
ارتفاع حصيلة شهداء غزة لأكثر من 67 ألف شهيد في غزة
أكتوبر 6, 2025
هذَا السَّبِيلُ … وَلَا سَبِيلَ سِوَاهُ!
أكتوبر 7, 2025حامد عبد العظيم
كاتب
الحرب على النموذج.. الحرب على القيمة.. الحرب على الفكرة.. الحرب على المفهوم..
تتقافز الكلمات أمامي وأنا أبحث عما يصف حرب اليهود على غزة.. فالصورة أعم وأشمل فيما أرى من حرب محلية نطاقها قطاع غزة، بل هذه الحرب الدائرة منذ 7 أكتوبر 2023 ما هي إلا جزء صغير من صورة كبيرة يجب أن نشاهدها كلها.. فتعالَ معي لنبتعد قليلاً لنرى الصورة كاملة..
الخطيئة الأولى: تقديم النموذج
خطيئة المجاهدين الكبرى في غزة والتي لن تغفرها أبداً أمريكا وحليفتها اللقيطة إسرائيل والمعسكر الصهيوصليبي عموماً: أن طوفان الأقصى أصبح نموذجاً.
نعم.. نموذجاً لمدافعة.. ومقاومة.. وجهاد.. وقتال معسكر الكفر الغربي تحديداً.
نموذجاً يُقدَّم للشعوب المقهورة على الهواء مباشرة لتحذو حذوه..
نموذجاً يُعرض على الشاشات أمام الأطفال والصبيان والأجيال الشابة والجديدة في جميع العالم، لأبطال حقيقيين وليسوا مصطنعين هذه المرة كسوبر مان وباتمان وسبايدر مان وأيرون مان!
أبطال يُنفذون مهمات خارقة غريبة عجيبة، بطل يصعد على الدبابة ويضع قنبلة داخلها، وآخر يخرج من تحت الأرض ليهجم على مجموعة من الجنود بلا أدنى خوف، وآخر يرتدي اللباس الأنيق ويتبختر في مشيته بينما يرمي جنود الصهاينة بقذيفة… إلخ.
لأول مرة في تاريخ البشرية تُسجَّل وتُعرَض هذه المهمّات والعمليات بهذه الطريقة، مقاطع مرئية واضحة وحقيقية، وكثيرة ومتتالية!
الصبي الذي يشاهد ذلك لن يجد أي شعور يشعر به إلا الانبهار الشديد، وسيتخيل نفسه مكان هؤلاء الشجعان الأفذاذ الخارقين الأقوياء! ولن تنمحي هذه الصور من ذاكرته أبداً، بل سيتداولها بهاتفه مع أصدقائه!
قبل الطوفان كانت الصورة عندما نبتعد قليلاً: المعسكر الصهيوصليبي يحتل أكثر بلاد العالم، سواء احتلال مباشر أو بالوكالة عن طريق الحكام الخونة أو عن طريق الاقتصاد والاتفاقيات، ويدمّر البلاد والعباد في أصقاع مختلفة من العالم، بلا أي مقاومة وبلا أي ردع.
إلا أن جاء هؤلاء المجاهدون من غزة ليقدموا للعالم النموذج الجديد قائلين: يا شعوب العالم.. هل تعلمون أن بإمكانكم هزيمة أمريكا؟ هل تعلمون أن أعداءنا ليسوا آلهة (ولا إله إلا الله) بل بشراً من الممكن هزيمتهم وإذلالهم؟
فنحن “نجحنا” في إهانة.. وتركيع.. وسحق ضلع مهم، ورأس حربة، في فريق معسكر الصهيوصليبية، ألا وهو الكيان اللقيط إسرائيل، في خطة طوفان الأقصى يوم السابع من أكتوبر.
هنا فقط جن جنون كفرة الغرب، ويقررون أن هذا “النموذج” لن يمر مرور الكرام، ويجب أن يكون هؤلاء المجاهدون وأهلهم وشعبهم الذي جاءوا منه وأرضهم ومَن يساندهم= عبرة لمن يريد أن يتجرأ ويقاوم.
هذا النموذج المقاوم الذي تفهم منه الشعوب المقهورة أن هزيمة المحتلين شيء ممكن= يجب أن يُسحق تماماً، ويجب أن تعود للذاكرة الجمعية للشعوب أن عاقبة المقاومة هي الإبادة ولا شيء غير الإبادة، هذا يفسر تماماً ما يحدث بعد السابع من أكتوبر من رد جنوني عشوائي بلا أجل منظور وبلا أهداف عسكرية.. إبادة جماعية ليست فقط بضوء أخضر من أمريكا كما يقول محللون؛ بل بأمر مباشر منها لإسرائيل أن تبيد غزة تماماً، وأن تمحي هؤلاء “العصاة” من الوجود وأن تجعلهم أثراً بعد عين، حتى يقال: هذا جزاء من يحارب أمريكا ووكلاءها.
الخطيئة الثانية: إحياء الجهاد
هل رأيت دولة دون وزارة للدفاع؟ أو وزارة للحربية؟
بالطبع لا.
أمريكا ووكلاؤها يريدون الإسلام بلا وزارة للدفاع، ووزارة دفاعنا نحن المسلمين هي الجهاد في سبيل الله.
وقد نجحوا في ذلك عبر تشويه الجهاد ووصمه بالإرهاب، واغتيال المجاهدين معنوياً ووصفهم بالإرهابيين، وصارت هيئة الرسول ﷺ المذكورة في كتب الشمائل والسيرة في مخيلة الشعوب في الشرق والغرب هي صورة نموذجية للإرهابي (وحاشا حبيبنا وقائدنا نبي الرحمة ﷺ).
فصار الملتحي صاحب الثوب الأبيض هو الإرهابي، أما المسيحي الأمريكي الذي يطلق النار في مدرسته السابقة أو في تجمع احتفالي فيقتل العشرات فهو مختل عقلياً أو مريض نفسي أو على أقصى تقدير: مجرم، لكن ليس إرهابياً، لأن الإرهابي يجب أن يكون مسلماً!
حتى صار عادياً أن نقرأ في الأخبار بعد وقوع حوادث في أمريكا وأوروبا أن الشرطة لا تزال تبحث: هل هذا الحادث إرهابي أم لا؟ ويقصدون هل قام به مسلمون فيكون إرهابياً أم غير مسلمين فيكون حادثاً عادياً؟
نعم، كانوا قد نجحوا في ذلك وشوّهوا الجهاد وأبلوا في ذلك بلاء حسناً بالفعل! حتى صار كثير من المسلمين يشعرون في قرارة أنفسهم أنهم إرهابيون، بل وفي الغرب بات بعض المسلمين يخفون هويتهم الإسلامية وأسماءهم المعروفة أنها إسلامية، فيسمي نفسه باسم آخر أمام أصدقائه، ويستحي أن يصرّح أنه يأكل فقط الطعام الحلال! وبعض النساء يخلعن الحجاب لشعورهن أنهن بذلك سيُنظر إليهن أنهن إرهابيات!
فبعد هذا التقدم الغربي الباهر في حربه على الجهاد، يأتي طوفان الأقصى ليقدّم الجهاد في ثوب جديد، ويقدّم المجاهدين في صورة حديثة:
فالجهاد هو حق محض، ومطلب أصيل مشروع، أن ينتفض المظلوم ليدفع عن أرضه وأهله وناسه الاحتلال والحصار والتجويع والقتل، وبعد أكثر من سبعين عاماً من المجازر الصهيونية والتهجير والتهويد والفُجر والاعتقال والتعذيب.. فهو ليس إرهاباً بل هو الحل الوحيد، ودونه سنُباد نحن أهل غزة، ثم سيُباد كل مسلم على هذه الأرض، ثم ستنتقل الإبادة إلى جميع شعوب أراضي حلم إسرائيل الكبرى! فجميع الأدلة تشير إلى ذلك وجميع المساعي الإسرائيلية تتجه لذلك على قدم وساق وبالليل والنهار دون كلل أو ملل منذ بدايات القرن العشرين!
والمجاهدون هم هؤلاء الإنسانيون الذين يعاملون الأسرى معاملة راقية، حتى أن الأسرى يحفظون لهم الجميل ويتكلمون عنهم بالخير حتى بعد خروجهم من الأَسر ووصولهم (إسرائيل) وانعدام أي خطر عليهم من المجاهدين!
والمجاهدون هم أولئك الأبطال الشجعان الذين لا يهابون الموت في سبيل الدفاع عن أرضهم وأطفالهم ونسائهم، رجال بحق وأقوياء بصدق!
وهم الساجدون الراكعون، المؤمنون بدينهم أشد الإيمان، هم الذين يتجول قائدهم مشياً على الأقدام ليتفقدهم، وفي جيبه كتاب ربه القرآن، دون خوف أو اختباء، ويقاتل بعصاه إلى آخر نفَس بإصرار، وهكذا كافة القادة رأى فيهم الناس حول العالم تواضعاً وصدقاً، وقارَنوا ذلك بقادة دولهم من الرؤوساء والملوك المنافقين فوجدوا الفرق واضحاً وعلِموا حينها مَن هم المجاهدون ومَن هم قادتهم على الحقيقة!
لقد أحيت هذه الصور الجديدة للجهاد والمجاهدين، الجهاد في نفوس المسلمين؛ وأسهمت إسهاماً كبيراً في تكذيب الرواية الصهيوصليبية عن الجهاد في الإسلام، وأصبح العديد يتساءلون أسئلة عجيبة لم يكن أشد المتشائمين تشاؤماً في أمريكا أن يتوقعها، من قبيل: هل أسامة بن لادن كان محقاً عندما ضرب أمريكا في الحادي عشر من سبتمبر؟ هل (طالبان) إرهابيون فعلاً؟ هل أمريكا دولة إرهابية بحربها على العراق وغيرها؟
نعم، دعونا لا ننسى هذه الحملات الواسعة التي انطلقت بين الشباب الأمريكي بعد أيام من طوفان الأقصى والتي تداولوا فيها مفاهيم الإرهاب والإرهابيين من جديد، وهل فعلاً هؤلاء المسلمون إرهابيون كما يصورهم لنا الإعلام الأمريكي؟
وكأنهم شكّوا في كل مفاهيمهم المتعلقة بالجهاد والمجاهدين!
ودعونا لا ننسى في الذكرى الثانية من انطلاق طوفان الأقصى الهادر أن كثيراً جداً من المؤثرين في أمريكا وأروبا قد أقبلوا بقلوب مفتوحة ليقرأوا عن الإسلام وليتصفحوا تراجم القرآن ليفهموا دين هؤلاء الغزاويين الذين نظروا إليهم حينها أنهم مثل الكائنات الفضائية العجيبة المدهشة!
خطيئتان لن يُغفرا لرجال غزة! إنها ليست حرباً محدودة في جغرافيا ضيقة مثل قطاع غزة؛ بل حرباً غيرت المفاهيم، وبدّلت القناعات، وحطّمت نفسية المحتلين اليهود، وعدّلت طريقة التفكير وزاوية النظر في نفوس شعوب الأرض.
إن طوفان الأقصى أحدث الزلازل والبراكين في نفوس الأمم، وما يفعله بنو صهيون من محاولات للإبادة ومن ورائهم أمريكا التي لولاها لسُحقت إسرائيل.. لن يعالج أبداً هذه الطعنة القوية التي أصابت إسرائيل في كبدها بجرح غائر وعما قليل سيفرغ جسدها النجس من كل قطرة دم فتسقط حينها صريعة ذليلة.
في الذكرى الثانية لطوفان الأقصى أقول: لقد حُق لنا نحن المسلمين أن نفتخر بأن هؤلاء المجاهدين وهؤلاء الغزاوية الصابرين الثابتين ينتمون لأمتنا، وأننا مسلمون مثلهم وعرب مثلهم، وحُق لنا أن نشعر بالعار والمذلة أننا لا نساعدهم ونساندهم بالقدر الكافي، وهي فرصة لنفتح صفحة جديدة في الدعم والتضامن والمساندة، ولنقف بجانبهم بكل ما أوتينا من قدرة وقوة، بالمال والسلاح والطعام والدعاء والإعلام، وكل شيء.
في الذكرى الثانية أقول لجميع إخواني:
بالله عليكم أقبّل أيديكم وأرجلكم: لا تنسوا غزة!