
لم أجد قلبي في الكنيسة!
أغسطس 8, 2025
من سكون الجبل إلى نورِ الإسلام
أغسطس 10, 2025أ.د. جمال بن عمار الأحمر الأنصاري
سفير هيئة أنصار النبي ﷺ في الجزائر
الماء في المجتمع الصحراوي عصب الحياة، وسرُّ البقاء، وكنزٌ لا يُقدَّر بثمن! ففي تلك الأصقاع القاحلة، حيث تُلهب الشمسُ الرمال، ويُصبح الظمأ هاجساً يومياً، تتحول كل قطرة ماء إلى نعمةٍ تُذكِّر الإنسانَ بضعفه وحاجته إلى رحمة الله. وهنا تبرز معجزات النبوَّة العظيمة كالأنهار في الصحراء؛ فحين يشحّ الماء، وتُضيق الأرض بما رحُبت، ويبلغ العطشُ مبلغَه، يأتي الرسول المنقذ ببركة السماء! كان موسى ﷺ يضرب الحجر بعصاه فتنفجر منه العيون! وكان رسول الله ﷺ يكتفي بوضع يده الشريفة أو يتمتم بكليمات في الإناء فيتدفق الماءُ عذباً زلالاً، فيُحيي القلوبَ قبل الأجساد! هذه المعجزات لم تكن مجرد إجابةٍ لحاجةٍ عابرة، بل كانت آياتٍ باهراتٍ تثبت النبوة، وتُذكِّر البشر بأن الله هو الرزاق ذو القوة المتين، القادر على خرق العادات، وتفجير ينابيع الحمد بعد الرجاء حتى في أحلك لحظات اليأس.
- معجزته ﷺ في تكثير ماء الوضوء لصلاة العصر
عن أنس بن مالك قال: رأيت رسول الله ﷺ، وحانت صلاة العصر، فالتمس الناسُ الوضوء فلم يجدوه، فأُتي رسول الله ﷺ بوَضوء، فوضع رسول الله ﷺ في ذلك الإناء يده، وأمر الناس أن يتوضؤوا منه. قال: فرأيت الماء نبع من تحت أصابعه، حتى توضؤوا من عند آخرهم.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: قد رأيتني مع النبيّ ﷺ، وقد حضرت العصر، وليس معنا ماءٌ غير فضلة، فجعل في إناء، فأتى النبي ﷺ به، فأدخل يده فيه، وفرّج أصابعه، ثم قال: “حيَّ على أهل الوضوء، البركةُ من الله”! فلقد رأيتُ الماء يتفجّر من بين أصابعه، فتوضّأ الناس وشربوا، فجعلت لا آلو ما جعلتُ في بطني منه، فعلمتُ أنه بركة! قلت لجابر: كم كنتم يومئذ؟ قال: ألف وأربعمائة!.
- معجزته ﷺ في تكثير الماء للوضوء بالزوراء في المدينة
عن أنس بن مالك قال: “أُتي رسول الله ﷺ بإناء وهو بالزوراء فوضع يده في الإناء فجعل الماء ينبع من بين أصابعه، فتوضأ القوم. قال قتادة: قلت لأنس: كم كنتم؟، قال: ثلاثمائة، أو زهاء ثلاثمائة”.
- معجزته ﷺ في تكثير ماء الميضأة في سفر
عن أبي قتادة قال: خطبنا رسول الله ﷺ فقال: “إنكم تسيرون عشيتكم وليلتكم، وتأتون الماء إن شاء الله غدا”. فانطلق الناس لا يلوى أحد على أحد. وفيه: قال: فانتهينا إلى الناس حين امتد النهار، وحمي كل شيء، وهم يقولون: يا رسول الله، هلكنا عطشنا. فقال: “لا هُلك عليكم” ثم قال: “أطلقوا لي غمري”. قال: ودعا بالميضأة، فجعل رسول الله ﷺ يصب وأبو قتادة يسقيهم، فلم يَعْدُ أن رأى الناس ماء في الـمَيْضَأَة تكابُّوا عليها. فقال رسول الله ﷺ: “أحسنوا الملأ، كلُّكم سيُروى” قال: ففعلوا، فجعل رسول الله ﷺ يصب وأسقيهم، حتى ما بقي غيري وغير رسول الله ﷺ. قال: ثم صب رسول الله ﷺ فقال لي: “اشرب” فقلت: لا أشرب حتى تشرب يا رسول الله، قال: “إنَّ ساقيَ القومِ آخرُهم شُربا” قال: فشربت، وشرب رسول الله ﷺ، قال: فأتى الناس الماء جامين رواء!
- معجزته ﷺ في تكثير ماء مزادتين في السفر
عن عمران بن حصين قال: كنا في سفر مع النبي ﷺ، وإنا أسرينا، حتى كنا في آخر الليل وقعنا وقعة، ولا وقعة أحلى عند المسافر منها، فما أيقظنا إلا حر الشمس. وكان أول من استيقظ فلان ثم فلان ثم فلان، ثم عمر بن الخطاب الرابع. وكان النبي ﷺ إذا نام لم يوقَظ حتى يكون هو يستيقظ، لأنا لا ندري ما يحدث له في نومه، فلما استيقظ عمر ورأى ما أصاب الناس، وكان رجلاً جليداً، فكبر ورفع صوته بالتكبير، فما زال يكبر ويرفع صوته بالتكبير، حتى استيقظ بصوته النبي ﷺ، فلما استيقظ شكوا إليه الذي أصابهم، قال: “لا ضير، أو لا يضير، ارتحلوا”. فارتحل فسار غير بعيد، ثم نزل فدعا بالوَضوء فتوضأ، ونودي بالصلاة، فصلى بالناس، فلما انفتل من صلاته، إذا هو برجل معتزل لم يصلِّ مع القوم، قال: “ما منعك يا فلان أن تصلي مع القوم؟”
قال: أصابتني جنابة ولا ماء. قال: “عليك بالصعيد فإنه يكفيك!”، ثم سار النبي ﷺ، فاشتكى إليه الناس من العطش، فنزل فدعا فلاناً ودعا علياً فقال: “اذهبا فابتغيا الماء”. فانطلقا، فتلقيا امرأة بين مزادتين أو سطيحتين من ماء على بعير لها، فقالا لها: أين الماء؟ قالت: عهدي بالماء أمسِ هذه الساعة، ونفرنا خُلُوف، قالا لها: انطلقي إذاً، قالت: إلى أين؟ قالا: إلى رسول الله ﷺ، فقالت: الذي يقال له الصابئ؟ قالا: هو الذي تعنين، فانطلقي. فجاءا بها إلى النبي ﷺ وحدثاه الحديث. قال: فاستنزلوها عن بعيرها، ودعا النبي ﷺ بإناء، ففرَّغ فيه من أفواه المزادتين، أو سطيحتين، وأوكأ أفواههما، وأطلق العزالي، ونودي في الناس: اسقوا واستقوا. فسقى من شاء، واستقى من شاء، وكان آخر ذاك أن أعطى الذي أصابته الجنابة إناء من ماء، قال: “اذهب فأفرغه عليك”. وهي قائمة تنظر إلى ما يفعل بمائها، وأيم الله، لقد أقلع عنها، وإنه ليخيل إلينا أنه أشد مِلأَة منها حين ابتدأ فيها. فقال النبي ﷺ: “اجمعوا لها” فجمعوا لها من بين عجوة ودقيقة وسويقة، حتى جمعوا لها طعاماً، فجعلوها في ثوب، وحملوها على بعيرها، ووضعوا الثوب بين يديها.
قال لها: “تعلمين ما رزئنا من مائك شيئاً، ولكن الله هو الذي أسقانا”. فأتت أهلها وقد احتبست عنهم، قالوا: ما حبسك يا فلانة؟ قالت: العجب، لقيني رجلان، فذهبا بي إلى هذا الذي يقال له الصابئ، ففعل كذا وكذا، فوالله إنه لأسحر من بين هذه وهذه -وقالت بإصبعيها الوسطى والسبابة، فرفعتهما إلى السماء، تعني: السماء والأرض- أو إنه لرسول الله حقاً. فكان المسلمون بعد ذلك يغيرون على من حولها من المشركين، ولا يصيبون الصرم الذي هي منه، فقالت يوماً لقومها: ما أرى أن هؤلاء القوم يدَعونكم عمداً، فهل لكم في الإسلام، فأطاعوها، فدخلوا في الإسلام.
- معجزته ﷺ في تكثير الماء في صُلح الحديبية
عن البراء بن عازب الأنصاري قال: تَعُدون أنتم الفتح فتح مكة، وقد كان فتح مكة فتحاً. ونحن نَعُد الفتح بيعة الرضوان، يوم الحديبية، كنا مع النبي ﷺ أربع عشرة مائة، والحديبية بئر، فنزحناها فلم نترك فيها قطرة. فبلغ ذلك النبي ﷺ فأتاها، فجلس على شفيرها، ثم دعا بإناء من ماء فتوضأ، ثم مضمض ودعا، ثم صبه فيها. فتركناها غير بعيد، ثم إنها أصدرتنا ما شئنا نحن وركابنا.
وعن سلمة بن الأكوع قال: قدمنا الحديبية مع رسول الله ﷺ ونحن أربع عشرة مائة، وعليها خمسون شاة لا ترويها. قال: فقعد رسول الله ﷺ على جبا الركية، فإما دعا وإما بسق فيها. قال: فجاشت فسقينا واستقينا.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: عطش الناس يوم الحديبية، والنبي ﷺ بين يديه ركوة فتوضأ، فجهش الناس نحوه، فقال: “ما لكم؟” قالوا: ليس عندنا ماء نتوضأ ولا نشرب إلا ما بين يديك! فوضع يده في الركوة، فجعل الماء يثور بين أصابعه كأمثال العيون، فشربنا وتوضأنا. قلت: كم كنتم؟ قال: لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا خمس عشرة مائة!
وعن معمر قصة صلح الحديبية وفيها: قال: فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمدٍ قليل الماء، يتربضه الناس تربضاً، فلم يلبثه الناس حتى نَزَحوه، وشُكيَ إلى رسول الله ﷺ العطش، فانتزع سهماً من كنانته، ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، فو الله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه.
- معجزته ﷺ في تكثير ماءِ عَين تَبوك
عن معاذ بن جبل قال: خرجنا مع رسول الله ﷺ عام غزوة تبوك، فكان يجمع الصلاة، فصلى الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً. حتى إذا كان يوماً أخر الصلاة، ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعاً، ثم دخل، ثم خرج بعد ذلك، فصلى المغرب والعشاء جميعاً. ثم قال: “إنكم ستأتون غداً، إن شاء الله، عين تبوك، وإنكم لن تأتوها حتى يضحي النهار، فمن جاءها منكم، فلا يمسَّ من مائها شيئاً حتى آتي”. فجئناها وقد سبقنا إليها رجلان، والعين مثل الشراك، تبض بشيء من ماء. قال: فسألهما رسول الله ﷺ: “هل مسستما من مائها شيئاً؟” قالا: نعم! فسبَّهما النبي ﷺ وقال لهما ما شاء الله أن يقول. قال: ثم غرفوا بأيديهم من العين قليلاً قليلاً حتى اجتمع في شيء، قال: وغسل رسول الله ﷺ فيه يديه ووجهه، ثم أعاده فيها، فجرت العين بماء مُنهَمِر- أو قال: غزير- حتى استقى الناس، ثم قال: “يُوشِك يا معاذ، إن طالت بك حياةٌ، أن ترى ما ها هُنا قد مُلِئَ جِنانا”.
- معجزته ﷺ في تكثير الماء من قطرة
عن جابر قال: (…) فأتينا العسكر، فقال رسول الله ﷺ: “يا جابر، نادِ بِوَضُوء” فقلت: ألا وَضوءٌ؟! ألا وَضوءٌ؟! ألا وَضوءٌ؟! قال: قلت: يا رسول الله، ما وجدت في الركب من قطرة. وكان رجل من الأنصار يبرِّد لرسول الله ﷺ الماء في أشجابٍ له على حَـمّارة من جَريد. قال: فقال لي: “انطلق إلى فلان بن فلان الأنصاري، فانظر هل في أشجابِه من شيء؟”. قال: فانطلقت إليه، فنظرت فيها فلم أجد فيها إلا قطرة في عزلاء شجب منها، لو أني أُفرِغُه لَشَرِبه يابِسُه. فأتيت رسول الله ﷺ فقلت: يا رسول الله، إني لم أجد فيها إلا قطرة في عزلاء شجب منها، لو أني أُفرِغُه لَشَرِبه يابِسُه! قال: “اذهب فائْتِني به” فأتيته به، فأخذه بيده فجعل يتكلم بشيء لا أدري ما هو، ويغمزه بيده، ثم أعطانيه، فقال: “يا جابر، ناد بجفنة”. فقلت: يا جفنة الركب، فأتيت بها تُحمل، فوضعتُها بين يديه، فقال رسول الله ﷺ بيده في الجفنة هكذا، فبسطها وفرق بين أصابعه، ثم وضعها في قعر الجفنة. وقال: “خذ يا جابر، فصُبَّ عليَّ، وقل: باسم الله”. فصببتُ عليه، وقلتُ: باسم الله، فرأيتُ الماء يَفور من بين أصابع رسول الله ﷺ، ثم فارت الجفنة ودارت، حتى امتلأت. فقال: “يا جابر، ناد من كان له حاجة بماء”. قال: فأتى الناسُ فاستقَوْا حتى رَوَوْا. قال: فقلت: هل بقي أحد له حاجة؟ فرفع رسول الله ﷺ يده من الجفنة وهي مَلْأَى!
هكذا، في مناسبات مختلفة المكان، متغايرة الزمان، متبدلة الظروف، يجد الصحابة أنفسهم في مسيس الحاجة إلى الماء، فتأتي معجزات الماء رحمة، وقلوبهم مطمئنة بالإيمان ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم. وشتان ما بين أتباع محمد ﷺ وأتباع موسى ﷺ في الإيمان والمحبة والاتباع!