
سننتصر بأمر الله رغم كل من كفر ومن خَذَلْ
يوليو 5, 2025
استشهاد 23 فلسطينياً في غارات مكثفة على قطاع غزة
يوليو 7, 2025المختار بن العربي مؤمن
عضو مجلس أمناء الهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ
تلفتُّ يمنةً ويسرةً في جنبات التاريخ، وقلبت نظري بين صفحاته المفتوحة، فرأيت عجباً! صراع يتكرر، يفقهه المتآمرون على أمتي، ولا تكاد تفقهه أمتي، تقوم على أنقاضه أمم وتهلك أخرى، فإذا أرادت أمتي أن تقوم صرعت من أقرب متربص بها، فأردتُّ أن أبحث عن نصوص تجلّي ما نحن فيه؛ فاستوقفتني أحاديث نبوية شريفة ترسم حالنا من وراء سجف الغيب فقفوا معي عندها..
فعن ثوبان مولى رسول الله ﷺ عن رسول الله ﷺ أنه قال: “يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا”، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: “بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزِعَنَّ اللهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ”، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا الْوَهْنَ؟ قَالَ: “حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ”.
لقد تبينت شواهد هذا الحديث الشريف وتجلت بعد سقوط الخلافة الإسلامية أكثر من أي وقت مضى.
المشروع الصليبي
ليس جديداً معرفة هذا المشروع فله جذور تاريخية منذ قرون؛ فإن سلسلة الحملات العسكرية الأوروبية والتي كانت ذات طابع ديني، استمرت نحو قرنين من الزمان، فيما بين عامي 1096 و1291م، شملت 8 حملات رئيسية، تفاوتت في حجمها وقوتها ومقدار نجاحها، وكان مقصدها الأساسي بلاد المشرق الإسلامي.
انطلقت الحملات بدعوة من الكنيسة الكاثوليكية تحت شعار الصليب، بهدف تحرير الأراضي المقدسة من أيدي المسلمين واستعادة القدس، مع دوافع أخرى عديدة استعمارية واقتصادية غير معلنة، قصدت توسيع نفوذ الفرنجة عالمياً وإيقاف التمدد الإسلامي نحو أوروبا، وخدمة مصالح أطراف شتى تحت غطاء ديني.
وكان من أهم الأسباب -وإن تسترت بلحاف ديني- دوافع منها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وكان أبرزها ما يُسمى بتخليص القدس من أيدي المسلمين، وتهيئة جو آمن للحجاج المسيحيين في الأراضي المقدسة، وقد أعلنه (البابا أوربان الثاني) عندما ألقى في مدينة كليرمون عام 1095م خطاباً حماسياً مطولاً، حضره جمع غفير من رجال الدين والفرسان والنبلاء وعامة الناس، حرّض فيه على ما سماه “الحرب المقدسة” وحث على الزحف إلى المشرق الإسلامي لتحرير القدس، على خلفية ما ادعاه من “اضطهاد يتعرض له الحجاج المسيحيون في بيت المقدس”.
وكان الدافع السياسي الحقيقي هو توسيع النفوذ الأوروبي السياسي، وتأسيس إمارات في بلاد المشرق، ومحاولة استرداد أحلام الإمبراطورية الرومانية، وكان للكنيسة نفوذ على ملوك وأمراء أوروبا، الذين وافقت فكرة التوسع هوى عندهم، فرغبوا في تأسيس إمارات لهم في مناطق أخرى بعد أن ضاقت أوروبا بالصراعات الإقطاعية، كما تتصارع اليوم المليشيات المسلحة في بلدان النصارى؛ فوجدوا لها مسارات لتفريغ شحنتها وطاقتها في بلاد المسلمين عبر الدعاية إلى مكافحة الإرهاب، وامتلاك المسلمين أسلحة نووية، فهاجموا أفغانستان واستعمروها لعشرات السنين، وهاجموا العراق ودمّروا مكتسباته الحضارية وتطلعاته العلمية، وزرعوا دولة لقيطة في أحضان الأمة الإسلامية السنيّة، وجعلوا لها حراساً من بني جلدتنا.
المشروع الصهيوني
وهو مشروع وليد بين أشواق اليهود في تأسيس دولتهم، وتطلع الإنجليكانيين في تحقيق وعودهم الإنجيلية، ولا شك أن هذا المشروع ليس خاصاً باليهود وإن كان يحقّق حلمهم، ولا خاصاً بالنصارى وإن كان فيه مبتغاهم، ولكنه مشروع ممزوج بين رؤيتين، لا تتحق عندهم إلا في وجود وطن مقدس لليهود، وسُمي المشروع بذلك نسبةً إلى اسم التل الذي قامت عليه مدينة القدس، ولكنها أصبحت تُنسب إلى كل من ينادي بعودة اليهود إلى أرض فلسطين.
عودة عظام اليهود الجافة للحياة
ففي عام 1844، أصدر البروفيسور جورج بوش من جامعة هارفارد الأميركية كتاباً باسم (عودة عظام اليهود الجافة للحياة) دعا فيه إلى توطين اليهود في فلسطين. والبروفيسور بوش مسيحي بروتستانتي، وربما هو جد الرؤساء بوش الأب وبوش الابن، والعهدة على الراوي.
والمدهش في هذا الكتاب أنه قد احتوى على خريطة مفصلة لفلسطين بيّن فيها أماكن المستوطنات التي يجب أن تقطن فيها القبائل اليهودية المختلفة، رغم أنه لم يُظهر في كتابه أي اهتمام باليهود كشعب أو تعاطفاً مع معاناتهم، ولكن لأن السبب هو أن جورج بوش كان يتبع عقائد مسيحية بحتة انتشرت في إنجلترا وأمريكا منذ القرن السابع عشر، تقول بأنه وفقاً للنبوءات الإنجيلية فإن عودة المسيح رهينة بعودة اليهود إلى الأرض التي وعدهم الله بها، وإقامة دولتهم عليها ثم تحولهم للمسيحية. وهذا ما نعنيه بالصهيونية المسيحية في هذا المقال.
والعجيب أن معظم يهود العالم رفضوا فكرة إقامة دولة لهم لأنهم اعتبروا أنفسهم جزءاً من مجتمعاتهم التي يعيشون فيها، ما عدا طائفة متطرفة اختارت العودة إلى أرض الميعاد، ولذلك تجد أن معظم المتصهينين ليسوا يهوداً، وقد قام الغرب الصليبي ولم يقعد حتى أسس لليهود دولة على أرض الإسراء والمعراج المباركة، واعتمدت عصبة الأمم تقسيمها بين اليهود والمسلمين في عام 1947م.
أين أصحاب المشروع السُّني؟
إن أصحاب المشروع السني هم الجزء السابح في القصعة التي تتنازعها أيدي المتصارعين عليها، فدول البلاد الإسلامية بين مشرّق ومغرب، فحكامها ما بين عميل مخلص ينفذ أحد المشاريع المذكورة قلباً وقالباً، قد أعاد أمجاد الاستعمار في تقسيم المقسم وتجزيء المجزَّأ مع حرب على الإسلام ومن التزم به دعاةً ومحسنين، ومراكز وأفكار.
وأما الشعوب فغثاء كغثاء السيل لاهثةً وراء العيش بكل وسيلة متاحة، لا تدري من هو ربّانها ولا سائقها إلى الجحيم، وخيرة من يمكن أن نسميهم نخبها فبين علماني قلبه معلّق بالبيت الأبيض، وإسلامي مغفّل عن السنن الكونية، بعضهم في صراع مع طواحين الانتسابات العقدية، وبعضهم في سباق نحو الكرسي المتحزب الجماعي، وبعضهم في ولاء يؤلّه الحاكم ويجعل منه الإله المتألّه في التشريع فما زينه لهم فهو الحق، وما عاداه فهو الباطل، فيقاتل من أجله دون رجوع للإسلام ونصوصه، فإن اجتهد ورجع لها فلا يقبل مفسراً لها غير علمائه الذين عينتهم الآلهة ﴿مَا كَانَ لِیَأۡخُذَ أَخَاهُ فِی دِینِ ٱلۡمَلِكِ﴾ [يوسف: 76].
تلك هي بعض ملامح المعركة الدائرة على القصعة والتي تداعت عليها المشاريع العدائية من كل جانب، والله غالب على أمره.
ولا نزال نرنو بقلوبنا إلى موعود البشير الصادق كما الحديث: فقد روى الإمام أحمد بسنده عَنِ حُذَيْفَةُ، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:
“تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ”.
أي بعد تلك المراحل السياسية التي مرت على الأمة من البعد عن نهج النبوة، سيجعل الله زمناً مباركاً راشداً على منهاج النبوة، يعز الله تعالى هذه الأمة، ويختم لها بالخير والرحمة ويردها إلى النهج الصحيح: “ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ”. والذي يظهر أن المقصود بهذه الخلافة: زمان المهدي، ونزول عيسى عليه السلام.
قال عبد الحق الدهلوي رحمه الله تعالى: “قوله: “ثم تكون خلافة على منهاج النبوة” الظاهر أن المراد به زمن عيسى والمهدي”.
والله أعلم.