
تفريط الجيش المصري في فلسطين
أكتوبر 17, 2025
الاحتلال يعتدي على مزارعين وينفذ اقتحامات بالضفة
أكتوبر 18, 2025عبد الله البرغوثي
فك الله أسره*
لقد حدث أني قمت بصفع امرأة ليست من محارمي على خدها، فهل ينتقض وضوئي جراء تلك الصفعة؟
الصحيح أن الإجابة على هذه الأسئلة الدينية لم تكن هي ما يشغل بالي؛ لأني لا أذكر أصلاً أكنتُ على وضوء عندما صفعتها أم لم أكن على وضوء؛ فبعد أن صفعتها توضأت وصليت.
إن الذي كان يهمني هو سبب تلك الصفعة، صفعة قوية؛ بل إنها مؤلمة جداً تلك التي نالتها المرأة مني، تعود جذور تلك الحادثة عندما أوصل لي جهاز الرصد القسامي عدة طلبات من امرأة تطلب لقائي لأمر هام، ولقد كانت تلح كثيراً على هذا الطلب، ولأن الناحية الأمنية كانت لا تشكل خطراً علي؛ فلقد وافقت على لقائها بعد أشهر من تكرار الطلبات.
السلام عليكم.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، خيراً يا أختي؟
أريد أن أكون شهيدة في سبيل الله.
هناك مئات من الاستشهاديين الرجال ينتظرون دورهم للمشاركة في هذا النوع من العمليات.
ألم تعمل أحلام التميمي معك؟
نعم عملت، ولكني لم أكن أعلم أصلاً أنها فتاة إلا بعد أن اعتقلت.
أريد أن أكون شهيدة.
لماذا؟
وقبل أن تجيب أشرت لها بأن تضع يدها على المصحف الشريف، صمتت طويلاً ثم قالت إنها متزوجة منذ أعوام طويلة؛ وأنها لم تكن تنجب وأنها ما إن تحمل حتى يموت الجنين في بطنها، وأن أهل زوجها قد أثقلوا عليها وحولوا حياتها إلى جحيم، وأنه رغم حب زوجها لها إلا أنه لم يعد يقوى على الصمود في وجه أهله، ولذلك أريد أن أفارق الحياة لأرتاح من همومها.
ما إن رفعت يدها عن المصحف حتى كانت يدي تحط على وجهها كأنها مطرقة، فسقطت على الأرض باكية وبكت معها إحدى الأخوات التي كانت موجودة هناك مع زوجها المقاتل القسامي.
قلت لها: “اذهبي إلى بيتك وكوني واثقة بأن الله سوف يرزقك بثلاثة أولاد وثلاث بنات! اذهبي وتوكلي على الله، فمشكلتك حلها بسيط، عودي إلى بيتك؛ توضئي وصلي وادعي الله، الله مجيب الدعاء، الله الذي يجب أن لا تقنطي من رحمته أبداً”.
تركتها فأوصلها المقاوم القسامي مع زوجته إلى منزلها، في الطريق كفت عن البكاء وسألت زوجة المقاوم: هل قال عبد الله البرغوثي ثلاثة أولاد وثلاث بنات؟!
فردّت عليها: نعم، قال ثلاثة وثلاثة!
عاد المقاوم القسامي بعد أن أوصل المرأة، عاد إلي فوجدني صامتاً، ورغم أنه أمضى طوال اليوم معي إلا أنه لم يسمع صوتي إلا وأنا أقرأ القرآن في الصلاة.
كان هناك سؤال يحيرني: إن فجرت تلك المرأة نفسها هل تكون شهيدة أم قاتلة لنفسها؟
شهيدة أم قاتلة؟
فأنا لست بعالم دين ولا أستاذ بعلوم الفقه الإسلامي، لست مفتياً؛ وحتى أني لست شيخاً من أولئك الذين يمضون وقتهم في المساجد ودور العلم وبحضور جلسات دروس الدين، أنا عبد الله البرغوثي، مسلم لا أكثر ولا أقل، أصلي نعم، أصلي وأصوم، وأمارس السنة النبوية قدر الإمكان؛ نعم قدر الإمكان.
أنا مجرد مهندس قسامي، مهندس فقط لا غير، مهندس قسامي لا يكذب أيضاً، يا الله لقد قلت لها إن الله سوف يرزقها بثلاثة أولاد وثلاث بنات! يا الله، نحن الآن في شهر رمضان المبارك، ولقد وعدت وأقسمت، أعنّي يا الله أعني يا الله!
ما هي إلا أيام معدودة حتى كنت أجهز أحد الاستشهاديين، وأظنه كان أيمن بحر، فقال لي: يا شيخ أوصني قل لي ماذا تريد أن أقول لنبينا محمد ﷺ إذا ما استشهدت وصعدت روحي للجنة؟
فقلت له: سلّم عليه ﷺ، وادع لي الله أن ييسر لي أمري.
قال: هل تريد مني أن أتشفع لك عند الله؟ فأنا استشهادي.
وهنا تذكرت الصفعة! تذكرت المرأة فقلت له: لا تشفع لي! فسوف يشفع لي أخوك أسامة حلبة إن شاء الله، أما أنت فأريد منك أن ترجو الله عز وجل أن يبعد الغم والهم عن أختي فلانة بنت فلان، وأن يرزقها بثلاثة أولاد وثلاث بنات، فلقد وعدتها بذلك.
وقصصت القصة على كل من أسامة حلبة وأيمن بحر.
ما أن انتهى شهر رمضان المبارك وحل العيد الصغير، وما أن جاء العيد الكبير بعد نحو شهرين، حتى وصلني خبر حمل تلك الأخت! وما هي إلا أشهر معدودة حتى كانت قد أنجبت ولداً جميلاً، أتبعته بعد نحو عشرة أشهر بولد آخر أجمل من السابق ثم ولد ثالث أسمته “عبد الله”.
تلك الأسئلة الفقهية كانت دائماً تزعجني، ولكن الحمد لله أنه كان حولي من الإخوة من هم أكثر مني علماً ومعرفة بأمور الدين، أعلم أنه من يُقتل في سبيل الله؛ و”الله” وحده فإن مصيره الجنة والمغفرة، وأن مَن قتل نفسه لحاجة من حاجات الدنيا الزائلة فإن مصيره العذاب الأليم ونار جهنم، أعلم ذلك، ولكني أعلم أني لست بعالم دين، فأنا مجرد: مهندس على الطريق.
ــــــــــــــــــــــــــ
- عبد الله غالب البرغوثي، أمير الظل.. مهندس على الطريق، 2012م، نسخة إلكترونية، ص144 وما بعدها.