
سيد قطب في ظلال القرآن (1)
أغسطس 14, 2025
أديان باطلة (1)عقائد الهند نموذجاً
أغسطس 14, 2025د. سليمان بن عمّار الأحمر الأنصاري
سنة الظالمين في ورثة النبيين القتل والتنكيل!
قلة أولئك الذين ملأت آثارهم دنيانا، وهم الخاصة التي تعرضت للظلم والقهر والتنكيل. ودون عناء يمكنك استحضار موتة أعلام الإسلام من السلف والخلف!
فقد قُتل من الخلفاء الراشدين المبشرين بالجنة عمر وعثمان وعلي -رضوان الله عليهم- وقُتل الحسين وبعدهم خلقٌ كثيرٌ من الصلحاء والعباد والزهاد والعلماء بأبشع وأفظع القتل! قُتل سعيد بن المسيب، وقَطع سيف الحجاج رأس سعيد بن جبير، وقُتل الشافعي ضرباً بالهراوات، ومات سفيان الثوري فاراً، ومات الطبري محاصراً، ومات البخاري مهجوراً، ومات النسائي مقتولاً، ومات ابن حزم مطارداً، ومات عياض مسموماً، ومات ابن تيمية مسجوناً!
وما تزال سُنة الظالمين السيئة في الصالحين ورثة الأنبياء ماضية، فقد استشهد حسن البنا وحملت جنازته نساء قلة من عائلته، وصلى عليه فقط والده ودُفن سراً ومنع أهله من إقامة العزاء.
وأُعدم سيّد قطب فجراً ودُفن سراً دون حضور أحد وما يزال قبره مجهولاً للحظة!
واستشهد مهدي عاكف، ومُنع أهله من إقامة جنازة له، ودُفن قبل الفجر بحضور أربعة أشخاص فقط!
وإلى قريب استشهد الرئيس محمد مرسي ودُفن فجراً بحضور عدد قليل من أسرته ومحاميه فقط “يخافون الإخوان أحياءً وأمواتاً”.
فلسطين في فكر سيّد قطب
تزامنت ذكرى استشهاد سيّد قطب الميلادية “29 أوت 1966م” مع الذكرى الهجرية لاسترداد بيت المقدس “صفر642هـ” على يد المجاهد الرمز نجم الدين أيوب، بجيش جرار مقداماً لا فراراً، استقر بعدها في غزة العزة..
اهتم سيّد قطب باكراً بقضية فلسطين وشارك في المؤتمر الإسلامي المنعقد في القدس سنة 1945 معية كبار أعلام العالم الإسلامي.
وتأتي ذكرى استشهاده، وذكرى تحرير بيت المقدس على يد الأيوبيين في وقت شديد على الأمة المسلمة، فمن ناحية العلماء فإن سُنة الطاغين في العلماء الربانيين فاعلة في مشارق الأرض ومغاربها بالقتل تارة والسجن والاعتقال تارات، كُممت أفواه العلماء ومُنعوا من الإفتاء، وصودرت مؤلفاتهم ومُنعت من معارض الكتاب، وفق سياسة فاسدة رفعوا لها شعاراً أسموه “تجفيف منابع الإرهاب” وفتحوا المجال واسعاً أمام العالمنيين ومنكري السنة والمتفحشين عن الفطرة “المثليين”، فتحوا لهم الشاشات والقنوات وسودوا بمدادهم الصفحات.
أما بيت المقدس المبارك فهو تحت تدنيس اليهود الغاصبين بالغلق والحفر تحت أساساته، والرقص والزحف وكل طقوسهم الشركية! وأهل غزة يبادون ليلاً ونهاراً، تهجير وترحيل، وقتل وتنكيل، لم توقفه -قرابة السنتين- المسيرات والاعتصامات والصيحات والنداءات، ولا بيانات الشجب والاستنكار من العرب والعجم والمسلمين وغيرهم، في صورة واضحة لم يسبق لها مثيل في التعدي على كل القوانين والأعراف الدولية، في السلم، ولم يلتزم فيها اليهود بقوانين الحرب، على مرأى مؤسسات الأمم المتحدة التي تُقذف هي الأخرى بالراجمات الأمريكية والـمُسيَرات الإسرائيلية! تكشف أن مصطلحات حقوق الإنسان والمجتمع الدولي والسلم الدولي، وحماية المدنيين، والمرضى والمسنين… إلخ، لا معنى لها وأنه من الزيف والنفاق تدريسها كتخصصات أو كمقاييس في الجامعات والكليات!
أخذت فلسطين من سيّد قطب اهتماماً بالغاً في خطبه وأقلامه ووقته -وإن كان لم يجاهد ببدنه- فقد كتب سيّد قطب مقالات كثيرة في الخمسينات من القرن الماضي، جُمعت -فيما بعد- في كتاب بعنوان “معركتنا مع اليهود” ومما جاء فيها: “أما الفدائيون الحقيقيون، الذين لا يعلنون عن أنفسهم ولا عن أسمائهم، ولا عن أماكن تجمعهم وتدربهم… يعملون بلا أمجاد ولا ألقاب ولا أوسمة…”1. تقرأ هذه الكلمات وتتمثلها في اللاحقين، المتأثرين بفكره، أحمد ياسين والرنتيسي وهنية والسنوار ومحمد الضيف… إلخ أسماء كثيرة في قائمة الشرف في تاريخ الأمة المقاومة المجاهدة.
نقرأ لسيّد في معركته مع اليهود تلك النصائح للمقاومين: “أما أنتم أيها الفدائيون فامضوا في طريقكم.. تقاتلون في سبيل الله فتَقتلون و تُقتلون.. امضوا في واجبكم المقدس.. امضوا في طريقكم تطلبون الموت فتوهب لكم الحياة..”2.
كتب سيّد: إن علامات النصر تلوح من وراء الشدائد (وختم) فعلى بركة النية، فليسِر الجميع في طريق المجد3.
صدق سيّد قطب -رحمه الله- حين كتب مقاله “معركتنا مع اليهود” الذي اتُخذ عنواناً لكتابه “ما تزال الأمة المسلمة تعاني من دسائس اليهود ومكرهم”. وقال: “إن المعركة بين الأمة المسلمة وبين أعدائها هي قبل كل شيء معركة هذه العقيدة، وبلغة العقيدة يخاطبنا، وبنصوص القرآن يذكرنا وليست العقيدة التي ادعاها أقوام يوالون اليهود ويعادون أهل الرباط والجهاد”!
وحذّر سيّد -وكأنه يعيش معركة طوفان الأقصى وإفرازاتها- وعانت أمتنا التلبيس من اليهود ﴿یَـٰۤأَهۡلَ ٱلۡكِتَـٰبِ لِمَ تَلۡبِسُونَ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَـٰطِلِ وَتَكۡتُمُونَ ٱلۡحَقَّ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ﴾ [آل عمران: ٧١]. وذكّر سيّد: أنهم -أي اليهود- دسّوا مع الأسف في التراث الإسلامي ما لا سبيل إلى كشفه إلا بجهود القرون! وذكّر: أن العشرات من الشخصيات المدسوسين على الأمة المسلمة في صورة أبطال مصنوعين على عين الصهاينة! وأنا أتساءل: كم عدد هؤلاء اليوم من الملوك والرؤساء والمسؤولين النافذين؟ وقد وقف سيّد طويلاً مع الشخصية اليهودية في القرآن الكريم وبيّن أن حقدهم يمتد من جبريل إلى رسول الله ﷺ ومنه إلى القرآن، وذكّر أنهم لم يفوا بوعدهم مع رسول الله ﷺ، وأنهم يؤلبون الكل في حربهم على الجماعة المسلمة4. حرب غزة خير مثال على ذلك!
إن مما استجلب سخط (الـمَداخِلة) على سيّد قطب -رحمه الله- تأصيله ودعوته للجهاد، وهم مثل الطائفة القاديانية، لا يرون الجهاد إلا الذي تدعو إليه أمريكا ضد خصومها، وعلى رأسهم روسيا، وباقي الجهاد يقدحون فيه بأكاذيب وشبهات كثيرة منها غياب الراية، ويطلبون خلوه من الأخطاء والمخالفات الشرعية.. وقرر في مقالة من كتابه (معركتنا مع اليهود) بعنوان إلى المتثاقلين عن الجهاد:
الجهاد فريضة على المسلمين، ولو كان عدد أعدائهم أضعاف عددهم ولا يشترط فيه تكافؤ القوى، وذكر إثم التخلف والتثاقل عن الجهاد وأنه نفاق، وفي الحديث: “من مات ولم يغزُ، ولم يحدّث نفسه به مات على شعبة من نفاق”5.
“الإسلام نظام حكم ونظام اجتماع، ونظام عالم… الكتيبة الإسلامية لا تتحقق إلا أن تصبغ كل عمل لها وكل هدف صِبغة السنة ﴿صِبۡغَةَ ٱللَّهِ وَمَنۡ أَحۡسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبۡغَةࣰۖ وَنَحۡنُ لَهُۥ عَـٰبِدُونَ﴾ [البقرة: 138].
إن معارك سيّد قطب -رحمه الله- سطرها قلمه، في معالم واضحة محددة الوسائل، معركة مقدسة، قداسة العقيدة الإسلامية، من معين الوحيين الصافيين، تستهدف إيقاظ النائمين الغافلين ناصرة للموحدين المقاومين.
شكلت حياة الشهيد سيّد قطب بثرائها الممتد عبر ستين عاماً إلا شهراً وأياماً، مدرسة راقية للمتعلمين والفاهمين مقاصد الإسلام وغاياته!
عاش سيّد قطب بداية شبابه كاتباً إعلامياً، يروي القرّاء من معين البلاغة الزلال الصافي، وكَتب كتباً لأهميتها علّق عليها المخالفون والموالون، كان واضحاً فيما كَتب إذ عين عدوه وحدد ساحات معاركه في كتابيه: “معركتنا مع اليهود” “معركة الإسلام والرأسمالية”، بل صرح سيّد -رحمه الله- فيهما أن أمريكا تريد إسلاماً أمريكياً!
إسلام أمريكاني
كتب الشهيد سيّد قطب في كتابه العظيم دراسات إسلامية مقالاً بعنوان: “الإسلام أمريكاني” جاء فيه: “والإسلام الذي يريده الأمريكان وحلفاؤهم في المنطقة الإسلامية، ليس هو الإسلام الذي يقاوم الاستعمار، وليس هو الإسلام الذي يقاوم الطغيان، ولكنه فقط الإسلام الذي يقاوم التوعية”.
من هنا تفهم لماذا أيد زعماء المدخلية الجهاد في أفغانستان ومنعوه وحرّموه في المنطقة نفسها “أفغانستان”! وواضح التدخل الأمريكي في الفتوى: الجهاد ضد روسيا مشروع، والجهاد ضد أمريكا ممنوع! بل هو خروج عن الحكام، وليس فيه راية و… و… و…
إنهم يريدون اسلاماً أمريكانياً، إنهم يريدون الإسلام الذي يُستفتى في نواقض الوضوء، ولكنه لا يُستفتى في أوضاع المسلمين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمالية، إنها لمهزلة بل إنها لمأساة!
أمرت أمريكا إحدى الدول التي يُفترض أنها إسلامية “وهي في حلف الرأسمالية”، أن تجند “هذه الدولة المسلمة” مخابراتها الدينية لتكثيف هجمتها على سيّد قطب، مستخدمة سلاح السنة والمنهج وفهم السلف في حربها الكبيرة ضد سيد قطب وفكره! وهو ما نفذته تلك الدولة، من خلال مشايخ لا عدو لهم إلا سيد قطب! وهذا ما يفسر سبب عداوة المداخلة وأشياخهم لسيّد -رحمه الله-، لأنه فضح -مُستشرفاً- جنديتهم مع الاحتلال الأمريكي، وأنهم أدوات تُستخدم أمريكيا في تدمير الأمة وتخديرها، ومن هنا أطلقوا العنان لألسنتهم والحبر لأقلامهم أن يستهدفوه بكل نقيصة حتى وصلوا إلى تكفيره!
خصوم سيّد جبهة متعاونة بين أمريكا واليهود والمداخلة
زعيمهم، وناطقهم الرسمي “ربيع بن هادي المدخلي” الذي اتهم بشدة ووضوح سيّد قطب بالتكفير تارة، والبدعية أخرى، والقول بخلق القرآن ثالثة، وسب الصحابة… إلخ.
مآخذهم على تفسيره في ظلال القرآن، جمعت هذه التهم، وقد رجعت لتفسيره في مكتبتي، وهو من طبع دار الشروق، وهي طبعة شرعية بعناية شقيقه محمد قطب رحمهما الله، ووجدت ملاحظاتي عليه بقلم الرصاص، متحققاً من جنايتهم عليه، علماً أننا لا نجعله معصوماً، ومجتهداً أصولياً فقيهاً وهو لم يدعي ذلك ولا أشار إليه، خاصة وأن سيد قطب رحمه الله لم يعد يعتمد تلك الكتب بشهادة المستشار العقيل سنة 1972، أي قبل ما أثير حول كتب الشيخ سيد، وفي الوقت الذي كان الإقبال على كتبه على أشده وبشهادة شقيقه محمد رحمهما الله.
اتهامه بالقول بخلق القرآن لقوله: “والشأن في هذا هو الشأن في خلق الله جميعاً” في المجلد الأول من تفسيره: في ظلال القرآن ص 38 “أولوه”. ولقوله: “لأنه من صنع الله لا من صنع إنسان” المجلد الخامس من تفسيره، ص2719 ولقوله في ص2328 “فالقرآن ظاهرة كونية كالأرض والسماوات”.
- اتهامه بالتكفير، لقوله: “إلا أن البشرية عادت إلى الجاهلية…” في ظلال القرآن، المجلد الثاني ص1057، ولقوله: “ذلك أن المسلمين اليوم لا يوجدون!” في المجلد الثالث ص1634، ولقوله في ص2009 “إن المجتمع الجاهلي الذي يعيش فيه..”، ولقوله في المجلد الرابع: ص2122 “إنه ليس على وجه الأرض اليوم دولة مسلمة ولا مجتمع مسلم”.
- اتهامه في عقيدته بعدم التمييز بين الألوهية والربوبية: لقوله في المجلد الرابع ص1846من تفسيره: “فقضية الألوهية لم تكن محل خلاف…”. وفي تفسيره لقوله تعالى: ﴿وهو الله لا إله إلا هو﴾ في المجلد الخامس: ص2707: فسرها بتوحيد الربوبية وهي الألوهية.
- اتهامه بوصف الله بما لا يثبت من صفاته، لقوله في المجلد السادس ص3936: “قد تكرم في عليائه فالتفت…”.
- اتهامه بمعتقد الجهمية والمعتزلة.
- اتهامه بالقول بوحدة الوجود، لقوله في المجلد السادس من تفسيره لسورة الإخلاص ص4002: “إنها أحادية الوجود”، ولقوله في ص4008: “أحاديث الآحاد لا يؤخذ بها في أمر العقيدة والمرجع هو القرآن”.
- اتهامه بتشبيه القرآن بالموسيقى لقوله في المجلد السادس: ص3811: “توقع سياق إيقاعات منوعة على أوتار القلب” “سياقه فيه إيقاع موسيقى راجف..”.
هذه كل المآخذ عليه -رحمه الله- في تفسيره العظيم، من ستة مجلدات، يمكن أن تجمع المآخذ في صفحة واحدة! مآخذ من العلماء وهي معتبرة، ومآخذ من المداخلة الذين لم يلتزموا الموضوعية والأمانة العلمية، وتعليقاً على مآخذهم نقول إجمالاً:
إن بعض المآخذ وجيهة وحقيقة بالتراجع والتصحيح، وأخرى ظنيات تحتاج من سيد رحمه الله من ضبط المصطلحات الشرعية الدقيقة، ومآخذ أخرى باطلة، اتهم بها باطلاً وتأويلاً من أصحابها وتحقيقاً لحظوظ النفس، قوّلوه فيها ما لم يقُل، والله المستعان!
تسوية سيد الرأسمالية والاشتراكية في عداوتهم للإسلام
صرح سيّد أن الغرب الرأسمالي والاشتراكي سواء، يناصبنا العداء كله كتلة واحدة. وفي فلسطين شاهد من هذا العداء.
سيّد ضد الأوضاع الاجتماعية الاقتصادية في (معركة الرأسمالية)6 وكتب في مقالة (الإسلام خلاص): “إذا اتضح أن الإسلام يملك أو يحل لنا مشكلاتنا الإسلامية ويمنحنا عدالة اجتماعية شاملة، ويريدنا عدلاً في الحكم وعدلاً في المال وعدلاً في الفرص وعدلاً في الجزاء”7.
وكتب: “والإسلام حجة لا تملك الرأسمالية المستغلة له دفعاً كما تجد للشيوعية..”.
يشير سيّد إلى إشكالية قائمة في زمانه إلى زماننا: “إنني أفهم جيداً أن ينصب المستغلون والطغاة للإسلام لينحوه عن هذه المعركة، إما باستغلال المحترفين لإصدار الفتاوى المكذوبة على الدين، وإما باضطهاد الدعاة الحقيقيين لعدالة الإسلام”.
كتب سيّد في معركته مع الرأسمالية كلاماً يعده الطغاة تهديداً صريحاً لإمبراطوراتهم: “إذا أريد للإسلام أن يعمل، فلابد للإسلام أن يحكم..”8. وهذه قطعت الطريق أمام الطغاة ومفتيهم وثاروا بسببها على سيّد “مسألة الحاكمية”.
سيّد يفند الشبهات المثارة حول حكم الإسلام
ذكر سيّد ما يقلق عبّاد الملوك، أن الحاكم يخضع في اختياره لإرادة الأمة دون إكراه وأنه مُلزم بالشورى، فكيف لا يعاديه وينتقضه من يرى أن الحاكم غير مخاطب بالأوامر والنواهي الشرعية، وله أن يزني ويلوط يومياً نصف ساعة على مرأى الأمة في التلفاز؟!
كيف لا تعادي سيّد مدرسة وظيفتها التخدير والتغرير للجماهير بهدف التكسب وهو على نقيضهم؟ ويختم سيّد بقوله: أيتها الجماهير ها هو ذا الإسلام حاضر يلبي كل راغب في العزة والاستعلاء والقيادة..
بلوغ المأمول وتحقق المرغوب!
قضى سيّد أنفاسه وأوقاته فيما آمن به، وحمل نفسه على العزيمة، فصنف وألف وخطب وبيّن -بكل إيمان ودقة ووضوح- أفكاره وعقيدة الولاء والبراء، فتعرض للسجن والتعذيب والتقييد، ولكن أعظم الأذى -للأسف-كان باسم الدين والمنهج والسنة والتوحيد والعقيدة، والمؤسف أنها أدوات ووسائل وأسلحة أمريكية الصنع إسلامية الاستخدام! شعارات خلاف الحقيقة، فالإسلام العظيم، ورسالته التوحيد، وسنة نبينا ﷺ، والدين براء من هذا الاستغلال الباطل، وصدق علي -رضي الله عنه- لما قال فيما ينسب إليه: كلمة حق أريد بها باطل!
خلافاً للذين حاربوا شرك القبور فقط، فإن سيّد رحمه الله حارب شرك القبور كما حارب شرك القصور، ولئن حاربوا الاشتراكية فقط، فقد حارب سيّد الرأسمالية والاشتراكية، وستبقى كتب سيّد وأفكاره تضيء درب الشباب، وستبقى أشعاره تتحدى الطغاة الظالمين في كل قطر ومصر.
أخي ستبيد جيوش الظلام *** ويشرق في الكون فجر جديد
فأطلق لروحك إشراقها *** ترى الفجر يرمقنا من بعيد
ولعل أكبر من تصدر محاربة سيّد قطب زعيم تيار المداخلة “تيار المعسكر الرأسمالي” الذي أغدقت عليه سلطات الممالك بالمال وجهزت له المطابع والنشر والإعلام والمجالس، فتداعوا فيها على قصعة سيّد قطب أكلاً ونهشًا في عرضه وعلمه وقدره، حتى جعلوه في مجالسهم وكتبهم، أبغض من اليهود والنصارى وعبّاد الشجر والبقر والحجر!!
والحقيقة أن سيّد قطب -لو أنصفوه- لعلموا أنه عملاق في فكره، قوي في عزيمته، لا يخضع ولا يركع إلاّ لله، ويكفيه شرفاً أنه -وإن مات-ما ماتت أفكاره وكتبه: “ستظل كلماتنا عرائس من الشمع لا روح فيها ولا حياة فيها، حتى إذا متنا في سبيلها دبت فيها الروح وكتبت لها الحياة”. “إن أفكارنا وكلماتنا تظل جثثاً هامدة، حتى إذا متنا في سبيلها وغذيناها بالدماء انتفضت حية وعاشت بين الأحياء”.
قبل موته صرح -خصمه- زعيم المداخلة أنه لا يحفظ القرآن، في حين نجد كل الذين ترجموا لسيّد قطب، يذكرون أنه حفظ القرآن الكريم قبل بلوغه العاشرة من عمره، ومعه عاش متدبراً ومفسراً، وغالب مؤلفات سيد تستقي من القرآن، ويكفيه تفسيره الذي لم يذهب فيه مذهب الفقهاء، بل استقراء روحه التي بها تحيا النفوس المؤمنة بربها وبكتابه.
إن سيّد مر فكريا بأربع مراحل:
1 مرحلة المثقف 1925-1939
2 مرحل الأديب 1939 -1947
3 مرحلة المفكر الإسلامي 1947 -1953
4 مرحلة المنظر الإسلامي 1953 –1966
لابد من قراءة كتب سيد، اعتباراً لهذه المراحل، وأن ما كتبه ربيع بن هادي المدخلي عن سيّد قطب، تأليباً وتشويها وتحريضاً، جريرة وجريمة وظلم من حي لميت، ولكن اليوم تساوى الميت مع الميت. وقد نصح كبار العلماء ربيع المدخلي بالعدول والرجوع عن ظلمه لسيّد قطب إلاّ أنه استمر وأصّل لهذا الظلم لجيل كامل من السفهاء ومتسربي المدارس للنيل من قامة سيد العالية، وقد نصح لربيع أعلام المدرسة السلفية وبينوا له ظلمه وتأويله المردود وافترائه عليه، وكأنه يريد أن يشق عن صدر سيّد ليُحصِّل ما يريد لإدانته. دافع عن سيّد قطب العلامة بكر أبو زيد وابن باز والعثيمين والمنصفين الذين لا حصر لعددهم..
وبمجرد صدور الحكم عليه بالإعدام، انتفض ابن باز وأرسل برقية إنكار شديدة، كما ذكره أستاذ الجامعة الإسلامية المدنية محمد المجدوب.
رحم الله سيّد قطب الذي عاش لله ومات من أجل “لا إله إلا الله”، نحسبه، فرفع الله مقامه، وطيب ذكره.