
شهيدان ونسف منازل في خان يونس وعبسان والشجاعية
أكتوبر 27, 2025قليل من التاريخ
في شتاء سنة 1859-1860 وقعت حرب تِطَّاوِين “تطوان” بين المغاربة والإسبان وكانت ثاني كارثة تحصل بالمغرب الأقصى بعد حرب إسلي بين المغاربة والفرنسيين على الحدود مع الجزائر قرب مدينة وجدة سنة 1844، وكشفت هاتان الحربان العوار والضعف الكبير الذي أصبح عليه المغرب بعدما كان يثير الرعب في كيانات أوروبا كما يؤكد صاحب (الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى)، وخلال مقاومة المغاربة لهذه الهجمة الصليبية تعبأ الكثير من الناس من كل المناطق، ولكن الضعف العام للدولة والمجتمع وتضعضع الجبهة المغربية دفع بأحدهم وهو ينحدر من سهول عبدة (جنوبي مدينة آسفي اليوم) ليقول: “لماذا أحارب في تطوان؟ سأنتظر المحتل حتى يصل لخيمتي في عبدة”. وهي تبعد عن تطاوين بأكثر من 500 كلم.
لماذا نذكّر بهذا الفهم السمج والسقيم والبائس للواقع الحربي ولكُنه الصراع؟
نذكر بذلك لأن منطق هذا المقاتل البدوي “المتخاذل” -وقد يعذره جهله أو ضعفه فهو قد لبى النداء إلى مكان بعيد- أصبح هو نفسه منطق تفكير الحكام العرب والمسلمين وجنرالاتهم الجبناء. لقد انهزم المغاربة شر هزيمة في حرب تطوان ودفع المغرب غرامة مالية فلكية لضمان خروج العدو من تطوان، غرامة أوهنت وأرهقت ميزانيته وأدخلته في دوامة القروض وكبلته حتى دخل المستعمر مجدداً من باب الحماية سنة 1912م، ولا يزال المغرب مكبلاً بالديون إلى اليوم.
إن الذي يعتقد بأن حماية بلده أو اقتصاده أو مصالحه يقتضي منه التخلي عن فلسطين ومهادنة دولة يهود، يستند لنفس التفكير الذي أشرنا له أعلاه، وهو تفكير بائس وخاطئ بالمرة، فالعدو الكافر لن يتركك وشأنك، وتاريخنا المجيد والتليد مليء بالأمثلة والتجارب المريرة التي كان العدو يستأسد ويبالغ في سفك الدماء واحتلال الأراضي واغتصاب الثروات.
فتاريخ الاستخراب البرتغالي مثلاً في منطقة دكالة التي تقع غير بعيد إلى الشمال من منطقة عبدة حيث ينحدر مقاتلنا الذي بدأنا بحكايته هذا المقال، استأسد البرتغاليون واحتلوا مدينة الجديدة أو “مازاغان” لعقود من الزمن ومارسوا هواياتهم في القتل والسفك، ومما أورده المؤرخ أحمد بوشرب في عمله المعنون “دكالة والاستعمار البرتغالي إلى سنة إخلاء آسفي وأزمور 1481-1541″، يذكر بأن جنود “البرتقيز” أي البرتغاليون في لغة العامة، وأثناء الإغارة على تلك المناطق كانوا لا يتركون المرأة للتخلص من حُليها الذهبية أو الفضية (دمالج وخواتم وغيرها) لينهبوها بل كانوا يقطعون أيديها لتسريع العملية ونشر الرعب والبطش وسفك الدماء، ألا يذكركم ذلك بأفعال جيش الكيان في سرقة البيوت في غزة؟ إن الكفر ملة واحدة ولا تتغير أساليبهم أبداً؛ بل تتطور وتتكرر وتتوحش أكثر.
لكن أتدرون لماذا توحش البرتغال في دكالة أواخر القرن 15 ومطلع القرن 16؟
إنهم العملاء.. فالعدو ما كان ليكون له شيء لولا العملاء من بني جلدتنا، ثم التجزئة والصراعات السياسية والمناطقية، كذلك الأمر اليوم في غزة، ما كان للعدو أن يفتك بأجساد الأطفال والنساء ويقوم بعجنهم مع الإسمنت والحديد لولا التشرذم السياسي إلى 22 دويلة عربية وعشرات الدويلات التي صنعت للمسلمين بمشارق الأرض ومغاربها، ناهيك عن الأنظمة العميلة التي سكتت ومنعت حتى الشعوب من الحركة، لذلك وكما قام المغاربة في حربهم على الوجود البرتغالي في سواحل دكالة وغيرها عبر التخلص أولاً من عميل البرتغال يحيى أوتعفوفت، فإن مهمة الشعوب العربية هي إسقاط الحكام العملاء الجبناء وتوحيد الجغرافيا لصناعة التاريخ، وآنذاك سيعرف العدو معدن شعوب المنطقة وحقيقتهم. وإلى ذلك الحين فالوضع في رباط غزة اليوم ينذر بعقاب رباني عظيم سينزل أولاً على شعوب الطوق ويمتد لغيرها ولن يفلت أحد من المحيط إلى الخليج.
الفهم السقيم للصراع التاريخ له لفات: نفس الأخطاء ينتج عنها نفس الكوارث
فالذي يجعل الحكام العرب لا يتدخلون لإنهاء هذه المذبحة المروعة في حق أبناء غزة العزة، هو عمالتهم من جهة وجبن وضعف بعضهم الآخر، وكلا الأمرين يجدون له مبررات سخيفة، مثل أنهم غير مسؤولين والفلسطينيون لم يستشيروهم، وكأنهم يستحقون الاستشارة وهم دمى عند من يذبح الفلسطيني، ولا طاقة لهم بالعدو بينما يراكمون الأموال والأسلحة التي يمكن لبائعها التحكم فيها عن بعد، ناهيك عن تآمرهم على بعضهم البعض.
لكن المنجز البطولي لأهالينا في غزة وصمودهم لسنتين بينما الأعراب كانوا ينهزمون في أيام وساعات وليس حتى أشهر، أصبح يزعج الحكام أكثر؛ فمنهم من يريد التخلص من نموذج المقاومة الفلسطينية مخافة اقتداء الشعوب بها وإسقاط جبابرة المنطقة، ومنهم من يقول ما لا يفعل ويجعجع كثيراً ولكن الفعل غائب بحجج سخيفة، لكن كلهم ألسنتهم سليطة على بعضهم البعض وهذا ما يكشف عمالتهم وخياناتهم متعددة الأبعاد.
لمن يعتقد أنه بالنأي عن المشكل الفلسطيني وتركهم يواجهون مصيرهم الصعب أمام الكيان الغاشم سيحمي مملكته أو جُملكيته (جمهورية-ملكية) أو إقطاعيته أو حتى منصبه.. أقول: بئس القرار قرارك، ألم تتحالف ممالك الأندلس القبلية والطائفية مع العدو الصليبي ضد بعضها البعض وبقي يلتهمها الواحدة تلوى الأخرى حتى انتهى بهم جميعاً وطردهم وأرغم ثلثهم على الأقل على التمسح والتحول للدين الصليبي؟
إن الذي تهربون منه بارز إلى مضاجعكم، أي مواجهة العدو، فكلكم ستُقصفون، وكلكم ستُهجر شعوبكم ونساؤكم وأطفالكم، فمن يخذل غزة اليوم سيستساغ طعمه غداً، وإن غداً لناظره لقريب، بله أيها الحاكم العربي ويا أيها المسلم أينما كنت أن تعتقد أنك أهم من أشاوس غزة، وإن اعتبرت أطفالك ونساءك أهم من أطفال ونساء غزة، فإني أذكرك بأن أسرتك ستواجه ذات المصير وشعبك النائم المنوم سيناله ما نال أهلنا في غزة، ما لم تتحرك للمواجهة ولردّ الصاع صاعين للعدو الكافر.
مدنكم أيضاً ستُدك، إما من العدو الصهيو-غربي، أو من خلال فتنة تسليط الله لبعضكم على بعض، وما السودان وما يجري فيه منكم ببعيد، وهو الطلب الذي طلبه نبينا ﷺ ولم يستجب له رب العالمين. وقد يؤلب الله عليكم شعوبكم لتغيير أنظمتكم الرخيصة؛ فما فائدتكم لهذه الأمة وأنتم رأس الحربة في المشروع الغربي لتهويد عقائد الأمة والسيطرة على دينها بعدما سيطر الغرب على مقدرتها من غاز وبترول وثروات؟ بالله عليكم ما فائدتكم؟ تدفعون الجزية صاغرين وإذا قصفكم العدو تخاذلتم بميوعة وخسة، وإبادة غزة وصلت لكل أقاصي الأرض وأنتم ترفلون في النعيم، فانتظروا!
ما العمل؟
أيها الحكام عليكم بتطهير قصوركم وجيوشكم ومؤسساتكم من الجواسيس والخدم الذين تركتهم لكم بريطانيا وأمريكا وفرنسا، وإلا من حق الشعوب كنسكم كنساً إلى قاع البحر، فلا خير يُرجى ممن يحيط به جيش من المستشارين والعملاء من أجناس الغرب، كلهم عيون للكيانات الصهيو-غربية عليكم وعلى شعوبكم.
هل أنا أحمق؟ أنا غبي أأطلب هذا من العملاء والحكام الذين بينوا للمرة الألف أنهم مع العدو وضد شعوبهم؟
أيتها الشعوب لكم الكلمة والحركة ولم يتبقَّ لحكامكم شيء لتعولوا عليه؛ فقد برهنوا أكثر من مرة أنهم منهم وليسوا منكم أبداً، وهذه حقيقة منذ أكثر من قرن من الزمان ودليلها تشبثهم المرضي بكراسيهم النتنة.
أيتها الشعوب التي لا تزال تعتقد بإسلامها خيراً، عليكم الانتظام في لجان شعبية غايتها الكفاح المستمر ضد الأنظمة العميلة التي تَجْهزُ على آخر ما تبقى من دين الأمة وكرامتها..
وعليكم إحياء قبائلكم وعشائركم كأدوات للحماية والتعاضد فهي البنى الطبيعية لاتخاذ القرار المحلي..
ولا تقبلوا أي أجنبي لا تعرفون خلفياته الحقيقية ما لم تخضعوه للاختبار الصارم والمراقبة الدقيقة واللصيقة، ولا تضعوه أبداً في مفاصلكم ولا حيث يُتّخَذ القرار..
كما يجب تعبئة مواردكم الشحيحة والرفع من أفق أحلامكم وتطلعاتكم؛ فلا أحد يستطيع الانتصار عليكم، إن تنصروا الله ينصركم، أما إن حركتكم أهواؤكم وأطماع الرياسة فالصراع والاختلاف سيدب فيكم وتفشل ريحكم، عليكم بإخلاص النية لله عز وجل!




