
في ختام شهر المولد النبوي الشريف، أقامت الهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ فعالية تحت عنوان:
سبتمبر 22, 2025
مستشفيات غزة مهددة بالتوقف بسبب نفاد الوقود
سبتمبر 23, 2025﴿حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا﴾
عبد القادر مهدي أبو سنيج
باحث شرعي
إن هذا دليل آخر على أن نهاية القتال يكون في الأرض المباركة أرض المسجد الأقصى، وذلك في قوله تعالى: ﴿فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا﴾ [سورة محمد:13].
قال الواحدي: قال ابن عباس: حتى لا يبقى أحد من المشركين.
وقال الحسن: ﴿حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا﴾ قال: لا يُشرَك باللَّه ولا يُعبد غيره.
وقال مجاهد: حتى لا يكون دينٌ إلا الإسلام.
وقال سعيد بن جبير، ومجاهد: في هذه الآية خروج عيسى بن مريم عليه السلام، يكسِر الصليب، ويقتل الخنزير، ويلقى الذئب الشاة فلا يَعرِض لها، ولا تكون عداوةٌ بين اثنين.
ومعنى الآية: حتى تضع حربكم، وقتالكم أوزار المشركين، وقبائح أعمالهم بأن يسلموا، فلا يبقى دين غير الإسلام، ولا يُعبد وثن، وهذا كما قال النبي ﷺ: “الجهاد ماضٍ منذ بعثني الله إلى أن تقاتل آخر أمتي الدجال”.
وقال البغوي رحمه الله: “معنى الآية: أثخنوا المشركين بالقتل والأسر حتى يدخل أهل الملل كلها في الإسلام، ويكون الدين كله لله، فلا يكون بعده جهاد ولا قتال، وذلك عند نزول عيسى ابن مريم عليه السلام“.
قال النسفي: “أثقالها وآلاتها التي لا تقوم إلا بها كالسلاح والكراع، وقيل: أوزارها آثامها، يعني حتى يترك أهل الحرب -وهم المشركون- شركهم بأن يسلموا، وحتى لا يخلو من أن يتعلق بالضرب والشد أو بالمنّ والفداء، فالمعنى على كلا المتعلقين عند الشافعي رحمه الله أنهم لا يزالون على ذلك أبدًا إلى ألا يكون حرب مع المشركين وذلك إذا لم يبقَ لهم شوكة”.
هلاك الدجال وظهور الإسلام
بوَّب العلامة عبد الملك بن حبيب القرطبي (ت: 238هـ) في أشراطه:
“باب ما جاء في نزول عيسى بن مريم عليه السلام، وَخُرُوجِ الدَّجَّالِ لَعَنَهُ اللَّهُ”.
ثم ساق بسنده فقال: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لِعِيسَى عليه السلام: ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الذين كفروا﴾، قَالَ: مُتَوَفِّيكَ، أَيْ: آخِذُكَ وَقَابِضُكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ، الْكَلِمَةُ فِي ذَلِكَ وَاحِدَةٌ وَإِنَّمَا رَفَعَهُ اللَّهُ وَلَمْ يُمِتْهُ حَتَّى يَقْتُلَ الدَّجَّالَ لَعَنَهُ اللَّهُ ثُمَّ يَمُوتُ عليه السلام.
وَمِنْ كِتَابِ اللَّهِ غَيْرُ هَذَا عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَ ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَهَذَا مِمَّا لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ أَحَدٌ من أهل الإيمان والسنة أن عيسى بن مَرْيَمَ يَمُوتُ بَعْدُ، وَإِنَّمَا رَفَعَهُ اللَّهُ حَيًّا ثُمَّ يَنْزِلُ إِلَى الأَرْضِ عِنْدَ خُرُوجِ الدَّجَّالِ فَيَقْتُلُ الدَّجَّالَ وَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ وَتَكُونُ الْمِلَّةُ فِي زَمَانِهِ وَاحِدَةً للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا﴾ وَفِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كله﴾ قَالَ ذَلِكَ حِينَ يَنْزِلُ عِيسَى عليه السلام، مُصَدِّقًا بِمُحَمَّدٍ ﷺ فَيَقْتُلُ الدَّجَّالَ وَيُسْلِمُ عِنْدَ نُزُولِهِ كُلُّ يَهُودِيٍّ وَنَصْرَانِيٍّ وصاحب ملة فيكون الدين واحداً، وَيَقَعُ الأَمَانُ فِي الأَرْضِ وَيَكُونُ السَّلامُ وَتَأْنَسُ الْوُحُوشُ بِالنَّاسِ وَيَأْمَنُ النَّاسُ السِّبَاعَ وَالْهَوَامَّ، حَتَّى إِنَّ الصَّبِيَّ يَلْقَى الأَسَدَ فَيَعْرِكَ أُذُنَيْهِ وَلا يُهَيِّجُهُ عَلَيْهِ، وَيَلْقَى الرَّجُلُ الْحَيَّةَ فِي كَفِّهِ وَلا تَضُرُّهُ، وَتَلْقَى الشَّاةُ الذِّئْبَ فَلا يَضُرُّهَا؛ فَذَلِكَ حِينَ تَضَعُ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا وَيَظْهَرُ الإِسْلامُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (وَثَبَتَ كتباتُهَا) وَعَلَى عَهْدِ آدَمَ فَيَكُونُ النَّاسُ مَعَهُ عَلَى خَيْرِ حَالٍ وَخَيْرِ زَمَانٍ أَرْبَعِينَ سَنَةً ثم يقبض الله روح عيسى بن مَرْيَمَ عليه السلام، وَيَذُوقُ الْمَوْتَ فَيُدْفَنُ وَيَمُوتُ النَّاسُ فَلا يَبْقَى شَيْءٌ مِنَ الأَخْيَارِ إِلا الأَشْرَارَ (فِي قَلْبِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).
ثُمَّ رَجَعْنَا إِلَى رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ: إِنَّ عِيسَى عليه السلام يَقْتُلُ الدَّجَّالَ وَيَمُوتُ هُوَ بَعْدَ ذَلِكَ. وَقَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيُكَلِّمُ النّاسَ في المهدِ وَكَهْلًا﴾ قَالَ: يُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَهُوَ صَبِيٌّ، ثُمَّ رَفَعَهُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ كَهْلا ثُمَّ يُنْزِلُهُ فَيُكَلِّمُ النَّاسَ بَعْدَ نُزُولِهِ، ثُمَّ قَرَأَ قوله تعالى ﴿وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ﴾ فيقول: نزول عيسى بن مَرْيَمَ هُوَ عِلْمُ السَّاعَةِ ﴿فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا﴾.
آخر عصابة من أمة محمد ﷺ تقاتلُ الدجال
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: ”ثلاثٌ من أصلِ الإيمانِ: الكفُّ عمَّنْ قال: لا إله إلَاّ الله، لا تُكفِّرْهُ بذنبٍ، ولا تُخرجْه من الإسلامِ بعمَلٍ، والجهادُ ماضٍ مُذْ بعثَني الله إلى أن يُقاتِلَ آخرُ أُمتي الدجَّالَ، لا يُبطلهُ جوْرُ جائرٍ، ولا عَدلُ عادلٍ، والإِيمانُ بالأَقْدارِ”.
وفي الحديث ذكر “الخصلة الثَّالِثَة اعْتِقَاد كَون الْجِهَاد ماضيًا أي: نَافِذاً؛ وباقيًا حكمه “مُنْذُ بَعَثَنِي الله” تَعَالَى يَعْنِي أَمرنِي بِالْقِتَالِ وَذَلِكَ بعد الْهِجْرَة “إِلَى أَن يُقَاتل آخر أمتِي الدَّجَّال” فينتهي حِينَئِذٍ الْجِهَاد.
والتقدير في قوله: “مذ بعثني الله”: مذ فرض الجهاد وأُمرت بالجهاد إلى خروج الدجال يكون الجهاد باقيًا، وبعد قتل الدجال لا يكون الجهاد باقيًا، لأن بعد الدجال يكون خروج يأجوج ومأجوج ولا يقدر أحد أن يقاتلهم، وبعد هلاكهم لم يبقَ في الدنيا كافر ما دام عيسى عليه السلام في الأرض حيًا، فإذا مات يكفر بعض المسلمين، وحينئذ لا يقدر أحد على القتال، بل يموت المسلمون كلُّهم عن قريب بريح طيبة وبقي الكفار”.
وبعد قتال الدجال وانتهاء حقيقة التدافع تقع الأمنة على الأرض: “يضع عيسى ابن مريم الحرب”، كما في حديث أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي ﷺ قَالَ: “الْأَنْبِيَاء إخْوَة لعَلَّات أمهاتهم شَتَّى وَدينهمْ وَاحِد وَإِنِّي أولَى النَّاس بِعِيسَى بن مَرْيَم لِأَنَّهُ لم يكن بيني وَبَينه نَبِي وَإنَّهُ نَازل… فَيدق الصَّلِيب وَيقتل الْخِنْزِير وَيَضَع الْجِزْيَة وَيفِيض المَال وَيُقَاتل النَّاس عَلَى الْإِسْلَام حَتَّى يهْلك الله فِي زَمَانه الْملَل كلهَا إِلَّا الْإِسْلَام، وَيهْلك الله فِي زَمَانه الْمَسِيح الدَّجَّال وَتَقَع الأمنة فِي الأَرْض فِي زَمَانه حَتَّى ترتع الْأسود مَعَ الْإِبِل وَالنُّمُور مَعَ الْبَقر والذئاب مَعَ الْغنم وتلعب الصّبيان بالحيات لَا تَضُرهُمْ”.
ولعلنا نلاحظ من الأمثلة الواردة في الحديث أنها تعني انتهاء العداء الطبيعي الموجود بين جميع الخلائق، والله غالب على أمره.