
الافتتاحية
أغسطس 2, 2025
فتوى في نزع سلاح المقاومة في غزة، وبيان مخاطر هذه الدعوة
أغسطس 3, 2025بسم الله الرحمن الرحيم
بقلم: أ.د. فضل بن عبد الله مراد
رئيس منصة الإفتاء اليمنية، أستاذ الفقه والقضايا المعاصرة، مؤسس مشروع فقه العصر فتوى وجوب إنشاء التحالف الإسلامي العسكري والاقتصادي والسياسي حماية للأمة ودينها ودولها وحكامها وشعوبها وثرواتها من عصابة الحرابة الدولية المفسدة في الأرض.
الحمد لله رب العالمين بما يليق به المحامد والثناء والمجد بكل حمد رضي أن يحمد به وأحب أن يحمد به وأمر أن يحمد به وبكل حمد حمده به الأنبياء والرسل والملائكة والصالحون أو ألهم من شاء من خلقه ذلك، القائل سبحانه: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]، والقائل: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60].
والصلاة والسلام على النبي الخاتم رسول الله إلى العالمين صلاة وتسليمًا بلا عد ولا حد. القائل: «يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة على قصعتها» قال: قلنا: يا رسول الله، أمن قلة بنا يومئذ؟ قال: «أنتم يومئذ كثير، ولكن تكونون غثاء كغثاء السيل تنتزع المهابة من قلوب عدوكم، ويجعل في قلوبكم الوهن» قال: قلنا: وما الوهن؟ قال: «حب الحياة، وكراهية الموت» حسن صحيح أخرجه أحمد [37/82 ط الرسالة].
أما بعد فلا يخفى على كل مسلم حال أهل الإسلام اليوم ودولهم وحكامهم من تفرق وتنازع أدى ذلك إلى هوانهم على دول الكفر وسقوطهم من أعين المفسدين في الأرض.
فاحتلوا دولهم وتحالفوا عليهم ومنعوهم من جمع كلمتهم فأطاعوهم، بينما يتحالفون عليهم في غزة بقضهم وقضيضهم بمختلف وألوان التنكيل والتجويع يسومنهم سوء العذاب.
وهذا ما حذر الله ورسوله منه في النصوص الآتية، ومن المعلوم أن من سننه تعالى التدافع في الأرض التي بها يدفع الهلاك عن الدين والمستضعفين في الأرض وتحمى الدولة والمقدرات والثروات، ولكل عصر وسائله لتحقيق هذه السنن وقد ذكر الله هذه السنة الجارية بعد آية الإذن بالجهاد.
فهذه السنة العظيمة بابها القوة والإعداد ورص الصفوف ووحدة القرار، وإلا فإن عصابات الحرابة الدولية والاستعلاء والاستكبار عادتهم البغي والعدوان بأهل الإسلام وغيرهم من الأمم المستضعفين في الأرض. لذلك فالواجب على دول الإسلام اليوم جمع كلمتهم لحماية أنفسهم وشعوبهم وبلدانهم وثرواتهم، قال تعالى: {كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ}، والإل هو العهد والذمة هي القرابة أو الجوار وتشمل أي معنى إنساني، وهذا ما رأته أمة الإسلام اليوم في فلسطين من عصابة الحرابة الدولية المشينة بأداتها الصهيونية ودولة أمريكا والتحالف الأوروبي لا يرقبون في أهل الإسلام حتى الطفل الرضيع عهدًا ولا اتفاقيات دولية ولا قوانين ولا ذمة ولا جوارًا ولا أي معنى إنساني أبدًا بل يتعاملون بنهج قطاع الطرق الموغلين في الإجرام.
وهم لا يقيمون لدول الإسلام ولا لحكامهم ولا لشعوبهم الآن وزنًا لعلمهم بتفرقهم وشتاتهم. لذلك فواجب على حكام المسلمين الآن المبادرة بلا تخيّر إلى حماية دولهم وشعوبهم وثرواتهم وسيادتهم، وهذا اليوم لا يكون إلا بإنشاء تحالف إسلامي عسكري سياسي اقتصادي، والذي لا تردعه إلا القوة. وهو والله واجب العصر على الحكام ودول المسلمين وفرض الوقت وضرورة ومطلب للأمة.
فكل فرض أمر الله به، وكل مقصد لا يتم إلا بوسيلته فهذه الوسيلة فرض مثله. وبيانًا لهذه النازلة المهمة وبراءة للذمة أمام الله حيث أخذ الميثاق على أهل العلم ونصحًا لأمتنا وولاة أمورنا، أبيّن في هذه الفتوى بالأدلة الواضحات المنيرات والدلالات الظاهرات الساطعات من كتاب وسنة وإجماع وقواعد ومقاصد، أن إقامة تحالف إسلامي عسكري وسياسي واقتصادي من التكليفات الشرعية الواجبة في هذا العصر على دول المسلمين وعلى رقاب حكامها:
أولاً: فرض الله شريعة الإسلام في كتابه وسنة رسوله فأحكم وأصل وبيّن وفصل بأنواع الخطاب الشرعي وأساليبه وجعل من الفروض ما هو عيني على كل أحد وما هو كفائي وما هو فردي وما هو جماعي على الأمة.
والولاية العامة من أعظم التكليفات الواجبة الشرعية على الأمة. لأنه لا تقوم للإسلام دولة ولا دين ولا تشريع ولا حماية إلا بها ولا تحفظ بلاد المسلمين وسيادتهم ودماؤهم وأعراضهم وثرواتهم وضروراتهم الكبرى الوجودية إلا بها. فكانت من أعظم الواجبات على الأمة وهذا أمر مقرر مقطوع به من أيام النبوة والهجرة للمدينة وإنشاء دولة الإسلام وإجماع الصحابة والخلفاء الراشدين وعلماء الإسلام ومذاهبه ومجتهديه وعمل الأمة المستمر.
قال ابن عابدين في «الحاشية» (1/548): «ونصبه أهم الواجبات، فلذا قدموه على دفن صاحب المعجزات».
وقال الغزالي في «الاقتصاد» (128): «وجوب نصب الإمام من ضروريات الشرع الذي لا سبيل إلى تركه».
وقال ابن عبد السلام في «قواعد الأحكام في مصالح الأنام» (2/68): «ولولا نصب الإمام الأعظم لفاتت المصالح الشاملة، وتحققت المفاسد العامة».
وقد نقل الإجماع على ذلك ربيون كثير من العلماء الجهابذة كالماوردي والنووي والقرطبي والهيتمي وغيرهم. ثانيًا: يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1].
وهذا تكليف عام فرض الله فيه الوفاء بالعقود لا يخص عقدًا دون عقد كما هو مقرر في الأصول ودلالات اللغة، قال ابن جرير في «تفسير الطبري» (9/454):
«أمرٌ منه بالوفاء بكل عقد أذن فيه». والعقد هنا هو عقد الولاية العامة، منحته الأمة لحكامها لحمايتها دولة وفردًا وأمة وأرضًا ودينًا وثروة، فهذا الواجبات يقوم بها الحاكم نيابة عن الأمة التي وكلته وولته وسلمته الأمانة وعقدت له العقد.
ومن أعظم موجبات هذا العقد الاستخلافي تحقيق المصالح الكبرى وأهمها في هذا العصر، قيام تحالف إسلامي عسكري وسياسي واقتصادي، وليس للحاكم هنا إلا الوفاء بهذا العقد واتباع الأمة وفعل ما تطلبه من المصالح الكبرى وهذا فرض عليه ومن واجباته ومقتضيات ولايته.
لأن حقيقة ولايته استحقاق تصرف عام على الأمة بمقتضى عقد له من أهله، وعليه فعمله الذي فوض إليه استحقاق التصرف العام في المصالح العامة نيابة عن الأمة. فمن قصر في إقامة ما ولته الأمة له من الواجبات الكبرى ومنها التعاون مع حكام المسلمين ودولهم في وحدة الصف والأمة وبناء التحالف الإسلامي الجامع لهم، فهو آثم مسؤول عن ذلك ومحاسب عليه وعليه أوزار وتبعات وآثام ما يترتب عن المفاسد والمظالم والدماء التي تسفك والحرمات التي تنتهك والثروات التي تسلب.
ثالثًا: من أكبر واجبات الحاكم حماية الأمة ومقدراتها والدفاع عن أراضيها ودولها وسيادتها ودينها وأفرادها وحفظ دمائهم وأعراضهم وأموالهم وهذا من قواطع الشرع التي يعلمها القاصي والداني والعالم والجاهل ودلت عليه دلالات الشرع ومعاني النصوص بما يبلغ حد القطع. لذلك نص العلماء كالإمام الرافعي وغيره أن «المقصود من نصب الإمام أن تتحد الكلمة، وتندفع الفتن» («الشرح الكبير للرافعي»، 11/75).
ولا شك أن لكل عصر وزمن وسائله التي بها تقوم هذه الفرائض الواجبة على الحكام ومن أجلى صورها في عصرنا إنشاء تحالف إسلامي عسكري واقتصادي وسياسي للقيام بذلك، وهذا فرض شرعي على الحكام من جهات كثيرة دل على ذلك كتاب الله والسنة والإجماع وأنظار العقل والشرع.
وخلاف ذلك عصيان لله ورسوله وخيانة للأمة في واجب الولاية وضعف في القيام بفروض الولاية وتمكين لأعداء الأمة من رقابها وأموالها.
رابعًا: جميع الخطابات في الكتاب والسنة الآمرة بالجهاد والإعداد وجمع الكلمة وقتال العدو متجهة اتجاهًا أساسيًا أوليًا إلى الحكام والولاة؛ لأنهم قائمون بالشأن العام والمصالح العامة فهو فرض كفائي على الأمة وفرض عين في رقبة كل حاكم دولة اليوم وقبل اليوم وإلى يوم القيامة.
قال إمام الحرمين في «غياث الأمم في التياث الظلم» (210): «فيصير أمر الجهاد في حقه بمثابة فرائض الأعيان، والسبب فيه أنه تطوق أمور المسلمين، وصار مع اتحاد شخصه كأنه المسلمون بأجمعهم، فمن حيث انتاط جر الجنود وعقد الألوية والبنود بالإمام، وهو نائب عن كافة أهل الإسلام، صار قيامه بها على أقصى الإمكان به كصلاته المفروضة التي يقيمها».
وقال التسولي في «أجوبتة عن مسائل الأمير عبد القادر في الجهاد» (249): «فالخطاب: في هذه الآيات المتقدمة، وما أشبهها- من قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} – {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ} – {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} – {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ} – {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} – إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة- إنما هو في ذلك كله: إلى الأئمة، إذ بيدهم الحل والعقد، فيجب عليهم: أن يجبروا الرعية، وعلى الرعية: أن يمتثلوا- كما تقدم ذلك».
وعلى ضوء ذلك فإنشاء التحالف الإسلامي فرض عين على الحكام وفرض تكليفي في عنق كل حاكم لتوجه التكليف الشرعي إليهم لأنهم القائمون بمصالح الأمة وتكاليفها العامة.
خامسًا: ومما يدل على وجوب إنشاء التحالف الإسلامي العسكري الاقتصادي السياسي مع ما سبق الكثير من الأدلة كتابًا وسنة وإجماعًا وقواعد ومقاصد، من ذلك ما يلي: 1- قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60].
وهذا عام للأمة وعموم دولها وحكامها ومن ادعى أنه خاص بدولة دون أخرى أو زمن غير زمن فقد كذب على الشرع. ولا يتم في عصرنا إلا بهذا الحلف وقد جاء في السنة تفسير أهم هذه القوة وهو القوات المسلحة بأسلحة الردع الاستراتيجية فقد خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم على منبره وصدع بهذه الكلمات والتحذيرات للأمة ومستقبلها وما يجب عليها كما في «صحيح مسلم» (6/52) عن عقبة بن عامر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي.
ثم نبه أن دولة الإسلام ستتوسع ولا حماية لها إلا بالتدريب المستمر على الرمي فقال في نفس الحديث: «ستفتح عليكم أرضون ويكفيكم الله، فلا يعجز أحدكم أن يلهو بأسهمه» واللهو بالأسهم معناه الرمي تدريبًا وهذا يشمل في عصرنا المناورات والتدريب العسكري الدائم. وحذر أعظم تحذير من نسيان الرمي وإهماله في نفس الخطبة في «صحيح مسلم» (6/52): «من علم الرمي ثم تركه فليس منا، أو قد عصى».
وثبت في الأحاديث أن الرمية الواحدة إلى العدو توجب الجنة وترفع الدرجة وتعدل عتق رقبة تعتقك الرامي من النار. كل هذا ثابت في السنن الحسنة الصحيحة.
والأمة اليوم تركت سلاح الجو والصواريخ الاستراتيجية لغيرها بعد أن كانت القوة العالمية الضاربة فقد وقعت في الإثم والمعصية التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم، لذلك فصناعة الصواريخ الاستراتيجية والقاذفات وكل أنواع الدفاع المعاصرة والهجوم فرض عين على الحكام، والتحالف الإسلامي أعظم وسيلة لهذا فوجب.
ومن هذه القوة الواجبة في هذا التحالف الإسلامي العسكري إنشاء الأسطول البحري الذي يحمي بلاد المسلمين وقد بين الشرع أن غزوة البحر أعظم من البر بعشرة أضعاف. وقد بشر بهذه القوات النبي صلى الله عليه وسلم وجعل جنود البحرية الملوك على الأسرة ففي «صحيح البخاري» (4/48): «أناس من أمتي عرضوا علي يركبون هذا البحر الأخضر كالملوك على الأسرة».
وثبت في السنة أن أجر المائد في البحر كأجر الشهيد في القوات البرية والمائد الذي يصيبه دوار البحر. ففي «سنن أبي داود» (4/149): قال عليه الصلاة والسلام: «المائدُ في البحر الذي يصيبُه القيء له أجرُ شهيدٍ، والغَرِقُ له أجرُ شهيدَين». وما دل عليه عصرنا أن القوات البحرية من غواصات وبارجات وحاملات طائرات هي قوة ردع استراتيجي وهذه القوة لا شك أنها داخلة في عموم الفرض الشرعي في إعداد القوة، والتحالف الإسلامي كفيل بهذا الواجب.
فالقوة عبادة نتعبد الله بها وبوسائلها وقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مات ولم يغز، ولم يحدث به نفسه؛ مات على شعبة من النفاق».
2- وقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]. وهذا عام لكل حاكم ودولة ومسلم ويدخل في هذا التكليف الشرعي إنشاء هذا التحالف الإسلامي العسكري والسياسي والاقتصادي وما لا يتم التكليف الشرعي إلا به فهو مثله في الحكم.
وفي «صحيح مسلم» (3/1340) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يرضى لكم ويكره لكم ثلاثًا. فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا. وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا. ويكره لكم قيل وقال. وكثرة السؤال. وإضاعة المال». ومعلوم أن المسلم قوي بإخوانه وأن قيام هذا التحالف مقصود تكليفي شرعي قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}. فكما أيده بنصره تعالى أيده كذلك بالمؤمنين فجعل تأييد المؤمنين تأييدًا من عند الله ونصره فدل أن دول الإسلام وحكامهم وشعوبهم مكلفون أن يكونوا كذلك.
3- وقوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46]. وذهاب الريح معناه ذهاب الدولة والقوة والنصر والتمكين والوزن والمكانة والفشل كل ما يحمله من هزيمة وانكسار وذل وتبعية وارتهان، وعلى هذا عامة كلام المفسرين («تفسير الطبري» 11/214). وهذه الآية موجهة بالدرجة الأولى إلى أولي الأمر وحكام الدول لأن الناس لهم تبع فهذا التكليف موجه توجيهًا أوليًا وأساسيًا لهم ومن أعظم صور التنازع والفشل هو فرقة القرار السياسي والشتات الاقتصادي والتفرق العسكري وهذا من المحرمات الشرعية ولا يشك عاقل فضلاً عن عالم يخشى الله أن من الواجبات الشرعية معالجة ذلك بإقامة هذا التحالف الذي يحميكم ويجمع كلمتهم، ويردع من تسول له نفسه من أعدائها. لأن هذه مفاسد كبرى عامة وإزالتها واجب على الحكام ولا تزول إلا بهذا التحالف بلا شك وقد جربت دول الإسلام مئة عام غير ذلك فما أفلحت ولا أنجحت.
4- وقوله تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} [التوبة: 36]. وهم اليوم يقاتلونا كافة في أحلاف متحدة واتفاقيات دفاعية ملزمة. ولا يمكن أن نقاتلهم كافة كما يقاتلونا كافة إلا بحلف عسكري إسلامي موحد فأحلافهم المتحدة كالناتو وقوات الاتحاد الأوربي قد تعاونوا على دولنا دولة دولة كما جرى في هذا القرن ويجري اليوم في فلسطين تجويعًا وقتلاً من الصهيونية التي تمدها أمريكا والحلف الأوروبي الرسمي بقضهم وقضيضهم. وعليه فكما يقاتلونا كافة فرض الله أن نقاتلهم كافة وهذا يوجب الحلف الإسلامي العسكري فلا يمكن لدولة عربية منفردة أن تقاتلهم وهم جماعة متحالفة. قال المفسرون: «أما {كَافَّةً} فجميعٌ وأمرُكم مُجْتَمِعُ …. {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}. فإن معناه: واعْلَموا أيُّها المؤمنون بالله أنكم إن قاتلتم المشركين كافَّةً، واتَّقَيْتُم الله، فأَطَعْتُموه فيما أمركم ونَهاكم، ولم تُخالفوا أمره فتَعْصُوه، كان الله معكم على عدوِّكم وعدوِّه من المشركين، ومَن كان الله معه لم يَغْلِبْه شيءٌ؛ لأن الله مع مَن اتَّقاه، فَخافَه وأطاعَه فيما كَلَّفَه مِن أمره ونهيه» («تفسير الطبري» 11/448).
5- ودول الإسلام كلها يشملها قوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} ويشملها قوله صلى الله عليه وسلم كما في «صحيح البخاري» (4/267): «المؤمنون تتكافؤ دماؤهم وقال صلى الله عليه وسلم: وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل». وهذه أدلة عامة على فرض حماية أهل الإسلام على جميع الدول وكما في «مسند أحمد» (2/285): «المؤمنون تكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواهم، يسعى بذمتهم أدناهم». فهذه النصوص تدل على أن مسؤولية حماية المسلم على عموم الدول لا على دولته فقط، وتدل أنه يجب القيام بما يحقق ذلك، وتحقيق ذلك اليوم على تمامه بالحلف الإسلامي.
6- الأوامر بالجهاد بالأموال والأنفس في نصوص كثيرة في القرآن والسنة. فالجهاد بالمال منه إنشاء حلف اقتصادي. والجهاد بالأنفس منه إنشاء حلف عسكري.
7- يحرم طاعة الكافرين والمنافقين. قال تعالى: {وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} [الأحزاب: 48]. ولا شك أنهم حريصون على عدم قيام أي تحالف لأهل الإسلام لأنهم سيكونون الأقوى في العالم. وهم يودون استئصال المسلمين ودولهم وأخذ ثرواتهم لذلك أمرهم الله بأخذ الحذر والتسلح حتى في الصلاة وشرع لصلاة الخوف كيفيات عديدة مناسبة للحرب يقول تعالى: {وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً} [النساء: 101-102]. وعليه فيحرم طاعتهم في كل ما أدى إلى ضعف المسلمين ودولهم. وكل قانون دولي مخالف لقواطع الشرع فيحرم العمل به، ومن طاعتهم لزوم القوانين الدولية في ترك بلاد المسلمين تحتل ودولهم يعتدى عليها وثرواتهم وسيادتهم تنتهك تحت أي اسم أو قانون كله مخالف لما أمر الله به ورسوله، وطاعتهم في عدم امتلاك القوة العسكرية الاستراتيجية أو قيام تحالف إسلامي موحد فهذا محرم.
ومعلوم أن ولي الأمر الأعظم لا يطاع في معصية الله فكيف يطاع القانون الدولي في معصية الله ورسوله وهو قانون علم بأنه كذب لا يطبق إلا على أهل الإسلام والمستضعفين والدليل الصهيونية والدول الاستعمارية لا تلتزم بذلك مطلقًا. والقانون الدولي تكييفه في الشرع لا يعدو كونه معاهدة ومن أهم أحكام المعاهدات أن نقضها والتمييز في استعمالها من دول الكفر يبطلها، وقد رأى العالم كله تناقض الدول الكبرى والأمم المتحدة في الالتزام بالقانون الدولي وعليه فهو منقوض من أساسه إن تعارض من طاعة الله ورسوله وحماية بلاد المسلمين وأموالهم ودولهم ودماءهم. ولا يلتفت لقول من لا أهلية له في الفتوى إما لعدم بلوغ رتبة ذلك أو ببلوغ ذلك لكنه متابع لهوى سلطة أو حاكم. فهذا لا عبرة بقوله ولا بمعارضته والله تعالى أخذ الميثاق على أهل العلم ولعن من كتم وبدل وغير. ومن النوع الأول ناقص الأهلية في الفتوى من زعم أن قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} مخصص للنصرة لغير من بيننا وبينه عهد فقد ضرب النصوص البينات ببعضها وجعل المنسوخ ناسخًا لعموم الشريعة في هذا الباب. وقد نص العلماء على نسخ هذه الآيات لأنها صريحة في خصوص أحكام الهجرة إلى المدينة وكان من امتنع لا ولاية له أي لا ميراث لأن التوارث كان بين المهاجرين لا بالنسب ثم نسخت في الآيات آخر السورة وهذه كتب التفسير على وجه البسيطة. فهذا باطل لا يقوله عالم بالفقه والشرع وكيفية الاستنباط.
8- فرض الله رد العدوان بمثله في كثير من النصوص المحكمات البينات الصرائح كقوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} [الشورى]. ويقول سبحانه: {مَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194]. فهذه النصوص تكلف حكام المسلمين ودولهم وجوب رد العدوان على دول الكفر. وهذه النصوص من صرائح الشريعة وواضحاتها وبيناتها ولا يتخاذل عن ذلك إلا لضعف أو جبن أو خيانة، أو عصيان، أما الضعف فواقع فيه دول الإسلام فرفعه واجب بتحالف إسلامي وكذلك الجبن لأن سببه الضعف والفرد ولو كان خوارًا جبانًا يقوى بإخوانه وتشجع بهم، أما من كان خائنًا فهذا يحاكم المسلمون في القضاء العادل.
9- قوله تعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} [آل عمران: 28]. فحرم الله على أهل الإسلام ودولهم وحكامهم بلا ريب اتخاذ الكافرين دولاً وأنظمة وأحلافًا أولياء من دون المؤمنين. ويدخل في هذه الآية التخاذل في إقامة التحالف الإسلامي بين المسلمين مع الحرص على عقد اتفاقيات مع أحلاف الكفر الدولية لحمايتهم وهذا صميم ما نهت عنه الآية وحذر منه النص وليس من الاستثناء في الآية لأن الاستثناء إنما يكون بعد تمام الموالاة للمؤمنين بين دولهم وشعوبهم، ومن ثم لا مانع من هذا الاستثناء لأن الحال حال قوة حينها.
10- أما دلالة الإجماع فقد أجمع علماء الأمة من عموم المذاهب:
أ- على وجوب وحدة الكلمة وهذا من قواطع الشرع، وفي عصرنا صدر قرار المجمع الفقهي الذي يضم بشأن الوحدة الإسلامية مجلة المجمع (العدد الحادي عشر 98 فيه عموم فقهاء دول المسلمين القرار رقم 5، ص 3ج) ومما جاء فيه ما نصه: «وإن العمل على توحيد الأمة الإسلامية فكريًا وتشريعيًا وسياسيًا، وشدها إلى عقيدة التوحيد الخالص، من أهم أهداف هذا المجمع الدولي، قرر ما يلي: إن الوحدة الإسلامية واجب أمر الله تعالى به وجعله وصفًا لازمًا لهذه الأمة» انتهى المراد. وفيه وجوب الاتحاد السياسي وتوصية بإقامة محكمة العدل الإسلامية والسوق الاقتصادي الموحد، وهكذا فتاوى مؤتمرات علماء الإسلام وعلماء الأزهر من مختلف المذاهب راجع كتاب فتاوى الأزهر وجوب الجهاد وتحريم التعامل مع الكيان الصهيوني من عام 48 إلى عام 1998 م [وهو متوفر على الشبكة] وهذا كثير لا يكاد يحصى. والحلف الإسلامي معبر عن هذه القرارات والفتاوى والإجماعات وأجلى صورها وأعلاها اليوم وأعجلها وأيسرها فعلاً ولا يخالف في هذا عالم من أهل الفتوى يخاف الله في أطناب الأرض مشرقًا ومغربًا كما أن الاتحادات الدولية أمر شائع كالحلف الصليبي في الناتو والاتحاد الأوربي، وما حقق التكليف الشرعي بأجلى وأعلى صوره هو المطلوب.
ب- كما أجمع علماء الأمة في عموم المذاهب والمدارس الفقهية على أن من جهاد العيني أن يحتل الكفار بلدة للمسلمين وأنه حينئذ فرض عين عليهم ثم من يليهم وهكذا إلى آخرهم. وهذا منصوص عليه في عموم المذاهب ففي فقه الحنفية في «فتح القدير للكمال بن الهمام» (5/439): «فإن كان (بأن هجموا على بلدة من بلاد المسلمين) فيصير من فروض الأعيان سواء كان المستنفر عدلاً أو فاسقًا فيجب على جميع أهل تلك البلدة النفر، وكذا من يقرب منهم إن لم يكن بأهلها كفاية وكذا من يقرب ممن يقرب إن لم يكن بمن يقرب كفاية أو تكاسلوا أو عصوا، وهكذا إلى أن يجب على جميع أهل الإسلام شرقًا وغربًا».
وفي الفقه المالكي في «أجوبة التسولي عن مسائل الأمير عبد القادر في الجهاد» (265): «قال اللخمي: هو فرض على كل إمام كانت رعيته تجاور العدو أي: في كل عام مرة». وقال “أبو عمر” في “كافيه”، و”القرطبي” في “تفسيره” وغيرهما: «فرض على الإمام: إغزاء طائفة إلى العدو كل سنة مرة، يخرج معهم بنفسه، أو يولي عليهم من يثق به …. إلخ ما مر في الفصل قبله». وذكر “الدمياطي” في “كتاب الجهاد”، “وابن النحاس”، وغيرهما: «أن ترك الجهاد في جميع السنين، والإعراض عنه، والسكون إلى الدنيا خروج من الدين». وهذا ما قرره القرطبي في «الجامع لأحكام القرآن» (8/152). وهذا مقرر كذلك في فقه الشافعية بل قال النووي في «روضة الطالبين وعمدة المفتين» (10/208): «فإن امتنع الجميع منه، أثموا. … وإن قام من فيه كفاية، سقط عن الباقين. وتحصل الكفاية بشيئين.
أحدهما: أن يشحن الإمام الثغور بجماعة يكافئون من بإزائهم من الكفار، وينبغي أن يحتاط بإحكام الحصون وحفر الخنادق ونحوهما، ويرتب في كل ناحية أميرًا كافيًا يقلده الجهاد وأمور المسلمين.
الثاني: أن يدخل الإمام دار الكفر غازيًا بنفسه، أو بجيش يؤمر عليهم من يصلح لذلك، وأقله مرة واحدة في كل سنة، فإن زاد فهو أفضل، ويستحب أن يبدأ بقتال من يلي دار الإسلام من الكفار، فإن كان الخوف من الأبعدين أكثر، بدأ بهم، ولا يجوز إخلاء سنة عن جهاد». وقال الحنابلة كما في «الفتاوى الكبرى لابن تيمية» (5/539): «وإذا دخل العدو بلاد الإسلام فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب إذ بلاد الإسلام كلها بمنزلة البلدة الواحدة، وأنه يجب النفير إليه بلا إذن والد ولا غريم». وغير ذلك من النصوص التي إن جمعت لكانت في مصنف مستقل. ومعلوم أن القيام بهذا الفرض العيني اليوم يكون بإقامة هذا التحالف الإسلامي الدفاعي العسكري. ومن قواعد الشرع أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب وهذا أصل شرعي إجماعي شرعًا وعقلًا ولغة وعرفًا كما هو مسطور في الأصول والفقه («البحر المحيط» 1/179 التحقيقات على شرح الجلال للورقات ص111).
فإنشاء التحالف الإسلامي عسكريًا واقتصاديًا وسياسيًا فرض على الدول والحكام لأنه وسيلة لإقامة الفرض المتعين عليهم.
11- جاءت الشريعة لجلب المصالح ودفع المفاسد ولا شك أن من أكبرها ما تعلق بالأمة عمومًا لأن الفرض الشرعي يعظم بما تعلق به من العموم والشمول والدوام والقوة. ولا شك شرعًا وسياسة أن إنشاء التحالف الإسلامي من كبريات هذه المصالح المكلف بها الحاكم للأمة.
12- تصرفات الأئمة منوطة بالمصلحة. ومن الأصول الشرعية المقررة والمحررة والتي انعقد عليها الإجماع وصارت قاعدة وأصلًا شرعيًا هو: تصرفات الأئمة منوطة بالمصلحة وهي من القواعد الإجماعية المتفق عليها («القواعد الأم» و«القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة» 1/493). وليس من المصلحة لا في صدر ولا ورد تفرق المسلمين وجيوشهم ودولهم وشعوبهم، لذلك فمن التصرفات المصلحية الملزم بها حكام دول الإسلام وفقًا لهذا الأصل الشرعي القيام بهذا التحالف الجامع الذي يعيد لهم مكانتهم وقيادتهم ويحميهم وأمتهم. قال البيهقي في «المنهاج في شعب الإيمان» (3/187): «فإن الحاكم ليس رجلًا خص من بين الناس، فقيل له احكم بما شئت، فإن هذا لم يكن لملك مقرب ولا نبي مرسل». وقال في «حاشية ابن عابدين = رد المحتار ط الحلبي» (1/548): «الرياسة عند التحقيق ليست إلا استحقاق التصرف، إذ معنى نصب أهل الحل والعقد للإمام ليس إلا إثبات هذا».
13- هذه الثروات التي جعلها للأمة من شرقها إلى غربها تملكها الأمة والدولة والحاكم نائبه عنها فلا يملك من مال الأمة إلا ما أعطته مقابل الولاية والتفرغ لها والقيام بأعبائها، فلا يتصرف في المال العام إلا بسياسة مصلحية واضحة راجحة فثروات الأمة كلها ملك للأمة. ويحرم أن يغل أو يخون في أقل من المخيط، أخرج مسلم في صحيحه عن عدي بن عميرة الكندي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطًا فما فوقه كان غلولًا يأتي به يوم القيامة» («المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم» 4/33). ومن أعظم مصالح الأمة أن تجتمع حكامها على هذا الحلف الاقتصادي الذي يستغل ثروات الأمة في قوتها والدفاع عنها. وأن تسخره لبناء قوة عسكرية حامية له وللأوطان والإنسان، وحامية لاستقلال السياسية والقرار.
14- مقدرات الأمة وجيشها ملك لها لحمايتها والذب عن مصالحها وحماية دولها وأراضيها فمهمة القوات المسلحة حماية الدين وحماية المسلمين وأراضيهم ودولهم جميعًا خصوصًا وعمومًا داخليًا وخارجيًا، ويمولون من مال الأمة العام. وهذا مما لا خلاف فيه، فإن اعتدي على دولة مسلمة فكل جيوش المسلمين في الأرض عليها الدفاع عنها إن عجزت تلك الدولة لأن الجهاد حينها فرض عين على الحكام والجيوش والحياد هنا معصية، فوجب على الجيوش الإسلامية كافة نصرة تلك الدولة ودفع الاحتلال عنها قيامًا بفرض العين ودفعًا للإفساد في الأرض وهذا لا يتأتى إلا بحلف عسكري موحد لدول الإسلام. والله تعالى يقول: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ}. وقد تقدمت النقول من المذاهب كافة. وفي حكم الجهاد في «شرح السير الكبير» (189): «حتى لو اجتمعوا على تركه اشتركوا في المأثم. وإذا حصل المقصود بالبعض سقط عن الباقين. وفي مثل هذا يجب على الإمام النظر للمسلمين، لأنه منصوب لذلك نائب عن جماعتهم. فعليه أن لا يعطل الثغور، ولا يدع الدعاء إلى الدين وحث المسلمين على الجهاد». وقال القرطبي في «الجامع لأحكام القرآن» (8/152): «إذا تعين الجهاد بغلبة العدو على قطر من الأقطار، أو بِلوله بالعقر، فإذا كان ذلك وجب على جميع أهل تلك الدار أن ينفروا ويخرجوا إليه خفافًا وثقالًا، شبابًا وشيوخًا، كل على قدر طاقته، من كان له أب بغير إذنه ومن لا أب له، ولا يتخلف أحد يقدر على الخروج، من مقاتل أو مكثر. فإن عجز أهل تلك البلدة عن القيام بعدوهم كان على من قاربهم وجاورهم أن يخرجوا على حسب ما لزم أهل تلك البلدة، حتى يعلموا أن فيهم طاقة على القيام بهم ومدافعتهم. وكذلك كل من علم بضعفهم عن عدوهم وعلم أنه يدركهم ويمكنه غياثهم لزمه أيضًا الخروج إليهم، فالمسلمون كلهم يد على من سواهم، حتى إذا قام بدفع العدو أهل الناحية التي نزل العدو عليها واحتل بها سقط الفرض عن الآخرين. ولو قارب العدو دار الإسلام ولم يدخلوها لزمهم أيضًا الخروج إليه، حتى يظهر دين الله وتحمى البيضة وتحفظ الحوزة ويخزى العدو. ولا خلاف في هذا. وقسم ثان من واجب الجهاد- فرض أيضًا على الإمام إغزاء طائفة إلى العدو كل سنة مرة يخرج معهم بنفسه أو يخرج من يثق به ليدعوهم إلى الإسلام ويرغبهم ويكف أذاهم ويظهر دين الله عليهم» انتهى. والحمد لله رب العالمين وبالله التوفيق:
حررها: أ.د. فضل بن عبد الله مراد
بتاريخ 4/2/1447 هـ الموافق 29/7/2025