
في غمرات الطوفان (9)
يوليو 4, 2025
مستوطنون يقيمون بؤرة بالخليل ويعتدون على أهالي رام الله
يوليو 5, 2025تشريع الجهاد وحبس الشمس متعلق ببيت المقدس
عبد القادر مهدي أبو سنيج – باحث شرعي
ردُّ الله الشمس ليوشع عليه السلام وهو أمر مشهور، وقد حكى البيهقي: أن الشمس حُبست لنبينا مرتين: يوم الخندق، والثانية صباح الإسراء حين أخبرهم بوصول العير، وذلك “لما أُسرِي برَسُول الله وأخبر قومه بالرفقة والعلامة فِي العير، قَالُوا: فَمَتَى تجيء؟ قَالَ: يَوْم الْأَرْبَعَاء. فَلَمَّا كَانَ ذَلِك الْيَوْم أشرفت قُرَيْش ينظرُونَ وَقد ولّى النَّهَار وَلم تجئ.. فَدَعَا النَّبِي فزيدَ لَهُ فِي النَّهَار سَاعَة وحُبست عَلَيْهِ الشَّمْس. فَلم تردّ الشَّمْس على أحد إِلَّا على رَسُول الله يَوْمئِذٍ وعَلى يُوشَع بن نون حِين قَاتل الجبارين”.
لقد كان أول تشريع للجهاد لفتح المدينة المقدسة، ولما لم يستجِب أهل العناد والجدال من بني إسرائيل.. كتب الله عليهم التيه، ثم بعث سيدنا يوشع بفتحها بالقتال وأيّده بمعجزة حبس الشمس.
ثم استمرّت فرضيّة الجهاد إلى يومنا هذا، وفي أمّة محمد ، حتى شُحِنت آيات القرآن، وسُنة النبي بالتحريض عليه، والترغيب فيه، وشحذ الهِمم نحَوه، وتجلّى أمر الجهاد في الأمّة أكثر، وألزمته بعد هجرته من مكة إلى المدينة، أما قبل الهجرة؛ فكان الأمر بدعوتهم وتبليغهم وإقامة الحجة عليهم، وإن كان الإذن بالقتال ثابتًا قائمًا.
قال ابن العربيّ رحمه الله: “والصحيح أن أول آية نزلت؛ آية الحج ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُون﴾ [الحج من الآية: 39]، ثم نزل: ﴿وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله الذين يُقَاتِلُونَكُمْ﴾ [البقرة من الآية: 190]، فكان القتال إذنًا، ثم أصبح بعد ذلك فرضًا، لأن آية الإذن في القتال مكية، وهذه الآية مدنية متأخرة”.
نهاية الجهاد وخاتمته
تكرر الحديث عن وعد الآخرة في سورة الإسراء أو “سورة بني إسرائيل” مقترناً بالمسجد الأقصى الذي بارك الله حوله، مع التلميح لأمر القتال والجهاد وأصل الصراع في قوله عزّ وجل: ﴿وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا﴾ [الإسراء: 2]. ومعلوم أن فرض الجهاد كان بعد إنزال الكتاب على سيدنا موسى عليه السلام وهذه هي بداية تشريع الجهاد، ثم بعدها بآيات جاء ذكر “وعد الآخرة” في قوله تعالى: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا * عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا﴾ [الإسراء: 7، 8].
وفي أواخر السورة جاء ذكر هذا الوعد في قوله تعالى: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا﴾ [الإسراء: 104].
“وقد فسر حبر الأمة وترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنهما ﴿وَعْدُ الْآخِرَةِ﴾: بالقيامة.
وقيل: ﴿وَعْدُ الآخرةِ﴾ فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: وعد الإقامة وهي الكرّة الآخرة، قاله مقاتل.
الثاني: وعْد الكرّة الآخرة في تحويلهم إلى أرض الشام.
الثالث: نزول عيسى عليه السلام من السماء، قاله قتادة”.
وهذه الأقوال لا اختلاف بينها فإنّ كرّة المؤمنين الآخرة والأخيرة على اليهود لن تكون إلا بعد توجه شذاذ الآفاق وتحولهم إلى أرض الشام، وتكون نهايتهم وسحقهم عند نزول المسيح عيسى عليه السلام وقتاله للدجال وأتباعه من اليهود، وعندها ينتهي باطلهم وكذبهم وتزول دولتهم ويتطهر العالم من رجسهم وفتنهم وباطلهم وخستهم وغدرهم.
وفي طول هذه المدة: “لن ينعم اليهود أبدًا بالسلام الأبدي الذي يحلمون به، وإن استمرت موجات هجرتهم إلى الأرض المقدسة: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا﴾ [الإسراء: 4]؛ فإنهم سيجتمعون لفيفًا فيما يُسَمُّونه أرضَ (الميعاد) من كل حَدَبٍ، وصوبٍ، ومن كل فَج عميقِ يلبون نداء القدر الذي قضى الله به عليهم منذ الأزل، وإن استمر الإمداد المادي من عبَّاد الصليب، وغيرهم؛ فهذا ما أخبر به عز وجل في قوله: ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا﴾ [الإسراء: 6].
كَمَا قَالَ تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ﴾ فَهُمْ فِي الْعَذَابِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. ﴿وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ﴾ أَيْ مِنْ بَعْدِ هَلَاكِ فِرْعَوْنَ ﴿لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ﴾ يَعْنِي أَرْضَ مِصْرَ وَالشَّامِ ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ﴾ يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴿جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا﴾ أَيْ: جَمِيعًا إِلَى مَوْقِفِ الْقِيَامَةِ. وَاللَّفِيفُ: الْجَمْعُ الْكَثِيرُ إِذَا كَانُوا مُخْتَلِطِينَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ. يُقَالُ: لَفَّتِ الْجُيُوشُ إِذَا اخْتَلَطُوا، وَجَمْعُ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ فِيهِمُ الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ وَالْبَرُّ وَالْفَاجِرُ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: “﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ﴾ يَعْنِي مَجِيءَ عِيسَى مِنَ السَّمَاءِ ﴿جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفً﴾ أَيِ: النُّزَّاعُ مِنْ كُلِّ قَوْمٍ مِنْ هَاهُنَا وَمِنْ هَاهُنَا لُفُّوا جَمِيعًا”.
ونكتة مَجِيءَ عِيسَى مِنَ السَّمَاءِ وقتله للدجال تكون جزاءً لليهود جراء غدرهم بمحاولة قتل سيدنا عيسى عليه السلام ورفعه للسماء، فينزل ليكون هو مَن يقتل الدجال ويقاتل مَن معه، فتنكشف ضلالاتهم المتعلقة بادعاء موته فيكون الموت لهم.
مزاعم وعقائد تحرك المغضوب عليهم
في الوقت الذي يتداعى دعاة التغريب من بني جلدتنا إلى الانسلاخ من الدين ومحاربة جميع أشكاله تحت دعاوى التحرر والثقافة والتجديد (والمغلوب مولع بتقليد الغالب)، إلا في هذه فإننا نجدهم صماً بكماً عمياً وهم يرون ويسمعون أهل الكفر على اختلاف مللهم يتمسكون بعقائدهم الباطلة يتحركون بها بلا خجل ولا وجل!
يحركون بها الصراع ويتحركون بالباطل في كل مراحل هذا الصراع بنصوص محرفة وهم يرفعون شعارات الكفر وشارات الباطل، ويظهرون ذلك باللسان والأفعال في تحد واضح وفج وليس هذا لحناً بالقول وإنما أمر ظاهر واضح لا ينكر.
وفي أمر بدايات تشريع الجهاد من آلاف السنين يستحضر أهل الغدر والخيانة والكذب نصوصاً من التوراة المحرفة يحاربوننا بها فيزعم اليهود “أن يوشع بن نون دخل القدس في ستة أيام، وكان سقوط أريحا، كما ورد في سفر يشوع التوراتي أن أول اشتباك عسكري خاضه الإسرائيليون أثناء غزو كنعان. ووفقًا ليشوع (6: 1-27)، سقطت أسوار أريحا بعد أن سار الإسرائيليون حول أسوار المدينة مرة واحدة يوميًا لمدة ستة أيام، وسبع مرات في اليوم السابع، حيث كان الكهنة ينفخون في أبواقهم يوميًا ويهتف الناس في اليوم الأخير. ولكن هناك إجماع بين العلماء على أن القصة أسطورية.
وفي عام 1948م دخلت القدس في حكم اليهود، وحرب (1967م) كانت ستة أيام، وقد تعمد اليهود أن تكون الحرب ستة أيام، وهي في الإذاعات العربية يقال لها: نكسة الخامس من يونيو/حزيران، لكن في الإعلام الإسرائيلي يقولون: “حرب الأيام الستة” ليذكروا الشعوب اليهودية في إسرائيل وفي غيرها أن دولة إسرائيل قائمة على إرث عقدي يهودي، تذكيراً بما صنعه يوشع بن نون من قبل بأنه دخل الأرض المقدسة في ستة أيام.
على أننا نجد اتفاق ابن خلدون مع الطبري وابن الأثير وابن كثير حول مدة حصار يوشع لمدينة أريحا.. قال الطبري: “فأحاط بمدينة أريحا ستة أشهر، فلما كان السابع نفخوا في القرون وضج الشعب ضجة واحدة فسقط سور المدينة”.
وقال ابن الأثير: “وَقِيلَ: بَلْ حَصَرَهَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَلَمَّا كَانَ السَّابِعُ تَقَدَّمُوا إِلَى الْمَدِينَةِ وَصَاحُوا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَسَقَطَ السُّورُ، فَدَخَلُوهَا وَهَزَمُوا الْجَبَّارِينَ، وَقَتَلُوا فِيهِمْ فَأَكْثَرُوا. ثُمَّ اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ مِنْ مُلُوكِ الشَّامِ، وَقَصَدُوا يُوشَعَ فَقَاتَلَهُمْ، وَهَزَمَهُمْ، وَهَرَبَ الْمُلُوكُ إِلَى غَارٍ، فَأَمَرَ بِهِمْ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ، فَقُتِلُوا، وَصُلِبُوا.
ثُمَّ مَلَكَ الشَّامَ جَمِيعَهُ فَصَارَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ وَفَرَّقَ عُمَّالَهُ فِيهِ. ثُمَّ تَوَفَّاهُ اللَّهُ فَاسْتَخْلَفَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ كَالَبَ بْنَ يُوفَنَّا، وَكَانَ عُمُرُ يُوشَعَ مِائَةً وَسِتًّا وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَكَانَ قِيَامُهُ بِالْأَمْرِ بَعْدَ مُوسَى سَبْعًا وَعِشْرِينَ سَنَةً.».
أما أبو الفداء فيذكر أن “الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، أَنَّ هَارُونَ تُوُفِّيَ بِالتِّيهِ قَبِلَ مُوسَى أَخِيهِ بِنَحْوٍ مَنْ سَنَتَيْنِ. وَبَعْدَهُ مُوسَى فِي التِّيهِ أَيْضًا، وَأَنَّهُ سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُقَرَّبَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَأُجِيبَ إِلَى ذَلِكَ، فَكَانَ الَّذِي خَرَجَ بِهِمْ مِنَ التِّيهِ، وَقَصَدَ بِهِمْ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، هُوَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ، عليه السلام، فَذَكَرَ أَهْلُ الْكِتَابِ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ التَّارِيخِ، أَنَّهُ قَطَعَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ نَهْرَ الْأُرْدُنِّ، وَانْتَهَى إِلَى أَرِيحَا، وَكَانَتْ مَنْ أَحْصَنِ الْمَدَائِنَ سُورًا، وَأَعْلَاهَا قُصُورًا، وَأَكْثَرِهَا أَهْلًا، فَحَاصَرَهَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ إِنَّهُمْ أَحَاطُوا بِهَا يَوْمًا، وَضَرَبُوا بِالْقُرُونِ، يَعْنِي الْأَبْوَاقَ، وَكَبَّرُوا تَكْبِيرَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَتَفَسَّخَ سُورُهَا، وَسَقَطَ وَجْبَةً وَاحِدَةً، فَدَخَلُوهَا، وَأَخَذُوا مَا وَجَدُوا فِيهَا مِنَ الْغَنَائِمِ، وَقَتَلُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَحَارَبُوا مُلُوكًا كَثِيرَةً، وَيُقَالُ: إِنَّ يُوشَعَ ظَهَرَ عَلَى أَحَدٍ وَثَلَاثِينَ مَلِكًا مِنْ مُلُوكِ الشَّامِ.
وَذَكَرُوا أَنَّهُ انْتَهَى مُحَاصَرَتُهُ لَهَا إِلَى يَوْمِ جُمُعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَلَمَّا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، أَوْ كَادَتْ تَغْرُبُ، وَيَدْخُلُ عَلَيْهِمُ السَّبْتُ الَّذِي جُعِلَ عَلَيْهِمْ، وَشُرِعَ لَهُمْ ذَلِكَ الزَّمَانَ، قَالَ لَهَا: إِنَّكِ مَأْمُورَةٌ وَأَنَا مَأْمُورٌ، اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيَّ. فَحَبَسَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ، حَتَّى تَمَكَّنَ مِنْ فَتْحِ الْبَلَدِ، وَأَمَرَ الْقَمَرَ فَوَقَفَ عِنْدَ الطُّلُوعِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذِهِ اللَّيْلَةَ كَانَتِ اللَّيْلَةَ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ مِنَ الشَّهْرِ. وَالْأَوَّلُ، وَهُوَ قِصَّةُ الشَّمْسِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي سَأَذْكُرُهُ. وَأَمَّا قِصَّةُ الْقَمَرِ، فَمِنْ عِنْدِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَلَا يُنَافِي الْحَدِيثَ، بَلْ فِيهِ زِيَادَةٌ تُسْتَفَادُ، فَلَا تُصَدَّقُ وَلَا تُكَذَّبُ، وَلَكِنَّ ذِكْرَهُمْ أَنَّ هَذَا فِي فَتْحِ أَرِيحَا فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَشْبَهُ، أَنَّ هَذَا كَانَ فِي فَتْحِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ، وَفَتْحُ أَرِيحَا كَانَ وَسِيلَةً إِلَيْهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ”.
ارتباط اليهود بأرض خروج الدجال
وهنا تلازم بين الأرض المقدسة ووارثيها من عباد الله الصالحين يمثلهم المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، ومعه المهدي وأهل الرباط والجهاد من أمة محمد ، وبين اليهود والدجال، والدجال هو أكبر فتنة تقع على الأرض فهو الذي يمثل كل جوانب الشر في علاقة التدافع مع الإسلام في إطار علامات الساعة.
وامتداداً لارتباط الدجال باليهود ارتبط بأرضهم فكان ظهوره في مدينتهم المسماة (يهودية أصبهان)، ودليل هذا قول عائشة رضي الله عنها: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ وَأَنَا أَبْكِي، فَقَالَ لِي: “مَا يُبْكِيكِ؟” قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ذَكَرْتُ الدَّجَّالَ فَبَكَيْتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ : “إِنْ يَخْرُجِ الدَّجَّالُ وَأَنَا حَيٌّ كَفَيْتُكُمُوهُ، وَإِنْ يَخْرُجْ بَعْدِي، فَإِنَّ رَبَّكُمْ عز وجل لَيْسَ بِأَعْوَرَ، إِنَّهُ يَخْرُجُ فِي يَهُودِيَّةِ أَصْبَهَانَ حَتَّى يَأْتِيَ الْمَدِينَةَ، فَيَنْزِلَ نَاحِيَتَهَا، وَلَهَا يَوْمَئِذٍ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ، عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْهَا مَلَكَانِ، فَيَخْرُجَ إِلَيْهِ شِرَارُ أَهْلِهَا حَتَّى الشَّامِ مَدِينَةٍ بِفِلَسْطِينَ بِبَابِ لُدٍّ”. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ مَرَّةً: “حَتَّى يَأْتِيَ فِلَسْطِينَ بَابَ لُدٍّ، فَيَنْزِلَ عِيسَى عليه السلام فَيَقْتُلَهُ، ثُمَّ يَمْكُثَ عِيسَى عليه السلام فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً إِمَامًا عَدْلًا وَحَكَمًا مُقْسِطًا”.
ويهودية أصبهان اسم بلدة في إيران. قال العلامة ابن الفقيه: “لما أخرجت اليهود من البيت المقدس في أيام بختنصر وسيقوا إلى العراق (أيام التيه) حملوا معهم من تراب البيت المقدس ومن مائه، فكانوا لا ينزلون منزلاً ولا يدخلون مدينة إلّا وزنوا ماءها وترابها. فما زالوا حتى دخلوا أرض أصبهان، فنزلوا بموضع منها يقال له بنجار وهي كلمة عبرانية معناها انزلوا؛ فنزلوا ووزنوا الماء والطين الذي في ذلك المكان فكان مثل الذي معهم من تراب بيت المقدس ومائه. فعندها اطمأنوا وأخذوا في الأبنية والعمارات وتوالدوا وتناسلوا وسمي المكان بعد ذلك باليهودية”.
وهكذا كان ارتباط اليهود بالأرض قدراً هو الأرض المقدسة، ثم كتب الله عليهم التيه وحرم عليهم الأرض المقدسة، فارتبط وجودهم في الأرض بمكان خروج الدجال.
وهنا يكون ختام الجهاد خير ختام يقوم به نبي الله عيسى عليه السلام ومعه المهدي وأهل الإيمان لتطهير أرض الشام، وإخلاص أولى القبلتين لتوحيد الله جلّ جلالُه، وإقامة القسط والعدل ونشر الخير، وإزالة الفساد والرجس والباطل والشر الذي يمثل قمته الدجال وأتباعه من أهل الغدر والخسة وخيانة العهود، هؤلاء المغضوب عليهم الذين يقتلون الأنبياء والذين يأمرون بالقسط من الناس، وهو صراع بين الوعد الحق والوعد المفترى ﴿وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى﴾ [طه: 61].