
حُمْر النَّعَم
يوليو 8, 2025
أبو عبيدة يتوعّد: استنزاف يومي لقوات الاحتلال في غزة
يوليو 8, 2025أ.د قيس عبد العزيز الدوري
أستاذ التاريخ الإسلامي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:
فقال الله تعالى: ﴿قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ﴾ [المائدة: 15]. لي الشرف أن أكون من الذين يكتبون عن الحبيب المصطفى ﷺ، وأسأل الله تعالى أن يكتبني يوم القيامة من الذين أحبوا الرسول وأطاعوه وخدموا سنته وماتوا على حبه ﷺ!
فأبتدئ هذا المقال المبارك، بإذن الله تعالى، عن ولادته ﷺ. فقد جاء عنه ﷺ أنه قال:
“إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم”.
فمن هو هذا النبي ﷺ؟
هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، من ذرية إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام.
وأمه سيدة بني زهرة، آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر، حيث يجتمع النسب العريق الأصيل الذي لم يجتمع لأحد من قبله ولا بعده.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قالوا: يا رسول الله، متى وجبت لك النبوة؟
فقال ﷺ: “وآدم بين الروح والجسد”.
نور الولادة وارتجاج الأكوان
إن ولادة النبي ﷺ لم تكن حدثًا عاديًا، بل كانت تحولًا كونيًا غيّر مجرى التاريخ، بل وغير مجرى الوجود نفسه. وُلدت الرحمة، ووُلد النور، ووُلد المعلم الأول، والقدوة، والرسول الخاتم.
وُلد ﷺ في عام الفيل، في الثاني عشر من ربيع الأول على الأرجح، في مكة المكرمة، وكان ميلاده إيذانًا بزوال الجهل، والظلم، والشرك، والظلمات.
يُروى أن آمنة بنت وهب رأت في المنام حين حملت به نورًا خرج منها أضاء قصور الشام.
وقال العلماء: إن هذه الإشارات النورانية لم تكن مجازًا، بل حقيقة كونية تجلَّت في شكل خوارق تشهد لقدر هذا المولود المبارك.
فقد روى ابن سعد وغيره أن كسرى سمع ارتجاجًا في قصره ليلة المولد، وسقطت أربع عشرة شرفة من شرفاته. وغاضت بحيرة ساوة، وخرج نورٌ أضاء ما بين المشرق والمغرب، وأصيب المعبد المجوسي في فارس بزلزال، وانطفأت نيران المجوس التي لم تنطفئ منذ ألف عام.
الرحمة المهداة والرسالة الخالدة
ولم تكن ولادته ﷺ رحمة محدودة بزمان أو مكان، بل كانت رحمة للعالمين كما قال الله جل جلاله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107].
قال الله عنه: “نبي الرحمة”، وقال: “الرسول”، وقال: “الرحمة المهداة”، حيث قال سبحانه: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ [التوبة: 128].
فيا سبحان الله! أي عظمة في هذه الولادة!
لقد بُعث ﷺ في مجتمع مزقته الجاهلية، فجمعهم على كلمة التوحيد.
بُعث في بيئة تسودها العصبية والقبلية، فأنشأ أمة لا فرق فيها بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى.
كان الناس يعبدون الحجر، والنجم، والشجر، فهداهم إلى عبادة الواحد القهار.
التحول الكوني والوجودي بولادته ﷺ
الكون كله احتفل، بل تفاعل، مع هذه الولادة العظيمة.
لقد تغيرت ملامح العالم، لا جغرافياً فقط، بل نفسياً وروحيًا وثقافيًا.. إن ولادته ﷺ مثلت نقطة تحول في عالم الغيب والشهادة.
كيف لا، وهو الذي بُعث بالنور؟ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا﴾ [الأحزاب: 45-46].
إن وجود النبي ﷺ لم يكن مجرد وجود بشري، بل هو وجود رسالي اختير بعناية ربانية فائقة، وحُمّل أمانةً ثقيلة: البلاغ المبين، والقدوة، والقيادة، والهداية، والتعليم، والرحمة، والجهاد.
أثر المولد الشريف على البشرية
من نتائج ولادته ﷺ:
• زوال الشرك وظهور التوحيد: بعد أن كانت الأصنام تُعبد من دون الله، جاء محمد ﷺ فأزالها من الكعبة، وهدمها في القلوب قبل أن يهدمها في الجدران.
• العدالة الاجتماعية: كان الإنسان يُباع ويُشترى، فجاء ليقول: “الناس سواسية كأسنان المشط”.
• تكريم المرأة: التي كانت توأد وتُهضم حقوقها، فأعاد لها إنسانيتها وكرامتها.
• رفع الجهل: فبدأت رحلة العلم، وقرأ بأمر الله: ﴿اقرأ باسم ربك الذي خلق﴾، وصار العلم فريضة.
• الرحمة العامة: حتى بالحيوان والجماد، فالرسول الذي مسح رأس يتيم، وكفكف دمعة أرملة، هو نفسه من أوصى بعدم تحميل الدواب فوق طاقتها، ونهى عن قطع الشجر بلا حاجة.
دروس مستفادة من ولادته العطرة
1 شرف النسب لا يكفي
بل لا بد من العمل؛ مع أن نسبه ﷺ هو الأطهر، لكنه ظل يعبد ويجاهد ويبلغ، فالشرف الحقيقي في الطاعة.
2 التخطيط الرباني أعظم من كل تخطيط بشري
فالله تعالى هيّأ الظروف والأنساب والمجتمعات لميلاده ثم بعثته، وكل شيء كان بإرادة عظيمة محكمة.
3 القدوة الحسنة تبدأ من مولده
فقد كان خلقه من أول يوم نورًا، ونسبه طاهرًا، وأصله كريمًا، ليكون القدوة المثلى.
رسالة إلى الجيل المعاصر
لا بد أن يعرف هذا الجيل، وأبناؤنا، أن النبي ﷺ هو الرحمة المهداة للعالمين حقاً وفعلاً، وليس مجرد شخصية تاريخية.
فمحمد ﷺ ليس فقط نبي العرب، بل هو نبي الرحمة للعالمين، للناس كلهم، وللزمان كله.
فالصلاة والسلام على النور الأعظم في حضرة القدس .