
نزع الولاية عن اليهود ونقلها لأمة الشهادة
يونيو 12, 2025
في اليـوم الـ 600 للحرب!
يونيو 13, 2025بقلم: عماد إبراهيم – مدير مشروع بصيرة الدعوي
تُخـذَلُ المـظـالِمُ والـدَّمْـعُ سـاكِبُهــا فـي صـدركَ الـيـومَ، لا يَـخْـفى لَها أثَـرُ
تـرى أخـاكَ بـكـفِّ الـقَـهـرِ مُنْـطَـرِحـاً فـتُـولّـي الـظـهـرَ، لا تَـأسـى ولا تَـذَرُ
فـاصْـبِـرْ لـذُلٍّ سَـتَـشْـربُ مِـن جَـرائِـرِه إنْ خَـذلْـتَ مَـظْلُومَـاً، فَـالدَّهْـرُ يَـنْتَصِـرُ
فـلا تـظُـنَّ الـسكوتَ اليومَ مُـعْـتَـذَراً فَـربُّـك الـعادِلُ القَـهّارُ مُـقْـتَـدِرُ
الحمد لله معز أوليائه المؤمنين، وناصر المستضعفين ومعلي راية الدين، وقاهر المتجبرين، والآمر بالجهاد في سبيله إلى يوم الدين، والصلاة والسلام على من أعلى الله منار الإسلام بسيفه، نبينا وقدوتنا وقائدنا محمد ﷺ إمام المجاهدين وخاتم الأنبياء والمرسلين.
إن المسلمين أمة واحدة بالنص القرآني، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ هَٰذِهِۦٓ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَٰحِدَةً وَأَنَا۠ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: 92]، وقال: ﴿إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات: 10]. قال القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية: “هذا عقد عقده الله بين المؤمنين؛ أي في الدين والحُرمة، لا في النسب، ولهذا قيل أخوّة الدين أثبت من أخوّة النسب؛ فإن أخوّة النسب تنقطع بمخالفة الدين، وأخوّة الدين لا تنقطع بمخالفة النسب”.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: “المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره”. قال النَّوويُّ رحمه الله: “وأمَّا “لا يَخْذُله” فقال العلماء: الخَذْل ترك الإعانة والنَّصر، ومعناه إذا استعان به في دفع ظالم ونحوه لزمه إعانته إذا أمكنه ولم يكن له عذر شرعيٌّ”.
يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله: “إن خذلان المسلم شيء عظيم! وقد هان المسلمون يوم وهت أواصر الأخوّة بينهم، وأصبح الأخ يُنتقص أمام أخيه فيهز كتفيه ويمضي لشأنه كأن الأمر لا يعنيه! إن هذا التخاذل جر على المسلمين الذلة والعار. قال رسول الله ﷺ: “لا يَقِفَنّ أحدكم موقفاً يُضرب فيه رجل ظلماً فإن اللعنة تنزل على من حضره حين لم يدفعوا عنه”. فإذا رأيت أن إساءة نزلت بأخيك أو مهانة وقعت عليه فأرِه من نفسك الاستعداد لنصرته والسير معه حتى ينال بك الحق ويرد الظلم. رُوي عن النبى ﷺ: “من مشى مع مظلوم حتى يثبت له حقه ثبت الله قدميه على الصراط يوم تزل الأقدام”.
والحقيقة أن الخذلان لم يبدأ بخذلان قوة أو عدة، بل كانت البداية بخذلان الوعي والبصيرة والإعداد؛ خذلان الأمة الواحدة، روحاً وجسداً.
حتى الحجر سينطق!
يَرى الجُبَناءُ أَنَّ العَجزَ عَقلٌ وَتِلكَ خَديعَةُ الطَبعِ اللَئيمِ
وَكُلُّ شَجاعَةٍ في المَرءِ تُغني وَلا مِثلَ الشَجاعَةِ في الحَكيمِ
روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة: “لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ فَيَقْتُلُهُمْ الْمُسْلِمُونَ، حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوْ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ. إِلَّا الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ”.
إنه (الغَرْقَد) هذا هو المستثنى الوحيد من تلك المعجزة والكرامة الإلهية، ومن إعلان الولاء لعباد الله المؤمنين والبراءة من اليهود الملاعين المفسدين، أبىَ هذا الغرقد إلا أن يكون في صف الظالمين، وردءاً وظهيراً لهم؛ ولا غرابة إذ هو مِن غرسهم ونتاجهم “فإنه من شجر اليهود”، وفي رواية: “فإنها من شجرهم لا تنطق”. فانظر لحالك يا أيها المسلم الموحد وابحث لنفسك عن جواب لهذا السؤال تلقى به الله: أتحب أن تكون كالغرقد في صمته عن الظلم وظهيراً للظالمين؟!
احذر أن تكون غرقداً بصمتك، بضعف سعيك، بتأخرك في إعداد نفسك، ببعدك عن ربك، بتفكيرك فقط في حدود غرفتك، بإعراضك عن نصرة قضايا أمتك ما استطعت لذلك سبيلاً، أو بخذلانك لأهل الثغور من المرابطين والمجاهدين! والله إني أخشى على نفسي وعليك أن نكون من هؤلاء الذين شاركوا الظالمين ظلمهم بصمتهم وقعودهم فضلّوا الطريق! فكم من “غرقدٍ” يعيش بيننا اليوم ويحسب أنه من الذين يحسنون صنعاً؟! قال تعالى: ﴿ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعۡيُهُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُمۡ يَحۡسَبُونَ أَنَّهُمۡ يُحۡسِنُونَ صُنۡعًا﴾ [الكهف: 104].
من الصعب والمؤلم جداً أن نحتاج إلى توضيح المسَلّمات الواضحات، وتقرير المجمع عليه والمعلوم بالضرورة من الأخلاق والأحكام والأعراف، ومما كان تفعله حتى العرب -وهم في جاهليتهم- من باب المروءة والشهامة والرجولة والعزة والأنفة والنفرة والانتصار للجوار والقريب والحبيب والحليف والمظلوم. فيا أسفى على زمانٍ نحتاج فيه لتوضيح مثل هذه الواضحات، فإنه لزمان غريب عجيب.
وَلَيسَ يَصِـحُّ فِي الأَذهَـانِ شَيءٌ إِذَا احْتَاجَ النَّهَـارُ إِلَى دَلِيلِ
روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أَبِي طلحة الأنصاري وجابر بن عبد اللهِ رضيَ اللهُ عنهما أن النبي ﷺ قال: “مَا مِنْ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا عِنْدَ مَوْطِنٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ، وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، إِلَّا خَذَلَهُ اللهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ، وَمَا مِنْ امْرِئٍ يَنْصُرُ امْرَأً مُسْلِمًا فِي مَوْطِنٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ، إِلَّا نَصَرَهُ اللهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ”.
فالجزاء من جنس العمل، ﴿وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾. فخذلان المسلم لأخيه المسلم حال استطاعة نصرته والدفع عنه حرام شرعًا، وقد عدّه ابن حجر الهيتمي من الكبائر. ولم يقل النبي ﷺ من “يُعادي” بل قال: من “يخذل”، فالعدو لا يُتوقع منه غير الأذى، أما الخذلان فيأتيك ممن تُحب لهذا هو أكثر مرارة، وأثره أعمق وأشد من العداوة!
ومن أشد الخذلان وأعظمه خذلان المسلمين لأهل الثعور من المجاهدين والمرابطين والقعود عن نصرتهم -مع القدرة على ذلك- وتركهم لعدوهم ينال منهم ويبغي عليهم ويستطيل على حرمهم ودمائهم وأعراضهم، فهذه صفة من صفات المنافقين؛ قال اللَّهُ تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ * وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ * الَّذِينَ قَالُوا لِإخوانهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [آل عمران: 166، 167].
يقول شهيد الظلال الأستاذ سيد قطب رحمه الله: “وكيف تقعدون عن القتال في سبيل الله واستنقاذ هؤلاء المستضعفين من الرجال والنساء والولدان؟ هؤلاء الذين ترسم صورهم في مشهد مثير لحمية المسلم، وكرامة المؤمن، ولعاطفة الرحمة الإنسانية على الإطلاق.. هؤلاء الذين يعانون أشد المحنة والفتنة لأنهم يعانون المحنة في عقيدتهم، والفتنة في دينهم، والمحنة في العقيدة أشد من المحنة في المال والأرض والعِرض؛ لأنها محنة في أخص خصائص الوجود الإنساني، الذي تتبعه كرامة النفس والعرض وحق المال والأرض”.
أنا لا أَلُومُ المُسْتَبِدَّ إذا تَعَنَّتَ أو تَعَدَّى … فَسَبِيلُهُ أنْ يَسْتَبِدَّ وشَأْنُنا أنْ نَسْتَعِدَّا
عواقب الخذلان
إِذا ما أَرادَ اللَّهُ ذُلَّ قَبيلَةٍ رَماها بِتَشتيتِ الهَوى وَالتَّخاذُلِ
وَأَوَّلُ عَجزِ القَومِ عَمّا يَنوبُهُم تَدافُعُهُم عَنهُ طولُ التَّواكُلِ
لو أدرك المسلم ما في رابطة الأخوّة الإسلامية من فضل عظيم، وما تقتضيه من حقوق وواجبات، لما تجرأ على الوقوع في وحل الخذلان، فضلاً عن أن يعدّ ذلك مقبولًا، أو يسير في طريقه دون تردد! أو يحاول تبريره والرضا به! فإن الإسلام لا يثبت ولا يُنصر إلا بوحدة صفوفه وتآلف قلوب أتباعه! لكن النزعة العنصرية، والولاء للوطن بمفهومه الضيق دون اعتبار للأمة فهو الوطن الأشمل والأحق، والتعلق بالجاه والمال والسُلطة، وتغلغل الأعداء في الصفوف، إضافة إلى الضعف والوهن المسيطر، كل ذلك يحول دون أن يتحرك صاحب المروءة والكرامة لينصر إخوانه.
ولا تحسبنّ خذلان المسلم لأخيه المسلم يمر مرور الكرام، بل إن له أضراراً جسيمة وآثاراً وتبعاتٍ لا تُمحى، فهو يولِّد كمّاً هائلاً من الأمراض النفسية والاجتماعية وسيء الصفات والأخلاق؛كالخوف والجبن واللا مبالاة وسوء الظن بقضاء الله وقدره، وانعدام الشهامة ونجدة الملهوف وإغاثة المنكوب، وقلة المروءة والنخوة، وموت الضمير، وانقطاع عُرى الأخُوَّة بين المسلمين، وانتشار الأنانية وحب الذَّات، وتطبيع التفكك والتقاطع بين الأجيال.
وهنا يلعب الإعلام الموجه والمضلل لعبته في التفريق وصناعة الأزمات المكذوبة ليبرر للقطرية البغيضة.
إن الخذلان مُحفز للأعداء ليتمادوا في طغيانهم وجُرمهم، حينما لا يرون المسلمين قد غضبوا للظلم الواقع على إخوانهم المستضعفين، وهبّوا للقيام بواجب النفرة والنصرة.
كما أن الخذلان من أعظم أسبابِ الهزيمةِ، والركون إلى جانب الظالمين والمنافقين، ناهيك عن العار الذي يلحق بصاحبه فيقع في الحسرة والندامة، وتحق عليه العقوبة المترتبة على تخاذله في الدنيا قبل الآخرة.
إن الخذلان موغرٌ للصدور ومنفِّر للقلوب، ومن أعظم صور المنافاة والمحاداة لحقوق الأخوّة والرابطة الإيمانية، وبه تضيع الحُقوقِ وتُنتهك الحرمات وتقع الفتنة ويَعم الفساد الكبير؛ قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِّن وَلَايَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا ۚ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ﴾ [الأنفال: 72-73].
يقول الإمام الثائر -البشير الإبراهيمي- رحمه الله: “أيها العرب: حرام أن تنعموا وإخوانكم بؤساء، وحرام أن تطعموا وإخوانكم جياع، وحرام أن تطمئن بكم المضاجع وإخوانكم يفترشون العراء!”.
أي عقل، وأي قلب هذا الذي يتحمل هذا الموقف المخزي للسواد الأعظم من المسلمين، أنظمة وشعوباً، وهذا التقصير الواضح في نصرة إخواننا من المستضعفين في مختلف الأمصار!
وتقصيرنا في الإعداد لنوائب الدهر، لهو إثم كبير وجريمة عظيمة سيخلدها التاريخ بأحرفٍ دامية يكسوها شعور الخزي والمهانة والعار. وسينكفئ خذلان اليوم على أصحابه من المطبعين والمخذلين غدًا، ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسۡـَٔلَنَّهُمۡ أَجۡمَعِینَ * عَمَّا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ﴾ [الحجر: 92- 93]، وسيدفعون ثمنًا عظيمًا لصمتهم، وسنن الله لا تحابي أحدًا فـ”عاقبة المتخاذل الخذلان” والله المستعان!
اللهم إنا نبرأ إليك من هذا الخذلان..
نبرأ إليك..
نبرأ إليك..




