
من لم يجاهد لم يستحق الأرض المقدسة
يوليو 12, 2025
سفير الهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ في كردستان
يوليو 12, 2025محمد أمين الأويغوري-سفير الهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ في تركستان الشرقية
الأطراف الإقليمية والدولية التي تتمتع بنفوذ أو تأثير في إقليم تركستان الشرقية
كانت العديد من الدول الإسلامية تلعب دورًا هامًا في التأثير على السياسات الصينية تجاه الشعب التركستاني، منها المملكة السعودية، وباكستان، وتركيا، وغيرها. وكذلك منظمة التعاون الإسلامي والجماعات الإسلامية في العالمين العربي والإسلامي؛ حيث نددوا بسياسات الصين الظالمة تجاه الشعب التركستاني في المحافل الدولية، وأسهموا في التعريف بالقضية بين المجتمعات الإسلامية، وإيصال صوت المسلمين إلى أطراف العالم، وتوعية المجتمع، ودعم التركستانيين في المنفى من حيث الدراسة والمعيشة. ولكن في العقدين الأخيرين ومع صعود الصين اقتصاديًا، بدأت الكثير من هذه الدول تتراجع عن مواقفها بمبرر تقديم مصالح دولها على كل شيء.
ويمكن عد عدة جهات فاعلة في قضية تركستان الشرقية حاليًا، على سبيل المثال:
تركيا وماليزيا: من أكثر الدول تأثيرًا ودعمًا، ولعبتا دورًا في توظيف القضية لصالح حكومتيهما والشعب التركستاني معًا، حيث تُفتح أبواب الدعم، والتواصل مع قيادات المنظمات التركستانية، والإصغاء إلى صرخات الشعب.
دول آسيا الوسطى (تركستان الغربية): يجمع المصير المشترك بين هؤلاء الشعوب التركية والحكومات التي ما زالت تئن تحت هيمنة القطب الشيوعي الروسي والصيني، والتي تطمح لنصيبها في مشروع “طريق الحرير” الصيني مقابل تنازلها عن قضية تركستان الشرقية.
الدول العربية: تتقدم نحو الاصطفاف مع الصين مقابل تناسي هذه القضية مرحلة بعد مرحلة. ونتيجة لذلك، بدأت القضية التركستانية تبتعد عن ذاكرة الجمهور العربي، أو يُنظر إليها ككروت سياسية بيد أمريكا ضد الصين.
الولايات المتحدة الأمريكية: تتشابك علاقاتها المتنافسة مع الصين التي تصعد على حساب مكانة أمريكا في الشرق الأوسط، وتكتسب قوة ونفوذًا في القضايا الإقليمية والشؤون الدولية.
منظمة التعاون الإسلامي: تجمع 57 دولة مسلمة لمناقشة قضايا العالم الإسلامي، وقامت سابقًا عدة مرات بتنديدات وتصريحات ضد الصين وتجاه مجازرها وانتهاكاتها لحقوق شعب تركستان الشرقية. لكنها بدأت تفقد تأثيرها في القضية.
مستقبل قضية تركستان الشرقية في سياق التنافس الدولي الأمريكي الصيني، وتنامي علاقات الصين بالدول العربية والإسلامية
نشهد تغيرات كبيرة في خرائط النظام الدولي، والعوامل المتقلبة في مرتكزات القوى الدولية في إدارة سياساتها وتحديد مسارات دبلوماسيتها مع بعض الدول العربية والإسلامية ذات الأهمية الاستراتيجية والجيوسياسية. وتسعى كل الأطراف إلى تفعيل أدوار كانت تلعبها في تنسيق علاقاتها مع دول العالم العربي والإسلامي في تحديد مسارات السياسات في العالم المعاش والنظام العالمي. ومن ثم، قد توظَّف القضايا الإسلامية والإنسانية في الصراع الدولي من قِبَل القوى الكبرى؛ بالرغم من تهميش بعض الدول العربية والإسلامية في تنسيق علاقاتها مع تلك الدول الكبرى الفاعلة في تحديد مسارات السياسات واقتناص الفرص السانحة.
وبالطبع، فإن للعديد من الدول العربية أهميات استراتيجية، وعلى وجه الخصوص مكانة السعودية المقدسة لدى ملياري مسلم، ولها أدوار فعالة في مناقشة قضايا المسلمين. لذلك تتضخم اهتمامات الباحثين والساسة الأكاديميين بمستجدات علاقات الدول العربية مع الأقطاب السياسية الكبرى، من بينها الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا.
كما أن سياسات الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه المنطقة العربية بدأت تتراجع وتنكمش، وبعكسها نرى الصين تحل مكانها بمدّ نفوذها اقتصاديًا وأمنيًا، وبالتالي تطور مستوى العلاقات الصينية-العربية من كل الجوانب، بحيث نشهد التحولات الفاصلة في هذه العلاقات شاملة كل ما يمكن من فواعل مؤثرة وعوامل تلعب أدوارًا في ترسيخ تأثير الصين ونفوذها أكثر مما كان. ولا يتمثل ذلك في بسط نفوذها في التبادلات التجارية والنفط فقط، بل وعبر معاهدها الكونفوشيوسية وسفاراتها في الدول العربية، بنشر ثقافتها الاستعلائية ومحاربة الأديان والقيم المجتمعية بتعظيم الاشتراكية الشيوعية، ورصد كافة عناصر المجتمع العربي لفتح الطرق الاستعمارية اقتصاديًا وثقافيًا ولتعزيز هيمنتها الكاملة على المنطقة في المستقبل.
وعلى عكس ذلك، فإن أجندة الدول العربية قاصرة بل غير مستعدة للاستفادة من هذا التقارب، ومحدودة الإمكانيات لدراسة الصين وخفاياها بسبب صعوبة اللغة الصينية وانغلاق الشعوب الصينية عن العالم العربي والإسلامي حكومة وشعبًا بخشونة وقسوة الحزب الشيوعي، فضلًا عن مواقفهم المحاربة لتعاليم الإسلام وحضارة المسلمين.
توصية
من الواضح أن مخاطر التقارب الصيني العربي وسياسات الصين وحزبها الحاكم الشيوعي -كتنين متغلغل بربري- لم تُدرس حق دراستها، بحيث لا تستوعبها فورًا عقول أصحاب الأقلام الحرة والكتّاب والمدونين، سواء كان ذلك أمنيًا أو سياسيًا أو اقتصاديًا أو اجتماعيًا. ومن ثم، فالمجتمع الصيني مغلق تمامًا عن واقع العالم، بعيد عن عيون المختصين العرب والمجتمع العربي.
ومن الضروري أن تسهم كل المشروعات الفكرية السياسية والمؤسسات البحثية -أيًا كانت توجهاتها السياسية والفكرية- في تثقيف الرأي العام المسلم وتوعية المجتمع العربي والإسلامي نحو قضية تركستان الشرقية، بدراسات معمقة ورصد التحركات الصينية من نوافذ متعددة ومن زوايا مختلفة، وإعادة النظر في مكانة القضية ودورها في المستقبل، وتوظيف الأدوار إعلاميًا وسياسيًا وقانونيًا وعلمائيًا، وتحريك أدمغة المفكرين والمتخصصين نحو إمعان النظر فيها.
فهنا يجب على كل واعٍ ومهتم بشؤون الأمة المسلمة عامة والشعوب العربية خاصة مراجعة النظر في مسارات كل جديد وحديث فيما يخص مصالحها المستقبلية، منها مستقبل قضية تركستان الشرقية وما ينتج عنها من التحديات والفرص. وحتمًا أن يؤثر هذا التقارب -العربي الصيني- سلبًا في مسيرة ومستقبل قضية تركستان الشرقية ومستقبل شعبها. والتأثير السلبي لهذا التقارب لا ينحصر فيها فقط، بل وكذلك في مستقبل العالم العربي والإسلامي على المدى المتوسط والبعيد.
كمخرج، فعلى الطرف العربي أن يعرف مسؤولياته تجاه قضيتنا ويخلق جوًا مناسبًا لأداء واجبنا ولعب دورنا إزاء هذه العلاقات. وبصفتنا نحن التركستانيين، وكوننا أعرف وأعلم بمزايا وخفايا كلا الثقافتين، يجب علينا أن نؤدي دور الجسور بين الثقافتين الصينية والعربية برصد دقيق وعادل. ونحن كأصحاب القضية، فلا بد أن ندير هذه التوازنات السياسية والاستراتيجية ونقدمها لإخوتنا العرب -حكومات وشعوبًا- قبل إدارة الصين دعايتها بإعلامها الموجه إلى الحكومات وصناع القرارات. إضافة إلى استدراك توازنات مع الحركات الإسلامية في المنطقة، وندرك إمكانية التمييز بين الجهود التكتيكية بمبدأ “الانفتاح على أفكار ومقترحات” من كل جهة، والأنشطة الاستراتيجية بمبدأ “استغلال جميع الفرص المفترضة”.
غياب دور قضية تركستان الشرقية في الملتقيات العربية الصينية
أسئلة طبيعية قد تخطر في بال الكثير من الإخوة العرب والذين يهتمون بالعلاقات العربية الصينية بعد شهودهم لهذه القمة العربية الصينية والعلاقات الودية بين الدول العربية وجمهورية الصين الشعبية، من قبيل: إلى أي مدى تتطور هذه العلاقات؟ وأين ملف إخواننا مسلمي الأويغور؟ وأين قضية تركستان الشرقية التي كنا نبكي عليها سابقًا مثل قضية فلسطين؟
رغم أن العلاقات الدولية في معظم الأحيان تقوم على المصالح وليست على المبادئ، قد تضطر الأنظمة الحاكمة لرعاية المبادئ العامة التي تعم شعوبها؛ حيث إن الدول العربية (السعودية خاصة) تمثل الإسلام والمسلمين، والصين تمثل الاشتراكية والشيوعية والتي تحارب جذريًا الإسلام والمسلمين، واشتهرت بالتنكيل بالمسلمين في تركستان الشرقية بأشنع أنواع التعذيب بسبب الإسلام.
للإجابة السريعة على هذه الأسئلة، دعونا نراجع قليلًا طبيعة هذه العلاقات بين الطرفين أولًا؛ مع إمكان إرجاع تاريخ هذه العلاقات إلى حين تأسيس معظم الدول العربية والصين إلى بداية النصف الأخير من القرن الماضي على أساس الاستقلال بمبادئ الاشتراكية والشيوعية، لكن أفل نورها بسرعة وانقطعت؛ فالصين انغلقت، والدول العربية انشغلت بقضية فلسطين ومالت إلى الغرب. أما عودة العلاقات الدبلوماسية بين الدول العربية والصين رسميًا، فقد بدأت بعد حرب الولايات المتحدة الأمريكية على أفغانستان والعراق، وبهذا المقام يمكننا أن نقول قد بدأت تتبلور ملامح هذه العلاقات الدبلوماسية بالكارثية بتنازلات الدول العربية عن هذه القضية – تركستان الشرقية – بتأسيس منتدى التعاون الصيني العربي عام 2004؛ ثم نرى تطورها البارز منذ بداية العقد الماضي تطوراً غير عادي، خصوصًا بعد وصول الرئيس الصيني الحالي شي جين بينغ إلى كرسي السلطة ورئاسة الحزب الشيوعي الصيني الوحيد في الصين.
في الحقيقة، إن الصين –البطل العنكبوت– كانت تعاني من الرسوب الثقافي والانحلال الأخلاقي والشيخوخة السكانية بسبب سياسات الحزب الشيوعي الذي يئن بالعجز عن الإدارة؛ ولم تتطور كقوة عظمى إلا بعد أخطاء الولايات المتحدة في الحرب في العراق وأفغانستان وبلاد المسلمين. وكانت التقييمات الصينية تتجه نحو انتهاز الفرص في المنطقة العربية، وتستهدف توظيف العالم العربي والإسلامي كقوة بشرية وجيو-استراتيجية لتأمين مواضع ضعفها بالاستفادة من التوترات، والواقع يغني عن الإطالة.
إن من لديه قليل من المعلومات حول ما لدى كل من الطرفين العربي والصيني، يعرف أن الدول العربية تبحث عن بديل للولايات المتحدة التي شاعت سمعتها السيئة لدى الشعوب العربية. وكانت الصين ترى التوترات في المنطقة العربية والشرق الأوسط من بداية الربيع العربي فرصة عظيمة لتجفيف منبع الخوف من إقليم تركستان الشرقية وهو الإسلام، وكانت الجمهوريات الخمس بجواره حديثة العهد بالاستقلال من الاتحاد السوفيتي. وكما أن الإعلام الصيني ينبح بأن أكبر تحدٍ سياسي أمام الصين هو وجود الإسلام في الإقليم كهوية وحضارة قوية في ذاتها تختلف عن هوية الهان الصينية؛ فاتخذت سياسات مبدأها “استئصال الخوف من الجذور”.
حيث بدأت أولًا بإقناع الأنظمة العربية بأن مسلمي الأويغور انفصاليون ومتطرفون مصابون بفكرة الربيع العربي، فلا بد أن يقف الطرفان معًا –الدول العربية والصين- جنبًا إلى جنب لكبح جماحهم، وعلى هذا الأساس استمرت العلاقات مرحليًا حتى أبرمت وثيقة الصين والعرب التي تشتمل على 11 بندًا في يناير من عام 2016، وعلى رأس الوثيقة تأتي مكافحة التطرف الديني التي تقصد الصين بها مسلمي الأويغور، وبعدها تأتي بنود أخرى كتبادل الثقافات والاستثمارات والمبادرات الاقتصادية وغيرها التي تتسم بتبادل الخبرات واصطياد المعارضين منهم في هذه المناطق.
في مقابل ذلك، بدأت الصين بالحرب الشاملة على الإسلام والهوية الإسلامية في تركستان الشرقية التي تمثل خطاب الرئيس الصيني بـ “تصيين الإسلام”، وبتعبير آخر: “صياغة الإسلام وفق المبادئ الشيوعية”، وكثفت الاعتقالات التعسفية لنخبة مسلمي الأويغور في تركستان الشرقية، كأكاديميين ومثقفين وفنانين ولمن له صوت في المجتمع التركستاني، وحتى الآن ما زال الملايين في أشنع حالات الانتهاكات الحقوقية. كما في تقرير الأمم المتحدة، فإن عدد المعتقلين والعمال المحتجزين قسرًا في المعتقلات يزيد على 3 ملايين مسلم بتهمة أنهم غير مؤهلين للمواطنة في الصين، ويؤهلون سياسيًا على حب الوطن والولاء للحزب الشيوعي.
والجدير ذكره أن قضية تركستان الشرقية كانت أولى القضايا في العالم العربي بعد قضية فلسطين في السياسات الخارجية وعلاقات الدول العربية مع الصين، قبل ظهور الصين اقتصاديًا. والآن انقلب الأمر تمامًا بعد وصول الرئيس الصيني الجديد شي جين بينغ إلى السلطة، وبعد إعلان مشروع طريق الحرير طمحت الدول العربية أن تكون أكثر استفادة من هذا المشروع. وللعلم أن تركستان الشرقية هي أهم محطاته التي تتوزع منها الطرق إلى آسيا الوسطى، وعبورًا من الشرق الأوسط إلى دول أوروبا وإفريقيا.
في الآونة الأخيرة، بعد تفاقم الأزمات الإنسانية في تركستان الشرقية وتسرب الكثير من ملفات السجون الصينية ونجاح بعض شواهد العيون لها، تصاعدت أصوات مسلمي الأويغور في المحافل الدولية، ونوقشت كأهم القضايا الدولية؛ إذ وقفت الدول العربية في صف الصين ضد المؤيدين للقضية. واللافت أن هذه الدول العربية تتجاهل ما يجري هناك من تلك الجرائم الإنسانية التي سُميت بـ “الإبادة الجماعية”، والأغرب من ذلك أن تنظم قمم دبلوماسية بينها وبين الصين مثل قمة الرياض دون إحضار للقضية، متناسية ما تقوم به وعلى ماذا ترتكز، ودون أن يُذكر ملف الأويغور ولو ككروت سياسية بديلة؟ وبالعكس، تصريحات بعض ممثلي الحكومات العربية رفيعي المستوى تؤيد الصين وسياساتها في تركستان الشرقية من مكافحة الإرهاب.
المراجع:
حرب طالاس، موسوعة شؤون الديانة التركية TDV، باب طالاس وفتح الكاشغر.
تقرير هيومن رايتس ووتش، القضاء على الفيروسات الأيديولوجية/حملة الصين لقمع مسلمي شينجيانغ، 2018.
محمد أمين الأويغوري، “صراع الهوية السياسية في تركستان الشرقية: تحديات الواقع وآفاق الدور”، الطبعة الأولى، ص 60-61. دار الأكاديمية للنشر. 2022، إسطنبول.
آمنة طونا، الانفصال وسياسة الاستيعاب في تركستان الشرقية، هيئة الإغاثة التركية، تقرير. 2011.
يانغ فا مينغ، الأوساط الإسلامية الصينية تحقق إنجازات جديدة في العصر الجديد.
تقرير شبكة الصين العربية بعنوان “ماذا حققت الصين في “تنمية المنطقة الغربية الكبرى”، نوفمبر 2009.
أمير طاهر، “عبادة الدولة: كيف نجحت الصين في صنع دين جديد للبشرية؟”، إضاءات، 2018.
تقرير “إعادة تطوير الصين وجيش التحرير الشعبي: الاستراتيجية العسكرية واستراتيجية الأمن القومي، ومفاهيم الردع، والقدرات القتالية”، تيموثي آر هيث (Heath .R Timothy)، كريستين غانيس (Gunness Kristen)، كورتيز إي كوبر (Cooper .A Cortez)، مؤسسة RAND.
توختي آخون أركن، الإرهاب في تركستان الشرقية، تركستان تايمز. الرابط: http://turkistantimes.com/m/news-783.html.
تقرير العلاقات العربية الصينية: ديسمبر 2022.
وثيقة التعاون العربي الصيني، التي أُبرمت في يناير من عام 2016.