
استشهاد مرابطيْن من أهل الضفة و40 إصابة في عدوان المستوطنين
يوليو 12, 2025
من لم يجاهد لم يستحق الأرض المقدسة
يوليو 12, 2025فرج كُندي
سفير الهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ- ليبيا
سوف تتناول موضوعاً دقيقاً وحساساً، وهو الإعجاز العلمي في مسألة خلق الله لمخلوق ضعيف ودقيق، لدرجة أن الكثير لا يراه موضع اهتمام ويراه من الضعف ما لا يُعد خلقه ذا بال؛ فيأتي القرآن الكريم ويلفت الانتباه إلى الإعجاز في خلق هذا المخلوق متحدياً البشرية جمعاء أن يخلقوا مثل هذا المخلوق؛ بل يرفع مستوى التحدي في تقرير أن هذا المخلوق الذي يرونه ضعيفاً لو سلبهم شيئاً لن يستنقذوه منه، وهذا قمة الإعجاز بأرفع مستوى من مستويات التحدي، الذي يجعل الباحث يمعن النظر في إعجاز القرآن من خلال هذه الآية.
وقد أجمع المفسرون على أن في هذه الآية من الإعجاز ما يدلل على صدق القرآن الكريم، وما فيه من دقة متناهية في وصف عظمة الخالق سبحانه وتعالى، وعظمة تحديه للمشركين والمعاندين في كل زمان ومكان، وأن خطاب القرآن الكريم صالح لكل زمان ومكان، وأن هذا القرآن يمكنه الرد على الملاحدة والمشككين والعلمانيين، وأنه خير حصن يكبت حقد المستشرقين وخير دواء لسموم المندسين.
الإعجاز العلمي في خلق الذباب
قال تعالى: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ ضُرِبَ مَثَلࣱ فَٱسۡتَمِعُوا۟ لَهُۥۤ إِنَّ ٱلَّذِینَ تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَن یَخۡلُقُوا۟ ذُبَابࣰا وَلَوِ ٱجۡتَمَعُوا۟ لَهُۥۖ وَإِن یَسۡلُبۡهُمُ ٱلذُّبَابُ شَیۡـࣰٔا لَّا یَسۡتَنقِذُوهُ مِنۡهُۚ ضَعُفَ ٱلطَّالِبُ وَٱلۡمَطۡلُوبُ﴾ [الحج: ٧٣].
نصّت الآية الكريمة على إعجاز القرآن في تحديه للكافرين المعاندين بأنهم لن يخلقوا هذا الذباب الذي يرونه في عيونهم صغيراً حقيراً؛ فجاء التحدي بخلقه أولاً، ثم زاد التحدي بعجزهم عن استعادة ما يسلبه هذا الذباب، “قررت الآية الكريمة أن الذباب يختلس ما يأخذه من أشربة وأطعمة اختلاساً وينتزعه انتزاعاً رغم أنوف أصحابها، ولذلك عبر القرآن الكريم بالتعبير المعجز ﴿وَإِن یَسۡلُبۡهُمُ ٱلذُّبَابُ شَیۡـࣰٔا﴾. والذبابة المنزلية تمتص الشراب بواسطة خرطومها ليصل إلى جهازها الهضمي مباشرة؛ فلا يمكن استنقاذه بأي حال من الأحوال”.
وكشف العلم عن طريقة امتصاص الذباب وهضمه ما تحار أمامه العقول؛ لما فيه من دليل على أن ما ورد في الآية لا يمكن أن يعرفه شخص عاش منذ ألف وأربعمائة سنة في صحراء العرب! وفي ذلك دلالة قاطعة على أن هذا القرآن ليس من عند بشر بل من عند الله خالق الكون بأسره.
أما إذا كان الطعام صلباً فإن الذبابة المنزلية تفرز عليه من لعابها عدداً من العصائر الهاضمة والإنزيمات التي تذيبه في الحال، فتمتصه الذبابة في ثوان معدودة، ثم يتم هضمه وتمثيله في ثوانٍ معدودة، ثم إرساله إلى الدم ومن ثم فلا يمكن استنقاذه أبداً. ولذلك خُتمت الآية الكريمة بقول ربنا تبارك وتعالى: ﴿ضَعُفَ ٱلطَّالِبُ وَٱلۡمَطۡلُوبُ﴾، والطالب هنا هو المسلوب الذي سلبه الذباب شيئاً من شرابه أو طعامه، والمطلوب هو الذباب السالب للشيء.
وتقرر الآية أن الإنسان ضعيف كضعف الذبابة لو كان يعقل أو يتدبر في خلق الله الذي لم يُخلق عبثاً.. “المسلوب هو الفرد من بني الإنسان أو الوثن المعبود من دون الله؛ فكلاهما ضعيف ضعف الذبابة أو أضعف، وعاجز عن خلق خلية واحدة فضلاً عن خلق ذبابة كاملة”.
و”لقد أثبت العلم الحديث الإعجاز العلمي لهذه الآية، فلو وقف الذباب على قطعة بطيخ مثلاً يبدأ في إفرازاته التي تمكنه من امتصاص أو لعق المواد الكربوهيدراتية وغيرها مما تحتويه البطيخة، وعندئذ تبدأ هذه المواد بالتحلل إلى مواد بسيطة التركيب وذلك من أجل امتصاصها؛ فالذباب لا يملك جهازاً هضمياً معقداً لذلك يلجأ إلى الهضم الخارجي (كما سبق) وذلك من خلال إفراز عصارات هاضمة على المادة المراد التغذية عليها، ثم تدخل هذه المواد المهضومة خارج الجسم إلى الأنبوب الهضمي حتى يتم امتصاصها لتسير في الدورة الدموية إلى خلاياه، ويتحول جزء منها إلى طاقة تمكنه من الطيران وجزء آخر إلى خلايا وأنسجة ومكونات عضوية، وجزء أخير إلى مخلفات يتخلص منها جسم الذباب. فأين قطعة البطيخ؟ وما السبيل إلى استرجاعها؟ ومَن يستطيع أن يجمع الأجزاء التي تبدو في طاقة طيران الذباب والأجزاء التي تحولت إلى أنسجة”؟
الإعجاز العلمي في خلق الذباب في السنة المطهرة
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال ﷺ: “إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه، فإن في إحدى جناحيه داء والأخرى شفاء”.
هذا الحديث من معجزات الرسول ﷺ الطبية، حيث يذكر سبب المرض وسبب العلاج في هذا المخلوق الصغير المزود بالجراثيم المرضية في جناح، وبكتريا الشفاء في الجناح الآخر عن طريق غمس الذبابة بالكامل في الماء ليتفاعل مع الجراثيم، ويُقضَى عليها بتفاعل يؤدي إلى إبادة الجراثيم المرضية في الماء.
وقد أثبتت التجارب العلمية الحديثة الأسرار التي كانت غامضة في هذ الحديث، الذي ورد على لسان الرسول ﷺ منذ أكثر من أربعة عشر قرن ونيف! “فإذا سقط الذباب في الشراب أو الطعام ألقى الجراثيم العالقة بأطرافه في ذلك الشراب أو الطعام، وإن أقرب مبيد لتلك الجراثيم، وأول واحد فيها هو مبيد البكتريا الذي يحمله الذباب في جوفه قريباً من أحد جناحيه، فإذا كان هناك داء فدواؤه قريب منه، ولذا فإن غمس الذباب كله وطرحه كاف لقتل الجراثيم التي كانت عالقة به وكاف في إبطال عملها”.
وقد أثبت العلم المعاصر كيفية انخفاض أعداد الميكروبات بعد عملية الغمس الكامل للذبابة في الإناء، ما أذهل العلماء وحيرهم كيف عرف محمد ﷺ هذه العملية الدقيقة التي تحتاج إلى معامل وأدوات مجهرية توصل إليها العلم في العقود الأخير من القرن الماضي!
“لقد كانت ظاهرة انخفاض أعداد الميكروبات في معاملات الغمس مقارنة مع معاملات النزع (السقوط)، واضحة في حالة كل الأعداد الكلية للميكروبات النامية، على بيئة الآجار المغذي، والأعداد الكلية على بيئة آجار الدم وأعداد الميكروبات المحللة للدم. كما ظهر أيضاً أن الماء غير المعقم، عند درجـة حموضـة (Ph4) أظهر انخفاضاً في أعداد الميكروبات في معاملات الغمس عن مثيلاتها في معاملات النـزع (السقوط) أكثر وضوحاً عن نتائج الماء المعقم المعادي. كما لوحظ أيضاً أن غمس الذباب ثلاث مرات في الماء قد أعطى أعداداً للميكروبات أقل من معاملات نزع (سقوط) الذباب من على سطح السائل دون غمسه، كما أظهرت نتائج التجارب بوضوح أن تحضين الحليب الملوث في معاملات الغمس، قد أعطت في أغلب العينات النتائج أعداداً أقل من معاملات السقوط (النزع)، مما يوضح أن الغمس لا يقلل فقط من أعداد الميكروبات الملوثة للحليب، ولكن يحد أيضاً من نموها”.
يقول الدكتور زغلول النجار: “إن الذباب يختلس ما يأخذه من أشربة اختلاساً، وينزعه انتزاعاً رغم أنوف أصحابها، ولذلك عبر القرآن بالتعبير المعجز: ﴿وَإِن یَسۡلُبۡهُمُ ٱلذُّبَابُ شَیۡـࣰٔا﴾، ثم قال: ﴿لَا یَسۡتَنقِذُوهُ مِنۡهُۚ﴾، والذبابة المنزلية تمتص الشراب بواسطة خرطومها ليصل إلى جهازها الهضمي مباشرة، والذي يقوم على الفور بهضمه وتمثيله تمثيلاً كاملاً، ثم بإرساله إلى جهازها الدوري مباشرة؛ فلا يمكن استنقاذه بأي حال من الأحوال.
أما إذا كان الطعام صلباً فإن الذبابة المنزلية تفرز عليه مع لعابها عدداً من العصائر الهاضمة والإنزيمات التي تذيبه في الحال فتمتصه الذبابة في ثوان معدودة، ثم يتم هضمه وتمثيله في ثوان معدودة كذلك وإرساله إلى الدم، ومن ثم فلا يمكن استنقاذه أبداً، ولذلك ختمت الآية الكريمة بقول ربنا تبارك وتعالى ﴿ضَعُفَ الطَّالبُ والمطْلوبُ﴾”.
فسبحان الله الذي أتقن كل شي وأنزل القرآن معجزاً للبشرية ودليلاً على رسالة نبيه محمد ﷺ، فكلما اكتُشفت علوم وحقائق جديدة يُبهر الوحي العقول، وترجع الأبصار إلى أن هذا الكتاب من عند الله عز وجل، وأن فيه إعجازاً للأولين والآخرين باختلاف أزمانهم وأماكنهم ولغاتهم وأعراقهم وأجناسهم؛ وليذكّرهم الوحي أنهم عبيد الله سبحانه وتعالى وخَلْقه، وألّا خالق إلا الله تبارك وتعالى.
خاتمة
ولعل هذا المقال يفتح الباب للنظر والبحث أكثر وأعمق في هذا الموضوع الذي يحتاجه العصر كمادة للدعوة إلى الله، وبيان أن هذا الدين هو الحق، وأن هذا القرآن من عند الله عز وجل، وصالح لكل زمان ومكان، ويمتلك مقومات الخطاب الجامع لكل العقول البشرية التي تبحث عن الحق وترغب في الوصول إليه.. والله من وراء القصد.