
الحُلم الذي قادني إلى الإسلام
نوفمبر 10, 2025جوزيف أودينغا
مومباسا- كينيا
أنا جوزيف أودينغا،وأعيش في مدينة مومباسا على الساحل الشرقي لدولة كينيا.
عمري اثنان وثلاثون عاماً، وأعمل منذ سنوات طويلة بصيد سمك، مثل والدي وجدي من قبلي. حياتي مرتبطة بالبحر: أخرج قبل الفجر في قارب صغير مع بعض الرفقاء، نُلقي الشباك، ثم نعود عند الظهيرة بما رزقنا به من أسماك، فنبيعها في السوق.
حياتي تبدو بسيطة من الخارج، لكنها في داخلي كانت مليئة بالحيرة. منذ مراهقتي وأنا أسأل نفسي: ما الهدف من كل هذا؟ نخرج كل يوم في البحر، نصارع الأمواج، نخاطر بحياتنا، نعود بالسمك، نأكل، ننام… ثم ماذا؟! ما معنى وجودي؟ ولماذا أشعر دائماً أن قلبي فارغ وحياتي تدور في حلقة مفرغة؟!
نشأت في أسرة مسيحية عادية، نذهب أحياناً إلى الكنيسة في الأعياد، نصلي ونردد دعاءً قصيراً، ثم نعود لحياتنا كأن شيئاً لم يكن. لم أجد في الكنيسة جواباً لأسئلتي. كلما سألت القس عن سبب وجودنا، قال لي: “الله يحبنا، عش حياتك كما هي، ولا تُتعِب نفسك بمثل هذه بالأسئلة”. لكنني لم أستطع أن أتوقف عن السؤال.
كبرت وأنا أبحث عن معنى لحياتي. جربت أن أغرق في الملذات: كنت أذهب إلى الحانات مع بعض الأصدقاء، أشرب الخمر، أضحك بصوت عالٍ، لكنني حين أعود ليلاً إلى غرفتي، أجد نفسي وحيداً، مهموماً، وكأن شيئاً يخنق صدري. أحياناً كنت أنظر إلى البحر في الصباح الباكر وأقول لنفسي: “لو أنني مجرد سمكة تسبح وتموت، فما الفرق بيني وبينها؟”
كنت أرى المسلمين في مومباسا يذهبون إلى المساجد خمس مرات في اليوم. كنت أتعجب من انضباطهم، من وضوئهم وصلاتهم، من سجودهم على الأرض. كنت أقول في نفسي: ما الذي يدفعهم لكل هذا؟ هل يجدون فيه ما لا نجده نحن؟ لكنني لم أجرؤ يوماً على سؤال أحدهم.
إلى أن جاءت تلك الليلة التي غيّرت حياتي. كنت أجلس في السوق بعد يوم طويل من الصيد، متعباً وأفكر في ديوني الكثيرة، وبدأت أتصفح السوشيال ميديا هروبا من التفكير، فإذا بإعلان لمشروع اسمه “بصيرة” يدعو الناس للحوار حول الإسلام . فكرت قليلاً، ثم ضغطت على الرابط من باب الفضول ليس أكثر!
باغتني المحاور قائلاً: “السلام عليكم”.
قلت له باستغراب: ماذا تعني هذه التحية؟
قال: معناها أنني أتمنى لك السلام من الله. أنا “المحاور” من مشروع بصيرة الدعوي.. هل تريد أن تعرف المزيد عن الإسلام؟
ابتسمت بسخرية وقلت: الإسلام؟ سمعت عنه كثيراً في الأخبار، يقولون إنه دين قاسٍ.
ردّ بهدوء: كثير مما تسمعه ليس صحيحاً. الإسلام دين رحمة وعدل. دعني أسألك: هل فكرت يوماً في سبب وجودك؟
شعرت كأنه يقرأ أفكاري. صمتّ لبرهة، ثم قلت: هذا السؤال يطاردني كل يوم، لكن لم أجد جواباً مقنعاً.
ابتسم المحاور وقال: الإسلام يجيب عن ذلك بوضوح: خُلقنا لنعبد الله، لا بمعنى أن نترك أعمالنا وننقطع للعبادة فقط، بل أن نجعل حياتنا كلها عبادة: أن نصيد بصدق، أن نبيع بأمانة، أن نحسن إلى أهلنا، أن نشكر الله على النعم. بهذا نعيش حياة لها هدف وننال السعادة في الدنيا والآخرة، وهذا تشريف وتكريم لنا من الله عز وجل.
قلت بدهشة: هل تعني أن عملي كصياد يمكن أن يكون عبادة؟!
قال: نعم، إذا نويته طلباً للرزق الحلال وإعالة أسرتك بصدق، فهو عبادة.
كانت هذه أول مرة أسمع كلاماً يجعل عملي البسيط ذا قيمة عند الله.
سألته: لكن لماذا يقولون إن الإسلام دين عنف؟
قال: القرآن يقول عن النبي محمد ﷺ: ﴿وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَـٰكَ إِلَّا رَحۡمَةࣰ لِّلۡعَـٰلَمِینَ﴾ [الأنبياء: 107]. لم يأتِ النبي بالسيف، بل بالرحمة. حتى في الحرب، حرم الإسلام قتل الأبرياء العُزل. من يشوه الإسلام هم قلة لا تمثله أو ممن يُكن العداء للإسلام.
تأملت كلامه وشعرت بشيء يتحرك في قلبي. ثم سألته بصوت خافت: وهل يقبل الإسلام إنساناً مثلي؟ لقد شربت الخمر وفعلت أشياء كثيرة أندم عليها.
قال بابتسامة: الإسلام يفتح باب التوبة للجميع. قال النبي ﷺ: “التائب من الذنب كمَن لا ذنب له”. يكفي أن تؤمن بالله وحده وتشهد أن محمداً ﷺ رسوله، فتبدأ حياة جديدة نقية لا تعود فيها لمثل هذه الذنوب.
لم أتمالك نفسي، قلت: وماذا عليّ أن أفعل الآن؟
قال: الأمر بسيط: أن تنطق الشهادتين بصدق: “أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله”.
شعرت بدقات قلبي تتسارع. قلت وأنا أنظر إليه: هل يمكن أن أنطقها الآن؟ هذه الليلة؟
قال : نعم، الآن بكل تأكيد.
أغمضت عيني، وبدأت أردد خلفه بصوت متردد لكنه صادق: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله.
فجأة انفجرت بالبكاء. لم أبكِ هكذا منذ وفاة والدي. شعرت أنني تحررت من حمل ثقيل كان يضغط على صدري لسنوات.
قال لي المحاور بصوت هادئ وحنون: أبشر يا أخي، لقد غفر الله لك ما مضى، وبدأت حياة جديدة الليلة، هكذا أخبرنا رسول الله ﷺ.
قلت والدموع تنهمر من عيني: أشعر بخفة كأنني أطير!
عدت إلى بيتي في تلك الليلة مختلفاً تماماً. عندما رأتني زوجتي، سألتني: “ماذا حدث لك؟” فأخبرتها أنني أسلمت. لم تصدقني في البداية، لكنها رأت في عيني نظرة مختلفة. ومع مرور الأيام، بدأت تلاحظ أنني أقلعت عن الخمر، أنني أصبحت أكثر رحمة وقرباً من أولادي، أكثر صدقاً في عملي.
بدأت أتعلم الصلاة على يد الدعاة من مشروع بصيرة. من خلال برنامجهم التعليمي المجاني (أون لاين)، يعلّمونني القرآن، كيف أتوضأ، كيف أصلي لله. كنت أتعثر أحياناً، لكنهم يشجعونني بصبر.
أكثر ما غيّرني أنني لم أعد أكذب في البيع. سابقاً كنت أخلط الأسماك الجيدة بالرديئة لأربح أكثر. الآن صرت أبيع بصدق. بعض الزبائن لاحظوا ذلك، فسألوني، فقلت لهم: “الإسلام علمني الأمانة”.
مع مرور الأيام، ازداد إيماني قوة. لم أعد أخاف من المستقبل كما كنت. صرت أوقن أن الله هو الرازق، وأن حياتي لم تعد عبثاً. واليوم، وأنا أحكي قصتي، أقول لكم: لقد كنت ضائعاً في بحر الحياة بلا بوصلة، حتى أرسل الله إليّ ذلك المحاور من مشروع “بصيرة”. في تلك الليلة، حين نطقت بالشهادتين، وُلدت من جديد. الحمد لله الذي هداني للإسلام، وأسأله أن يثبتني، وأن ينير بصائر أهلي وأبناء بلدي كما أنار بصيرتي.
شكراً لمشروع بصيرة وجزاكم الله عنى خيراً.




