
في ذكرى استشهادهسيّد قطب المُلهِم المظلوم!
أغسطس 14, 2025
سوريا الجديدة والنهضة الدعوية
أغسطس 14, 2025فرج كُندي
سفير الهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ في ليبيا
وُلد الإنسان مفطوراً على التدين؛ فطهارة التدين هي فطرة جُبل عليها الإنسان، قال رسول الله ﷺ: “كل مولود يُولَد على الفطرة”. أي أن الإنسان يولد مزوداً بغريزة التدين، وهذا التدين قد يكون باتباع دين الله عز وجل، باتباع الأنبياء المرسلين من الله، أو قد ينحرف عن الجادة: “فأبَواه يُهودانِه أو يُنصرانِه أو يُمجسانِه”.
ومن هنا جاءت فكرة دراسة الأديان غير المنزلة من عند الله تعالى، الذي جعل الدين هو الإسلام الذي جاء به الأنبياء من لدن نوح إلى خاتمهم محمد ﷺ.
ولما كان لهذه الأديان الوضعية التي ما أنزل الله بها من سلطان من أثر في حياة كثير من الأمم وحياة الشعوب، خاصة أديان الهند الكبرى، ومن علاقة بالدين الإسلامي وأثر على المسلمين في الوقت الحاضر.. وجب أن تخضع هذه الأديان للدراسة والبحث لمعرفة خطرها وتأثيرها على الإسلام والمسلمين، خاصة في شبه القارة الهندية وما جاورها من دول إسلامية.
إن فكرة الدين لا تقوم على مذهب التطور الدارويني في نشأة الإنسان، ولا تقوم على مجرد العقل المحض؛ بل إن الدين أمر الله تعالى لأول خلقه من البشر آدم عليه السلام، حين خلقه وأمَر الملائكة بالسجود له وعلّمه الأسماء كلها.
علم آدم أنه مخلوق ومأمور بعبادة الله الذي أوجده، قال تعالى ﴿وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِیَعۡبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]. وقال النبي ﷺ كما سبق: “كل مولود يولد على الفطرة..”، أي أنه مفطور ومجبول على التدين لله تعالى، وهذا يثبت أن الدين ليس كسبياً بقدر ما هو فطري من الله تعالى.
يخلق الإنسان وداخل وجدانه نزوع للتدين وعبادة الله تعالى، وقد يخطئ الطريق بسبب عامل خارجي مؤثر إلا أن الدين داخله، ولا ينكر الدين إلا شاذ في فكره ووجدانه معاً. “إن الدين وضع إلهي، وليس من إيحاء النفس أو تخيل العقل أو تنظيم الإنسان؛ فمرجع الدين إلى الله سبحانه وتعالى، هو أنزله وأوحى به، كما قال تعالى: ﴿قُلۡنَا ٱهۡبِطُوا۟ مِنۡهَا جَمِیعࣰاۖ فَإِمَّا یَأۡتِیَنَّكُم مِّنِّی هُدࣰى فَمَن تَبِعَ هُدَایَ فَلَا خَوۡفٌ عَلَیۡهِمۡ وَلَا هُمۡ یَحۡزَنُونَ﴾ [البقرة: ٣٨]”.
تاريخ الأديان في الهند
تُعد الحضارة التي قامت في بلاد الهند من أهم الحضارات في العالم القديم، مع حضارة مصر الفرعونية وحضارة بلاد الرافدين وحضارة الصين؛ لما تتميز به بلاد الهند من بُعد جغرافي وسكاني جعلها تتميز عن غيرها من الحضارات بتنوع أديانها وأعراقها، “إن بلاد الهند تُعد قارة مستقلة في حد ذاتها لكبر مساحتها، ولكثرة سكانها، وأنواع معادنها الطبيعية، فإذا قيل: بلاد الهند يتبادر إلى الذهن الهند التي تحيط بها سلسلة من جبال هملايا من الشمال ممتدة إلى بلاد كشمير وإلى بوتان، وفي الجنوب كانياكماري، وفي الغرب بلاد السند وفي الشرق بورما، فالبلد الذي يقع في هذه الأراضي الواسعة تسمى الهند”.
لقد عُرفت الهند بما سمي حضارة الأنهار والوديان، وترجع أقدم حضارة فيها إلى 2500 سنة ق. م؛ حيث سكنها الدرافيديون، ثم جاءها الآريون ما بين 2500-2000 ق. م حيث سكنوا على ضفاف نهر الغانج وأسسوا حضارة الفيدا، التي تعني المعرفة، وهي (لكسب رضى الخالق)، ومن هنا كانت عوامل تقوية الغريزة الدينية “ومن أهمها اختلاف قوى الطبيعة ومواجهة الإنسان لهذه القوى وإحساسه بالضعف تجاهها، فدفعت الهندي أن يصبح متديناً بطبيعته يشغف بالروحانيات، ويسعى دائباً إلى معرفة الخالق، ويتخذ الزهد وسيلة ليتخلص من دنيا المادة وينظم دنيا الروح”.
وقد تعددت الأديان في الهند وتنوعت، منها إله النار “آغني Agni” الذي يعتقدون أنه يمثّل الشمس في السماء والنار المقدسة في الأرض، وظهرت ديانة البراهمة المكونة من الثالوث: “ابرهاما” الخالق و”شيفا” المهلك و”فشنوا” الحافظ، وكذلك الهندوس الثانوية الذين يتبعون شيفا أو فيشنو. وقد اشتهرت الهند بكثرة الأديان هذه والتي تضارع لغات الهند أو تقترب منها. وكانت الديانة الهندوسية أشهر هذه الأديان وأكثرها انتشاراً.
وقد اشترك عدد كبير من المفكرين والفلاسفة في وضع دياناتها؛ فهي ديانات وضعية ليس بينها وبين السماء اتصال أو علاقة. لذلك جاءت متشاكلة ومختلفة ومتناقضة فيما بينها “من الصعوبة في بحث أديان الهند أننا نجد أحياناً الدين بلا عقيدة واضحة، وقد يكون خالياً من فكرة الآلهة فيبقى ديناً بلا الله وعُرف وممارسة لبعض العبادات”.
أهم الأديان في الهند
الديانة الهندوسية
الهندوسية: دين وثني يعتنقه غالب الشعب الهندي، وهو عبارة عن معتقدات وعادات وأخلاق وسلوكيات يلتزم بها الهندوس في حياتهم، “إن الهندوسية هي دين غالبية الهنود وقد قامت على أنقاض الفيدية، وتشربت أفكارها وتسلمت عن طريقها الملامح الهندية القديمة والأساطير الروحانية المختلفة التي نمت إلى شبه الجزيرة الهندية قبل دخول الآريين، ومن أجل هذا عدها الباحثون امتداداً للفيدية وتطوراً لها.
وكثير من علماء الهندوس يرون أنها خالية من العقيدة، يقول الزعيم الهندي غاندي: “ومن حظ الديانة الهندوسية أنها ليست لها عقيدة رئيسة، فإذا سألت عنها فأقول: إن عقيدتها هي عدم التعصب والبحث عن الحق بطرق حسنة، وأما الاعتقاد بوجود الخالق وعدمه فكلاهما سواء، ولا يلزم لأي رجل من الرجال الهندوس أن يؤمن بخالق، فهو هندوسي سواء آمن أم لم يؤمن”.
ليس هناك من مصدر معتمد يمكن من خلاله تحديد الزمن الفعلي لنشأة الهندوسية، كونها لم تنشأ من خلال دعوة شخص أو أشخاص، وإنما هي عبارة عن معتقدات وعادات قوم تراكمت ودُونت وحُفظت، فاتخذها مَن بعدهم من أجيالهم ديناً يتبعونه، ويُرجع الباحثون نشوء الهندوسية للاحتكاك الثقافي بين الأعراق المختلفة التي وفدت إلى الهند واستقرت فيها؛ فهي تعبّر عن أسلوب حياة أكثر منها تعبر عن عقائد أو معتقدات، ولم تتميز بصياغة محكمة محددة المعالم؛ بل هي مزيج متشابك من العقائد، التي تتنوع من عبادة الأحجار والأصنام والأشجار، إلى أن تصل إلى التجريدات الفلسفية المحضة. وينقسم الهندوس إلى عدة فرق أهمها فرقة فشنو وفرقة سيفا .
معتقدات الهندوس
تتعدد وتتنوع الآلهة التي يدين لها الهندوس ويؤلهونها، وقد وصف “ول ديورانت” في (قصة الحضارة) آلهة الهندوس فقال: “تزدحم بها –أي الآلهة– مقبرة العظماء في الهند، ولو أحصينا أسماء هاتيك الآلهة لاقتضى ذلك مائة مجلد، وبعضها أقرب في طبيعته إلى الملائكة، وبعضها هو ما قد نسميه نحن بالشياطين، وطائفة منهم أجرام سماوية مثل الشمس، وطائفة منهم تمائم… وكثير منها هي حيوانات الحقل أو طيور السَّماء.
وهذه الوفرة والكثرة في الآلهة يختزلها الهندوس في آلهة ثلاثة، أو واحد ذو ثلاثة أقانيم:
الإله براهما: ويُطلق عليه اسم (سانج هيانج)، واسمه بالسنسكريتية -لغة الهندوس-: (Utpatti)، وهو الخالق، حسب معتقدهم.
2- الإله فيشنو: ويسمونه الحافظ ومهمته الحفـاظ على العالـم ويسمونـه بلغتهم (Sthiti). وكثيراً ما يصوّرونه على هيئة إنسان يجسّد الخير والعون للبشر، ويساعده في مهمته آلهة آخرون: راما ـ وكرشنا، ويحتل فيشنو موقعاً متميزاً في الشعائر الهندوسية.
3- الإله شيفا: وهو إله الهلاك والفناء والدمار، وهو المهلك للعالـم ومهمته نقيض مهمة فيشنو، يقول ديورانت عن شيفا: إله القسوة والتدمير قبل كلّ شيء آخر؛ هو تجسيد لتلك القوّة الكونية التي تعمل، واحدة بعد أخرى، على تخريب جميع الصور التي تتبدى فيها حقيقة الكون، جميع الخلايا الحيّة وجميع الكائنات العضوية، وكلّ الأنواع، وكلّ الأفكار وكلّ ما أبدعته يد الإنسان، وكلّ الكواكب، وكلّ شيء.
عقيدة الهندوس في الله
يذكر البيروني أن اعتقاد الهندوس في الله تعالى أنه الواحد الأزلي من غير ابتداء ولا انتهاء، المختار في فعله القادر الحكيم الحي المحيي المدبر المبقي، الفرد في ملكوته، المنزه عن الأضداد والأنداد، ولا يشبهه شيء.
الكارما
وهو قانون الجزاء، ويقرر أن الشهوة أقوى عامل في حياة الإنسان، وهذه الشهوة تؤثر على الآخرين. وليس لأحد أن يتخلص منه ولا يمكن لأحد أن يفر من جزاء أعماله، سواء كانت حسنة أو سيئة، ولا بد أن يجازَى عليها بالثواب أو العقاب، طبقاً لناموس العدل الذي هو كوني قضى بالجزاء على كل عمل.
تناسخ الأرواح
ولهذا المصطلح عدة تعابير منها تجوال الأرواح، ومنها تكرار المولد، وهو يعني رجوع الأرواح بعد خروجها من الجسد إلى جسد جسم آخر، وهذا المفهوم تسرب إلى بعض منتسبي بعض الفرق الإسلامية بعد انتشار الإسلام في بلاد فارس وما وراء النهر.
عقيدة إنكار النبوة
يرى الهندوس أن الدين يأتيهم من الله تعالى بلا واسطة، وبذا ذهبوا إلى إنكار النبوات وعدم تصديق أي نبي أو رسول يأتي بدين ما. زاعمين أن العقل لا يسلم ولا يقر بإرسال الرسل واستحالته ذلك، معتمدين على دلالات عقلية واهية هي دليل على بطلان ما ذهبوا إليه أكثر من كونها دليلاً على صحة مذهبهم الواهي الباطل.
الطبقات عند الهندوس
يُعد الهندوس مجتمعاً شديد الطبقية، بالغ التعصب؛ فبينما يتمتع أناس فيه بمقام الآلهة، يخوض آخرون أوحال الذل والمهانة، وهذا التقسيم ليس نتيجة سلطة ظالمة توشك أن تزول، بل هو بمقتضى دينهم قدر إلهي وأمر رباني، فالإله عندهم قد خلق الخلق على هذا النحو الذي هم فيه، فجاء في كتابهم (منوسمرتي) -وهو سِفر من أسفارهم المقدسة-: لسعادة العالم خلق برهما. لهذا يجب أن تكون وظائفهم في الحياة وفق دلالة موضع خلقهم، فرأس الإله مركز الفكر والحكم خُلق منه البراهمة فهم العلماء والحكماء ويتمتعون بمزايا عظيمة، وقد نص شرع الهندوس (منوسمرتي) بشأن وظيفة هذه الطبقة على ما يلي: “وفرض الإله الأعظم على الشودار أمراً واحداً وهو أن يقوم بإخلاص تام بخدمة هذه الفرق الثلاثة”. ويقصد بها طبقات: البراهمة، والكشاتريا، والويشا.
ولا يدخل المنبوذون في هذا التقسيم فهم درجة دنيا مدنسة لا تدخل أساساً في التركيبة الهندوسية.
شعائر وعبادات الهندوس
1- الطهارة عند الهندوس نوعان:
طهارة حسية بالماء: فيوجبون الغسل على من مس حائضاً أو منبوذاً أو أمنَى.
وطهارة معنوية: وهي طهارة القلب والروح بالعلوم والمعارف والتأمل.
2- الصلاة: وهي من أهم الشعائر عندهم، وتؤدَّى في وقتين في اليوم: في الصباح عند طلوع الفجر إلى الإشراق، وفي المساء إلى ظهور النجوم، وتُصلى فرادى، وتختلف صلاة المرأة عن صلاة الرجل، وتؤدّى في المعابد وفي البيوت والغابات وعلى ضفاف الأنهار.
3- اليوجا: وهي من الشعائر التعبدية المهمة لدى الهندوس، وهي طريقة رياضية روحية وجسدية يتبعونها لتسهيل اتحادهم بالإله -وفق زعمهم- وللأسف الشديد فقد انتشرت هذه العبادة الهندوسية –اليوجا– بين شباب المسلمين تحت غطاء الرياضة، جهلاً بجذورها الفلسفية الكفرية، والله المستعان!
4- الحج عند الهندوس: بالذهاب إلى نهر “الغانج” سنوياً، والاغتسال فيه للتطهر من آثامهم، وكذلك يلقون فيها رماد موتاهم.
5- إحراق الموتى: فالأجساد لا قيمة لها وفق معتقداتهم، فهي مركب الروح، فإذا فارقتها الأرواح كانت أولى بالإحراق، وبعد حرقها تُتلى عليها التعاويذ الهندوسية ثم تُوضع في أنبوب لتُرمى بعد ذلك في نهر الغانج.
6- سرادة: ومعناها الوليمة، وتُطلق –كما يذكر البستاني في معارفه– على احتفال يجريه الهندوس لموتاهم لإيصال أرواحهم إلى السماء، وتسهيل قبولها بين الأرواح الخالصة، وعندهم أن عدم إجراء هذا الاحتفال يُبقي الروح تائهة على وجه الأرض مع الأرواح النجسة، وأن الذي يتأخر في أداء هذه الفروض نحو أقربائه تلعنه الآلهة والبشر، وتبقى أرواح أقربائه محرومة عدة سنوات معلومة من وليمة الأرواح الخالصة، والذي يموت دون أن يترك ابناً ليتمّم بعده الفروض المأتمية يكون سبباً لطرد أرواح سلفائه من الجنة إلى الجحيم!
وقد تطورت الهندوسية عبر الأزمنة ومن خلال مجموعة من العادات والتقاليد نظمت حياتهم لأجيال متعاقبة.