
15 شهيدًا بقصف على طابور غذاء بدير البلح
يوليو 10, 2025
معجزاته ﷺ في تكثير الطعام
يوليو 11, 2025فهمي سالم
سفير الهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ- أندونيسيا
منذ سقوط الخلافة العثمانية عام 1924م، مرَّت الأمة الإسلامية بمرحلة مظلمة تُعرف بـ”عصر الملك الجبري” (عصر الحكم الديكتاتوري). تميَّز هذا العصر بانحسار القوة السياسية للأمة الإسلامية، وهيمنة القوى الاستعمارية الغربية، وخيانة بعض النخب المسلمة لأمانة الكفاح من أجل الأمة. كانت فلسطين وبيت المقدس، باعتبارهما رمزاً للوحدة ونهضة الإسلام، ضحيةً لمؤامرات الجيوسياسية الدولية منذ عهد الاستعمار الغربي الحديث وحتى يومنا هذا.
تهدف هذه المقالة إلى تناول جذور عقم النخب السياسية المسلمة، وتطورات كفاح الشعوب، والخطوات الاستراتيجية لنهضة الأمة وتحرير فلسطين.
الجذور التاريخية: من عبد الحميد الثاني إلى اتفاقية سايكس-بيكو
بداية عصر الملك الجبري
دخلت الأمة الإسلامية مرحلة “الملك الجبري” كالفترة الرابعة في مسيرتها التاريخية بعد مراحل النبوة والخلافة على منهاج النبوة والملك العاض. وقد تزامنت بداية هذا العصر الحديث مع أحداث تاريخية حاسمة:
أولاً: سقوط آخر حصون الخلافة
في عام 1909م، أُطيح بالسلطان عبد الحميد الثاني، آخر الخلفاء الذين كانوا رمزاً للمقاومة ضد الصهيونية، من خلال انقلاب قادة “جمعية الاتحاد والترقي” المتحالفة مع القوى الاستعمارية. فتح هذا الانقلاب الطريق أمام تآكل الوحدة السياسية للعالم الإسلامي، مما تفاقم مع اندلاع الحرب العالمية الأولى.
ثانياً: اتفاقية سايكس-بيكو (1916)
كانت هذه الاتفاقية السرية بين بريطانيا وفرنسا تهدف إلى تقسيم أراضي الخلافة العثمانية إلى مناطق نفوذ استعمارية. أصبحت فلسطين، كجزء من بلاد الشام، تحت الانتداب البريطاني. لم تقتصر هذه الاتفاقية على تقسيم العالم الإسلامي، بل أوجدت خريطة سياسية جديدة سهلت سيطرة القوى الاستعمارية الغربية على الأمة. وقد تفاقم هذا الوضع مع “الثورة العربية الكبرى” عام 1916 بقيادة الشريف حسين، أمير الحجاز، الذي أراد الانفصال عن الدولة العثمانية بدعم ووعود زائفة من بريطانيا، مستخدمةً عملاء مثل لورنس العرب لتحقيق ذلك.
ثالثاً: إعلان بلفور (1917)
بعد عام واحد من اتفاقية سايكس-بيكو، أصدرت بريطانيا “وعد بلفور”، الذي وعدت فيه بجعل فلسطين “وطناً قومياً للشعب اليهودي”. جاء هذا الوعد دون اعتبار لسكان فلسطين الأصليين، مما يظهر الغطرسة الاستعمارية. أدى هذا الوعد لاحقاً إلى إنشاء دولة إسرائيل عام 1948 في قلب العالم الإسلامي، والتي استمرت في احتلالها حتى يومنا هذا.
واقع السياسة في العالم الإسلامي: عصر الملك الجبري
احتاج عصر الملك الجبري إلى ثلاثين عاماً لإعادة تشكيل النظام الإقليمي وبناء تحالفات عالمية بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، ما أدى إلى صياغة النظام السياسي الدولي الذي ما زال قائماً حتى اليوم.
بعد مرور ثلاثين عاماً على بداية عصر الملك الجبري، شهد المسلمون مرارة ظهور مرحلة جديدة من الحكم الاستبدادي، حيث فقدت الأمة السيطرة على أرض الأنبياء في فلسطين منذ إعلان بلفور عام 1917 وحتى القرار الظالم للأمم المتحدة بتقسيم فلسطين التاريخية عام 1947. وقد تميز هذا الواقع السياسي بالنقاط التالية:
تنصيب كيانات سياسية مسلمة تابعة للغرب بعد الحرب العالمية
منذ هزيمة الدولة العثمانية وتأسيس الدول القومية في الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الأولى، أصبح معظم قادة العالم الإسلامي أدوات في أيدي القوى الاستعمارية. نفذوا أوامر القوى الإمبريالية للحفاظ على الوضع القائم الذي يخدم مصالح الغرب وإسرائيل ويقمع أي مقاومة داخلية.
عقم النخبة السياسية
هذا العقم لم يكن ناتجاً فقط عن الضغوط الخارجية، بل كان نتيجة عوامل داخلية أيضاً، ومنها:
- الاعتماد الاقتصادي والعسكري
تعتمد معظم الدول الإسلامية على المساعدات العسكرية والاقتصادية من الغرب. على سبيل المثال، تعد دول الخليج أكبر مستوردي الأسلحة من الولايات المتحدة وأوروبا، كما ظهر في جولات ترامب التجارية الأخيرة في دول الخليج.
- الفساد والأزمة الأخلاقية
تُفضل العديد من النخب السياسية استقرار أنظمتها على حساب العدالة. بينما يطالب الإسلام بالقيادة الشجاعة والعادلة.
- تفكك العالم الإسلامي
استمرت الصراعات الطائفية والتنافسات الجيوسياسية في إضعاف التضامن بين الدول الإسلامية.
بيت المقدس مركز نهضة الأمة الإسلامية
بالنسبة للمسلمين، فإن المسجد الأقصى وأرض فلسطين ليسا مجرد رواية عن القبلة الأولى ومكان الإسراء والمعراج للنبي محمد ﷺ. بل إن بيت المقدس هو مركز البركة للعالم بأسره. إن إقامة العدالة على تلك الأرض هي انعكاس لوجود العدالة في كل مكان. وعلى العكس، فإن الظلم والفساد فيها يشير إلى انتشار الظلم في جميع أنحاء العالم. لأن الحاكم الحقيقي في بيت المقدس هو الذي يحدد توجيه مسار المشهد السياسي والاقتصادي العالمي.
لهذا فإن بيت المقدس يتمتع بمكانة خاصة للمسلمين من خلال:
- المعنى الروحي والإسكاتولوجي
بيت المقدس هو رمز لوحدة الأمة الإسلامية ومسرح لأحداث آخر الزمان كما ورد في العديد من الأحاديث النبوية الشريفة. إن الكفاح من أجل تحريره واجب أخلاقي وروحي وسياسي على عاتق الأمة كلها. - رمز المقاومة العالمية
حماية بيت المقدس تعني مقاومة النظام الاستعماري العالمي المدعوم من القوى العظمى اقتصادياً وعسكرياً وإعلامياً. كما تعني مواجهة الاستبداد الداخلي الذي يساوم على سيادة الأمة على مقدساتها لصالح الأجندات الأجنبية.
مقاومة الشعوب المسلمة: أمل جديد للعالم الإسلامي
أدت الأوضاع العالمية بعد “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر 2023 إلى تحريك البوصلة بعيداً عن هيمنة النخب السياسية في الدول الإسلامية، وباتجاه تصاعد المقاومة الشعبية ذات الطابع الإسلامي الأيديولوجي (المقاومة الشعبية الإسلامية) في معادلة الحلول السياسية الشاملة لقضية تحرير فلسطين. ويظهر ذلك في الظواهر الحديثة التالية:
- رمزية قافلة “الصمود” و”أسطول الحرية”
إن موكب قافلة الصمود من تونس و”أسطول الحرية” في مياه غزة الذي حاول كسر الحصار الإسرائيلي عن القطاع، يمثلان شجاعة وإصرار الشعوب المسلمة في مواجهة الظلم العالمي في ظل غياب الدور الفعال للأنظمة العربية والإسلامية للضغط على أمريكا والقوى المؤثرة في العالم لإيقاف المجازر والإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني. هذه التحركات الشعبية تعبر عن رفض الهيمنة الاستعمارية العالمية والطغيان المحلي في نفس الوقت.
- دور وسائل التواصل الاجتماعي والوعي الجماعي
أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي أداة رئيسية في نشر الوعي العالمي بقضية فلسطين. تظهر وسوم مثل #SaveGaza و#StopGenocide و#FreePalestine كيف توحد المسلمون في مختلف الدول ضد السرديات السائدة.
- إجراءات عملية
أظهرت الشعوب المسلمة في مختلف أنحاء العالم تضامنها مع المقاومين في غزة من خلال جمع التبرعات، التظاهر، والدعوى السياسية والقضائية ضد إسرائيل في محكمة الجنايات الدولية. بل إن حكومة جمهورية إندونيسيا ومجلس نوابها اتفقا على إشراك المنظمات غير الحكومية الإندونيسية في تكثيف الجهود والتنسيق لإرسال المساعدات الإنسانية العاجلة لفلسطين.
استراتيجية النهوض في العالم الإسلامي بعد طوفان الأقصى
- إصلاح السياسة في العالم الإسلامي
يحتاج العالم الإسلامي إلى قادة شجعان يعملون لمصلحة الأمة، وليس لخدمة الاستعمار. يتطلب هذا الإصلاح ضغطاً من الشعوب، لضمان أن لا تظل الحماسة لدعم استقلال فلسطين مجرد شعارات فارغة.
- بناء الاستقلال الاقتصادي والسياسي
لن تنجح جهود تحرير فلسطين دون تحقيق الاستقلال الاقتصادي والسياسي. يجب على الدول الإسلامية الاستثمار في تطوير الصناعات، وتعزيز التكنولوجيا، وتعميق التعاون الاقتصادي والاستثماري بين الدول الإسلامية.
- تفعيل التضامن الدولي
يجب أن يتوحد المسلمون حول قضية فلسطين باعتبارها أولوية جماعية. ينبغي تعزيز التعاون بين الدول الإسلامية من خلال منظمات مثل منظمة التعاون الإسلامي، التي أُنشئت بروح حماية المسجد الأقصى، الذي أُحرق على يد إرهابيين يهود متطرفين عام 1969.
- تعزيز وعي الأمة بالتعليم
يجب غرس التعليم السياسي والتاريخي في نفوس الأمة حتى تدرك مسؤوليتها تجاه فلسطين والعالم الإسلامي ككل.
الخاتمة
عقم السياسة لدى النخب المسلمة منذ سقوط السلطان عبد الحميد الثاني وحتى اليوم يعكس أزمة أخلاقية وروحية في العالم الإسلامي. ومع ذلك، فإن كفاح الشعوب كما يظهر من خلال قافلة “الصمود” و”أسطول الحرية” دليل على أن الأمل لا يزال قائماً.
فلسطين هي مركز نضال الأمة، وتحريرها واجب جماعي يجب تحقيقه من خلال العمل الفعلي. حان الوقت لتتحد الأمة الإسلامية، متجاوزة الحواجز الطائفية والجيوسياسية، لمواجهة الظلم العالمي وإقامة العدل الذي أمر به الله. إن محور العدالة للمسلمين جميعاً اليوم هو في بيت المقدس المظلوم.
عاشت نضالات الشعوب المسلمة للخروج من ظلام عصر الملك الجبري إلى نور الخلافة على منهاج النبوة. نسأل الله ذلك إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله أعلم بالصواب.