
الحج توحيد ووحدة
يونيو 16, 2025
الحَج يهدم ما قبله
يونيو 16, 2025بقلم: د. خالد أبو شادي – فك الله أسره
إن فاتك الحج هذا العام فما حُرمت الاصطفاء؛ بل لا زال الباب مفتوحاً بين يديك يدعوك لتنال مثل أجر الحجيج، وإن فاتك الطواف بالبيت والوقوف بعرفة بين يديك فرص سانحة تنافس بها الحجيج، وتزاحم أكتافهم على كنوز الثواب ومواضع القرب من رب وهّاب، ولتذكر غيرتك أيها العربي التي تأبى عليك أن يسبقك غيرك، وهو سبق ليس كأي سبق، وتنافس على الوصول إلى شاطئ المغفرة وتبييض صحائف الأوزار الزاخرة.
هجمة المعصية وعصف الأهواء بالقلوب وغزو الحرام العارم أفقد كثيراً من القلوب إحساسها بروعة النور وإشراقة الهدى، فإذا البصائر معتمة، والفطَر السليمة تحتضر!! حتى زارت مواسم الخيرات وأيام البركات، فمنحت المحرومين بارقة أمل، وانتشلتهم من مصائد الشيطان ودياجير الظلمة.
لا تضاعف خسارتك اليوم مرتين: مرة حين فاتك الحج، ومرة حين أغلقت الباب في وجه ما بعث الله لك من ثواب في هذه الأيام. واعلم أن الإمداد في الأجل ما هو في حقيقته إلا إشراقة أمل. وأن اللحظة الواحدة قد تكون سببًا في تحولك من الجحيم إلى النعيم، وأن من لم يعلم قدر نعمة الله عليه حُرمها ولابد.
فاطرح عنك اليوم راحة البدن وإن كانت أحلى فإنها علامة الذل، وادخر راحتك لقبرك! واهجر العجز والكسل وإن كانا أروح للجسد فإنهما قاتلان محترفان لقلبك! واعلم أن نفسك إن لم تشغلها شغلتك، وأنه لن ينفعك غير أن تُحوّل الكلمات المقروءة إلى أعمال ملموسة، فالعبرة بما يثقل الميزان لا بما ينطق اللسان، وعندها فحسب يطيب لي أن أهنئك.. فأقول لك كما أقول لكل حاج: حج مبرور وذنب مغفور والموعد الجنة.
ذكر الله
تجارة رابحة
قال تعالى: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ﴾ [الحج: 28]. قال ابن عباس في تفسيرها: “أيام العشر”.
قال رسول الله ﷺ: “ما من أيام أعظم عند الله سبحانه ولا أحب إليه العمل فيهنّ من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد”.
ألا أدلكم؟
الباقيات الصالحات: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.
غراس الجنة: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم.
التكبير المطلق: وهو في أي وقت وفي أي مكان، في أيام العشر وأيام التشريق.
التكبير المقيد عقب الصلوات المكتوبات، ويبدأ من فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق، وهو الثالث عشر من ذي الحجة، أي ٢٣ صلاة. وصيغة التكبير: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أذكار الأحوال: عند الاستيقاظ.. الخروج من المنزل.. الخلاء.. الطعام… النوم.. ركوب السيارة.
أعظم أجراً
الإكثار منه: ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ﴾.
الذكر في الغافلين: ذكر في ساعة غفلة من الناس.. في الأسواق.. في الطرقات..
الذكر الخفي: من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: “ورجلٌ ذَكَر الله خالياً ففاضت عيناه”.
الذكر الدائم: المداومة على الذكر لها أجر عظيم. قال رسول الله ﷺ: “مَن قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت”.
سنة مهجورة: كان ﷺ إذا صعد كبّر وإذا نزل سبّح.
وقالوا في الحكمة من ذلك: إذا صعد الإنسان دب إليه الكِبر، فحين يعلم أن الله أكبر يتواضع، وإذا نزل سبح، لينزه الله عن كل ما لا يليق به.
حج من بيتك
رُوي عن رسول الله ﷺ: “إن الله يقول: إن عبداً أصححت له جسمه ووسعت عليه في المعيشة، تمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إليّ لمحروم”.
هل اشتقت إلى لقائه وزيارته في بيته؟ هل سبق ودعوت الله أن يمنّ عليك بحج أو بعمرة؟! والله ما صدق عزم امرئ ولا قويت إرادته إلا وحقق الله له ما أراد، ولكن الهمم تحتاج إلى ترميم! لو اشتد الشوق عند مَن فاته الحج هذا العام، وتمنّى بقلبه ما فاته بجسده فلعله أدرك ثواب الحاج ولعله سبقه، ولهذا قيل: نية المرء خير من عمله.
الصيام
تجارة رابحة
عن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي ﷺ قالت: كان رسول الله ﷺ يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر”.
وسُئل رسول الله ﷺ عن صوم يوم عرفة فقال: “يكفر السنة الماضية والسنة القابلة”.
وهذا لمن لم يحج؛ لنهيه ﷺ عن صوم يوم عرفة بعرفات.
وقد قال في فضل صيام التطوع: “مَن صام يوماً في سبيل الله باعد الله منه النار سبعين خريفاً”.
وهذا في عموم الصيام، فكيف إذا كان في مثل هذا الزمان المبارك؟!
ألا أدلكم؟
صيام ما استطعت من أيام التسع وخاصة صيام يوم عرفة.
أعظم أجراً!
إخفاؤه: وهو أقرب إلى الإخلاص. إعلانه: إذا أمِن العبد الرياء وكان دافعاً غيره إلى الاقتداء.
صوم الجوارح: مَن صامت جوارحه نجا بصيامه ونال ثواب صومه كاملاً، ومن خدش صيامه انتقص من أجره بحسب معصيته.
الاحتساب أجرِ على قلبك نوايا عديدة لصيام اليوم الواحد:
الاقتداء بنبيك.
تقوية إرادتك.
قهر شهوتك.
إغاظة شيطانك.
مشاركة الحجيج ثوابهم.
سنة مهجورة
النوم على وضوء، قال ﷺ: “مَن بات طاهراً بات في شعاره ملِك فلم يستيقظ من نومه إلا قال الملك: اللهم اغفر لعبدك فلان فإنه بات طاهراً”.
حج من بيتك
التلبية:
شعار الحاج منذ إحرامه إلى أن يرمي جمرة العقبة ويحلق: لبيك اللهم لبيك. والتلبية قيل إنها مأخوذة من لُب الشيء وهو خالصه، ومنه لب الطعام، ولب الرجل: عقله وقلبه، ومعناه: أخلصت عملي وقلبي لك، وجعلت لك لبي وخالصتي. والتلبية نوع من أنواع التربية العملية للإنسان المسلم لترسّخ في وجدانه سرعة تلبيته لله رب العالمين، ليس في الحج فحسب بل حتى بعد أن يعود الحاج إلى بلده.
الدعاء
تجارة رابحة
قال رسول الله ﷺ: “أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة”. وقال ﷺ: “أفضل ما قلت أنا والنبيون عشية عرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير”. وقال ﷺ: “ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة”.
ألا أدلكم؟
الدعاء عقب الصلوات المكتوبات.
قبل الإفطار وقبيل المغرب.
خصص يوم عرفة بدعاء طويل خاشع، فهو أفضل الدعاء.
عقب الأذان.
دعاء الأسحار.
أعظم أجراً
الدعاء بالمأثور:
لأنه أعظم أجراً وأبلغ في البيان، وأقرب إلى الإجابة، فإنه أوتي جوامع الكلم، وجمع معاني كثيرة في كلمات قليلة، ومن أمثلة هذه الأدعية وهي كثيرة قوله ﷺ:
اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغِنى.
اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشرّ كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم، اللهم إني أسألك من خير ما سألك عبدك ونبيك، وأعوذ بك من شر ما عاذ به عبدك ونبيك، اللهم أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل.
دعاء السَّحَر: لتنزل الله فيه تنزلاً يليق بمقامه منادياً: “هل من داعٍ فأستجيب له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟” حتى يطلع الفجر.
مهّد لدعائك بعمل صالح من صدقة أو صلاة.
وسع الدائرة: ادعُ للمسلمين المستضعفين والمحرومين والمبتلين والمأسورين والمرضى.
سنة مهجورة
سجود الشكر: قال ابن القيم: “وكان من هديه ﷺ وهدي أصحابه سجود الشكر عند تجدد نعمة تسر، أو اندفاع نقمة”.
ولا يشترط لها الطهارة واستقبال القبلة مع استحبابهما.
حج من بيتك
الطواف.. لماذا عكس عقارب الساعة؟! كأنه طواف باتجاه الماضي، مستحضراً ذكريات النبي ﷺ وصراعه الطويل مع الباطل، ومقدراً تضحياته العظيمة لتصلك الرسالة نقية جلية وأنت على فراشك! إنها كذلك رحلة في ماضي كل حاج ليقف على أخطائه ويحدد مواطن الخلل في تاريخه، فيرجع من حجه لصناعة مستقبل أفضل مستفيداً من زلّات الماضي وعثرات العمر، لتكون الخطوات القادمة أرسخ وأقوم وأرضى لله وأتقى.
الصدقة
تجارة رابحة
عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف رضي الله عنه قال: كنا يوماً في المسجد جلوساً ونفر من المهاجرين والأنصار، فأرسلنا رجلاً إلى عائشة رضي الله عنها ليستأذن، فدخلنا عليها قالت: دخل عليّ سائل مرة، وعندي رسول الله ﷺ فأمرت له بشيء، ثم دعوت به فنظرت إليه (أي لتنظر ماذا أخذ)، فقال رسول الله ﷺ: “أما تريدين أن لا يدخل بيتك شيء ولا يخرج إلا بعلمك؟” قلت: نعم، قال: “مهلاً يا عائشة، لا تُحصي، فيحصي الله عز وجل عليك”.
أي: لا تُحصي ما تتصدقين به، فيحصي الله ما يعطيك.
ألا أدلكم؟
كفالة الأيتام.
علاج المرضى والتبرع للمستشفيات.
دعم غزة وأهل الرباط في فلسطين.
الإنفاق على الأقارب المحتاجين.
القرض الحسن: إقراض المحتاج؛ لقول النبي ﷺ: “من أنظر معسراً فله بكل يوم مثله صدقة قبل أن يحل الدَّين، فإذا حلّ الدَّين فأنظره فله بكل يوم مثليه صدقة”.
أعظم أجرا
ثلاثية المعروف.. لا يتم المعروف إلا بثلاث:
بتصغيره: عدم الإعجاب به والتفاخر بين الناس.
وستره: إخفائه لقرب ذلك من الإخلاص والبراءة من مدح الناس.
وتعجيله: عدم تأخيره والتسويف به.
كان حكيم بن حزام رضي الله عنه يقف بعرفة ومعه مائة ناقة ومائة رقبة، فيتصدق بها يبغي بها أن يعتق الله رقبته من النار، فضج الناس بالبكاء والدعاء وقالوا: ربنا.. هذا عبدك قد أعتق عبيده ونحن عبيدك فأعتقنا!
سنة مهجورة
صلاة ركعتين عند الجدال: قال رسول الله ﷺ: “تكفير كل لِحاء ركعتان”. ومعنى اللحاء: أي المنازعة.
من شعائر الحج..
الحلق: وكأنك تزيل عنك كل ما يذكرك بالماضي لتفتح صفحة جديدة مع الله، وهو تفاؤل بحط السيئات، وانسلاخ من حياة الإثم، وتوبة مما مضى، وعزم على إصلاح ما بقي، وليس الحلق محواً للسيئات فحسب بل ربحاً للحسنات…
وتذكر عند الحلق أنك طأطأت رأسك لتحلق شعرك معلناً أنك راضٍ بفعل كل شيء يرضي ربك، وأنك أسلمت ناصيتك له ليس الآن فحسب بل وفي كل وقت وحين.
اتقاء المحارم
تجارة رابحة
قال الله تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: 63]، وقال تعالى: ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ﴾ [آل عمران: 28].
وقال رسول الله ﷺ: “اتقِ المحارم تكُن أعبد الناس”.
وقال ﷺ: “إن الله يَغار، وإن المؤمن يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم عليه”.
والغيرة خوف على المحبوب أن يشاركني فيه غيري، وغيرة الله أن لا يرضى بمشاركة الغير معه فيما هو حق له تعالى من طاعة العبد وحبه له، ومنها: أن يغار الله أن ينتهك عبدٌ محارمه، ومنها: غيرته على عبده الصالح أن يهبط عما ارتقى إليه من حال شريفة معه، ومنها أن يغار أن يقدم العبد على محبة الله محبة غيره
ألا أدلكم؟
غض البصر؛ فلا نظر إلى عورة مصورة أو متحركة.
عدم أكل الرشوة أو إعطائها.
عدم الوقوع في أعراض الناس وغِيبتهم.
مفارقة أماكن العصيان.
إنكار المنكر بالقلب إذا تعذر عليك مغادرة مكانه.
إتباع السيئة بالحسنة: قال ﷺ: “مَن حلَف فقال في حلفه باللات والعزى [وهذا يشمل كل حلف بغير الله] فليقُل: لا إله إلا الله، ومن قال لصاحبه: تعالَ أقامرك فليتصدق”.