
الاحتلال يقر خطة الاحتلال لغزة بالكامل
أغسطس 8, 2025
معجزاته ﷺ في تكثير الماء
أغسطس 10, 2025كارلوس موانزا
من دولة موزمبيق
وُلدت في أحد أحياء العاصمة مابوتو، حيث تمتزجُ الحياة العصرية بأنفاس الاستعمار القديم. كنتُ الابن الأكبر لعائلةٍ تنتمي للمذهب الكاثوليكي، وكان والدي يعمل في هيئة الموانئ بينما والدتي تعمل معلمة في مدرسة ابتدائية. كبرنا على حضور القداس كل أحد، وترديد التراتيل في المناسبات، والجلوس في اجتماعات الكنيسة العائلية. لكن رغم كل هذا، كنت أشعر بشيءٍ ما أفتقده داخلي، فراغ لا أعرف مصدره، وتساؤلات لا أجد من يجيبني عنها!
كنت شغوفًا باللغات منذ الصغر، وأتقنت البرتغالية والإنجليزية وبعض الفرنسية، ما جعلني أعمل لاحقًا في وكالة سياحية لاستقبال الزوار الأجانب. كان عملي يقربني من عوالم متعددة، لكن قلبي كان مترددًا في كل شيء، أشعر أني أُجبر على ارتداء زيّ ديني لا يعبر عني، وأن قلبي يبحث عن شيء أعمق من مجرد طقوس مكررة لا معنى ولا تأثير لها!
في إحدى الجولات السياحية، تعرفتُ على سائح عربي يُدعى حمزة، كان مختلفًا عن بقية السياح. كان قليل الكلام، كثير التأمل، وحين كنا ننتظر في أحد المواقع الأثرية سألته: “أنت مسلم، أليس كذلك؟” ابتسم وقال: “نعم، وهل لديك فضول عن الإسلام؟”. أجبته بصراحة: “لا أعلم لماذا، لكن دائمًا أشعر أنكم، أنتم المسلمون، تعيشون بسلام داخلي لا نفهمه نحن!”. ضحك وقال: “ربما لأننا نعرف لماذا خُلقنا، وإلى أين نمضي..”.
مرت الأسابيع، وغادر “حمزة”، لكن كلماته بقيت تتردد في ذهني. بدأت أبحث على الإنترنت عن الإسلام، وذات ليلة وجدت منصة لمشروع “بصيرة ” الذي يدعو إلى الإسلام، ولفت انتباهي حلقات برنامج “رحلتي إلى الإسلام” الذي كان ينشر على منصات مشروع بصيرة؛ والذي كان يتناول قصص إسلام المهتدين الجدد ممن أسملوا معهم في المشروع. كل حلقة كانت تكشف لي شيئًا جديدًا يقربني من الإسلام خطوة.. خطوة.. وكم كنت بحاجة إلى هذا القرب.
ويساعد من يريد الدخول في الإسلام لتعلم تعاليم الإسلام، والجميل أنهم يقدموا ذلك من خلال محتوى دعوي بلغة برتغالية راقية، يناسب أمثالي. شدتني طريقتهم: لا ضغط، لا جدال، بل دعوة بالحكمة والموعظة الحسنة.
حدثت نقطة التحول حين تُوفي صديقي الأعز “أنطونيو” فجأة في حادث دراجة نارية. كنت برفقته قبل الحادث بساعات، كنا نضحك ونتحدث، وفجأة ذهب.. بلا وداع. عدتُ إلى المنزل تلك الليلة وأنا منهار. جلست وحدي في الغرفة، وأمسكت هاتفي، وكتبت في محرك البحث:
“ماذا يقول الإسلام عن الموت؟”، وبعد مرور عدة ساعات من المشاهدة والقراءة والبحث،قررت التواصل مع أحد الدعاة في مشروع بصيرة على (واتساب) بحثاً عن أجوبة شافية لتساؤلاتي. وبالفعل تواصل معي أحد الدعاة وحادثني باللغة البرتغالية، كان صبوراً، رحيماً، شرح لي ما لم أكن أفهمه منذ طفولتي: أن الموت ليس نهاية، بل انتقال إلى الحياة الحقيقة.. إلى الخلو، وأن العدالة المطلقة لا تكون في الدنيا بل في الآخرة.. بكيت وأنا أستمع إليه.
قلت له: “أنا لا أكره ديني، لكن لا أشعر أني أؤمن به بصدق.. وأخاف أن أبدله فأهلك”. فرد عليّ: “بل إنك تقترب من الله أكثر حين تبحث عنه بصدق”.
وقرأ لى سورة الإخلاص، ثم أخبرني أنها تلخص بكلمات معدودة، حقيقة الله عزّ وجل الذي خلق كل شيء.
﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾.
شعرت أن هذه الكلمات البسيطة أجابت عن أسئلة عمري كله. لم أكن أحتاج إلى آلهة متعددة، ولا إلى وسطاء بيني وبين خالقي. فقط خالقٌ واحد، يسمعني ويهديني ويرزقني ويغفر لي.
بعد حواري مع الداعية، شعرت أنني أمام خطاب واضح، لا جدال فيه، لا غموض ولا ضغوط من أي نوع.
حينها، اكتملت لدي القناعة، وقلت للداعية: “هل يمكنني أن أكون مسلمًا؟”. أجابني: “نعم، اليوم، الآن، فالله ينتظر صدق قلبك لا أكثر”..
وبالفعل نطقت بالشهادتين: “أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمد رسول الله، وأن عيسى عبد الله وابن أمته”.
كانت لحظة غامرة، شعرت فيها أنني خرجت من سجنٍ طويل. ثم بكيت.. بكيت بحرقة، كأن كل الآلام التي تراكمت في قلبي طوال سنوات، قد ذابت في لحظة واحدة.
لم أستطع إخبار عائلتي مباشرة، لكنني بدأت أغير في سلوكي: أقل عنفًا، أكثر هدوءًا، أحرص على أوقات الصلاة، حتى دون أن يعلموا أني أصلي. لاحظ والدي الأمر، وسألني ذات مرة: “هل كل هذا بسبب الإسلام؟” فأجبته بصراحة: “نعم.. وجدت في الإسلام نفسي التي كنت أبحث عنها”.
مرت شهور، وبدأت أتلقى دروسًا تعليمية منتظمة عبر مشروع بصيرة: دروس فقه، تفسير، سيرة، وكلها بلغتي البرتغالية. وشعرت أنني لا أتعلم دينًا غريبًا، بل أستعيد فطرتي التي كنت أجهلها.
ثم بدأت أشارك في توزيع كتب تعريفية بالإسلام على من أسافر معهم من السياح، وأشرح لهم بلطف من هو محمد ﷺ، وما هو القرآن، وأن الإسلام ليس كما تصوره (الميديا السوداء)، بل هو دين الرحمة والعدالة والتسامح.
اليوم، وبعد ما يقرب من عام على إسلامي، قررت أن أكتب قصتي هذه، علها تصل إلى قلب شخص مثلي، كان يبحث ولا يدري ما الذي ينقصه. وأقول لكل من يقرأ كلماتي:
“لا تخف من الحقيقة، ولا تفر من النور. الله أقرب إليك مما تظن… فقط اجتهد، ابحث، وستجد الطريق بإذن الله .”
وأسأل الله أن يثبتني، وأن يستعملني وأن يجعلني سببًا لهداية غيري، كما كان مشروع بصيرة سببًا لهدايتي.