
تعزية ونعي في وفاة والد الشيخ إحسان شن أوجاق، عضو مجلس أمناء الهيئة
يوليو 8, 2025
ولادة النور: مولد النبي محمد ﷺ وأثره على الوجود
يوليو 8, 2025بقلم/ عماد إبراهيم مدير مشروع بصيرة الدعوي
أَلَا إِنَّ أَفْضَلَنَا الدَّاعِيَةَ بِمَا ٱخْتَارَ مِنْ رُتْبَةٍ عَالِيَةٍ
وَهَلْ مِثْلُ رُتْبَةِ ٱلْأَنْبِيَاءِ وَٱلرُّسُلِ مُرَتَّبَةٌ ثَانِيَةٌ
تَصَدَّوْا لِإِعْلَاءِ مَجْدِ ٱلسَّمَاءِ فَكَانَتْ مَسَاعِيهِمْ بَانِيَةً
وَكَمْ وَاجَهُوا مِنْ صِعَابٍ وَمِنْ عَذَابٍ وَمِنْ مِحَنٍ قَاسِيَةٍ
وَلَمْ يَثْنِهِمْ ذَاكَ عَنْ سَعْيِهِمْ لكَيْ يُدْرِكُوا ٱلْغَايَةَ ٱلسَّامِيَةَ
فَأَعْظمْ بِهِ شَرَفًا لَمْ يتحْ سِوَى لِلرَّسُولِ أَوِ ٱلدَّاعِيَةِ
الحمد لله معز أوليائه المؤمنين، وناصر المستضعفين ومعلي راية الدين، وقاهر المتجبرين، والآمر بالجهاد في سبيله إلى يوم الدين، الحمد لله الذي اختص لكل أمةٍ دعاةً يحفظون جنابها، ويصونون عرضها، فهم حصنها المنيع وقلبها النابض، يحملون مشعل الهداية وينشرون نور الحق، مدركين عظم الأمانة وجلال التكليف. والصلاة والسلام على مَن أعلى الله منار الإسلام بسيفه، نبينا وقدوتنا وقائدنا محمد ﷺ إمام المجاهدين وخاتم الأنبياء والمرسلين.
إن الله تعالى خلق الخلق وأفاض عليهم نِعمه، وجعل لهم ما في السماوات والأرض مسخَّرًا، ليكون ذلك سبيلًا وطريقاً ممهداً لعبادته وتوحيده. ولتحقيق هذه الغاية السامية، بعث الله الرسل وأنزل الكتب، ليكونوا هداةً للناس، يعلِّمونهم كيف يعبدون ربهم ويعرفونه حق المعرفة، ويَرسمون لهم الطريق القويم الذي ارتضاه الله لعباده. قال تعالى: ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ [النساء: 165]. فالدعوة إلى الله عز وجل ليست مجرد عمل يؤديه الإنسان، بل هي رسالةٌ عظيمة حملها الأنبياء وأهل الصلاح، وهي أشرف التكليفات التى يحملها المؤمن، مؤديًا إياها بإخلاصٍ، راجيًا بها رضا الله وأجر الآخرة.
عَنْ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺقَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ:
“لَأُعْطِيَنَّ هَذِهِ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ، يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ”، قَالَ: فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ كُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطَاهَا، فَقَالَ: “أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ؟” فَقِيلَ: هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ، قَالَ: “فَأَرْسِلُوا إِلَيْهِ”، فَأُتِيَ بِهِ فَبَصَقَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي عَيْنَيْهِ وَدَعَا لَهُ، فَبَرَأَ حَتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ، فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ، فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا؟ فَقَالَ: “انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ فِيهِ، فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا، خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ”.
إن الدعاة إلى الله، وإلى دين الله -الإسلام- هم أتباع النبي ﷺ وأنصاره الذين يسيرون على نهجه بحق، فهم ورثة رسالته وحفظة سُنته وحملة لواء نصرته. لقد أرسل الله تعالى محمدًا ﷺ وكلّفه بتبليغ رسالته للناس كافة، فكان في دعوته المثل والقدوة، وبلغ الرسالة وأدى الأمانة على أكمل وجه وجاهد في ذلك أعظم الجهاد، إذ دعا إلى الله ليلاً ونهاراً، سراً وجهراً، دعا الأبيض والأسود، والغني والفقير، والصغير والكبير، والإنس والجن، ولم تُثنِه الِمحن عن تبليغ الحق، وابتُلي في ذلك وأُوذي، فصبر وثبت حتى انتشرت رسالتُه وأثمرت دعوتُه. وقد كلّف الله هذه الأمة بما كُلف به نبيها الكريم، فكان الدعاة إلى الله امتدادًا لرسالته، يسيرون على خطاه، ويؤدون الأمانة التي حملها بكل إخلاص، فهم حقًا أتباعه وحملة لوائه. قال تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [يوسف: 108].
في زمننا هذا، الذي تشتد فيه الفتن، تشتد الحاجة إلى الدعوة إلى الله أكثر من أي وقت مضى، إذ تتكاثف سُحب التضليل، وينتشر الإلحاد والفساد، وتتوسع حملات التنصير والتضليل التي تستغل جهل الشعوب وفقرها لبثِّ شرورها. والأخطر من ذلك، ظهور الفرق الضالة التي تعمد إلى زعزعة أصول العقيدة، ونشر البدع والخرافات، وإثارة البغضاء، والانحراف عن منهج السلف الصالح، حتى غدت الأمة مُهددةً من الداخل والخارج. عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: “مَن دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور مَن تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومَن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام مَن تبعه، لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئًا”.
فمن الواجب علينا أن نواجه القدَر بالقدَر، تمامًا كما ندفع قدر المرض بقدر التداوي، فلا نترك المريض يهلك دون علاج، وكذلك لا ينبغي أن نتخلى عن الدعوة إذا اشتد التضييق، بل نواصل المسير، باحثين عن سبل تخفيفه وتقليل آثاره، فالمحن تستوجب منا السعي والمثابرة والابتكار، ونرسم طريقًا متزنًا بحكمة وبصيرة يحفظ الدين وينصر الحق.
وفي طريق تحقيق هذا الهدف ومن أجل بلوغ تلك الغاية السامية، كان للهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ سهماً في ميدان العمل، حيث أطلقت مشروع (بصيرة) للتعريف بالإسلام ونبيه ﷺ وهديه وسنته وأخلاقه، ودعوة غير المسلمين إلى الإسلام من غير الناطقين بالعربية للدخول في الإسلام، مستعملاً في ذلك كافة الوسائل التقنية المتاحة، للوصول إلى الناس في أقاصي الأرض وأطراف المعمورة، قيامًا بواجب الدعوة إلى الله، وذلك بتقديم الإسلام لهم بصورته الحقيقية والدخول معهم في حوار مباشر، لنصحح لهم الصورة الذهنية الخاطئة عن الإسلام ورسول الإسلام ﷺ، حتى يعرفوا دين الله الحق الذي أنزله على رسوله رحمة للعالمين، ونفتح لهم بذلك طريقاً يلجون منه إلى الإسلام أفواجاً بإذن الله.
ومَن يدخل منهم في دين الله يُلحَقون ببرامج تعليمية تحتوي على عدة مساراتٍ تعليميةٍ وتثقيفية، لتعليم المهتدين الجدد مبادئ الإسلام، وحفظ ما تيسر من كتاب الله الكريم ولغتنا العربية الجميلة، وكذلك تثقيفهم بما لا يسع المسلم جهله، ومتابعتهم حتى ترسخ أقدامهم، ويكونوا حملة للدعوة في بيئتهم ومحيطهم إن شاء الله. وينشط المشروع في الدعوة باللغات: الفرنسية والبرتغالية والإنجليزية، وسيكون التوسع في الدعوة بمزيد من اللغات إن شاء الله عز وجل، وبمشاركة أنصار النبي ﷺ من أهل الخير وبجهود المتطوعين من أبناء الأمة الإسلامية ليعم الخير ويكتب الأجر إن شاء الله.
إنّ هذا الزمان الذي نعيشه، زمان خلا من الإمام، وفرغ من الحاكم الشرعيّ الذي يناط به قيام أحكام الشريعة والحفاظ على الملة والدين، ووجود بعض سلاطين العدل في بقاع قليلة متفرقة لا يكفي مع اتساع خطة بلاد الإسلام وتفرق أمصار المسلمين، ومن هنا وجب على كل مسلم أن يدلوا بدلوه وأن يرمي بسهمه في الدعوة إلى دين الله الإسلام. فعن حذيفة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال:
“الإسلام ثمانية أسهم: الإسلام سهم، والصلاة سهم، والزكاة سهم، وحج البيت سهم، والصيام سهم، والأمر بالمعروف سهم، والنهي عن المنكر سهم، والجهاد في سبيل الله سهم، وقد خاب من لا سهم له”.
إن الدعوة إلى الله، وإلى دين الله الإسلام مهمة عظيمة ووظيفة نبيلة ومطلب جليل وشرف لا يدانيه شرف، والواجب على من أكرمه الله بهذه المهمة وشرَّفه بسلوك هذا السبيل أن يعرف لهذه النعمة قدرها وأن يراعي لها حقها وأن يحفظ لها مكانتها، وإنَّ من الرعاية لهذه النعمة أن يحرص من وُفِّق لها على الإتيان بها على التمام والكمال على قدر الطاقة والجهد، وأن يتحلى بمكارم الأخلاق وجميل الآداب وطيب الخصال والصبر والحلم والرفق والأناة والكرم وسخاء النفس والتواضع ولين الجانب، إلى غير ذلك من مكارم الأخلاق وخصال الخير لتُؤتي دعوته أكُلَها ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ [آل عمران: 159].
فلا يبتغي بهذا العمل إلا وجه الله والدار الآخرة، ويكون فيه مقتفياً لآثار نبينا المصطفى ﷺ سائراً على دربه، محافظاً على سُننه، وهذان أهم ما ينبغي أن يحافظ عليه الداعي: الإخلاص لله تعالى والمتابعة للرسول ﷺ، ودونهما لا قبول لأيِّ عمل من الأعمال.
وختاماً..
أخي القارئ الحبيب، ها أنذا أبلّغتك الأمانة، فاجعلها نصب عينيك، واحتفظ بها في أعماق قلبك، فهي مفتاح النجاة وطريق الفلاح.
انهض، وابحث عن الدعاة الصادقين، واسألهم: كيف أخدم الإسلام؟ كيف أنشر رسالة الحق؟
لا تكبل نفسك بقيودٍ واهية، فأنت حرّ، وعقلك زاخر بالإبداع، فلا تقتل أفكارك، ودع روتينك القاتل الذي أبعدك عن خالقك ومولاك.. مدّ يدك، وأسهِم بما تستطيع، فهذه الخطوة هي بداية مسيرتك المباركة، وانطلاقتك القوية نحو السعادة الأبدية، والطريق المستقيم إلى جنات النعيم، بإذن رب العالمين.
شاكراً لك أخي القارئ الكريم تحمُّل هذه المشقة في قراءة كلماتي التي أسأل الله أن ينفعني وإياك بها ..
ووفقك الله للعمل الصالح، وهيأ لك سبل الدعوة، وجعلك من حملتها، سالكين سبيل صحابته رضوان الله عليهم ومن تبعهم من أئمة الهدى، وأن يجمعنا بهم إنه ولي ذلك والقادر عليه!
والحمد لله رب العالمين.