
بيان من الهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ في الذكرى الثانية لمعركة طوفان الأقصى
أكتوبر 7, 2025
مَقامَةُ القَاماتِ في طُوفَانِ الأَقْصَى
أكتوبر 7, 2025الشيخ حسن الخطيب
عضو رابطة علماء فلسطين
قيل للحق: أين كنت عندما كان الباطل يبسط طغيانه في كل مكان؟ قال: كنت أجتثه من جذوره.
فما أهلك الله الباطل يوماً إلا وهو في أوج سطوته وطغيانه. ومنذ أن خلق الله الخلق والصراع قائم بين الحق والباطل، كما أن سُنَّة الله تقول إن الباطل لا تقوى شوكته إلا بضعف أهل الحق، فيشتد طغيانه وينشر باطله بكل ما يملك من قوة وقدرات وإمكانات، ليملأ الأرض فجوراً وضجيجاً بفساده بكل كبر استعلاء، أما أهل الحق رغم ضعفهم واستضعافهم، أقوياء بحقهم ومبادئهم وقيمهم، لا يملون ولا يكلون لهداية الناس وإصلاح ما اعوج منهم ومال: يعملون ليل نهار، ولا ترى لحركتهم أي صوت أو أثر، إلا إذا استشرى الباطل، فإنهم يصدحون به عالياً، وسترى حينها أثرهم واضحاً وجلياً.
إرهاصات الطوفان والسنن الإلهية في نهاية دولة الطغيان
سنة الله ماضية في الحضارات والدول ذات المبادئ والقيم، أنها لا تنهار ولا تسقط، إلا إذا تخلى أهلها عن مبادئهم، وتهاونوا في القيم التي ترعرع أجدادهم عليها، وحافظوا على مكتسباتهم وقوتهم من خلالها، ففي هذه الحالة يشتد بطش الظالمين، وأما استدامة ظلمهم مرهون بقوة الحق وضعفه، وبتجاوز حد الظلم، ليهلكهم الله به، قال الله تعالى: ﴿وَتِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا﴾ [الكهف:٥٩].
فليس من عجيب القول أن يكون سبب سقوط دولة الخلافة الإسلامية، هو نفسه سبب قيام دولة العدوان، وهذا ما سعى إليه الغرب الصليبي طيلة سنوات عمره في التآمر والمكر والخداع، لإضعافها ونشر الفساد فيها وتمزيقها، حقداً على الإسلام والمسلمين، لقد نشأت دولة الكفر والطغيان على أنقاض دولة الخلافة والإيمان، ليخلفها دويلات ولدت ضعيفة لا حول لها ولا قوة.
واستمرت في حالة ضعفها وتشرذمها، قريباً من ثمانين سنة، عصفت بها الأهواء، الذين جعلوا تبعيتهم لغير أمتهم وملتهم، لتظل منزوية عن واقعها وتاريخها، ويزداد بُعدها بُعداً عن واقع بطش وإجرام المحتل الصهيوني لسنوات طويلة، ﴿لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا﴾ [الأنفال:٤٢]، ويحق الله الحق، قال الله تعالى: ﴿وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ﴾ [الأنفال:٧].. وليمن الله على المستضعفين، قال الله تعالى: ﴿ونُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ [القصص:٥]، ويمكّن لهم، قال الله تعالى: ﴿وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ [القصص:٦].
فما بين حالة ضعف الأمة وهوانها وغفلتها، وقيام دولة الطغيان، نشأت حركة المقاومة الإسلامية حماس، من رحم الأرض المحتلة، ساعية بكل قوة وثبات ويقين بالله لسنوات طويلة من التربية الإيمانية والجهادية والإعداد والاستعداد، لتصل إلى يوم السابع من أكتوبر، لتكون أولى إرهاصات التحولات الجذرية في نهاية الدولة العبرية.
العلامات الفارقة في التحولات الجذرية لزوال الدولة العبرية
لقد كان يوم السابع من أكتوبر أعظم وأهم التحولات الجذرية والاستراتيجية في تاريخ الصراع مع أشد الناس عداوة للذين آمنوا، وذلك لأسباب:
أولاً: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾
إنها السُنَّة الماضية في الكافرين، تحالفهم وتعاضدهم وتعاونهم، رغم اختلاف مذاهبهم وأهوائهم، وتباين مواقفهم وآرائهم، فملة الكفر واحدة كما يقولون، وهذا يوافق قوله تعالى: ﴿بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾، فهم يتفقون في عداوتهم للمسلمين، فإذا استشعروا خطر الحق وأهله، جمعوا حشودهم، ليضربوا ضربتهم، كما فعل فرعون وملؤه، قال الله تعالى: ﴿قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ﴾ [الأعراف: ١١١]، ونفس الشيء فعله المشركون لقتل رسول الله ﷺ، قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [الأنفال:٣٠].
هاتان الحادثتان ليستا مقصورتين على الكافرين فحسب، بل والمنافقين والظالمين، قال الله تعالى: ﴿الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ﴾ [التوبة: ٦٧]، وفي الظالمين: ﴿وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ [الجاثية: ١٩].
لقد كان يوم السابع من أكتوبر كَكَيِّ الوعي الذي أيقظ ووحد سطوة الكفرة والمشركين والمنافقين، فتداعت قوى الظلم والنفاق، قادة ورؤساء حكومات ووزراء خارجية جميعهم وفي مقدمتهم أمريكا ودول أوروبا، في زيارات مكوكية دعماً ومساندة للكيان الصهيوني، ليمكروا مكرهم، قال الله تعالى: ﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾ [إبراهيم: ٤٦] حقدا وبقاء كبريائهم، قال الله تعالى: ﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: ٧٨].
وهذا ما قاله جورج بوش الأب في أول ساعات هجوم التحالف الثلاثيني على العراق ١٩٩٠م: “لن نسمح لأحد أن يؤثر في مستوى رفاهيتنا”.
ليكون هذا الولاء الذي خط بدايته فرعون بطغيانه، ورسم نهايته أشد الناس عداوة للذين آمنوا، مع أهل الصليب بحقدهم، ﴿لِّیَقۡضِیَ ٱللَّهُ أَمۡرࣰا كَانَ مَفۡعُولࣰا﴾.
ثانياً: سقوط نظرية الردع الصهيوني
لأول مرة ومنذ نشأت هذه الدولة الإجرامية التي حصنت نفسها بـ(نظرية الردع)، وهي عبارة عن أعمال إجرامية بوسائل قتالية متطورة، للقضاء على أي تهديد داخل وخارج حدودها، حاضراً ومستقبلاً، إنها نظرية البغي في منهج الطغيان، مهما بعدت عن حدودها، كفرنسا وجنوب إفريقيا ومالطا وأوغندا وغيرها، هَمُّهَا في المقام الأول قتل أي مخالف أو معارض إذا استشعرت خطره قبل أن يحاول والتخلص منه! كعلماء ومفكري الأمة.
وهذا ما فعلوه في الدول سالفة الذكر، لتبقى في مأمن من خطر متوقع أو قادم، كفعل فرعون للقضاء على أي وهم يتهدده مستقبلاً من خلال قتل أطفال بني إسرائيل كي لا تتحقق الرؤيا التي رآها، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [القصص:٤].
هذا الفعل الإجرامي لفرعون، ما منع أمر الله أن نهاية فرعون على يد موسى عليه السلام الذي نجا من محاولة قتله وهو صغير، بكلمة قالتها امرأة فرعون، قال الله تعالى: ﴿وَقَالَتِ ٱمۡرَأَتُ فِرۡعَوۡنَ قُرَّتُ عَیۡنࣲ لِّی وَلَكَۖ لَا تَقۡتُلُوهُ عَسَىٰۤ أَن یَنفَعَنَاۤ أَوۡ نَتَّخِذَهُۥ وَلَدࣰا وَهُمۡ لَا یَشۡعُرُونَ﴾ [القصص: ٩]، بل ويتربى في قصره وتحت رعايته.
إن نظرية الردع الصهيونية التي اعتمدها العدو لتكون خط دفاعه الأول، انهارت في سويعات قليلة في صباح يوم السابع من أكتوبر، والذي قلب كل الموازين والمعايير، ليس بقوة المقاومة، إنما بتدبير الله وإرادته، فمستحيل وألف ألف مستحيل أن عدة مئات من الرجال بعتاد قليل، وأسلحة خفيفة يقتحمون سبعة خطوط دفاعية محصنة بكل وسائل التكنولوجيا والدفاع المتطورة، يتم السيطرة عليها، وعلى مراكز قيادة وسيطرة، واعتلاء دبابات وقتل جنود وأسر آخرين ويغنمون آليات وأسلحة وأوراق غاية في الأهمية والسرية، ﴿لِّیَقۡضِیَ ٱللَّهُ أَمۡرࣰا كَانَ مَفۡعُولࣰا﴾.
ثالثاً: ردة فعل العدو وعموم المجرمين
مرت الساعات الأولى ليوم السابع من أكتوبر على العدو والعالم ثقيلة، وكأن على رؤوسهم الطير، ليستشعروا الخوف الوجودي على أنفسهم ودولتهم، فسارعت دولة الاحتلال برسالة استغاثة لأنصارها من الكفرة والظلمة والمنافقين، لتتحرك أميركا وكل حلفائها في أقل من ٤٨ ساعة، ويجتمع حلف الشيطان على عجل دون تحديد المكان ويتخذوا قرارهم بتكثيف ضرباتهم على غزة في كل مكان كالمجنون ليثبتوا بقاء هيبتهم، بتدمير غزة على رؤوس ساكنيها وحرقها وإبادتها في أقل من ثلاثة أسابيع.
إن هذا التداعي السريع للحلف الشيطاني ليس للقضاء على غزة فحسب بل للقضاء على كل من يرفع صوته مطالباً بحقه، أو كل مَن مُنع حقه، كما فعلوا مع لبنان وسوريا وإيران واليمن، ولتبقى هذه الدولة مستعلية بطغيانها على المنطقة دون رادع، وخوفاً من خطر قادم يتهدد وجودهم، مع تشغيل أبواق العدوان الخذلان، بدعايات تتساوق مع السردية الصهيونية رغم كذبها، والذي أثبتته المؤسسات الرسمية الغربية والأمريكية، مع توظيف كل كلمة لصالح العدو، لينخرط الجميع في حلف الشيطان ضد أهل الإيمان، لا ليسوغوا تقاعسهم وخذلانهم، بل ليبرروا للعدو عدوانه وأفعاله الإجرامية، ﴿لِّیَقۡضِیَ ٱللَّهُ أَمۡرࣰا كَانَ مَفۡعُولࣰا﴾.
رابعاً: الفشل يصاحب حربهم الإجرامية
لقد استخدم العدو وحلفاؤه في عدوانهم على غزة القوة المفرطة لتحقيق مرادهم في القضاء على أهل غزة، مستخدمين أحدث ما أنتجته تقنيات مصانعهم الحربية، لينطلقوا إلى المرحلة الثانية للسيطرة على المنطقة كلها، من خلال اتفاقيات أبراهام التي طرحها ترامب في صفقة القرن قبل عدة سنوات، لذلك كانوا حريصين أشد الحرص على التخلص من غزة ورجالها في أيام قليلة، بإلقاء أكثر من مائة وعشرين ألف طن من المتفجرات الذكية والغبية كما يقولون، حتى يرفع أهل غزة الراية، لكن المفاجأة أن تمر الثلاثة أسابيع والشهر، والسنة والسنتان، وتدخل السنة الثالثة، وأهل غزة كالجبال الراسيات لتفشل كل خططهم وأهدافهم بفضل الله الذي منّ على أهل غزة بالثبات والصمود، ومقارعة العدو بإثخان الجراح فيه، ﴿لِّیَقۡضِیَ ٱللَّهُ أَمۡرࣰا كَانَ مَفۡعُولࣰا﴾.
خامساً: قلة الأدب والكفر أول أسباب الهلاك
لقد انقلبت كل المعايير والمقاييس في يوم السابع من أكتوبر، على جميع المستويات والأصعدة، وأعربوا عن حنقهم بكل صلف وغرور بسرعة انتقامهم وحقارتهم وإظهار طبيعتهم القذرة، فقد صرح أكثر من مسؤول حكومي بكلمات نابية وكفرية على الملأ دون مواربة أو خجل:
“لا بد من قطع الغذاء والكهرباء والماء والوقود عن غزة، إن من نحاربهم حيوانات بشرية!” وزير الحرب.
“لا يوجد أبرياء في غزة”! رئيس الكيان.
“لا بد من إسقاط قنبلة نووية على قطاع غزة!” وزير التراث.
وأما رئيس وزرائهم، فيقول: “سنهزمهم حتى ولو قاتل معهم ربهم”!
هذه بعض مفرداتهم ووقاحتهم وقلة أدبهم وكفرهم، قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ﴾ [التوبة:٧٤]، وقال تعالى: ﴿يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِن ذَٰلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ﴾ [النساء: ١٥٣].
فكلماتهم التي انتقلت بين العالمين انتشار النار في الهشيم، وقد تم إدانة رئيس الوزراء ووزير حربه بتهمة الإبادة الجماعية، ﴿لِّیَقۡضِیَ ٱللَّهُ أَمۡرࣰا كَانَ مَفۡعُولࣰا﴾.
سادساً: مرحلة تكميم الأفواه وقتل الشهود
فمن أول أيام الحرب، قررت حكومة العدو منع دخول أي صحفي أجنبي إلى قطاع غزة، ليمارسوا هوايتهم في القتل والإجرام دون رقيب أو حسيب، وما كانوا ليتصوروا أن يقوم الصحفي الفلسطيني بتوثيق جرائم العدو بالصوت والصورة والتي ما استطاعوا أن ينكروها، لتخرج الصور المؤلمة والتي تهتز لهولها وبشاعتها الأرض وكل من عليها، لتُظهر حقيقة أعدائنا الكفرة قتلة الأنبياء والمصلحين وشهود الحقيقة، وعشرات الصحفيين الذين بلغوا حتى الآن مائتين وستة وأربعين صحافياً من أهل قطاع غزة، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [آل عمران: ٢١]، ﴿لِّیَقۡضِیَ ٱللَّهُ أَمۡرࣰا كَانَ مَفۡعُولࣰا﴾.
سابعاً: طول أمد الحرب وثبات الناس
لقد تبخرت كل أماني العدو ووعوده في القضاء على المقاومة وتهجير أهلها، حرباً أرادوها شهراً، وإذا بها تستمر سنتين كاملتين، وتدخل السنة الثالثة، وتفشل كل السيناريوهات والمخططات والوعود، فوقف الحرب بالنسبة للقتلة نهايتهم وسقوط حكومتهم وإعلان الهزيمة المدوية، والتي ستؤدي حتماً لزوال الدولة العبربة، لذلك قرروا استمرار وزيادة الضربات وحدّتها وعنفها وإجرامهم بقتل المدنيين، للضغط على المقاومة.
لكن ثبات الناس وصبرهم أذهل العالم الغربي قبل العربي والإسلامي، ليحدث التحول الجذري في الحراك الشعبي لديهم، مما اضطر حكومات الغرب باتخاذ إجراءات عقابية ضد أبناء شعوبهم الذين تظاهروا سلمياً فقط مطالبين بوقف الحرب، لتظهر حقيقة دعاوى هذه الدول الكاذبة بحرية الرأي والديمقراطية، ﴿لِّیَقۡضِیَ ٱللَّهُ أَمۡرࣰا كَانَ مَفۡعُولࣰا﴾.
ثامناً: طبيعة اليهود في الإجرام والبطش
يحكي لنا التاريخ أن اليهود اعتادوا الكذب والمخالفة والمكر والخداع والغدر، وارتكاب المعاصي والموبقات والسرقة والقتل والإجرام والشرك وأكل مال الناس بالباطل، هذا ونبي الله موسى عليه السلام معهم، واستمروا على هذا السلوك مع أنبيائهم حتى بعد موسى عليه السلام، وحتى مبعث نبينا ﷺ إلى الآن، بل إنهم يزدادون شراسة كلما قويت شوكتهم وضعف خصمهم (إن أمِنُوا العقوبة والحساب)، فقد مارسوا هواية الغدر والقتل مع أنبياء الله عليهم السلام، قال الله تعالى: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [النساء: ١٥٥].
ولم يكتفوا بقتل مَن أرادوا قتله، بل يتعدى الأمر إلى أبعد من ذلك، يقول الحاخام اليهودي مانيس فريدمان نقلاً عن التوراة المحرفة: “دمِّر أماكنهم المقدسة، واقتل رجالهم ونساءهم وأطفالهم ومواشيهم”، معللاً ذلك “بأنه الرادع الوحيد والحقيقي للتخلُّص من ثبات الفلسطينيين ومقاومتهم المستمرة”، وقد تم نشره في مجلة [مومنت Moment] الأمريكية، في عددها الصادر مايو/يونيو 2009م.
إن من يقتل الأنبياء بهذه الصفات التي ذكرها الله تعالى، لا يستغرب أقوال مثل هذا الحاقد وأفعال جيشه المجرم قبل السابع من أكتوبر، فكيف بعد السابع من أكتوبر، والتي ازدادت شراسة وإجراماً والتي تُرْجِمَت على أرض الواقع إبادة جماعية.
خاصة بعد عملية تبادل الأسرى التي حدثت في أواخر يناير ٢٠٢٥م. وأوائل فبراير من نفس السنة، عندما نقضوا اتفاقية التبادل، كما هي عادتهم، قال الله تعالى: ﴿أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [البقرة: ١٠٠]، وفرضوا حصاراً شاملاً أشد لتبدأ مرحلة الحصار الغذائي والتجويع ليحاربوا أهل غزة بمنع دخول المساعدات في حرب تجويع متعمدة، وتبدأ صور قتل المجوعين تنتشر في العالمين، إضافة إلى عشرات القتلى بالقصف والتدمير لكافة أشكال الحياة في غزة، ويزداد الإجرام والإبادة الجماعية ﴿لِّیَقۡضِیَ ٱللَّهُ أَمۡرࣰا كَانَ مَفۡعُولࣰا﴾.
تاسعاً: عدم تكافؤ القوى
حرب بهذه الشراسة وهذا العدوان والخذلان تستمر على مدينة صغيرة لا تملك أياً من مقومات القوة والصمود الطبيعي والعسكري والاقتصادي، فهي لا جبال فيها ولا كهوف ولا غابات، ولا تملك دبابات ولا طائرات، أو سفن وغواصات، محاصرة من جميع الجهات إلا باب السماء، ولا يوجد أي نوع من أنواع الدعم العربي والإسلامي، ومما زاد الأمر سوءاً أن يتم خذلانها من أبناء أمتنا وشعبنا، إنها لا تملك إلا رجالاً يحبون الله ورسوله ﷺ، يجيدون الوضوء والمحافظة على الصلوات والسنن وحفظ القرآن.
لنستبشر بنبوءة النبي ﷺ وقوله، “لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك”. قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: “ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس”.
﴿لِّیَقۡضِیَ ٱللَّهُ أَمۡرࣰا كَانَ مَفۡعُولࣰا﴾
ختاماً: عظيم فضل الله على أهل غزة
من أعظم نعم الله على العبد المؤمن أن يستعمله الله تعالى لإحقاق الحق وإزهاق الباطل.
لقد أعدّ الله أهل غزة لمثل هذا اليوم العظيم، أهل غزة الذين استقووا بربهم، رغم قسوة الظروف والحصار الذي يعيشونه، والمؤامرات التي تحاك ضدهم، رغم قلة العدة والعتاد، لكنهم يملكون قلوباً نقية تقية، قلوباً بفعلها قبل قولها تحب الله ورسوله ﷺ، قال الله تعالى: ﴿فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ [الفتح:١٨].
وليَمُنَّ عليهم بالإمامة، قال الله تعالى: ﴿ونُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ [القصص:٥]، والتمكين، قال الله تعالى، ﴿وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ [القصص: ٦].
إن فضل الله تعالى ورضاه وجنته ومَنُّهُ وتمكينه للأمة يا أهل غزة يستحق كل هذا الخوف والجوع والفقد والقلة والحرمان والخذلان، ولن يذهب تعبكم سدى: قال الله تعالى: ﴿وَلَـٰكِن لِّیَقۡضِیَ ٱللَّهُ أَمۡرࣰا كَانَ مَفۡعُولࣰا لِّیَهۡلِكَ مَنۡ هَلَكَ عَنۢ بَیِّنَةࣲ وَیَحۡیَىٰ مَنۡ حَیَّ عَنۢ بَیِّنَةࣲۗ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَسَمِیعٌ عَلِیمٌ﴾ [الأنفال: ٤٢].