
القسام تفجّر منزلًا وتوقع قتلى بالاحتلال
يونيو 12, 2025
عَاقِبة الخُذلاَن
يونيو 12, 2025الجزء (2) من سلسلة “الأرض المقدسة محور الصراع”
بقلم: عبد القادر مهدي أبو سنيج – باحث شرعي
وأمة الشهادة هي أمة محمد وهي الأمة الوسط الشاهدة، وذلك في سور البقرة والأعراف وفي سورة الإسراء وسورة الجمعة وغيرها. فنجد سورة الإسراء: الإشارة إلى تلازم الكتاب مع السيف بذكر إيتاء الكتاب في الآية الثانية من السورة وبعد ذكر معجزة الإسراء بقوله تعالى: ﴿وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا﴾ [الإسراء: 2]
ويؤخذ منه أيضاً مناسبة تذكير أمة محمد بحال بني إسرائيل في وصولهم إلى المسجد الأقصى سيراً بالجهد والجهاد.
وكذلك في هذه السورة أنها تثبت في البداية الولاية لبني إسرائيل.. بعد إهلاك فرعون ﴿وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيْلَ اسْكُنُوْا الأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيْفَاً﴾ وتقف الآيات ببني إسرائيل عند مرحلة ما بعد انشقاق البحر التي جاءت من قول الله عز وجل: ﴿فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً * وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الأَرْضَ فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا﴾ [الإسراء: 103 – 104].
ثم جاءت الآيات التي تثبت انتقال ولاية بني إسرائيل إلى أمه النبي محمد . ولذلك قال بعدها: ﴿وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً﴾. [الإسراء: 106].
وبذلك اجتمعت سورة الأعراف والإسراء على إثبات انتقال الولاية من بني إسرائيل إلى أمه محمد .
ولما كانت سوره الأعراف قد أثبتت نقل الولاية إلي رسول الله بصفته النبي الأمي في الآية كما جاء في آيات السورة، فقد كانت سورة الإسراء إثباتاً مماثلاً..
لقد كانت حادثه الإسراء تشكل إجراءً فعلياً لعملية نقل الولاية إلى أمة الأميين.
قال أبو حيان: “لما ذكر تعالى مَن اخْتَصَّهُ بِالْإِسْرَاءِ، وَهُوَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ، وَمَنْ آتَاهُ التَّوْرَاةَ، وَهُوَ مُوسَى عليه السلام وَأَنَّهَا هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَذَكَرَ مَا قَضَى عَلَيْهِمْ فِيهَا مِنَ التَّسْلِيطِ عليهم بِذُنُوبِهِمْ، كَانَ ذَلِكَ رَادِعًا مَنْ عَقَلَ عَنْ مَعَاصِي اللَّهِ؛ فَذَكَرَ مَا شَرَّفَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ مِنَ الْقُرْآنِ النَّاسِخِ لِحُكْمِ التَّوْرَاةِ وَكُلِّ كِتَابٍ إِلَهِيٍّ، وَأَنَّهُ يَهْدِي لِلطَّرِيقَةِ أَوِ الْحَالَةِ الَّتِي هِيَ أَقْوَمُ”..
قال البقاعي: “كان وصول بني إسرائيل من مصر إلى هذا المسجد الذي أوصلنا عبدنا إليه ورددناه إليكم في بعض ليلة، راكباً البراق الذي كان يركبه الأنبياء قبله، يضع حافره في منتهى طرفه، وبنو إسرائيل كانوا يسيرون جميع النهار مجتهدين، ثم يبيتون في الموضع الذي أدلجوه منه في التيه لا يقدرون أن يجوزوه أربعين سنة.. على ما قال كثير من العلماء”.
وقال أيضاً: “وأما الإِسراء: فمَن عرف أموره كلها في السّرى بالنبي من المسجد الحرام، إلى المسجد الأقصى، ثم العروج من المسجد الأقصى إلى السماوات العلي إلى سدرة النتهي، ثم إلى ما شاء العليُّ الأعلى، ثم التردد بين موسى عليه السلام وبين مَن أسرى به من السماء السادسة إلى ما وصل إليه في المرة الأولى من الحد الأسمى، والحضرة الشماء، والمحل الأقدس الأنهى، الذي وصل إليه دون غيره من الخلائق وهو فوق السماء السابعة، بما لا يعلمه إلا الله تعالى، مرة بعد أخرى، ثم الرجوع إلى المسجد الأقصى، ثم إلى الكعبة العظمى، قبل فجر تلك الليلة، علم أن الفاعل لذلك متصف بكل ما ذكر، فأقبل بكليته، وانقطع دائماً إليه.
وكذا تسميتها بالأقصى، فإنه مشير إلى قصة الإِسراء.
وأما بنو إسرائيل، فمن أحاط بتفاصيل أمرهم في مسيرهم إلى الأرض المقدسة، الذي هو كالِإسراء، وإيتائهم الكتاب، وما ذكر مع ذلك من شأنهم في هذه السورة، الذي هو معروف بالفرق بين الإسراءَين والفرق بين الإيتاءَين.. عرف ذلك”.
ويؤخذ منه أيضاً مناسبة تذكير أمة محمد بحال بني إسرائيل في وصولهم إلى المسجد الأقصى سيراً بالجهد والجهاد.
وقد حكى بعض المفسرين وجهاً آخر لمناسبة الجمع، قال الطيبي (ت: 743ه): “وعقب آية الإسراء بهذه استطراداً تمهيداً لذكر القرآن، والجامع أن موسى أعطى التوراة بمسيره إلى الطور وهو بمنزلة معراجه لأنه هنالك شُرف بالكلام، ومُنح التكليم، وطلب الرؤية. مدمجاً فيه تفاوت ما بين الكتابين ومن أنزلا عليه وإن شئت فوازن بين ﴿أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾ [الإسراء: 1] و﴿وَآَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾ وبين ﴿هُدَى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ و﴿يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ [الإسراء: 9]”.
وقال السعدي رحمه الله: “كثيراً ما يقرن الباري بين نبوة محمد ونبوة موسى وبين كتابيهما وشريعتيهما؛ لأن كتابيهما أفضل الكتب وشريعتيهما أكمل الشرائع ونبوتيهما أعلى النبوات وأتباعهما أكثر المؤمنين؛ ولهذا قال هنا: ﴿وَآَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾ ا. هـ”.
قال الشنقيطي: “لما بيّن جلّ وعلا في هذه الآية الكريمة عِظَم شأن نبيه محمد ، ذكر عظم شأن موسى بالكتاب العظيم، الذي أنزله إليه، وهو التوراة، مبيناً أنه جعله هدىً لبني إسرائيل، وكرر جل وعلا هذا المعنى في القرآن”.
وقال المراغي: “مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنّ الله سبحانه وتعالى لما ذكر في الآية الأولى: أنه أكرم عبده، ورسوله محمدًا بالإسراء من مكة إلى بيت المقدس.. أردف ذلك بذكر ما أكرم به موسى عليه السلام قبله من إعطائه التوراة، وجعّله هدى لبني إسرائيل ليخرجهم من ظلمات الكفر والجهل إلى نور العلم والهدى، ثمّ قفّى على ذلك ببيان أنّهم ما عملوا بهديها بل أفسدوا في الأرض، فسلّط الله عليهم البابليين، أثخنوا فيهم، وقصدوهم بالقتل، والنهب، والسلب، ثم أزال عنهم هذه المحنة، وأعاد لهم الدولة، وأمدهم بالأموال، والبنين، وجعلهم أكثر عدداً مما كانوا، ثم عادوا إلى عصيانهم، وقتلوا زكريا ويحيى عليهما السلام فَسَلَّط الله عليهم من أدال دولتهم مرة أخرى، فأعمل فيهم السيف، وسلب، ونهب، وجاس خلال ديارهم، فدخل بيت المقدس مرّة أخرى بالقهر والغلبة والإذلال، وأهلك ما أهلك، مما قد جمعوه وكنزوه، ثم أوعدهم على عصيانهم بالعقاب في الآخرة بنار جهنم، وبئس السجن هي لمن عصى الله وخالف أوامر دينه تعالى.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ ومناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر ما أكرم به من اصطفاه من النبيين والمرسلين، فأكرم محمداً بالإسراء، وأكرم موسى بالتوراة، وجعلها هدى لبني إسرائيل، ثم بيّن أنهم لم يعملوا بها، فحلّ بهم عذاب الدنيا والآخرة.. قفّى على ذلك بالثناء على القرآن الكريم، وبيان أنه يهدي إلى الصراط المستقيم، ويبشر المؤمنين بالأجر والثواب العظيم، وينذر الكافرين بالعذاب الأليم، ثم أردف ذلك بذِكر طبيعة الإنسان، وأنه خُلق عجولاً قد يدعو على نفسه بالشر، أي: بالموت، والهلاك، والدمار، واللعنة كما يدعو لنفسه بالخير”.
قال ابن عاشور: ﴿وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلَاّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً﴾2 عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ: ﴿سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى﴾ [الْإِسْرَاء: 1] إِلَخْ؛ فَهِيَ ابْتِدَائِيَّةٌ. وَالتَّقْدِيرُ: اللَّهُ أَسْرَى بِعَبْدِهِ مُحَمَّدٍ وَآتَى مُوسَى الْكِتَابَ، فَهُمَا مِنَّتَانِ عَظِيمَتَانِ عَلَى جُزْءٍ عَظِيمٍ مِنَ الْبَشَرِ. وَهُوَ انْتِقَالٌ إِلَى غَرَضٍ آخَرَ لِمُنَاسَبَةِ ذِكْرِ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى. فَإِنَّ أَطْوَارَ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى تُمَثِّلُ مَا تَطَوَّرَ بِهِ حَالُ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي جَامِعَتِهِمْ مِنْ أَطْوَارِ الصَّلَاحِ وَالْفَسَادِ، وَالنُّهُوضِ وَالرُّكُودِ، لِيَعْتَبِرَ بِذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ فَيَقْتَدُوا أَوْ يَحْذَرُوا.
وَلِمُنَاسَبَةِ قَوْلِهِ: ﴿لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا﴾ [الْإِسْرَاء: 1] فَإِنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ الَّتِي أوتيها النبي آيَةَ الْقُرْآنِ، فَكَانَ ذَلِكَ فِي قُوَّةِ أَنْ يُقَالَ: وآتيناه القرآن وآتينا موسى الكتاب (أي التوراة)، كَمَا يَشْهَدُ بِهِ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ: ﴿إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ [الْإِسْرَاء: 9] أَيْ: لِلطَّرِيقَةِ الَّتِي هِيَ أَقْوَمُ مِنْ طَرِيقَةِ التَّوْرَاةِ وَإِنْ كَانَ كِلَاهُمَا هُدًى، عَلَى مَا فِي حَالَةِ الْإِسْرَاءِ بِالنَّبِيِ لَيْلًا لِيَرَى مِنْ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْمُنَاسَبَةِ لِحَالَةِ مُوسَى عليه السلام حِينَ أُوتِيَ النُّبُوَّةَ، فقد أُوتِيَ النبوءة لَيْلًا وَهُوَ سَارٍّ بِأَهْلِهِ مِنْ أَرْضِ مَدْيَنَ إِذْ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا، وَلِحَالِهِ أَيْضًا حِين أسرِي بِهِ إِلَى مُنَاجَاةِ رَبِّهِ بِآيَاتِ الْكِتَابِ.
وَالْكِتَابُ هُوَ الْمَعْهُودُ إِيتَاؤُهُ مُوسَى عليه السلام وَهُوَ التَّوْرَاةُ. وَضَمِيرُ الْغَائِبِ فِي ﴿جَعَلْناهُ﴾ لِلْكِتَابِ، وَالْإِخْبَارُ عَنْهُ بِأَنَّهُ ﴿هُدًى﴾ مُبَالَغَةٌ لِأَنَّ الْهُدَى بِسَبَبِ الْعَمَلِ بِمَا فِيهِ فَجُعِلَ كَأَنَّهُ نَفْسُ الْهُدَى، كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ: ﴿هُدىً لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الْبَقَرَة: 2].
زمان ومكان تشريع الجهاد وقتال الكفار
لـمَّا أرسَل الله موسى عليه السلام إلى فرعون وبني إسرائيل، وكان من أمرهم ما قصَّه الله علينا في كتابه، وأهلك الله فرعون وجنوده بالغرق؛ أوحى الله إلى موسى وخاطبَ بني إسرائيل: ﴿يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾ [المائدة:21]، إلى قوله تعالى: ﴿قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ [المائدة:24]، فكانت هذه هي بداية فرضيّة الجهاد وتشريعه.. فلما امتنعوا عن الجهاد مع موسى عليه السلام وتأبَّوا عليه؛ عاقبهم الله بالتّيه حتى هلَك مَن هلك منهم، ثم كان بعد موسى يوشع بن نون عليه السلام، نبيًّا في بني إسرائيل -وهو الذي حبس الله له الشمس عن الغروب حتى فُتح عليه، فقاتل معه بنو إسرائيل، وأقاموا الجهاد.
ويُوشَع بن نون عليه السلام نَبِي من أَنْبيَاء بني إِسْرَائِيل ثبتَتْ نبوته وجاء خبر جهاده في حديث رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله : “غزا نَبِي من الْأَنْبِيَاء فَقَالَ لِقَوْمِهِ: لَا يَتبعني رجل قد ملك بُضع امْرَأَة وَهُوَ يُرِيد أَن يَبْنِي بهَا ولمـّا يبنِ، وَلَا آخر قد بنى بنياناً ولـمّا يرفع سقفها، وَلَا آخر قد اشْترى غنماً أَو خلفات وَهُوَ منتظر أَوْلَادهَا”. قَالَ: فغزا فَدَنَا من الْقرْيَة حِين صلى الْعَصْر أَو قَرِيباً من ذَلِك فَقَالَ للشمس: أَنْت مأمورة وَأَنا مَأْمُور اللَّهُمَّ احبسها عَليّ شَيْئا، فحُبست عَلَيْهِ حَتَّى فتح الله عَلَيْهِ…” الحَدِيثَ.
وَفي حَدِيث أبي هُرَيْرَة بيان لاسْم هَذَا النَّبِي الْكَرِيم، وتعيين لاسم المدينة التي فتحها؛ فَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله : “إِن الشَّمْس لم ُتحبس على بشر إِلَّا ليوشع، ليَالِي سَار إِلَى بَيت الْمُقَدّس”.




