
22 شهيداً في قصف الاحتلال على غزة
أغسطس 7, 2025
القدوة الحسنةالعظمة النبوية في التواصل والإقناع (2)
أغسطس 7, 2025د. حسين عبد العال
الأمانة العامة لهيئة أنصار النبي ﷺ
في وقت عصيب على الأمة الإسلامية، في وقت أشد ما نكون فيه لوحدة الصف وجمع الكلمة، في وقت يكون فيه واجب وقتنا أن نتكاتف ونضع خلافاتنا جانبًا، في وقت كان ولابد أن نقف صفًا واحدًا مع قضية الأمة المحورية، في وقت وجب أن يكون الحديث فيه عن غزة وفقط، في وقت تسطر فيه المقاومة الباسلة أروع البطولات أمام أقوى آلة حربية غربية مجرمة.
في هذا الوقت العصيب، تصرّ فئات من البشر أن تصرف أنظار وأسماع الأمة عن القضية المحورية بشتى أنواع الصرف، فهم لا يألون جهدًا في اختلاق القضايا، واستخراج الخلافات من صناديق النفايات، بحثًا عن أية خلاف يفرق الأمة، أو يزرع الأحقاد في نفوس الشباب والأطفال، ويزيد الـهُوَّة والفُرقة بين أبناء الأمة، إنهم في الحقيقة هم النواصب المدافعون زورًا عن بني أمية، ولأجل هذا يعادون أهل بيت رسول الله ﷺ، وكذلك المتشيعة الذين يدافعون زورًا عن آل البيت مما يدفعهم لتكفير بني أمية، وهكذا يريدون للأمة أن تنشغل بخلافات طائفية ما أنزل الله بها من سلطان، لا لشيء سوى أن ينشغلوا عن قضية الإسلام الأولى وهي حرب الكيان الصهيوني الغاصب، وترك المجاهدين يعانون وحدهم، وشغل الناس بأمور لا تصح في وقت لا يصح، ولا يكفيهم خذلان الأمة لأهل غزة، حتى يعملوا على صرف القلة القليلة من المسلمين التي كانت تهتم بالقضية.
من هم النواصب؟
النواصب هم من ناصبوا آل البيت العداء، وبخاصة أمير المؤمنين وخليفتهم الرابع سيدنا علي بن أبي طالب، فمنهم مَن فسّقه ومنهم من سبَّه ومنهم من كفَّره! عياذاً بك اللهمَّ!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان عقيدة أهل السنة والجماعة: “ويحبون أهل بيت رسول الله ﷺ ويتولونهم ويحفظون فيهم وصية رسول الله ﷺ… ويتبرؤون من طريقة الروافض الذين يبغضون الصحابة ويسبونهم، ومن طريقة النواصب الذين يؤذون أهل البيت بقول أو عمل، ويُمسكون عما شجر بين الصحابة.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: “النواصب، هم الذين ينصبون العداء لآل البيت، ويقدحون فيهم، ويسبونهم، فهم على النقيض من الروافض”.
وإنما يفعل النواصب ذلك ظنًا منهم أنهم بذلك يناصرون بني أمية، وفي الحقيقة هم لا يناصرون إلا الغلاة من بني أمية، ولكن مؤمني وصالحي بني أمية لا يحبون من ناصب آل البيت العداء، ومنهم عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وخلق كثير من صالحي بني أمية.
فهذا أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز وهو سيد بني أمية -خلا الصحابة منهم- لما ولي الإمارة نَهى عن سب عليٍّ رضي الله عنه؛ فقد قال ابن الأثير في كتابه (الكامل):
“كان بنو أمية يسبّون أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، عليه السلام، إلى أن ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة، فترك ذلك وكتب إلى العمال في الآفاق بتركه.
وكان سبب محبته علياً أنه قال:
كنت بالمدينة أتعلم العلم وكنت ألزم عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، فبلغه عني شيء من ذلك، فأتيته يوماً وهو يصلي، فأطال الصلاة، فقعدت أنتظر فراغه، فلما فرغ من صلاته، التفت إليّ فقال لي: متى علمت أن الله غضب على أهل بدر وبيعة الرضوان بعد أن رضي عنهم؟ قلت: لم أسمع ذلك. قال: فما الذي بلغني عنك في عليّ؟ فقلت: معذرة إلى الله وإليك! وتركت ما كنت عليه. وكان أبي إذا خطب فنال من علي، رضي الله عنه، تلجلج، فقلت: يا أبه، إنك تمضي في خطبتك فإذا أتيت على ذكر عليّ عرفت منك تقصيراً؟ قال: أوَفطنتَ لذلك؟ قلت: نعم. فقال: يا بني إن الذين حولنا لو يعلمون من عليّ ما نعلم تفرقوا عنا إلى أولاده.
فلما ولي الخلافة لم يكن عنده من الرغبة في الدنيا ما يرتكب هذا الأمر العظيم لأجلها، فترك ذلك، وكتب بتركه، وقرأ عوضه: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى الآية، فحلّ هذا الفعل عند الناس محلاً حسناً، وأكثروا مدحه بسببه.
آل البيت وبني أمية
ظل سيد آل البيت عليٍّ بن أبي طالب رضي الله عنه، وسيد بني أمية عثمان بن عفان رضي الله عنه، فترة حياتهما إخوة متحابين في الله تعالى، ما سمعنا يومًا ولا ورد عنهما ولا حتى شيء يسير من الشقاق، فقد كانا رضي الله عنهما من السابقين الأولين للإسلام، أي عندما كان المسلمون على وجه الأرض كلها عشرة فقط، كان منهم عثمان وعليٌّ رضي الله عنهما، بل واشتركا رضي الله عنهما في مصاهرة رسول الله ﷺ، إذ تزوج عثمان من رقية ثم أم كلثوم رضي الله عنهما، وتزوج عليّ من فاطمة أختهما الصغرى رضي الله عنها.
بل وكانا يتباريان في الفضل والقرب من رسول الله ﷺ:
فهذا عثمان يجاهد بماله حتى قال عنه النبي ﷺ: “ما ضَرَّ عثمانَ ما عمِل بعدَ اليَومِ”.
وهذا عليٌّ يجاهد بسيفه ونفسه حتى قال عنه النبي ﷺ: “أَنْتَ مِنِّي بمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِن مُوسَى، إِلَّا أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدِي.
وكانا سويًا من العشرة المبشرين بالجنة، وفضل كل منهما لا يخفى على مسلم، لدرجة أن أهل السنة اختلفوا في تفضيل أحدهما على الآخر، وهكذا صالِحو بني أمية وآل البيت، بينهم من الحب والقرب ما يحبه الله تعالى ورسوله ﷺ.
فلما ظهر عبد الله بن سبأٍ اليهودي -لعنة الله عليه- وأراد أن يوقع الفتنة بين المسلمين، لم يجد سبيلًا لهذا سوى بث الفتنة بين آل البيت وبين بني أمية، وذلك بتأليب غوغاء المسلمين على عثمان رضي الله عنه حتى قتلوه، وادعى فعل ذلك حبًا في عليٍّ وطلبًا لخلافته! وعليٌ منه ومن فعله براء، وحدث ما تعلمونه جميعًا من الوقيعة بينهما، ومن هنا ظهر الروافض الملاعين يدعون حب آل البيت ويكفرون الصحابة وبني أمية خاصة، وظهر النواصب أيضًا يفسقون عليًا ويبغضون آل البيت، والفريقين على ضلال مبين.
الرفض أو التشيع المذموم
الرفض: من التَّرْك. وأُطلق الرفض على مَن رفضوا خلافة الخلفاء الراشدين الثلاثة الأول، أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، وذلك مع اختلاف رأيهم في الخلفاء سواء مَن كفّرهم أو فسّقهم.
وكانت الرافضة تنتسب إلى شيعة عليّ زورًا وبهتانًا، ولم يُعرفوا بهذا الاسم إلا بعد حوارهم الشهير مع سيدنا زيد بن عليّ بن الحسين رضي الله عنه، لما أثنى على أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- رفضوا قوله فسُموا رافضة، ومَن وافقه سُموا زيدية، وتحولت الزيدية بعد ذلك وعادت للرفض أيضًا، وإن كانت بصورة مختلفة بعض الشيء، وهو رؤيتهم بأولوية عليّ في الخلافة وأنه هُضم حقه، ولذلك يُطلَق الرفض اليوم على كل طوائف الشيعة السابقة.
قال الإمام ابن تيمية: “قُتِلَ زَيْدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِالْكُوفَةِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، وَصُلِبَ عَلَى خَشَبَةٍ، وَكَانَ مِنْ أَفَاضِلِ أَهْلِ الْبَيْتِ، وَعُلَمَائِهِمْ، وَكَانَتِ الشِّيعَةُ تَنْتَحِلُهُ، قُلْتُ: وَمِنْ زَمَنِ خُرُوجِ زَيْدٍ افْتَرَقَتِ الشِّيعَةُ إِلَى رَافِضَةٍ، وَزَيْدِيَّةٍ، فَإِنَّهُ لَمَّا سُئِلَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، فَتَرَحَّمَ عَلَيْهِمَا رَفَضَهُ قَوْمٌ، فَقَالَ. لَهُمْ: رَفَضْتُمُونِي، فَسُمُّوا رَافِضَةً لِرَفْضِهِمْ إِيَّاهُ، وَسُمِّيَ مَنْ لَمْ يَرْفُضْهُ مِنَ الشِّيعَةِ زَيْدِيًّا، لِانْتِسَابِهِمْ إِلَيْهِ”.
والرافضة شر أهل الأرض بعد اليهود والنصارى، فهم الذين كفّروا وفسّقوا أصحاب النبي ﷺ، وخاضوا في عِرض الطاهرة المبرَّأة بنت الصديق رضي الله عنهما، مخالفين بذلك صريح القرآن الكريم الذي نزل ببراءتها، ولا شك أن مَن يفعل ذلك منهم عالمًا قاصدًا يكفر بالله عز وجل.
لا يحب آل البيت من كفّر بني أمية
كما أنه لا ينصر بني أمية من أبغض آل البيت، فلا يحب آل البيت من كفّر أو لعن بني أمية، والرافضة اليوم تلعن كل مَن كان من بني أمية، وهذا مخالف لشرع الله تعالى، فبنو أمية من المسلمين كغيرهم من الناس صحابيهم كالصحابة، وصالحوهم كالصالحين من غيرهم، والناس جميعًا سواسية لا فضل لأحدهم على الآخر إلا بالتقوى، غير أن آل البيت لهم فضل لابد أن يُذكَر، وهم مقدَّمون على غيرهم في حال تقواهم، وأما العصاة من آل البيت فلا مزيّة لهم وهم كبقية عصاة الأمة.
والخلاصة
إننا في زمن وجب فيه أن تتحد الأمة، ولا أقصد الوجوب الشرعي بالكتاب والسنة والإجماع، فهذا ثابت في كل زمان ومكان، ولكني أقصد وجوبًا واقعيًا بعد أن علت الأمم واستخدمت قوتها افتراء علينا جميعًا، فما أحوجنا اليوم أن نكون يدًا واحدة ضد الظلم والقهر الذي نعانيه! وما يحدث في غزة وسورية والسودان وغيرها ليس منا ببعيد، فهلا تركنا خلافاتنا جانبًا لنقيم سدًا منيعًا لأمتنا قبل انهيارها تمامًا، فكلنا والله مسؤولون عن هذه الأمة، وإن كنا قد أصبحنا كغثاء السيل إلا أننا نستطيع العودة لماضينا وأمجادنا إن أردنا.
فتعالوا بنا لا نفتخر إلا بما يوحدنا، ونترك كل فخر بما يبعث فينا داعي الفرقة، فلسنا نواصب ولا نحب النصب، وواجب علينا أن نمجد عصر أصحاب النبي ﷺ، وخاصة آل البيت منهم، فهذا سبيلنا وهذا ما أُمرنا به.
ولسنا روافض ولا نحب هذه البدعة الكُفرية، وواجب علينا أن نعظم أصحاب النبي ﷺ، كما عظمهم هو ورفع شأنهم في حياته وجعلهم مصابيح الهدى، وأمرنا أن نأخذ بسُنته وسُنة الخلفاء الراشدين من بعده، فعن عبد الرحمن بن عمرو السُّلميِّ وحُجرِ ابنِ حُجْرٍ، قالا: أتينا العرباضَ بن سارية -رضي الله عنه-، وهو مِمَّن نزل فيهم: ﴿وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ﴾ [التوبة: 92] فسلَّمنا وقلنا: أتيناكَ زَائِرِينَ وعَائدينَ ومُقتبسينَ. فقال العرباضُ: صَلَّى بنا رسولُ الله ﷺ ذات يوم، ثم أقبلَ علينا، فوَعَظَنا موعظةً بليغةَ ذَرَفَتْ منها العيونُ ووَجِلَت منها القلوبُ، فقال قائل: يا رسولَ الله كأنَ هذه موعظةُ مودعِّ فماذا تَعهدُ إلينا؟ قال: “أوصيكُم بتقوى الله والسمعِ والطَّاعةِ وإنْ عَبْداً حبشيَّاً، فإنَّه من يَعِشْ منكم بَعْدي فسَيَرى اختلافاً كثيراً، فعليكُم بسنَّتي وسُنَّةِ الخُلفاءِ، المَهديِّينَ الرَّاشدينَ، تَمَسَّكوا بها وعَضُّوا عليها بالنَّواجذِ، وإيَّاكم ومُحْدَثاتِ الأمورِ، فإن كُلَّ مُحدَثَةٍ بدْعَةٌ، وكل بدعَةٍ ضَلالةٌ.