
النبي ﷺ عبقرية خالدة أضاءت دروب البشرية
نوفمبر 9, 2025
مناورات عسكرية واسعة للاحتلال في الضفة المحتلة
نوفمبر 10, 2025أدباء العالم يثنون على النبي ﷺ (3/3)
د. إياد محمود
أستاذ مساعد في فيزياء البصريات الكمومية – كاتب وقاص
أمَّا كتب التاريخ والتراجم التي احتوت فصولاً عديدةً عن حياته الشريفة ﷺ، وغزواته العظيمة، وسيرته العطرة، فتقصيها ضربٌ من ضروب الخيال، والإحاطةٌ بها جميعها مما تعجز عنه الأقلام، ومن الأمثلة الشهيرة في هذا المضمار: “عبقرية محمد” لعباس محمود العقاد. وهناك “وحي القلم” للمنافح عن دينه بلا كللٍ ولا مللٍ: مصطفى صادق الرافعي والذي يورد فيه درساً نبوياً، يستنبط منه استنباطاً عجيباً.
ففي المقالة التي عنوانها “درسٌ من النبوة” يذكر ما كان من حديث زوجاته ﷺ معه –عقب فتوحات الله على رسوله ﷺ في الأحزاب وقريظة وبني النضير– من طلبهن له بأنْ يوسع عليهنَّ في النفقة مما أفاء الله عليه من الغنائم. فكان شأن الرسول ﷺ معهنَّ هو ما أمره الله به من تخييرهنَّ بين الرسول والدنيا. فكان استنتاج الرافعي من هذه الحادثة المشهورة ما نقتبس زبدته فيما يلي:
(قالوا: إنَّه لما نصر الله تعالى رسولَه، وردَّ عنه الأحزاب، وفتح عليه قُريظة والنَّضير: ظنَّ أزواجه ﷺ أنه اختُصَّ بنفائس اليهود وذخائرهم؛ وكُنَّ تسعَ نسوةٍ: عائشة، وحَفْصَة، وأم حبيبة، وسَوْدَة، وأم سلمة، وصفية، وميمونة، وزينب، وجُوَيْرِيَة؛ فقعدنَ حوله وقُلْنَ: يا رسول الله، بنات كسرى وقيصرَ في الحَلْيِ والحـُلَل، والإماء والخَوَل، ونحن ما تراه من الفاقة والضِّيق…”. وآلمن قلبه بمطالبتهنَّ له بتَوْسِعَة الحال، وأن يعاملهنَّ بما تعامِل به الملوكُ وأبناءُ الدنيا أزواجَهم؛ فأمره الله تعالى أن يتلو عليهنَّ ما نزل في أمرهنَّ من تخييرهنَّ في فراقه، وذلك قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً﴾[الأحزاب: 28-29].
قالوا: وبدأ ﷺ بعائشةَ –وهي أحبُّهنَّ إليه– فقال لها: “إني ذاكرٌ لكِ أمراً ما أُحِبُّ أن تَعْجَلِي فيه حتى تستأْمِري أبوَيْكِ”. قالت: ما هو؟ فتلا عليها الآية، قالت: أفيك أَستأمِرُ أبوَيَّ؟ بل أَختارُ اللهَ تعالى ورسولَهُ.
ثم تتابعْنَ كلُّهنَّ على ذلك؛ فسمَّاهنَّ الله (أمهاتِ المؤمنين)؛ تعظيمًا لحقِّهنَّ، وتأكيداً لحُرمتهنَّ، وتفضيلاً لهنَّ على سائر النساء.
هذه هي القصة كما تُقرأ في التاريخ، وكما ظهرت في الزمان والمكان، فلْنقرأها نحن كما هي في معاني الحكمة، وكما ظهرت في الإنسانية العالية، فسنجد لها غَوْراً بعيداً، ونعرف فيها دَلالةً ساميةً، ونتبيَّن تحقيقاً فلسفيًّا دقيقاً للأوهام والحقائق.
وهي –قبل كلِّ هذا، ومع كلِّ هذا–: تنطوي على حكمةٍ رائعةٍ، لم يَتنبَّه لها أحدٌ، ومن أجلها ذُكرت في القرآن الكريم؛ لتكون نصَّاً تاريخيَّاً قاطعاً، يدافِع به التاريخ عن هذا النبي العظيم في أمرٍ من أمور العقل والغريزة، فإنَّ جَهَلَةَ المبشِّرين في زمننا هذا، وكثيراً من أهل الزَّيْغ والإلحاد، وطائفةً من قِصار النَّظر في التَّحقيق: يزعمون أنَّ محمداً ﷺ إنما استكثر من النساء لأهواءٍ نفسيَّةٍ محضةٍ، وشهواتٍ كالشَّهوات، ويتطرَّقون من هذا الزَّعم إلى الشُّبهة، ومن الشُّبهة إلى سوء الظنِّ، ومن سُوء الظنِّ إلى قُبْح الرأي؛ وكلهم غبيٌّ جاهلٌ؛ فلو كان الأمر على ذلك، أو على قريبٍ منه، أو نحوٍ من قريبه، لما كانت هذه القصة التي أساسها نفي الزينة، وتجريد نسائه جميعاً منها، وتصحيح النيَّة بينه وبينهنَّ على حياةٍ لا تحيا فيها معاني المرأة، وتحت جوٍّ لا يكون أبدًا جوَّ الزَّهْر.. وأمرُهُ من قِبِل ربِّه أن يُخَيِّرَهُنَّ جميعا بين سراحهنَّ؛ فيكنَّ كالنساء، ويَجِدْنَ ما شِئْنَ من دنيا المرأة، وبين إمساكهنَّ، فلا يَكُنَّ معه إلا في طبيعةٍ أخرى تبدأ من حيث تنتهي الدنيا وزينتها.
فالقصة نفسها ردٌّ على زعم الشهوات؛ إذ ليست هذه لغةَ الشَّهوة، ولا سياسةَ معانيها، ولا أسلوبَ غضبها أو رضاها، وما ها هنا تمليقٌ ولا إطراءٌ ولا نعومةٌ، ولا حرصٌ على لذَّةٍ، ولا تعبيرٌ بلغة الحاسَّة).
ومن كتب التاريخ والتراجم –والتي تُورد هنا على سبيل الاستشهاد لا الحصر– والتي تناولت حياته الشريفة، وشمائله العطرة، ما يلي:
- كتاب “الطبقات الكبرى أو الكبير” لمحمد بن سعد بن منيع البصري الزهري، المشهور بابن سعد، “وهو في ثمانية أجزاء، خصص ابن سعد الجزأين: الأول والثاني منه لسيرة رسول الله ﷺ ومغازيه، والأجزاء الستة الباقية خصصها لأخبار الصحابة والتابعين حسب مواطنهم وأمصارهم… ثم رتب علماء كل مصرٍ، حسب شهرتهم وزمانهم”.
- كتاب “دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة” المعروف اختصاراً بدلائل النبوة لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي. “وهو من بين أهم كتب السيرة وأوفاها، إذ أنه يسوق الروايات بأسانيدها إلى أصحاب الكتب المعتبرة، وأحياناً يتكلم على الروايات ويبين حالها”.
- كتاب “دلائل النبوة” لمحمد بن يوسف الفريابي.
- كتاب “خصائص أفضلين المخلوقين” لابن الملقن، وكتاب “الخصائص الكبرى” لجلال الدين السيوطي.
- ’’أما كتب الشمائل فتتناول أخلاق وآداب وصفات النبي ﷺ، وأقدم من أفردها: أبو البختري وهب بن وهب الأسدي في مؤلفه “صفة النبي”، واشتهر كتاب الإمام الترمذي في كتاب “الشمائل النبوية والخصائص المصطفوية”، ثم كتاب أبي الشيخ عبد الله بن محمد بن حيان الأصبهاني بعنوان “أخلاق النبي وآدابه”. ثم جاء كتاب “الشفا بتعريف حقوق المصطفى” للقاضي عياض وهو كتابٌ جامعٌ ‘‘.
- “حياة محمد” لمحمد حسين هيكل، وفيه ’’اعتمد المؤَلِّفُ على أساليب البحث التاريخي الحديثة للاقتراب من الحقيقة التاريخية أكثر؛ حيث أسّس رؤيته انطلاقاً من الاستقراء والتجريب والملاحظة، واستعمل العقل بجانب النقل”.
ومن عجائب هذا الزمان الذي نعيشه، أنْ يزداد الاهتمام به ﷺ كلما هاجمه سفيهٌ أو رام الانتقاص منه وضيعٌ. ولعمري إنّ هذا لمن الغرائب الفريدة! فما أكثر الحكايا التي تعرفها البشرية عن الاغتيال المعنوي للشخصيات الإنسانية عن طريق الانتقاص منها بصورةٍ ظالمةٍ، والذي –رغم افتئاته– يبلغ غايته المقصودة: بتدمير السمعة، وطمس الفضائل، وقتل المعنويات، وتشويه الحقائق.
ولكنَّ هذا الأمر في حقه ﷺ يأتي بنتائج عكسية، فلا تتحق للسفهاء غايةٌ، ولا ينالون ما كانوا يرومونه من مهاجمته ﷺ: بعلَّو مكانتهم، وذيوع صيتهم، وانتشار هرطقتهم. فمن المعروف في عصرنا هذا أنَّه قد أصبح مِنْ دأب مَنْ أراد شهرةً سهلةً يسيرةً تأتيه بلا تعبٍ أو نصبٍ أنْ يطعن في المقدس، وأن ينتقص من الكامل، وأن يهاجم الثوابت.
لكنّ فعل هؤلاء الجهلاء الحمقى معه ﷺ يترتب عليه أنْ يتشبث المسلمون بسنته مزيداً من التشبث، وأنْ يقبلوا على سيرته مزيداً من الإقبال، ويَزْوَرّوا عن شانئيه ﷺ مزيداً من الازورار.
وأما غير المسلمين فهجوم أهل الدناءة والخِسَّة هؤلاء يُفَتّح عيونهم على سيرة هذا الذي تملأ أخبار الاحتجاجات على الانتقاص منه كل وسائل الإعلام في أركان الأرض الأربعة. فترى من كان لا يعلم -من غير المسلمين– عن أفعاله وصفاته ﷺ إلا وقد أصبح بحياته عالماً، ولسيرته مُطلعاً، ولدينه مُلمَّاً ولو بالحد الأدنى. وكأنَّ حال هؤلاء السذج الذين يهاجمون شخصه ﷺ كحال من يريد أنْ يحجب الشمس بغربالٍ. وحقاً مخطئٌ –بل ما أشد حمق– من رَمِيّه القمر.
صلواتُ ربّي وسلامُه على خير الأنام: النَبّي العدنان
وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً كثيراً.




