
مفتي القدس: سنبقى حُرّاس الأقصى وأمناءه
أغسطس 6, 2025
رب يضحك
أغسطس 6, 2025عبد القادر مهدي أبو سنيج
باحث شرعي
نهاية الجهاد وخاتمة القتال بأن تضع الحرب أوزارها ويكون مكانه الشام بيت المقدس وأكنافه، وزمانه آخر الزمان بنزول عيسى عليه السلام وقتاله والمسلمون معه الدجالَ ومن معه من اليهود والأتباع، كما جاء في سنن أبي داود وأخرجه الحاكم، من قول النبي ﷺ : “لا تزال طائفة من أمّتي يُقاتلون على الحقّ، ظاهرين على من ناوأهم، حتى يُقاتل آخرهُم المسيح الدجال”، وهذا لا يَمنع من كون الجهاد باقياً إلى قيام الساعة، أو يوم القيامة!
وجملة: “حتى يُقاتل آخرهُم المسيح الدجال”، جملة كاشفة عن أنه آخر قتال وأشرف قتال، وكل ما ورد من نصوص في القتال في باب الملاحم والفتن آخر الزمان إنما يقع أكثره في عموم الشام كغوطة الشام كما في حديث أبي الدرداء أن رسولَ الله رحمه الله قال: “إن فُسطَاط المسلمين يوم الملحمة بالغُوطَةِ إلى جانب مدينة يقال لها: دمشقُ، من خير مدائن الشام”.
والأعماق ودابق: كما جاء من حديث أبي هريرة رحمه الله مرفوعًا: “لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق…”. قال الإمام النووي رحمه الله: “الأعماق ودابق موضعان بالشام بقرب حلب”. وهذا يصدق عليه (أطراف بيت المقدس وأكنافه).
كما يقع ذلك القتال ويكون في مدن قريبة من القدس كعسقلان التي وصف النبي ﷺ رباطها بأنه خير رباط، ثم يكون الأرض المباركة حتى يهلك الدجال عند باب لد من الأرض المقدسة، وقد روي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: “لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ، حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللهِ، هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ”.
ومعلوم أن ذلك يكون ببيت المقدس دل على ذلك الدليل والمشاهدة، قال الصدر المناوي: “والغرقد: بالغين المعجمة والراء المهملة وبالقاف نوع من شجر الشوك، معروف ببلاد بيت المقدس، وهناك يكون قتل الدجال واليهود”.
وقد دلت نصوص السنة على أن سيدنا عيسى عليه السلام ينزل قرب الساعة، ويقتل الدجال ويحكم بشريعة نبينا محمد ﷺ، ويمكث في الأرض ما شاء الله أن يمكث. ثم يموت ويصلي عليه المسلمون. فعن أبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ الْمالُ حَتَّى لا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ، حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الْواحِدَةُ خَيْراً مِنَ الدُّنْيا وَما فِيها”. ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: واقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: ﴿وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا﴾ [النساء: 159].
ويؤكد هذا المعنى الأحاديث التي دلّت على استمرار الجهاد وديمومته كحديث ابن عباس رضي الله عنهما: أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ يومَ الفتحِ: “لا هِجْرَةَ بعدَ الفتحِ ولكنْ جهادٌ ونيَّةٌ وإذا اسْتُنْفِرتُمْ فانْفِرُوا”.
وحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أنّ رسول الله ﷺ قال: “الخيلُ في نَوَاصِيهَا الْخَيرُ إِلَى يَوْمِ الْقيَامَةِ”.
فقد ذكر البخاريّ هذا الحديث مفسَّرًا بقوله في حديثه: في نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَة: الأَجْرُ والغَنيمَةُ.
هذا هو الخير الّذى ذكره في هذا الحديث. “قال علماؤنا: يخرج من هذا الحديث أنّ الجهادَ باقٍ إلى يوم القيامة مع كلِّ بَرٍّ وفاجرٍ. وتأويلُه عند علمائنا: أنّ المراد به خيل الغزو في سبيل الله، وأنّ الإسلام باق لا تذهب جملته حتّى لا يبقى مَنْ يجاهد عن الدِّين. ويدلُّ أيضًا أنّ أهلَ الكفرِ ومن يجاهد على الدِّين لا يخلو منهم وقت”.
ومما سبق نعلم أن الرباط والقتال لا ولن ينقطع في أطراف بيت المقدس وأكنافه، ولا تزال طائفة من أمة النبي ﷺ ظاهرة على الحق لا يضرها من خذلها، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قالَ رسول الله ﷺ: “لَا تَبْرَحُ هَذِهِ الْأُمَّةُ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ مَنْصُورِينَ أَيْنَمَا تَوَجَّهُوا، يُقْذَفَ بِهِمْ كُلَّ مَقْذِفٍ، لَا يَضُرُّهُمُ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ”.
وهم كما قال ﷺ: “مَنْصُورِينَ أَيْنَمَا تَوَجَّهُوا، يُقْذَفَ بِهِمْ كُلَّ مَقْذِفٍ، لَا يَضُرُّهُمُ مَنْ خَالَفَهُمْ” وهي “تُقَاتِلُ أَعْدَاءَهَا، كُلَّمَا ذَهَبَ حَرْبٌ نَشَبَ حَرْبُ قَوْمٍ آخَرِينَ”.
فهم في حرب دائمة يتنوع فيها العدو ويتجدد النصر مع كل عدو، ما يعني أن هناك “أحزاباً” مختلفة المشارب والمصالح ولكنهم متفقون على عداوة الإسلام.
والتعبير “بالمقذف” يصف لك حالة الحرب وشدتها والدمار والرعونة في العداوة والقتل والفتك بالضعفاء، وما يصاحبه من زور وكذب وفجور، وقذف للشبهات المثبطة والكلمات المخذلة، والتي هي عين الفجور ثمرة الكذب الذي لا يهدي إلا الفجور.
وهذه الغلبة في هذا الحديث تشير من طرف خفي بأن هناك قوماً بل أقواماً من “الأمة” تزيغ قلوبهم من الإيمان إلى الكفر، وذلك بتضييع الولاء لله عز وجل ورسوله ﷺ والبراء من الكفر وحزبه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قَالَ: “لَا تَزَالُ مِنْ أُمَّتِي عِصَابَةٌ قَوَّامَةٌ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ عز وجل لَا يَضُرُّهَا مَنْ خَالَفَهَا تُقَاتِلُ أَعْدَاءَهَا، كُلَّمَا ذَهَبَ حَرْبٌ نَشَبَ حَرْبُ قَوْمٍ آخَرِينَ، يُزِيغُ اللَّهُ قُلُوبَ قَوْمٍ لِيَرْزُقَهُمْ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ كَأَنَّهَا قِطَعُ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ فَيَفْزَعُونَ لِذَلِكَ حَتَّى يَلْبَسُوا لَهُ أَبْدَانَ الدُّرُوعِ”.
وفي هذه الأحاديث بشرى ببقاء هذه العصابة الطائفة وأن الله ناصرهم ومن نصر الله لهم أنهم لا يضرهم من خذلهم.
ومن البشريات كذلك هزيمة الأحزاب وأن ذلك من سُنة الله تعالى، فقد قضى الله بقدرته هزيمة من تحزبوا ضد المسلمين، ففي غزوة الأحزاب علم رسول الله ﷺ أن الله سينصره على المشركين واليهود لما تحزبوا ضده وقال: “أبشروا معشر المسلمين”. لأنهم بهذا التحزب قد حققوا سُنة إهلاكهم؛ لأنه من أفعال الله أن يهزم الأحزاب؛ ولهذا قال الرسول ﷺ: “اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم”، ولهذا أيضًا عبر القرآن عن الكافرين بعد إهلاكهم بقوله: ﴿أُولَئِكَ الأَحْزَابُ﴾ [ص: 13].
وسُنة الله تعالى كذلك عبر التاري،خ وفيها إهلاك مَن يتجبر ويطغى على الناس بإخراجهم من ديارهم وتهجيرهم وتمكين عباد الله؛ كما في سورة إبراهيم ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ * وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ﴾ [إبراهيم: 13 – 15].
وبهذه النصوص نوقن أن هذه الطائفة المرابطة منصورة مهما كان الخذلان ومهما تداعى عليها الأعداء.
وأن هذا القتال لن ينقطع.. فإن توقف حيناً سيتجدد أحياناً.
وأن التهجير وإخراج أهل الرباط -وإن خطط له القوم ومكروا وتأمروا- فلن يتم حتى وإن وقع بعضه؛ بل تمام الأمر ﴿لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ * وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ﴾ [إبراهيم: 13 – 15].
فيجب على المسلم أن يوطّن نفسه على عدم الانخداع بدعاوى السلام والتعايش مع قوم ينتظرون ويجهزون لمناصرة أعظم فتنة منذ خلق الله آدم؛ كما في حديث أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، قَالَ: خَطَبَنَا رسول الله ﷺ، فَكَانَ أَكْثَرُ خُطْبَتِهِ حَدِيثًا، حَدَّثَنَاهُ عَنِ الدَّجَّالِ، وَحَذَّرَنَاهُ، فَكَانَ مِنْ قَوْلِهِ أَنْ قَالَ: “إِنَّهُ لَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ مُنْذُ ذَرَأَ اللَّهُ ذُرِّيَّةَ آدَمَ أَعْظَمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، وَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْ نَبِيًّا إِلَّا حَذَّرَ أُمَّتَهُ الدَّجَّالَ، وَأَنَا آخِرُ الْأَنْبِيَاءِ، وَأَنْتُمْ آخِرُ الْأُمَمِ” الحديثَ.
قال ابن حجر: وَلِهَذَا قَالَ ﷺ: “لَا فِتْنَةَ أَعْظَمُ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ” وَكَانَ يَسْتَعِيذُ مِنْهَا فِي صَلَاتِهِ تَشْرِيعًا لِأُمَّتِهِ.
ويؤكد النبي ﷺ مفهوم الدفع في علامة الدجال إذ يقول: “تَغْزُونَ جَزِيرَةَ الْعَرَبِ فَيَفْتَحُهَا اللهُ، ثُمَّ فَارِسَ فَيَفْتَحُهَا اللهُ، ثُمَّ تَغْزُونَ الرُّومَ فَيَفْتَحُهَا اللهُ، ثُمَّ تَغْزُونَ الدَّجَّالَ فَيَفْتَحُهُ اللهُ”.
ويقول في حديث آخر: “لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ حَتَّى يُقَاتِلَ آخِرُهُمُ الدَّجَّالَ”.