
بلغة البشتو – بيان تعزية ومناشدة من الهيئة بشأن زلزال أفغانستان
سبتمبر 4, 2025
اقتحامات واعتداءات بالضفة ونتنياهو يبحث تعزيز احتلالها
سبتمبر 5, 2025د. حسين عبد العال
عضو الأمانة العامة للهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ
شهر ربيع الأول من أهم الشهور أحداثًا بين شهور العام الهجري، ففيه وُلِد المصطفى ﷺ، وفيه استقر ﷺ في المدينة بعد الهجرة، وفيه قُبض إلى الرفيق الأعلى بعد رحلة شاقة ومضنية، بعد أن أدّى وبلّغ رسالة ربه على خير ما يكون الأداء، فصلَّى الله وسلَّم عليك سيدي يا رسول الله.
وقد كان ميلاده ﷺ بداية وعلامة على رفع الظلم والظلمات من الأرض، وعلى نشر العدل والحق أمام الظلم الشديد الذي تسبب في مقت الله تعالى لأهل الأرض..
فعَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ: “أَلَا إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا، كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبْدًا حَلَالٌ، وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا، وَإِنَّ اللهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَقَالَ: إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لِأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ بِكَ، وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لَا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ، تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانَ. وَإِنَّ اللهَ أَمَرَنِي أَنْ أُحَرِّقَ قُرَيْشًا. فَقُلْتُ: رَبِّ إِذًا يَثْلَغُوا رَأْسِي فَيَدَعُوهُ خُبْزَةً. قَالَ: اسْتَخْرِجْهُمْ كَمَا اسْتَخْرَجُوكَ، وَاغْزُهُمْ نُغْزِكَ، وَأَنْفِقْ فَسَنُنْفِقْ عَلَيْكَ، وَابْعَثْ جَيْشًا نَبْعَثْ خَمْسَةً مِثْلَهُ، وَقَاتِلْ بِمَنْ أَطَاعَكَ مَنْ عَصَاكَ”.
قَالَ: “وَأَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلَاثَةٌ: ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ، وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ، وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ”.
قَالَ: “وَأَهْلُ النَّارِ خَمْسَةٌ: الضَّعِيفُ الَّذِي لَا زَبْرَ لَهُ، الَّذِينَ هُمْ فِيكُمْ تَبَعًا لَا يَبْتَغُونَ أَهْلًا وَلَا مَالًا، وَالْخَائِنُ الَّذِي لَا يَخْفَى لَهُ طَمَعٌ وَإِنْ دَقَّ إِلَّا خَانَهُ، وَرَجُلٌ لَا يُصْبِحُ وَلَا يُمْسِي إِلَّا وَهُوَ يُخَادِعُكَ عَنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ”.
وَذَكَرَ الْبُخْلَ أَوِ الْكَذِبَ، وَالشِّنْظِيرُ الْفَحَّاشُ”.
قال الإمام النووي رحمه الله: “الْمَقْتُ: أَشَدُّ الْبُغْضِ وَالْمُرَادُ بِهَذَا الْمَقْتِ وَالنَّظَرِ مَا قَبْلَ بَعْثَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. وَالْمُرَادُ بِبَقَايَا أَهْلِ الْكِتَابِ: الْبَاقُونَ عَلَى التَّمَسُّكِ بِدِينِهِمُ الْحَقِّ مِنْ غَيْرِ تَبْدِيلٍ”.
وبهذا تتضح الحالة التي كانت عليها الأرض قبل بعثة النبي ﷺ، وهذا الحديث يبيّن مهمة النبي ﷺ في رفع الظلم عن البشرية، ومحاربة الظالم وإن كانت قريشًا، بل ويبين في ذكره لأهل الجنة والنار عاقبة مَن يقومون على رفع الظلم، وهي الجنة، وعاقبة الظالمين المعتدين سواء بالقول أو الفعل، وهم في جهنم، عياذًا بك اللهم.
المولد وهلاك أبرهة الأشرم
ولد النبي ﷺ فيما يُعرف بعام الفيل، وهو العام الذي هلك فيه أبرهة الأشرم حاكم اليمن من قِبل نجاشي الحبشة آنذاك، وكان رجلًا ظالمًا طاغيًا، فقد قتل أرياط الحاكم قبله، وقام مُلكه على الظلم والطغيان، وفي نهاية مُلكه عزم على هدم الكعبة -بيت الله تعالى- ظلمًا منه وعدوانًا.
فلما اقترب منها أهلكه الله تعالى بأن أرسل عليه وعلى جنده طيرًا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل حتى هلكوا، وجعلها الله تعالى آية للناس إلى يوم القيامة، قال تعالى: ﴿أَلَمۡ تَرَ كَیۡفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصۡحَـٰبِ ٱلۡفِیلِ * أَلَمۡ یَجۡعَلۡ كَیۡدَهُمۡ فِی تَضۡلِیلࣲ * وَأَرۡسَلَ عَلَیۡهِمۡ طَیۡرًا أَبَابِیلَ * تَرۡمِیهِم بِحِجَارَةࣲ مِّن سِجِّیلࣲ * فَجَعَلَهُمۡ كَعَصۡفࣲ مَّأۡكُولِۭ﴾ [الفيل ١-٥]. وفي هذا العام وُلد الحبيب المصطفى ﷺ، فكأن الله تعالى يريد إظهار أن هذا المولود يكون على يديه نهاية الظلم.
هزيمة قريش عام المولد
يظن البعض أن الله تعالى نصر قريشًا على أبرهة الأشرم وجيشه، والحق أن الله تعالى نصر بيته الكريم، أما قريش فقد هُزمت أمام جيش أبرهة، وهُزمت أمام ربها بتخليها عن نصرة البيت، فقريش كانت العرب تهابها، وكانت تدخل حروبًا لأقل الأسباب انتصارًا لمجدها وكبريائها، فلما جاءت لحظة نصرة البيت الذي كان سببًا في كل خير لها تخلت عنه ونكصت على عقبها، وما ذاك إلا لأنها كانت ظالمة لنفسها، وكانت تعبد الأصنام، وهذا أشد الظلم منها، ولذلك هزمها الله تعالى في عام ميلاد رسول العدل والحق.. محمد ﷺ.
إرهاصات المولد
قال الشيخ صفي الرحمن المباركفوري: “وقد رُوي أن إرهاصات بالبعثة وقعت عند الميلاد، فسقطت أربع عشرة شرفة من إيوان كسرى، وخمدت النار التي يعبدها المجوس، وانهدمت الكنائس حول بحيرة ساوة بعد أن غاضت”.
وهذه العلامات كلها -مع خلاف البعض في صحتها- ليست لها دلالة إلا الإيذان بنهاية الظلم في الأرض، لأن الظلم كان قد فشى وعمَّ الأرض كل الأرض، فبميلاد الحبيب محمد ﷺ بدأت علامات زوال الظلم من الأرض، وبدأت بهذه الإرهاصات الربانية في الكون البئيس.
موقف عبد المطلب وقريش
تذكر الكتب أن عبد المطلب جد النبي ﷺ تخلى عن نصرة البيت، ولما التقى أبرهة طلب عيرًا كانت له ولم يذكر البيت، حتى أن أبرهة نظر إليه نظرة احتقار بسبب تخليه عن البيت، فكان رده على أبرهة: “إنِّي أَنَا رَبُّ الْإِبِلِ، وَإِنَّ لِلْبَيْتِ رَبّاً سَيَمْنَعُهُ”.
قال ابن هشام -رحمه الله-:
“وَكَانَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ أَوْسَمَ النَّاسِ وَأَجْمَلَهُمْ وَأَعْظَمَهُمْ، فَلَمَّا رَآهُ أَبْرَهَةُ أَجَلَّهُ وَأَعْظَمَهُ وَأَكْرَمَهُ عَنْ أَنْ يُجْلِسَهُ تَحْتَهُ، وَكَرِهَ أَنْ تَرَاهُ الْحَبَشَةُ يَجْلِسُ مَعَهُ عَلَى سَرِيرِ مُلْكِهِ، فَنَزَلَ أَبْرَهَةُ عَنْ سَرِيرِهِ، فَجَلَسَ عَلَى بِسَاطِهِ، وَأَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَيْهِ إلَى جَنْبِهِ، ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُ: حَاجَتُكَ؟ فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ التُّرْجُمَانُ، فَقَالَ: حَاجَتِي أَنْ يَرُدَّ عَلَيَّ الْمَلِكُ مِائَتَيْ بَعِيرٍ أَصَابَهَا لِي، فَلَمَّا قَالَ لَهُ ذَلِكَ، قَالَ أَبْرَهَةُ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُ: قَدْ كُنْتَ أَعْجَبْتَنِي حِينَ رَأَيْتُكَ، ثُمَّ قَدْ زَهِدْتُ فِيكَ حِينَ كَلَّمْتنِي، أَتُكَلِّمُنِي فِي مِائَتَيْ بَعِيرٍ أَصَبْتُهَا لَكَ، وَتَتْرُكُ بَيْتًا هُوَ دِينُكَ وَدِينُ آبَائِكَ قد جِئْت لهدمه، لَا تُكَلِّمْنِي فِيهِ!
قَالَ لَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: إنِّي أَنَا رَبُّ الْإِبِلِ، وَإِنَّ لِلْبَيْتِ رَبّاً سَيَمْنَعُهُ”.
وذهب عبد المطلب وأمر قريشًا أن تترك البيت وتصعد الجبال، وطاف هو بالبيت ثم بكى وأنشد قائلًا:
لاهُمّ إنَّ الْعَبْدَ يَمْنَعُ ** رَحْلَهُ فَامْنَعْ حِلَالَكْ
لَا يَغْلِبَنَّ صَلِيبُهُمْ ** وَمِحَالُهُمْ غدْوًا مِحَالَكْ
إنْ كنت تاركهم وقبلتنا ** فَأَمْرٌ مَا بَدَا لَكْ
وبالطبع هذا كلام العجزة، ولا يليق بالسادة من قريش، فعبد المطلب وحده كان يملك عشرة من الولد، أعدهم للحروب، فإن لم يجعلهم حماة البيت ففي أي شيء يجعلهم؟
لكنه فساد الدين والعقيدة، وظلمهم وبغيهم في الأرض جعلهم يخافون أبرهة دون الله تعالى، ومن هنا كانت هزيمتهم.
اليهود ومحاولتهم قتل محمد صغيرًا
ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله في حديثه عن قصة بحيرا حين رد محمدًا وهو غلام، خوفًا عليه من اليهود أن يقتلوه إذا رأوه؛ فقال حاكيًا عن بحيرا: “فَبَيْنَمَا هُوَ قَائِمٌ عَلَيْهِمْ يُنَاشِدُهُمْ أَنْ لَا يَذْهَبُوا بِهِ إِلَى الرُّومِ فَإِنَّ الرُّومَ إِنْ رَأَوْهُ عَرَفُوهُ بِالصِّفَةِ فَيَقْتُلُونَهُ، وَإِذَا بِسَبْعَةٍ مِنَ الرُّومِ قَدْ أَقْبَلُوا فَاسْتَقْبَلَهُمْ، وَقَالَ: مَا جَاءَ بِكُمْ؟ قَالُوا: بَلَغَنَا أَنَّ هَذَا النَّبِيَّ خَارِجٌ فِي هَذَا الشَّهْرِ، فَلَمْ يَبْقَ طَرِيقٌ إِلَّا بُعِثَ إِلَيْهِ بِأُنَاسٍ، وَإِنَّا قَدْ أُخْبِرْنَا خَبَرَهُ فِي طَرِيقِكَ هَذَا، قَالَ: أَفَرَأَيْتُمْ أَمْرًا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَقْضِيَهُ فَهَلْ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ مَنْعَهُ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَبَايِعُوهُ وَأَقِيمُوا مَعَهُ”.
فها هم اليهود قتلة الأنبياء ما أن اشتموا رائحته حتى أخذوا في البحث عنه لقتله، وهذا نوع من أنواع الظلم الذي كان سائدًا آنذاك، وهذا الظلم هو الذي جاء محمد ﷺ للقضاء عليه.
المدينة تستقبل محمدًا ﷺ في ربيع الأول
وفي مثل هذا الشهر أيضًا وطئت قدم رسول الله ﷺ بعد رحلة الهجرة المضنية والتي بدأت يوم السادس والعشرين من شهر صفر، وما أن نزل ﷺ المدينة حتى بدأ في تكوين دولة العدل، والتي كانت مهمتها رفع الظلم لا عن المسلمين فقط، بل رفع الظلم عن البشرية كلها، واستمرت تقوم بذلك عشر سنوات والنبي ﷺ بين أظهرهم يرشدهم ويوجههم، سواء كان ذلك بالدعوة إلى الله تعالى، أم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أم بالجهاد في سبيل الله تعالى.
محمد ﷺ يودع الدنيا في ربيع الأول
وفي نفس الشهر شهر ربيع الأول عام أحد عشر من الهجرة، انتقل النبي ﷺ إلى الرفيق الأعلى، وكانت آخر أعماله أن عقد اللواء لأسامة بن زيد رضي الله عنه ليخرج لقتال الروم، وهذا بمثابة الوصية لأمته من بعده أن تستمر في رفع الظلم عن الخلق، وأن تكون دائمًا ناشرةً للعدل بين الناس، وأن تجاهد الظالمين والمعتدين أيًا كان جنسهم، أو لونهم، أو دينهم.