للأمريكان في عملية إعادة الأمل الأمريكية في الصومال لاحقاً، وكفاح الشعب الأفغاني والعراقي ضد المحتلين الأمريكان وحلفائهم، وغيرها من الثورات التي أقَّضت مضاجع جيوش جرارة وأعاقت مسيرها وخططها مع الفارق الهائل في ميزان القوى.
إن الأمة رغم النكبات هي اليوم أقوى بكثير منها في عديد من محطات التاريخ، وما هذه التحالفات الدولية والإقليمية الضخمة ضد أهل الإسلام إلا دليل على أمة قادرة على المقاومة، وإلا فالضعيف أهون من أن تجتمع عليه تحالفات كهذه…
إن الحرب على الإسلام عموماً وأهل السنة خصوصاً هو المتفق عليه عند اليهود والنصارى بجميع فصائلهم، وقد سبقت واقعة أعظم على حلب حين دخل تيمور لنك وقتل وسفك وأنشأ تلة عظيمة من رؤوس أهلها، وحديثاً جرت عمليات تهجير وإجلاء ودك وحرق عديدة في القصير وفي حمص وفي الزبداني وغيرها، كلها تستهدف أهل السنة، وهذا يزيد الأمر يقيناً بأهمية سلامة المنهج رغم وعورة الطريق، حيث: ﴿وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا﴾ [البقرة:217].
فتكالب الأرض كلها على الأمة الإسلامية عبر القرون وإلى عصرنا هذا رغم ما أصاب أمة الإسلام من الضعف ومن الافتراق وغياب الرأس الجامع، ومع ذلك لم ينتهِ الإسلام ولم يفْنَ المسلمون، فلو حوربت أي أمة أو ملة بعشر معشار ما حوربت أمة الإسلام لسرعان ما تلاشت وانتهت، فهذه قوة في الإسلام لا تضعف ولا تخور، وقد جاء في حديث أن من خصائص هذه الأمة أنها منصورة بالرعب، وحديث الطائفة المنصورة معلم من معالم التفاؤل واستحضار صور النصر الملازمة للأمة…
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.