
عشرات الشهداء بغزة.. والاحتلال يكثف استهداف طالبي المساعدات
يونيو 11, 2025
هل ما جرى لنا جرى لأحدٍ من قبلنا؟.. أم أننا معاقبون بما لم يُعاقب به أحدٌ قبلنا؟
يونيو 11, 2025د. حسين عبد العال – عضو الأمانة العامة للهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ
في زمن انقلبت فيه الموازين، وانتكست فيه الفطر، واتسع فيه الخرق على الراتق، وغدت فيه أمتنا أمة ضحك الزمان من بلادتها، وعجب الزمان من بلاهتها، باتت تصفق لجلادها، وتضحك لقاتلها، وتأخذ بالأحضان مَن يهددها بالزوال والدمار، وبات أصحاب العقول فيها ينادون للأرض أن تبتلعهم، فإن باطن الأرض خير لهم من ظاهرها، لأن كلام العقلاء في زمن الجنون أصبح جنونًا، وكلمة الحق في زمن الباطل أصبحت في عرف المجانين باطلًا، وعلا صوت الرويبضة1 فأصبح لا يُسْمَعُ صوتٌ غير صوته، وكثير من الناس غدا حالهم كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاءً ونداءً، صم بكم عمي فهم لا يعقلون.
ماذا لو كان ابن الأثير اليوم حيًا؟!
قال ابن الأثير في كتابه (الكامل) بعد فاجعة بغداد على أيدي التتار:
“لَقَدْ بَقِيتُ عِدَّةَ سِنِينَ مُعْرِضًا عَنْ ذِكْرِ هَذِهِ الْحَادِثَةِ اسْتِعْظَامًا لَهَا، كَارِهًا لِذِكْرِهَا، فَأَنَا أُقَدِّمُ إِلَيْهِ رِجْلًا وَأُؤَخِّرُ أُخْرَى، فَمَنِ الَّذِي يَسْهُلُ عَلَيْهِ أَنْ يَكْتُبَ نَعْيَ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ؟ وَمَنِ الَّذِي يَهُونُ عَلَيْهِ ذِكْرُ ذَلِكَ؟ فَيَا لَيْتَ أُمِّي لَمْ تَلِدْنِي، وَيَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ حُدُوثِهَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِياً”2.
رحمك الله يا ابن الأثير، ووالله مصيبتنا كمثل ما ذكرت، بل هي أشد وأنكى، فأنت ما تصورت أن يحدث مثل ما رأيت إلى قيام الساعة، لكن لو شاهدت مصيبتنا ورأيت حالنا، فإخوة لنا يدافعون عنا وعن شرفنا وعزتنا، ويحققون انتصارات على عدونا، ونحن نتابع معهم لحظة بلحظة، وكان لزامًا علينا أن نناصرهم ونجمع الجيوش للقتال معهم -أستغفر الله- أقصد: نمدهم بالسلاح والعتاد وهم يقاتلون وسينتصرون -أستغفر الله- أقصد نمدهم حتى بالغذاء والدواء، بل بالماء ليشربوه، لكننا ويا للأسف -يا ابن الأثير- ما فعلنا، ويا ليتنا سكتنا، لا بل فعلنا عكس ذلك، إي والله فعلنا عكس ذلك، هل تتصور هذا؟!
رغم أننا قرأنا ما كتبتَ، إلا أننا ما استوعبنا الدرس ولا فهمنا اللعبة بعد، تصور -يا ابن الأثير- أننا في زمن نحرم من يدافعون عنا الطعام والشراب والدواء والكساء، تصور أنهم يبادون كل يوم، قُتل منهم الآلاف بالقنابل والصواريخ، ويموتون وهم يستغيثون بنا ويصورون لنا حالهم بثًا مباشرًا، ونحن الذين نحاصرهم، إي والله -يا ابن الأثير- نحن الذين نحاصرهم، بل وننادي عدونا أن يبيدهم، ونصفق للعدو كلما قتل منهم، وفي نفس اللحظة -ويا للأسف- نفتح ذراعينا لقاتلهم، نفرش له النمارق، ونجعل نساءنا له تعانق، ونستقبله بالورود، ونضع القبلات له على الخدود، ونصب المال في حجره صبًا، ونعطي له الولاء والطاعة حبًا لا غصبًا.
فأي ذلة بعد هذه الذلة، وأي مهانة بعد تلك المهانة؟!
نحن على يقين بلؤمه وخبثه ومكره، ومع هذا نعطيه الوقود ليحرقنا، ونرسل له الزاد الذي نمنعه عن إخواننا، ونسقيه من الشراب ما لذ وطاب، وهو يستهزئ بنا فيسكب قهوتنا أمام أعيننا، وفي حضرة من يسمون زورًا حكامنا، في حين أن إخواننا يشربون الماء من البرك والمستنقعات، ومنهم والله مَنْ مِنَ العطش قد مات، فحق لكل عاقل منا أن يقول ما قلت يا ابن الأثير: “لَيْتَ أُمِّي لَمْ تَلِدْنِي، وَيَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ حُدُوثِهَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًا”، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
غزة فضحت العرب
كلمات خالدة قالها الشهيد أبو إبراهيم يحيى السنوار: “ستفضح هذه المدينة كل المطبعين، وستخزي كل المنسقين، وستكشف حقيقة كل المفرطين والمتنازلين”3.
ولقد كان حقًا ما قلته أيها السنوار، فلقد فضح الله بجهادكم كل المطبعين، الذين وقفوا اليوم مكتوفي الأيدي تجاه أهل غزة، بل وقف البعض منهم في صف عدوه، وبات الليل معه في لحاف واحد، وأمده بكل مقومات الحياة، بل وأصبح يلوم أهل الأرض وأصحاب الحق على دفاعهم عن أرضهم، ومطالبتهم بحقهم، بل غدا التيس منهم -وهو صاحب لحية مزورة- يطالب أهل غزة بترك الأرض ويدعوهم للهجرة منها وتركها للعدو يمرح فيها، فأي فضيحة بعد هذه الفضيحة!
لقد كُشِفَتْ الحقائق يا سنوار، وتمايز الفريقان، وبات معلومًا من هم المنسقون والخونة وعملاء الصهيونية، ومن هم المفرطون في دينهم وأرضهم وعرضهم، وإن تشدقوا بغير هذا.
غزة فضحت حكام الخليج
رأينا كيف أغدق حكام الخليج على راعي البيت الأبيض أموالهم، أقصد بأموال شعوبهم، والتي أخذوها من شعوبهم نهبًا وسرقة وغصبًا، ثم تعاملوا بها بكل سفاهة ووقاحة، بأن وضعوها في يد عدوهم، مباركين له ومسرورين بأن قبلها منهم، تخيل يا مؤمن أربع تريليون دولار دفعة واحدة يقدمونها له قربانًا وجزية، لأجل حماية عروشهم ولاستمرارهم في إذلال شعوبهم، تخيل لو أن هذه الأموال فقط وُزعت على شعوب المسلمين عامة، على ملياري مسلم، لكان نصيب كل مسلم منها ألفي دولار، فكيف لو صرفت على الجيوش وعلى مصالح المسلمين؟ أما كانت تكفي لقيام أعظم دولة في التاريخ؟ أليس هذا عبث ما بعده عبث؟ أليس هذا كفراً بنعمة الله تعالى؟ وكبيرة من كبائر الذنوب إن سلمت من الكفر بالله؟
في حين أن غزة الجريحة يموت أهلها جوعًا وعطشًا، وهم الذين أوجب الله علينا نصرتهم، وفرض علينا حمايتهم وإطعامهم وسقياهم، ووالله لو قلتم يا أهل السفه لزعيم البيت الأبيض إنكم لا تسلموه هذه الأموال حتى يرفع الحصار عن أهل غزة وحتى تمدوهم بالمال كما أعطيتموه، لوافق طمعًا في مالكم.
لكنه الخذلان -عافانا الله منه- والذي يظهر جليًا أن قضية غزة ليست ذات بال عندكم، وأنكم أعطيتموها ظهركم، وأن حب العدو تملك شغاف قلوبكم، وأنكم صرتم تملون وتبغضون المؤمنين المجاهدين من أهل غزة وما حولها، وما هذا منكم إلا كفر بواح لا خفاء فيه ولا مداورة، فويل ثم ويل لكم من عذاب الله تعالى في الدنيا والآخرة.
غزة تفضح الغرب
لا يهمنا كثيرًا الحديث عن الغرب وأفعاله وسياساته، لأن مصيبتنا نحن في بني جلدتنا لا في عدونا، لكن على هامش الذكر، نقول لمن ما زالوا مخدوعين في الغرب وفي حضارته وديمقراطيته:
هل رأيتم زعيم الديموقراطية وحقوق الإنسان والعدالة المزعومة، هل رأيتموه وهو على بعد أمتار من غزة وهي تباد، وهو يسمع من موقعه صوت انفجارات صواريخه التي أرسلها للإبادة أهل غزة، بل وتم التصعيد لأقصى درجة في فترة زيارته إمعانًا في تحدي البلهاء من حكامنا؟
هل رأيتموه وهو يملأ كرشه من مال وطعام البلهاء من العرب، ولم يسمح ولا أحب أن يسمح بشربة ماء لأهل غزة، وهو يعلم معاناتهم وحاجتهم، وبعد هذا يتشدق بالديمقراطية المزعومة أو المنتقاة والمفصلة على الرجل الأبيض شرط أن لا يكون مسلمًا؟
أليس هو من هدد بطرد الطلاب المتعاطفين مع قضية فلسطين من جامعاتهم بأمريكا؟ بل توعد بتهجير كل من يهتم بقضية فلسطين وملاحقته أمنيًا؟ بل وفتح الباب على مصراعيه للوقوف بجانب المجرمين المتطرفين النازيين المعتدين قتلة الأطفال؟
أليس هو من قال إن (إسرائيل) -إن صح التعبير- صغيرة جداً ولابد من توسعتها؟
أليس هو من هدد بفتح أبواب الجحيم على أهل غزة إن لم يترك أهلها أرضهم؟
واستمر القتل في وجود ترامب
وهنا أقول: الحمد لله أن الحرب لم تتوقف حتى في زيارة الراعي الأبيض، لا لأني لا أحب توقفها -لا سمح الله- ولكن حتى لا يركع الناس ويسجدون له من دون الله لو فعلها، ولتظل قلوب المؤمنين معلقة بالله لا بحاكم البيت الأبيض، فإن إيماننا ومعرفتنا بالله تبين لنا أن الحرب ستقف ولكن بقدر الله وحده، نعم وربي ستقف كما وعد ربنا ووعده حق وصدق، ستقف وتنطفئ كما قال ربنا عن اليهود: ﴿كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ﴾ [المائدة: 64].
فستنطفئ ولن يجني المعتدون إلا خزيًا وعارًا، ولن يعود المنافقون والمطبعون والمخذِّلون إلا بأذيال العار يجرونها خلفهم -بإذن الله تعالى- وهذا عما قريب ورب الكعبة، وما أنفق البلهاء من أموال المسلمين لن تكون عليهم إلا حسرة وندامة، وسيغلبون ويزولون بأمر الله تعالى.
شكرًا مجلة أنصار النبي ﷺ
مجلة أنصار النبي ﷺ تدخل عامها الرابع متألقة كعادتها، منافحة عن جناب النبي ﷺ كما نذرت نفسها لذلك، مدافعة عن حقوق المسلمين كما هو واجبها، وفي القلب من ذلك قضية فلسطين، فالمجلة تركت العنان لكل كتابها يعبرون بحق وصدق عن طبيعة قضية فلسطين، بل ومنذ ما يقرب من عامين وبالتحديد من بدء معركة طوفان الأقصى والمجلة في معركة لأجل فلسطين، فهي تحث الكتاب على طوفان النصرة بالقلم لأهلنا في غزة، وما ذاك على المجلة بغريب ولا عجيب، فهذا واجب وفرض عين، وتكليف زمان، حق عليها أن تقوم به، فنصرة الأقصى والمسرى وفلسطين، هي عين نصرة الحبيب محمد ﷺ.
هنيئًا لك مجلة الأنصار انحيازك للحق، هنيئًا لك الاستمرار، بل التطور والتقدم، هنيئًا لك حب القراء وإقبالهم عليك، هنيئًا لك زيادة الكُتَّاب مع فتح أبواب جديدة للنصرة من خلال فتح أبواب جديدة للكتابة.
عامك الرابع -بإذن الله- عام سعيد، وعام نصر وتمكين للإسلام والمسلمين -بإذن الله تعالى- وعام فتح للأمة جمعاء من مشرقها لمغربها، ومن محيطها لخليجها، بعون الله القدير.
وغدًا نكتب لك المقالات عن الأقصى من داخله، وعن فلسطين من القدس الشريف، وعن غزة من شوارعها وأزقتها، بل وبخط مجاهديها ومن ثغورهم ومنازلهم.
وإن غدًا لناظره قريب.
1 الرويبضة: هو الرجل التافه يتكلم في أمر العامة.
2 الكامل في التاريخ، ج10 ص333.
3 من فيديو قديم له يوجد على مواقع التواصل.




