
دلائل نبوة محمد بن عبد الله ﷺ قبل بِعثته
يونيو 16, 2025
الواقع الأليم لمسلمي الأويغور (1/2)
يونيو 16, 2025بقلم: الشيخ جلال الدين حمصي – سفير الهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ بالشام
الحمد لله ﴿الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المجاهدين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن سار على نهجه القويم إلى يوم الدين..
إن المؤمنَ الحقَّ صاحبَ العقيدةِ الصحيحةِ يعلمُ منزلةَ الدينِ، فيعطي في الإسلامِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه؛ فاللهُ جلَّ جلالُه لا يوصَفُ إلا بالصِّفاتِ العُلى؛ ولا يُنادى إلا بأسمائِه الحسنى؛ والنبيُّ ﷺ له المنزِلةُ العظيمةُ في الدينِ، فهو خيرُ الأنبياءِ والرسلِ على الإطلاقِ، بل هو سيدُ ولدِ آدمَ..
تَاللَهِ ما حَمَلَت أُنثى وَلا وَضَعَت ** مِثلَ النَبِيِّ رَسولِ الرَحمَةِ الهادي
لقد قرأتُم وسمِعتُم وشاهدتُم ما يدورُ في الساحةِ من النَّيلِ من نبيِّ الأمةِ عليه أفضلُ الصلاةِ والتسليم! فهل تعلمونَ حُكمَ سبِّ النبيِّ ﷺ؟!
لقد أجمعَ العلماءُ على أنَّ من سبَّ النبيَ ﷺ فهو كافرٌ مرتدُّ يجبُ قتلُه.
وهذا الإجماع قد حكاه غيرُ واحدٍ من أهلِ العلم، كما نقل ذلك شيخ الإسلام ابنُ تَيميةَ رحمه الله تعالى في كتابِه (الصارمُ المسلولُ) عن الإمامِ إسحاقَ بن راهويه وابنِ المنذرِ والقاضي عياضَ والخطابيِّ وغيرِهم.
وقد دلَّ على هذا الحُكمِ الكتابُ والسُّنة.. قال الله تعالى: ﴿وَلَىِٕن سَأَلۡتَهُمۡ لَیَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلۡعَبُۚ قُلۡ أَبِٱللَّهِ وَءَایَـٰتِهِۦ وَرَسُولِهِۦ كُنتُمۡ تَسۡتَهۡزِءُونَ﴾ [التوبة: ٦٥]. فهذه الآيةُ نصٌ صريحٌ علی أن الاستهزاءَ باللهِ وبآياتِه وبرسولِه كفرٌ صريح.
نقل الإمامُ القرطبيُّ رحمه الله في تفسيرِه عن ابن المنذرِ أنه قال: “أَجْمَعَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ ﷺ عَلَيْهِ الْقَتْلُ. وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ”.
وقالَ الإمامُ ابن حجرٍ العسقلانيُّ رحمه الله تعالى في كتابِه (فتح الباري شرحِ صحيحِ البخاري): “وَنَقَلَ أَبُو بَكْرٍ الْفَارِسِيُّ أَحَدُ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ فِي كِتَابِ الْإِجْمَاعِ أَنَّ مَنْ سَبَّ النَّبِيّ ﷺ مِمَّا هُوَ قَذْفٌ صَرِيحٌ كَفَرَ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ، فَلَوْ تَابَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْقَتْلُ لِأَنَّ حَدَّ قَذْفِهِ الْقَتْلُ وَحَدَّ الْقَذْفِ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ”.
لقد حذّر اللهُ جلَّ وعلا العبادَ من أذيةِ نبيِّه ﷺ، وكتبَ على نفسِه حمايتَه والدّفاعَ عنه وحِفظَه ونُصرتَه، وخُذلانَ من تعرضَ له وإهلاكَه وخُسرانَه في الدنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ﴾ [المائدة: 67]، وقال: ﴿إِنَّا كَفَينَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ﴾ [الحجر: 95]. وهذا وعدٌ حقٌ ووعدٌ صدقٌ من اللهِ تعالى لرسولِه وخليلِه ﷺ أن لا يضرَّه المستهزئون، وأن يكفيَه إياهم بما شاءَ.
حقوقِ النبيِّ ﷺ
من حقوقِ النبيِّ ﷺ على أمَّتِه أن نهابَه ونعظِّمَهُ ونوقِّرَه، وأن نُجِلَّه أكثر من إجلالِ كلِّ ولدٍ لوالدِه، وكلِّ عبدٍ لسيِّده، فهذا حقٌّ من حقوقِه الواجبَةِ له مما يزيدُ على لوازمِ الرسالة. قال تعالى: ﴿فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الأعراف: 157]. وقال عَزّ مِن قائل: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ﴾ [الفتح: 8-9].
قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ رحِمَه اللهُ تعالى في كتابِه (الصارمُ المسلولُ على شاتمِ الرسول):
“إن اللهَ أمرَنا بتعزيرِ رسوله وتوقيره ﷺ فقال: ﴿وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ﴾، والتعزير: اسمٌ جامعٌ لنصرِه وتأييدِه ومنعِه من كلِّ ما يؤذيه. والتوقير: اسمٌ جامعٌ لكلِّ ما فيه سكينةٌ وطُمأنينةٌ”.
ثم قال: “من الإجلالِ والإكرامِ وأن يُعامَلَ من التشريفِ والتكريمِ والتعظيمِ بما يصونُه عن كلِّ ما يُخرجُه عن حدِّ الوَقار. كما يوجِبُ صَونَ عِرضِه بكلِّ طريقٍ بل ذلك أَولى درجاتِ التعزيرِ والتَوقيرِ؛ فلا يجوزُ أن نصالِحَ أهلَ الذِّمةِ على أن يُسمِعونا شتمَ نبيِّنا ويُظهروا ذلك فإن تمكينَهم من ذلكَ تركٌ للتعزيزِ والتوقيرِ. وهم يعلمونَ أنّا لا نصالِحُهم على ذلك بل الواجبُ علينا أن نكُفَّهم عن ذلكَ ونزجُرَهم عنه بكلِّ طريقٍ وعلى ذلكَ عاهدناهم فإذا فعلوهُ فقد نقضوا الشرطَ الذي بينَنا وبينَهم.
إنّ نصرَ رسولِ اللهِ ﷺ فرضٌ علينا لأنه من التعزيزِ المفروضِ، ولأنه من أعظمِ الجهادِ في سبيلِ الله، ولذلك قال سبحانه: ﴿مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ﴾ إلى قوله: ﴿إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ﴾ وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾ الآية. ونصرُ آحادِ المسلمين واجبٌ بقوله ﷺ: “انصرْ أخاك ظالماً أو مظلوماً”. وبقوله: “المسلمُ أخو المسلم لا يسلِمُه ولا يظلمُه”. فكيف لا يُنصرُ رسولُ اللهِ ﷺ؟”. (انتهى كلام ابن تيمية).
“إن الواجبَ علينا أن نُجابِهَ أولئكَ بما نَستطيعُ، وأن نتولّى الدفاعَ عنه وبيانَ صورتِه الصحيحةِ بذكرِ سيرتِه العطرة، وأن نربّي أنفسَنا وأبنَاءَنَا على ضوءِ سنتِه وسيرتِه ونسيرَ على منهاجِها، وعلى كلِّ واحدٍ منا أن يقدِّمَ ما يستطيعُ في سبيلِ الدفاعِ عن إمامِه وقدوَتِه وسيِّدِه ونبيِّه محمدٍ ﷺ بالكلمةِ والكتابةِ والدعوةِ، وقبل ذلكَ كلِّه يتوجبُّ علينا التمسكُ بشريعتِه ولزومُ منهجِه واتباعُ هَدْيِه”.
وأستذكر هذه الأبياتِ لمحبٍّ هائمٍ:
لك يا رسولَ اللهِ صدقُ محبةٍ ** وبفيضِها شهِدَ اللسانُ وعبّرا
لك يا رسولَ اللهِ صِدقُ محبةٍ ** فاقتْ محبةَ كلِّ مَن عاش على الثرى
لك يا رسولَ اللهِ صِدقُ محبةٍ ** لا تنتهي أبداً ولن تتغيرا
لك يا رسولَ اللهِّ مِنا نُصرةٌ ** بالفعلِ والأقوالِ عما يُفترى
نفديكَ بالأرواحِ وهي رخيصةٌ ** من دون عِرضكَ بَذلُها والمشترى
فلا تحسبُوه شرًا لكم، بل هو خيرٌ لكم، فمثلُ هذهِ الأفعال لها فوائدُ عظيمةٌ على الأمةِ الإسلامية، قال شيخُ الإسلامِ ابن تيميةَ رحمَه اللهُ تعالى: “وأن اللهَ منتقمٌ لرسولِه ممن طعنَ عليه وسبَّه ومُظهرٌ لدينِه… ونظيرُ هذا ما حدَّثنا إياه أعدادٌ من المسلمينِ العُدول أهلُ الفِقهِ والخِبرةِ عما جرَّبوهُ مراتٍ متعددةً في حصارِ الحُصونِ والمدائنِ التي بالسواحلِ الشاميةِ، لما حَاصرَ المسلمونَ فيها بني الأصفرَ في زمانِنا قالوا: كنا نحنُ نحاصِرُ الحُصنَ أو المدينةَ الشهرَ أو أكثرَ من الشهرِ وهو ممتنِعٌ علينا حتى نكادُ نيأسُ منه، حتى إذ تعرَّضَ أهلُه لسبِّ رسولِ الله ﷺ والوقيعةِ في عِرضه فعَجِلَنا فتحُهُ وتيسرَ، ولم يكَدْ يتأخرُ إلا يوماً أو يومين أو نحوَ ذلك ثم يُفتحُ المكانُ عنوةً ويكونُ فيهم ملحمةٌ عظيمةٌ. قالوا: حتى إن كنا لنتباشرُ بتعجيلِ الفتح إذا سمعناهم يقعونَ فيه مع امتلاءِ القلوبِ غيظاً عليهم بما قالوا فيه”.
إن الواجبَ علينا في ظلِّ هذه الهجمةِ الشرسةِ على رسولِنا الكريم ﷺ أن نَهُبَّ للدفاعِ عنه، والذبِّ عن عرضه، وتوقيرِه وتعزيرِه ونُصرتِه، ولئن كان المولى جل جلاه قد تكفلَ بالدفاعِ عنه ﷺ إلا أن واجبَ النُصرةِ يُحتِّمُ علينا الدفاعَ عنه لعِظَمِ مكانتِه في قلوبِنا، وما له من حقٍّ علينا، فما من خيرٍ أصابَنا إلا ولهُ منّةٌ علينا به؛ ولَئِنْ كنا ندافعُ عن نبيِّنا اليومَ فلِعلْمِنا بأن الطعنَ في صاحبِ الشريعةِ هو طعنٌ في الشريعةِ ذاتِها.
إن لهذا النبيِّ العظيمِ علينا حقوقًا، وإنَّ أعظمَها الإيمانُ به واتِباعُه ومحبتُه وتوقيرُه وتَعْزِيرُه، والتمسّكُ بسنته ولزومُ منهجِه وطريقتِه والدفاعُ عنه وعن دينه وشريعته.
وأما الطاعنونَ الملعونون؛ فرحم اللهُ القائلَ فيهم:
دع ذكرَ خيرِ الورى يا عابدَ البقرِ ** فأنتَ طينٌ بنعلَيْ سيدِ البشرِ
أستغفرُ اللهَ إن النعلَ طاهرةٌ ** فلا تُشاب بأنجاسٍ من القذَرِ!
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.. والحمد لله رب العالمين.