
العدد الخامس والعشرين
يونيو 1, 2024
مهارة جذبِ الانتباهِ في سيرةِ النّبي ﷺ
أغسطس 8, 2024الحمد لله عز وقهر، وعز واقتدر، ذي البطش والجبروت، لا محيد عنه ولا مفر…
مما هو معلومٌ مشهور أن من أسباب رفع الضعف والهوان الذي أصاب أمة الإسلام، معرفة حقيقة الأعداء، وطبيعة عداوتهم ومكرهم، وما يدور هذه الأيام مع الأنذال من بني صهيون، ومكرهم وحقدهم على الإسلام، وغرورهم وتكبرهم، وجرأتهم على الدم المسلم، وعلى مقدسات الدين.. لَيدعونا إلى التذكير بأصلهم وبتاريخهم الأسود، الذي يحاولون اليوم تغييره، يحاولون طمسه على لسان بعض أبناء جلدتنا، من منافقي هذا الزمان، وللأسف يحاولون طمسه بشتى الوسائل من ذاكرة الأجيال الحاضرة، بل والقادمة، مما دعاهم إلى محاربة الكثير من المناهج التعليمية في البلاد العربية، والتي تشير إلى شيء من مواقفهم المخزية مع كل الناس، وكل الأجناس، بل دعاهم إلى الحرب الإعلامية الضروس على وسائل التواصل اليومي، وعلى القنوات كلها يحاولون أن يُلمّعوا صورتهم.
لكن هيهات هيهات! هيهات هيهات! فهناك آيات! فهناك آيات! تتلى إلى يوم القيامة: ﴿ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَ ٰوَةࣰ لِّلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلَّذِینَ أَشۡرَكُوا۟ ﴾ [المائدة: ٨٢]، وعداوة اليهود مبكرة، تشهد بخستها القرون الغابرة، وتؤكدها القرون اللاحقة، فأنبياؤهم فريقًا كذبوا وفريقًا يقتلون، بل أكّد القرآن -يا أمة القرآن- أنّ من أهم صفاتهم نقضهم للعهود: ﴿ ٱلَّذِینَ عَـٰهَدتَّ مِنۡهُمۡ ثُمَّ یَنقُضُونَ عَهۡدَهُمۡ فِی كُلِّ مَرَّةࣲ وَهُمۡ لَا یَتَّقُونَ ﴾ [الأنفال: ٥٦]، ويقول الحق عز وجل: ﴿ أَوَكُلَّمَا عَـٰهَدُوا۟ عَهۡدࣰا نَّبَذَهُۥ فَرِیقࣱ مِّنۡهُمۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا یُؤۡمِنُونَ ﴾ [البقرة: ١٠٠]، هذه شهادة القرآن، فما هي شهادة الواقع على هؤلاء الأقوام؟
لقد عاهدهم الرسول ﷺ، وكتب بينه وبينهم كتاباً حين وصل المدينة، فيا ترى هل التزموا العهد، واحترموا الميثاق؟
كلا! فقد غدر يهود بني قينقاع بعد غزوة بدر وانتصار المسلمين على المشركين، والمعاهدة لم يمض عليها إلا سنة، وغدرت يهود بني النضير بعد غزوة أحد، وتجرأوا على المسلمين بعدما أصابهم في غزوة أحد، وغدرت بنو قريظة ونقضوا عهدهم في أشد الظروف وأحلكها على المسلمين يوم الخندق، فإذا كانت هذه أخلاقهم مع من يعلمون صدقه، ويعتقدون نبوته، فيا ترى هل يُرجى منهم حفظ العهود مع الآخرين؟
هل يُتوقع صدق اليهود في معاهداتهم مع من يرونهم أضعف وأقل شأناً؟
إن اليهود قومٌ بهتٌ، كما قال عبد الله بن سلام رضي الله عنه، الذي كان يهودياً فأسلم، فهم ينظرون إلى العهود وإلى المواثيق التي يوقعونها مع غيرهم على أنها للضرورة ولغرضٍ مرحليٍّ، ولمصلحة آنية، فإذا استنفد الغرض المرحلي أهدافه، نقض اليهود الميثاق، من غير استشعار بأي اعتبار خُلقيّ، أو التزام أدبيّ، أو سياسيّ، أو إنسانيّ.
فإذا كانت تلك شهادة القرآن، وتلك شهادة الواقع التاريخي على اليهود، فإن من الجهل أخوة الإيمان، بل والله من الحمق! الثقة بأي معاهدة يبرمها اليهود، وبأي اتفاق يتم معهم، وقد حكم القرآن فيهم وفضحهم، فعلى المسلمين ألا يطمعوا في ودّ بني إسرائيل في يوم من الأيام، أو في مسالمتهم، ولو تركت الأفاعي لدغها، لما تركت اليهود غدرها! إذ أنهم ينطلقون من صراعٍ عقائدي، حسداً من عند أنفسهم.
وما صنيعهم اليوم وأذنابهم، وللأسف ما مجازرهم اليوم في غزة وفي غيرها مع إخواننا في فلسطين، إلا من شواهد ودلائل ذلك الحقد الدفين في نفوسهم للمسلمين. ولقد اطلع العالم كله على خذلاننا لأهل غزة، ولكن الله ينصر من يشاء من عباده المؤمنين، إن الله تعالى هو الناصر.
إخوة الإيمان، إن الله تعالى هو القوي هو العزيز، هو الجبار، هو مالك الملك، هو المتصرف سبحانه، هو الذي إذا أراد شيئًا قال له كن فيكون! فلا تطمعوا باليهود ولا بأذنابهم، ولكن ثقوا بربكم، اعتمدوا على ربكم، توكلوا على الله يا أهل القرآن، يا أصحاب سورة البقرة وآل عمران، والتوبة والأنفال، يا مرتلي الصف والقتال، أحسنوا التلقي عن كتاب ربكم، افهموا طبيعة يهود وأشياعهم فهمًا قرآنيًا، وليس فهمًا اقتصاديًا ولا سياسيًا ولا إعلاميًا، بل فهم القرآن وآيات القرآن.. تعاملوا معهم تعاملًا قرآنيًا، إنهم يحاربوننا باسم الدين، يحاربوننا باسم التوراة وقد سَمّوا دولتهم إسرائيل، وإسرائيل اسم نبي من أنبياء الله اسمه يعقوب بن إبراهيم الخليل عليهم السلام. وهم يجمعون شتاتهم باسم التوراة، حتى المدن، حتى الأقاليم في فلسطين أطلقوا عليها أسماء دينية توراتية.
فساسة اليهود وزعماؤهم وإن كان أكثرهم علمانيين لا يقيمون للدين وزنًا، إلا أنهم يعلمون تمام العلم أن قضيتهم لا يمكن أن تنجح أبدًا إلا إذا أعلنوها باسم الدين، وباسم التوراة، فيا ليت أن علمانيّ هذا الزمان يفهمون هذا الفهم! يا ليت علمانيّ المسلمين هنا وهناك يفهمون هذا الفهم الذي أرشدنا إليه القرآن..
فهل نقاتلهم نحن بعد ذلك باسم الأرض، أو باسم التراب، أو باسم العروبة؟
أي منطقٍ هزيلٍ هذا الذي يمكن أن يقف أمام منطق أمه ترفع راية التوراة والدين في وجهنا، ماذا صنعت الوطنية، يا ترى ماذا صنعت الترابية والقومية العنصرية منذ أكثر من 50 سنة؟ ماذا صنعت في مواجهة الأمة اليهودية؟
لقد هُزمت هزائم متكررة متتالية، ولما وقفت هذه الأيام ثلة قليلة مؤمنة صابرة مجاهدة، فضحوا وهتكوا أسطورة اليهود، فضحوا وهتكوا أسطورة الجيش اليهودي الذي لا يًقهر، لنعلم أن النصر من الله: ﴿ إِن تَنصُرُوا۟ ٱللَّهَ یَنصُرۡكُمۡ ﴾ [محمد: ٧]، فقد أظهر الله رُعبهم، وأظهر الله فرقتهم، وصدق سبحانه وتعالى، إن كنا ننطلق من منطلق قرآني، صدق الله عز وجل: ﴿ تَحۡسَبُهُمۡ جَمِیعࣰا وَقُلُوبُهُمۡ شَتَّىٰۚ ذَ ٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمࣱ لَّا یَعۡقِلُونَ ﴾ [الحشر: ١٤].
لا تظنوا أن يهود اليوم صفٌ واحدٌ، وبنيانٌ مرصوصٌ، كلا والله! فبنيانهم أوهى من بيت العنكبوت، لقد أثبت أهل غزة وأهل فلسطين هذه الأيام على مرأى ومسمع من العالم، رغم اختلاف القُوى، رغم تباين كل المعطيات على أرض الواقع، تلك المعطيات الحسيّة المادية التي غرق الناس اليوم فيها، ونسوا تلك الأدلة الإيمانية القرآنية البرهانية، نعم نسوها: ﴿ وَإِنَّ أَوۡهَنَ ٱلۡبُیُوتِ لَبَیۡتُ ٱلۡعَنكَبُوتِۚ ﴾ [العنكبوت: ٤١].
وما يخيل لبعض المسلمين اليوم من هيبة اليهود، ومن قوة اليهود، ومن اجتماع كلمة اليهود، إنما يبرز بسبب واقع المسلمين من الضعف والفرقة والشتات، وسيبصر المسلمون حقيقة الحال، سيتأكدون من وصف القرآن إذا صلحت أحوالهم، إذا عادوا إلى كتاب ربهم، إذا التزموا شريعته، هناك يزول السراب، هناك يزول السراب الخادع، تذهب الغشاوة عن العيون، ويأذن الله بنصرة المسلمين، ويفرّ اليهود كما تفر الفئران من أرض المعركة، يحتمون بالقصور وبالحصون، غير قادرين على مواجهة المسلمين، وحينها يعلم المسلمون مصداق قول الله تعالى، فيا ليت أننا نقرأه بقلوبنا لا بمجرد ألسنتنا: ﴿ لَا یُقَـٰتِلُونَكُمۡ جَمِیعًا إِلَّا فِی قُرࣰى مُّحَصَّنَةٍ أَوۡ مِن وَرَاۤءِ جُدُرِۭۚ بَأۡسُهُم بَیۡنَهُمۡ شَدِیدࣱۚ تَحۡسَبُهُمۡ جَمِیعࣰا وَقُلُوبُهُمۡ شَتَّىٰۚ ذَ ٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمࣱ لَّا یَعۡقِلُونَ ﴾ [الحشر: ١٤].
فيا الله! ما أعظم خطاب القرآن! يخاطب المسلم في وجدانه، يخاطبك في عقلك، يخاطبك في حسك وعصبك، وفكرك وجسدك، حكم قرآني لا تشوبه شهوات، ليست آراء، وليست أقوال فلان أو علان، إنما آيات، ليست شبهات، بل حقائق يا عباد الله، حقائق اليقين من رب العالمين: ﴿ وَلَن تَرۡضَىٰ عَنكَ ٱلۡیَهُودُ وَلَا ٱلنَّصَـٰرَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمۡۗ ﴾ [البقرة: ١٢٠].
ألا ترون كيف اجتمعوا يدًا واحدة على المسلمين من أهل السنة في كل مكان؟ أي بيوت تهدم؟ أليست بيوت المسلمين من أهل السنة؟! أي دول تُؤذى وتُفرق وتُقتل، أليست دول أهل السنة؟! أي إنسان أو أي جماعات تُقتل هنا وهناك؟ تأملوا في بقاع الأرض في غربها وشرقها، في شمالها وجنوبها، من الذي يُؤذى؟ من الذي يُقتل؟ من الذي يُظلم؟ من الذي يُهدم بيته؟ من الذي يُساح دمه على الأرض؟ أليسوا من المسلمين من أهل السنة؟
ثم يقولون إرهاب أهل السنة! فإنا لله وإنا إليه راجعون.
إذا اختلفت المفاهيم، وقِيست الأمور والوقائع بالآراء والأهواء، تغيّرت وتقلّبت، وإذا قيست الأمور بكتاب الله، وبسنة سيد الأنام عليه الصلاة والسلام، عرفنا الحقيقة إخوة الإيمان، عرفنا الحقيقة التي يجب أن لا نحابي أحداً فيها مهما كان: ﴿ وَلَا یَزَالُونَ یُقَـٰتِلُونَكُمۡ حَتَّىٰ یَرُدُّوكُمۡ عَن دِینِكُمۡ إِنِ ٱسۡتَطَـٰعُوا۟ ﴾ [البقرة: ٢١٧]، هكذا هي حقيقة القرآن: ﴿ كُلَّمَاۤ أَوۡقَدُوا۟ نَارࣰا لِّلۡحَرۡبِ أَطۡفَأَهَا ٱللَّهُۚ وَیَسۡعَوۡنَ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَسَادࣰاۚ وَٱللَّهُ لَا یُحِبُّ ٱلۡمُفۡسِدِینَ ﴾ [المائدة: ٦٤].
ــــــــــــــــــــ
* موقع إلكتروني: طريق الإسلام، مقتبس من خطبة بعنوان: صهينة الصهاينة، للشيخ عبد الله الدويش، بتاريخ 2014م.