
هل ما جرى لنا جرى لأحدٍ من قبلنا؟.. أم أننا معاقبون بما لم يُعاقب به أحدٌ قبلنا؟
يونيو 11, 2025
القسام تفجّر منزلًا وتوقع قتلى بالاحتلال
يونيو 12, 2025الشيخ حسن الخطيب – عضو رابطة علماء فلسطين
يقول الحق تبارك وتعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ [الحجرات: ١٥]. يدخل علينا الشهر العشرون على معركة (طوفان الأقصى) ولم ينصر المقاومةَ أحدٌ من البشر، إلا دعاء بعض الصادقين، وما يزال رجالها صامدين ثابتين..
الشهر العشرون على إحكام الحصار، والحرب الإجرامية التي يشنها الطغيان العالمي، بقيادة أمريكا والعصابات الصهيونية بكل ممتلكاتهم الإجرامية، وأسلحتهم التدميرية، وآلاتهم الدعائية والإعلامية. وحرب الإبادة الجماعية على أهل غزة مستمرة وأهلها صابرون ثابتون محتسبون.. عشرون شهراً من الثبات والصبر والتحمل والتصدي والتحدي، والمواجهة التي عزّ نظيرُها ومثيلُها، يقابلها عشرون شهراً من الخذلان الغريب، وما هان أهل غزة وما ضَعُفَت نفوسهم أو استكانوا، دون تردد أو جزع، أو خوف، أو اضطراب، أو تراجع، رغم شدة: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ…﴾ [البقرة: ١٥٥].
رغم قسوة العدوان وشمول الطغيان، وضخامة الخذلان الذي يقوده اليوم ويتزعمه أحفاد ابن سلول ﴿والّذِي تَوَلَّى كِبَرَهُ مِنْهُم﴾ [النور: ١١].. يتزعمه الذي سلّم سلاحه قبل أكثر من أربعين سنة، ويتولى اليوم خدمة العدو وتنسيق أمنه.. يتزعمه المطبعون مع العدو، الذين استحضروا إلى جزيرة العرب معظم صور كفر الوثنية والهندوسية والشركية وأشكالها المتعددة من شرق وغرب، الجزيرة التي قال النبي ﷺ فيها: “لا يجتَمِعُ دينانِ في جزيرةِ العَرَبِ”[1].
الذين استبدلوا العفة والطهارة بالفسق والفجور.. منهم الحارس الأمين على أمن العدو اللئيم، ومنهم الذين يبثون الأراجيف والأكاذيب المعجونة بالكراهية والحقد الدفين على الإسلام والمسلمين، مع قلة الأدب والدين، ممن يظهرون الخيانة على الملأ بوجوههم الكالحة وألسنتهم الحَادَّة والحاقدة على معظم الفضائيات، ولأنهم أخطر وأسوأ من منافقي الزمن الأول، والذين قال فيهم حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: “إنَّ المُنَافِقِينَ اليومَ شَرٌّ منهمْ علَى عَهْدِ النبيِّ ﷺ، كَانُوا يَومَئذٍ يُسِرُّونَ واليومَ يَجْهَرُونَ”[2].
هذا في منافقي زمن التابعين، فكيف بمنافقي زماننا اليوم؟ والعياذ بالله.
الذين رأيناهم يسارعون في أعدائنا أكثر بكثير من تسارع ابن سلول مما كان عليه بالأمس، بل هم أسرع،
قال الله تعالى: ﴿فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ۚ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ﴾ [المائدة: ٥٢].. ذلك لأنهم ربطوا مصيرهم بمصير أعدائنا ارتباطاً كاملاً ووثيقاً، يسيرون في ركابهم، ويستظلون حتى بنعالهم، فوضعوا أنفسهم في كفتهم ينصرونهم ويؤيدونهم ويمدونهم بكل أنواع الدعم، قال الله فيهم: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [الحشر: ١١].
واليوم نسمع سلوليي زماننا الجدد يعيدون نفس كلام ﴿والّذي تَوَلَّى كِبَرَهُ مِنْهم﴾ [النور: ١١]، وهم يعلمون أن هذه المعركة هي الفاصلة والمصيرية، فربطوا مصيرهم بالتطبيع مع ﴿أشدّ الناسِ عداوةً للذينَ آمنوا﴾ [المائدة: ٨٢]، وقاطعوا أهل الإسلام والإيمان في كل مكان، وأخذوا موقف العداوة من الطائفة المنصورة، فسطاط الإيمان الذي لا نفاق فيه، وليكونوا هم السلوليين الجدد: فسطاط النفاق الذي لا إيمان فيه، كما أخبر ﷺ، فقد جاء عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عندما سأل النبي ﷺ عن فتنة الأحلاس. فَعَرَّفَها ﷺ بالدهيماء وقال ﷺ: “لا تَدَعُ أحدًا من هذه الأمَّةِ إلَّا لطمتْه لَطمةً، فإذا قيل انقضت تمادَتْ، يُصبِحُ الرَّجلُ فيها مؤمنًا، ويُمسي كافرًا، حتَّى يصيرَ النَّاسُ إلى فُسطاطَيْن: فُسطاطِ إيمانٍ لا نفاقَ فيه، وفُسطاطِ نفاقٍ لا إيمانَ فيه. فإذا كان ذاكم فانتظروا الدَّجَّالَ من يومِه أو غدِه”[3].
لذلك كان خذلان أهل النفاق بحبهم لـ﴿أشدّ الناسِ عداوةً للذينَ آمنوا﴾، وبعداوتهم للذين آمنوا عداوةً ظاهرة واضحة، بمكرٍ من هوله تزول الجبال، قال الله تعالى: ﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾ [إبراهيم: ٤٦]، عَلَّهُم يهزمون طائفة الحق الموعودة بنصر الله، وهذا لن يكون، بل ولن يضرهم أو يؤثر في ثباتهم وصمودهم أي أذى، دون أية لحظة تراجع أو هوان أو تردد، وذلك بفضل الله تعالى، ثم بسبب إيمانٍ بالله وقر في القلب، صَدَّقَهُ ووثقه حُسن عملٍ، استجابةً لأمر الله وقت القرح، مع شديد الألم والوجع، إضافة إلى القلة والفاقة والجوع والحصار، ورغم عِظَمِ الخُذْلان، قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ [آل عمران: ١٧٢].
ورغم عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، وما لحق بهم من دمار شامل وخوف دائم ونزوح متواصل، رغم كل ذلك واجتماع كل الخصوم، ما ضرهم خذلان من خذل، ومخالفة من خالف وعدوان من اعتدى، قال الله تعالى: ﴿لَن يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى ۖ وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ﴾ [آل عمران: ١١١].
وفوق كل ذلك وَعْدٌ من الله وبشارة، بأنهم وإن يقاتلوننا يولون الأدبار، وكأن خذلان أمتنا لنا في صراعنا مع هؤلاء هو القائم والأساس، وقد يطول، وإن طال فلن يضرونا شيئاً، والقتالُ استثناءٌ، وما يقوم به يهود هو عملية قتل ممنهجة، وإبادة جماعية، دون أي جرأة على المواجهة والقتال.
لذلك رأينا ذلك بأمر الله فضلاً كبيراً من الله تعالى ومَنِّهِ، عند كل مواجهة كيف أثخن رجال الله الجراح في العدو في كل معركة خاضوها وسيخوضونها إن شاء الله تعالى.
ثباتٌ وصبرٌ
إن الأذى الذي سيصيب المؤمنين الثابتين من جراء كثرة الإجرام والمجرمين والغدر، وبتحالف المنافقين مع الكافرين، لن يؤثر في عقيدة الثابتين المؤمنين، أو على نفسياتهم وإرادتهم وعزيمتهم، فقد سبق فضل الله حينما أنزل السكينة في قلوب المؤمنين، وثبتهم من خلال ملائكته، قال الله تعالى: ﴿إِذْ يُوحِى رَبُّكَ إِلَى ٱلْمَلَٰٓائِكَةِ أَنِّى مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ﴾ [الأنفال: ١٢]، فكم كان عظيماً فضل الله تعالى علينا، حينما ربط على قلوب جميع المؤمنين المرابطين في غزة، وثَبَّتَ أقدامهم، إنهم الذين ترجموا بحسن إيمانهم وحُسْن عملهم وطاعتهم لله ولرسوله ﷺ من قبل ومن بعد، بثبات وصبر لا يوصف، مع دوام ذكرهم لله تعالى عند كل مصاب أو فقد، فِصِدْقُ إيمانهم، حَقَقَ لهم الصبر والثبات، وسيرزقهم الله تعالى بذلك الفلاح في الدنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُون * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [الأنفال: ٤٥، ٤٦].
ففضل الله علينا وعلى عباده المجاهدين أنه مَنَّ بالإيمان علينا، قال الله تعالى: ﴿قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم ۖ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الحجرات: ١٧].
لقد كان صدق إيمان العبد الصادق طمأنينة قلبه بكل الرضا، فكان أساس ذلك العمل الصالح. والعمل الصالح ديدنه ومحوره الصبر والثبات، مهما طال الزمان لقول الله تعالى: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِي﴾ُ [الحجر: ٩٩]. فكان الصبر والثبات على أرض الواقع أحد أركان النصر، لأنهم لو لم يكونوا كذلك لانتهى أمرهم في الأسبوع الأول من الحرب وانكشف سترهم وسرهم وظهرت حقيقتهم، خاصة بعدما فقدوا قائدهم وملهمهم، بل وجُلَّ قادتهم الميدانيين والعسكريين والسياسيين، فكأن هذا الفقد نعمة من الله وفضل، وليس نقمة؛ ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيّكُم أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ [الملك: ٢].
فصَبروا وثبَتوا وذكروا الله كثيراً، ولو لم يكونوا كذلك لما بَقِي أحدٌ منهم على نفس المنهج والروح والعطاء، دون تردد أو جزع أو خوف أو اضطراب.
إصرار يفوق الخيال
وكأي مراقب في هذه الحرب، إن الذي يجري على أرض الواقع غريب جداً وعجيب أشد العجب!
كيف يعمل هؤلاء المقاتلون بعد فقْد قادتهم بهذه الروح القتالية وهذا العنفوان؟ دون أن يتأثروا بفقدان أي من قادتهم، سواء المباشرين أو غير المباشرين، دون أن نشعر أنهم فقدوا أحداً من قادتهم، رغم طغيان وشدة عدوان ﴿أشدّ الناسِ عداوةً للذينَ آمنوا﴾ [المائدة: ٨٢]، ومعهم كل أهل الكفر والنفاق، ومعظم دول الظلم والمصالح الآنية، وكل المتخاذلين من أهل ملتنا، حين تركوهم يُقَتَّلُونَ لعشرين شهراً متتالية دون أن يحركوا ساكناً!
عشرون شهراً من العدوان والخذلان ولا يزال أهل الإيمان على إيمانهم وثباتهم وصبرهم، لم يترددوا ولم يداخلهم الشك والريب، يجاهدون في سبيل الله لا يخافون لومة لائم، رغم تهديد العدو المتواصل بتوسيع حربه على أهل غزة، وهو الذي شملت حربه الشجر والحجر والبشر، قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُون﴾ [الحجرات: ١٥].
لقد جاءت معركة طوفان الأقصى بعد أكثر من ست وسبعين سنة من احتلال أرض فلسطين الإسلامية والعربية، وعالمنا العربي والإسلامي للأسف يغطّ في سبات عميق، يعيش الهوان والاستسلام والموادعة لأهل الكفر والطغيان، والخذلان لأهل الإيمان، الذين ما فتئوا يدافعون عن حقهم، هذا الدفاع الذي ما توقف يوماً، رغم بطش العدو واعتداءاته المتكررة، حتى حانت فرصة: ﴿ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [المائدة: ٢٣].
حتى حانت فرصة الإعداد الجيد والمناسب، خاصة أنهم جهزوا أنفسهم بعد حُسْنُ توكلهم على الله تعالى، ومراكمة القوة، فكان يوم ٧/ ١٠ /٢٠٢٣م الذي جُنَّ فيه جنون ﴿أشدّ الناسِ عداوةً للذينَ آمنوا﴾ وكل قوى الظلم والطغيان والخذلان!
كيف لفئة قليلة مؤمنة أن تتجرأ وتقوم بهذا العمل العظيم؟
كيف لهذه الطائفة بهذا العمل الذي قلب الموازين، وغَيَّرَ كل المفاهيم العسكرية، وكسر نظرية الردع التي هيمنت على المنطقة العربية ردحاً من الزمن؟
كيف لفئة قليلة مؤمنة تكسر شوكة متغطرس محتلٍ أثيم تجبّر على العرب والمسلمين في الأرض عدد سنين؟
كيف لهذه العصابة المؤمنة أن تُضلل كل القوى الاستخباراتية في العالم وتقوم بما قامت به وتخترق كل حصونه وخطوطه الدفاعية التي كلفت مليارات الدولارات؟
كيف لفئة قليلة مؤمنة تُحَطِّمُ نظرية الأمن الصهيوني وإلى الأبد؟
كيف لفئة قليلة مؤمنة تستمر في حرب ضروس يشنها العدو –وما يزال- ومعه كل تحالفات البغي السياسية والاقتصادية والعسكرية وأبواقها الإعلامية الغربية والعربية؟
كيف لفئة قليلة مؤمنة تستمر في القتال والدفاع دون مدد أو أي مساعدة بشرية بل وخذلان عربي مقيت؟
كيف لها أن تثبت كل هذا الثبات؟
وأن تقاتل كل هذا القتال؟
وأن تستمر هذا الاستمرار؟
حتى صَرَّحَ أكثر من خبير عسكري صهيوني وأوروبي وأمريكي وغيرهم، أن ما يحدث على أرض غزة يفوق الخيال، وأن هناك قوى خفية في غزة هي التي تقاتل!
لنعلم -والكل لا بد أن يعلم- أن هذه الفئة القليلة المؤمنة، هي التي بشر بها النبي ﷺ فقال: “لا تَزالُ طائِفَةٌ مِن أُمَّتي قائِمَةً بأَمْرِ اللهِ، لا يَضُرُّهُمْ مَن خَذَلَهُمْ، أوْ خالَفَهُمْ، حتَّى يَأْتِيَ أمْرُ اللهِ وهُمْ ظاهِرُونَ علَى النَّاسِ”[4].
وفي رواية: قال ﷺ: “لا تَزالُ طائفةٌ مِن أمَّتي مَنصورينَ لا يَضرُّهم مَن خذلَهُم حتَّى تقومَ السَّاعةُ”[5].
وقال أيضاً ﷺ: “لا تزالُ طائفةٌ من أمتي على الدينِ ظاهرينَ لعدوِّهِمْ قاهرينَ لا يضرُّهم من خالَفَهم إلَّا ما أصابهم من لَأْواءٍ، حتى يَأْتِيَهم أمرُ اللهِ وهم كذلِكَ”. قالوا: يا رسولَ اللهِ وأَيْنَ هم؟ قال ﷺ: “بِبَيْتِ المقدِسِ وأكنافِ بيتِ المقدسِ”[6].
هذه الفئة.. هذه الطائفة.. هذه العُصابة ليست دولة وليست جيشاً جراراً، بل عصابة، طائفة، إنها فئة قليلة مؤمنة ثابتة على الحق، ثابتة بإيمانها، راسخة بعقيدتها، فكل الأحاديث التي وردت، تدلل على أنها لا ولم ولا يمكن أن تتردد، ولا ينتابها أي شعور بالعجز والوهن والضعف والملل من جراء طول أمد الصراع، أو يراودهم أي شك وريب في وعد الله تعالى ونصره المبين لعباده المؤمنين الثابتين، فليس عبثاً ولا على سبيل المصادفة أن نسمع دعاء المقاتلين أثناء خوضهم المعارك وأثناء رميهم واشتباكهم يقولون ويدعون الله تعالى:
اللهم في سبيلك وابتغاء مرضاتك..
اللهم في سبيلك وابتغاء مرضاتك..
اللهم في سبيلك وابتغاء مرضاتك..
لذلك كان من أهم صفات المؤمنين الثابتين التي تحلّوا بها وازدادوا بها إيماناً أنهم آمنوا بالله ورسوله ﷺ، وأتْبعوا إيمانهم رضا وصبراً وثباتاً، فشهد الله لهم به، رغم كل المصائب والمحن والابتلاءات المتعاقبة التي نزلت ولحقت بهم ما انتابهم أي شك ليحققوا بذلك حقيقة وصف الله عزّ وجلّ وتسميتهم بالمؤمنين. وبصبرهم وعزيمتهم وثباتهم وقوة بأسهم وإرادتهم ما طلبوه وما دَعَوْا ربهم به، ألا وهي رغبتهم بما عند الله وطلبهم مرضاته..
فرزقهم الله الصبر والثبات.. ومَنَّ عليهم بالصمود والتحدي، وحقق لهم فلاح المواجهة، ليكون عملهم هذا في سبيل الله خالصاً، ويرزقهم الرضا والرضوان، بصحبة خير الأنام ﷺ في جنات النعيم، بعد أن يحقق لهم النصر المبين.. إن شاء الله رب العالمين.
[1] أخرجه الدارقطني بسند صحيح.
[2] صحيح البخاري، ٧١١٣.
[3] أخرجه أحمد وأبو داود بسند صحيح.
[4] رواه مسلم.
[5] أخرجه ابن ماجه بسند صحيح.
[6] ذكره الهيثمي في (مجمع الزوائد) بسند صحيح




