
50 شهيداً بقصف منازل واستهداف طالبي المساعدات
أغسطس 13, 2025
في ذكرى استشهادهسيّد قطب المُلهِم المظلوم!
أغسطس 14, 2025أ.د. خير الدين خوجة الكوسوفي
سفير الهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ في البلقان
الحمد لله رب العالمين القائل في كتابه الكريم ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾، [المجادلة: 11]، والقائل عز شأنه: ﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ..﴾ [آل عمران: 37]، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن سار على هديه والتزم منهجه إلى يوم الدين، وبعد:
فيذكرنا التاريخ 29 أغسطس 1966م من كل عام بذكرى استشهاد أحد أعلام الفكر الإسلامي المعاصر، أحد أعلام التجديد في تفسير القرآن الكريم تفسيراً علمياً منهجياً دقيقاً، تفسيراً حيوياً دعوياً حركياً سياسياً مقاصدياً أدبياً لغوياً بيانياً علمياً أصولياً عقدياً سلفياً بكل ما تحمل هذه الكلمات من معانٍ ودلالات، يعلم ويدرك ذلك جيداً من رافق وعاش مع هذا التفسير المؤثر في النفس والعقل والوجدان بمجرد شروعه في قراءة السطور الأولى منه.
إن الأستاذ سيد قطب حقاً ودون أدنى مبالغة سيدٌ من سادات العلم والمعرفة والفكر والقرآن في العصر الحديث، كما هو قطب من أقطاب التفسير الحركي والعملي بلا نزاع. وقطب للصحوة الإسلامية ببركة جهوده وإخلاصه في كتاباته؛ فقد كتب الله له القبول في العالم وتُرجم تفسيره ومؤلفاته إلى أغلب لغات العالم.
إن استكشاف منهج وسر تفسير وكتابات الأستاذ سيد قطب له أهمية كبرى على الدعاة والخطباء والعلماء وطلبة العلم الشرعي في العالم العربي والإسلامي، وانطلاقاً من هذه الحقيقة وحباً في تعميم الخير على القراء العرب وغير العرب في البلاد العربية والإسلامية وبخاصة في شبه الجزيرة البلقانية، وإحياء لفكره وجهوده فقد عزمت على تخصيص هذه المقالات التحليلية عنه وعن جهوده ومنهجه تقرباً إلى الله تبارك وتعالى.
هذا المقالات المخصصة عن حياة وفكر ومنهج عَلَم من الأعلام الإسلامية والتفسيرية في العصر الحديث ما هو إلا إسهام علمي متواضع للدفاع عن حق وجهود هذا الأستاذ الإمام، والمفسر الداعية سيد قطب رحمه الله تعالى.
وفي المقابل -وللأسف الشديد- هناك بعض الأقلام المستأجرة وبعض النفوس المريضة والمحسوبة على الإسلام، نصبوا أنفسهم لنشر الأكاذيب والمطاعن والشبهات في حق هذا المفسر والإمام الجليل. كما أن المنصات والفضائيات المستأجرة والمتحالفة مع الكيان الصهيوني اليهودي في حرب الإسلام والعلماء المسلمين لتشويه صورة تلك الشخصيات العلمية المخلصة التي رفعها الله عز وجل للأولين والآخرين، من أمثال الأستاذ الإمام سيد قطب والإمام حسن البنا وغيرهم كثيرون، تقبل الله عز وجل جهود هؤلاء الشهداء الكرام بقبول حسن، فقد كانوا ولا يزالون سُرُجاً وضّاءة لنا في زمان عز وجود مثل هؤلاء، ولا نزكي على الله أحداً، والله حسيبهم، ولكننا نحسبهم أنهم صدقوا مع الله؛ فصدق الله معهم وكتب لهم القبول الحسن.
هذه المقالات المخصصة تأتي دفاعاً عن هذا المفسر المظلوم الذي ظُلم مرتين: مرة من بني جنسه من بعض المسلمين من العرب وطلبة العلم الشرعي والأئمة والخطباء المرجفين في المدن والدول العربية والإسلامية المختلفة، وظيفتهم صرف الناس عن اتباع توجيهات هذا الإمام الشهيد في كيفية التعامل مع كتاب الله عز وجل فهماً وتدبراً وتفسيراً وتحكيماً في حياتنا العامة والخاصة، في الجانب الأخلاقي والسياسي والاقتصادي.
وأما ظلمه ثانياً فهو من قِبل أعداء المسلمين الطاعنين والمشككين في الإسلام والمقدسات الإسلامية من خلال ربط وإلصاق كل الأحداث الإرهابية والإجرامية في كل بلاد العالم بفكر الأستاذ الشهيد وفكر الإخوان المسلمين، وكأن العالم العربي وغير العربي خال من المجرمين الآخرين، وكأنهم أصيبوا بعمى البصر والبصيرة ولا يرون جرائم ومذابح ومجازر الاحتلال الإسرائيلي الأمريكي الأوربي الصهيوني اليهودي المعاصر على إخواننا وأخواتنا في غزة العزة منذ 22 شهراً ما يزيد عن 645 يوماً من 7 أكتوبر 2023 إلى يومنا هذا الموافق 17 يوليو 2025، سبحانك هذا بهتان عظيم.
تأتي هذه المقالات لكي تدل على الصراط المستقيم المبني على الكتاب والسنة من خلال كشف النقاب عن حياة وحقيقة فكر ومنهج الأستاذ سيد قطب رحمه الله، وذلك من خلال العيش في ظلال تفسيره للسور القرآنية ولسورة الأنعام على وجه خاص، إضافة إلى مؤلفاته الأخرى.
لقد لوحظ مؤخراً أن هناك انحرافاً عن منهج القرآن الكريم في الدعوة إلى الله عز وجل وبالتالي كان لزاماً علينا القيام ببيان خطوات منهج القرآن في الدعوة إلى الله.
ومن الذين نحسبهم أنهم فهموا الدعوة وفق منهج قرآني سليم هو الأستاذ سيد قطب رحمه الله. لقد تبين لي من خلال عيشي مع الظلال وصاحبه أن الأستاذ سيد قطب رسم خريطة واضحة المعالم للوصول إلى الله، حيث اعتمد على بيان أساليب الدعوة المختلفة الواردة في القرآن الكريم، ثم دعوة المسلمين إلى إصلاح العقيدة على حقيقة الألوهية والعبودية، ثم دعوتهم إلى إصلاح حياتهم وفق منهج قرآني فريد، ثم بيان منهج القرآن في القضاء على التصورات والعادات الجاهلية ثم تصحيح مناهجهم الفكرية والنظرية ودعوتهم إلى منهج معرفي وتربوي.
هذا المنهج علاوة على ما ذُكر يتطلب أيضاً دعوة الكافرين إلى الإسلام بطرق مختلفة؛ منها طريق النظر والتأمل في آيات الكون والمجادلة بالتي هي أحسن، مع مراعاة أحوالهم وفقه واقعهم وانتمائهم الديني والثقافي والاجتماعي. هذا المنهج يفرض على الداعية أن يراعي سلم الأولويات وفقه المقاصد الدينية العليا في الإسلام، أن يشرع أولاً بالدعوة إلى الله تعالى دون الدعوة إلى المبادئ القومية أو الأسس الأخلاقية والاجتماعية أو غيرها. وكشف هذا المنهج جملة من الصفات والمؤهلات الفكرية والروحية والسلوكية والثقافية، التي يجب أن يتحلى بها الداعية قبل أن يشرع في الدعوة.
عزيزي الداعية.. طالب العلم الشرعي.. المربي الكريم.. حفظك الله.. تذكر هذا الكلام:
“لقد جاء هذا القرآن ليربي أمة وينشئ مجتمعاً ويقيم نظاماً، والتربية تحتاج إلى زمن وإلى تأثير وانفعال بالكلمة، وإلى حركة تترجم التأثير والانفعال إلى واقع. والنفس البشرية لا تتحول تحولاً كاملاً شاملاً بين يوم وليلة بقراءة كتاب كامل شامل لمنهج جديد؛ إنما تتأثر بعد يوم بطرف من هذا المنهج وتتدرج في مراقيه رويداً رويداً وتعتاد على حمل تكاليفه شيئاً فشيئاً، فلا تجفل كما تجفل لو قدم لها ضخماً ثقيلاً عسيراً وهي تنمو في كل يوم بالوجبة المغذية فتصبح بالتالي أكثر استعداداً للانتفاع بالوجبة التالية وأشد قابلية لها والتذاذاً بها..”.
الأستاذ سيد قطب رحمه لله.
العمل الدعوي بفكر ومنهج سيد قطب
مما لا شك فيه أن سلوك طريق الدعوة إلى الله تعالى من أشرف المسالك على الإطلاق بدليل قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فصلت:33]، ويكون ذلك واجباً وفرض عين عند قلة الدعاة وكثرة المنكرات وعند غلبة الجهل كحالنا اليوم، وكل حسب طاقته.
هذا الدرب المبارك هو درب الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام وأتباعهم من لدن آدم عليه السلام إلى خاتم الأنبياء والمرسلين محمد ﷺ. قال تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ [الشورى: 13].
إن هذا الدرب الدعوي ليس مفروشاً بالزهور والرياحين وليس طريقاً سهلاً ومستوياً يسهل على الجميع السير فيه. هذا الطريق شاء الباري جل وعلا أن يكون ذا أشواك وعقبات بحيث يصعب السير فيه، يحتاج المار إلى بذل المجهود والصبر الطويل، واللجوء والتضرع المستمر إلى الله تعالى في كل وقت وحين، في السراء والضراء، في السر والعلن حتى يتمكن من تحقيق الهدف وتبليغ الدعوة إلى الناس. وفي هذا الشأن يقول الله تعالى مخاطباً رسوله عليه الصلاة والسلام: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ﴾ [الأحقاف: 35]، والخطاب عام للمؤمنين.
إن هذا الطريق يتطلب من الداعية الحكمة والمنطق السليم وحسن الخطاب والجدال بالتي هي أحسن مع المدعوين حتى يكون ناجحاً وموفقاً في دعوته. ولأهمية هذا الأمر يقول الله تبارك وتعالى في محكم تنزيله: ﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ [النحل: 125].
كما أن على الداعية إلى الله التحلي بأخلاق النبوة والقرآن في أقواله وأفعاله. ولإدراك هذه الأهمية يقول الله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾[الصف :2-3]، ويقول تعالى أيضاً: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾[القلم: 4]، ويقول أيضاً: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: 44].
إن أسلوب القسوة والخشونة في القول والفعل ليس من شيم الدعاة الناجحين والموفقين. يؤكد هذه الحقيقة البيان الإلهي: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ [آل عمران: 159]. فلا مناص ولا انفكاك من اتباع منهج الرسول ﷺ في كافة شؤوننا الدينية والدنيوية، لأن الله عز وجل جعله أسوة لنا في كل شيء، قال تعالى: ﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: 21].
هذا، ولما كان هناك انحراف عن منهج القرآن في الدعوة إلى الله وتسبب في تنفير الناس من الإسلام، وابتعاد عن توجيهاته الدعوية لكثير من الدعاة في الوقت الراهن، لم يكن هنالك من مخرج إلا برسم طريق واضح لخطوات المنهج القرآني في الدعوة، وذلك بوضع قواعد وأسس ينبغي على الدعاة اتباعها والسير في ضوئها. ويرجع سبب هذا الانحراف إلى عدة أسباب وعوامل منها:
تفاوت أفهام الناس للدعوة وأبعادها التربوية والاجتماعية والدينية.
الابتعاد عن المنهجية القرآنية في معالجة الظواهر العقدية السلبية.
عدم مراعاة أحوال المخاطبين فكرياً وسلوكياً وعقدياً.
التطاول على الناس وإصدار الأحكام عليهم وكأن الدعاة قضاة.
قلة العلم الشرعي والتأثر بالبيئة والمؤسسات التي درسوا فيها.
هذا، ومن الدعاة الذين برزوا في الساحة الإسلامية في النصف الثاني من القرن العشرين، وأحسبه أنه أدرك وفهم ومن ثَم فسر حقيقة منهج القرآن في الدعوة إلى الله على وجهه الصحيح، هو سعادة الأستاذ سيد قطب رحمه الله تعالى وأدخله في مستقر رحمته! لقد انفرد هذا الأستاذ الكبير عن بقية الدعاة والمفسرين البارزين في الساحة الإسلامية بمنهجه الفريد والدقيق ذي الأبعاد التربوية والدينية والاجتماعية. يبدو ذلك واضحاً في مؤلفاته كلها وخاصة في تفسيره: “في ظلال القرآن”. وشاء الباري تعالى أن يكون جزاء هذا الفهم الفريد والأصيل، المبني على الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح هو الاستشهاد في سبيله ليكون قدوة حسنة للمسلمين عامة وللدعاة إلى الله خاصة في التمسك بالحق والدفاع عن سبيله إلى يوم القيامة.
وللحديث بقية في العدد القادم، إن شاء الله تعالى.