
مَن يُحيي فقه السيوف؟
يونيو 16, 2025
المعسكر الصهيوني وسُنّة الاستدراج
يونيو 16, 2025بقلم: د. محمد الناهي – سفير الهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ في اليمن
لا تزال الحرب الجارية على غزة جرحًا مفتوحًا في جسد الأمة، ووصمة عار على جبين الإنسانية، وإحدى أكثر المحطات كشفًا لحقيقة المواقف والولاءات، فقد قرر العدو الغاصب توسيع نطاق عدوانه، غير آبهٍ بدماء الأبرياء، ولا بأنين الجرحى، ولا بصرخات الثكالى والمشردين. وفي خضمّ هذا البلاء، يتأكّد أن الوقوف في ثغر نصرة غزة والمجاهدين فيها فرضٌ لا يسقط، ولا يجوز التخاذل عنه، مهما اشتدت العواقب.
أولًا: وجوب النصرة شرعًا
قال الله تعالى: ﴿وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾ [الأنفال: 72]، فهذه آيةٌ واضحة الدلالة على وجوب نصرة المسلم لأخيه المسلم إذا استُنصر، لا سيما إذا كانت النصرة في دين الله، فكيف إذا كان العدوان صريحًا، والعدو مجرمًا، والمجاهدون صادقين؟
وقال رسول الله ﷺ: “المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يسلمه”.
فالخذلان هنا محرّم، والنصرة لازمة، فكيف بمن يُسهم في خذلانهم بالكلمة، أو يطعن في ظهورهم بالتحريض، أو يلتزم الصمت في وقتٍ تعلو فيه صرخات الأطفال من تحت الركام؟
ثانيًا: شرف الكلمة في ميادين الجهاد
ليست نصرة المجاهدين مقتصرة على حمل السلاح فقط، بل تتعدى ذلك إلى ميادين الكلمة والبيان والحجة، فكم من كلمةٍ ثبتت قلبًا، وكم من مقالٍ فند أكاذيب العدو وفضح جرائمه!
قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ [فصلت: 33].
إن سلاح الكلمة اليوم لا يقل شأنًا عن البندقية، بل قد يسبقها أثرًا؛ لأن الحرب الإعلامية والمعنوية التي يخوضها المجاهدون بحاجة إلى صفوف داعمة، تُعري العدو، وتكشف تضليله، وتُحطم أساطيره، وتُبين خسته وشره في حق الإنسانية جمعاء، لا في فلسطين فحسب.
ثالثًا: قصة من قلب النار
في إحدى ليالي الحرب، انتُشلت طفلة رضيعة من تحت الأنقاض في حي الشجاعية، بعد أن قُصفت عمارتهم بمن فيها. كانت وحدها الباقية على قيد الحياة، وكل أفراد أسرتها قضوا نحبهم. التقطها أحد رجال الدفاع المدني، وهو يبكي ويكبر، ثم رفعها بيديه إلى السماء وهو يقول: “يا رب هذه أمانتك، ردّ لها من يُرضعها”!
هذه الطفلة، التي لم تُكمل عامها الأول، غدت رمزًا لصمود أهل غزة، فتبنّتها امرأةٌ ثكلى فقدت أبناءها الثلاثة في قصفٍ مماثل، وقالت: “هذه هدية الله لي كي لا أموت من الحزن”.
هذه القصة، ليست مجرد مأساة، بل نداءٌ حيٌّ لكل من يملك قلبًا، أن هذه الدماء ليست أرقامًا، وأن الواجب لا يحتمل التأجيل ولا التخاذل.
رابعًا: سوء عاقبة الخذلان
من يخذل المجاهدين اليوم، فقد خذل نفسه ودينه وأمته، وجعل نفسه في صفّ العدو شاء أم أبى.
قال الله تعالى: ﴿إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [التوبة: 39].
وقال رسول الله ﷺ: “ما من امرئٍ يخذل مسلمًا في موطنٍ يُنتقص فيه من عرضه، ويُنتهك فيه من حرمته، إلا خذله الله في موطنٍ يحب فيه نصرته”.
فالمسألة ليست خيارًا تطوعيًا، بل هي عقيدة وموقف، ودين ومسؤولية، وحسابُ الآخرة لا يُغفل.
ومن تمام النصرة توضيح حكم مَن خذلوا إخواننا في غزة، وصمتوا، وتآمروا، وتواطؤوا، ومهّدوا للعدو طريقه. هؤلاء خانوا الأمانة، وتنكروا لأبسط معاني الإنسانية، ووقفوا على الجانب الخطأ من التاريخ.
قال الله تعالى: ﴿فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ﴾ [المائدة: 52]، وقال سبحانه في فضح الموالين لليهود: ﴿تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [المائدة: 80]، فالتواطؤ خيانة، والتخاذل جريمة، والصمتُ شراكةٌ في الدم.
وأخيرًا:
إن دعم غزة اليوم بالكلمة والموقف والمال والدعاء والبيان هو واجب شرعي، وموقف أخلاقي، وخيار حضاري. وإن تأييد المجاهدين وفضح العدو وفضح المتآمرين والمتخاذلين هو خط الدفاع الأول عن كرامة الأمة وعقيدتها.
اللهم انصر إخواننا في غزة، وثبت أقدام المجاهدين، وألجم ألسنة المرجفين والمتخاذلين، واجعلنا من أنصار الحق وعبادك الصادقين!